ولفحاتها، وبقاءها طرية نديّة.. كلُّ ذلك وغيرُه صفعة قوية على أفواه الماديين عَبَدة الأسباب، وصرخة مدوية في وجوههم، تقول لهم: «إن ما تتباهَون به من صلابة وحرارة أيضا لا تعملان بنفسهما، بل تؤديان وظائفَهما بأمرِ آمرٍ واحدٍ، بحيث يجعل تلك العروق الدقيقة الرقيقة كأنها عصا موسى تشـق الصخور وتمتثل أمر ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ﴾ (البقرة: ٦٠) ويجعل تلك الأوراق الطرية الندية كأنها أعضاءُ إبراهيم عليه السلام تقرأ تجاه لفحةِ الحرارة:
﴿ يَا نَارُ كُون۪ي بَرْدًا وَسَلَامًا ﴾ (الأنبياء: ٦٩)».
فما دام كل شيء في الوجود يقول معنىً «بسم الله» ويجلب نِعَم الله باسم الله ويقدّمها إلينا، فعلينا أن نقول أيضا «بسم الله» ونعطي باسم الله ونأخذ باسم الله. وعلينا أيضا أن نردّ أيدي الغافلين الذين لم يعطوا باسم الله.
سؤال: إننا نبدي احتراما وتوقيرا لمن يكون سببا لنعمة علينا، فيا ترى ماذا يطلب منا ربنُّا الله صاحبُ تلك النِعم كلها ومالكُها الحقيقي؟
الجواب: إن ذلك المُنعم الحقيقي يطلب منّا ثلاثة أمور ثمنا لتلك النعم الغالية:
الأول: الذكر.. الثاني: الشكر.. الثالث: الفكر..
فـ «بسم الله» بدءا هي ذكر، و «الحمد لله» ختاما هي شكر، وما يتوسطهما هو فكر، أي التأمل في هذه النعم البديعة، والإدراك بأنها معجزةُ قدرةِ الأحد الصمد وهدايا رحمته الواسعة.. فهذا التأمل هو الفكر.
ولكن أليس الذي يُقبّل أقدامَ الجندي الخادم الذي يقدّم هديةَ السلطان يرتكب حماقةً فظيعة وبلاهة مشينة؟ إذن فما بال مَن يُثني على الأسباب المادية الجالبة للنِعم، ويخصصها بالحب والودّ دون المنعم الحقيقي! ألَا يكون مقترفا بلاهةً أشدَّ منها ألف مرة؟
فيا نفس!! إن كنت تأبَين أن تكوني مثل الأحمق الأبله، فأعطي باسم الله .. وخذي باسم الله.. وابدئي باسم الله.. واعملي باسم الله.. والسلام. 1
----------------------
-
ملاحظة: وضع الأستاذ المؤلف «المقام الثاني من اللمعة الرابعة عشرة» عقب هذه الكلمة الأولى لمناسبة المقام حيث يضم ستة من أسرار بسم الله الرحمن الرحيم . وسيجده القارئ الكريم في موضعه من كتاب «اللمعات»، فليراجع.