فما دام الأمر هكذا فتقلّدي اسمَ المالك الحقيقي لهذه الصحراء وحاكِمها الأبدي، لتَنجيَ من ذُلّ التسول أمام الكائنات ومهانةِ الخوف أمام الحادثات.
نعم، إن هذه الكلمة الطيبة «بسم الله» كنـز عظيم لا يفنى أبدا، إذ بها يرتبط «فقرُك» برحمة واسعة مطلقة أوسعَ من الكائنات، ويتعلق «عجزُك» بقدرة عظيمة مطلقة تمسك زمام الوجود من الذرات إلى المجرات، حتى إنه يصبح كلّ من عجزك وفقرك شفيعين مقبولَين لدى القدير الرحيم ذي الجلال.
إنّ الذي يتحرك ويسكُن ويُصبحُ ويُمسي بهذه الكلمة «بسم الله» كمَن انخرط في الجندية؛ يتصرف باسم الدولة ولا يخاف أحدا، حيث إنه يتكلم باسم القانون وباسم الدولة، فيُنجِز الأعمال ويَثبُت أمام كل شيء.
وقد ذكرنا في البداية أنّ جميعَ الموجودات تذكُر بلسان حالها اسمَ الله، أي أنها تقول: «بسم الله»، أهو كذلك؟
نعم، فكما لو رأيت أن أحدا يسوق الناسَ إلى صعيد واحد، ويُرغمهم على القيام بأعمال مختلفة، فإنك تتيقّن أن هذا الشخص لا يمثّل نفسَه ولا يسوق الناس باسمه وبقوته، وإنما هو جندي يتصرف باسم الدولة، ويستند إلى قوة سلطان.
فالموجودات أيضا تؤدي وظائفَها باسم الله. فالبذيرات المتناهية في الصغر تحمل فوق رؤوسها باسم الله أشجارا ضخمة وأثقالا هائلة. أيْ أن كل شجرة تقول «بسم الله» وتملأ أيديَها بثمرات من خزينة الرحمة الإلهية وتقدّمها إلينا. وكل بستان يقول «بسم الله» فيغدو مطبخا للقدرة الإلهية تنضج فيه أنواع من الأطعمة اللذيذة. وكل حيوان من الحيوانات ذات البركة والنفع -كالإبل والماعز والبقر- يقول «بسم الله» فيُصبح ينبوعا دفّاقا للّبن السائغ، فيقدّم إلينا باسم الرزاق ألطفَ مغذّ وأنظفَه. وجذورُ كل نبات وعشب تقول «بسم الله» وتشقُّ الصخور الصلدة باسم الله وتثقبها بشعيراتها الحريرية الرقيقة فيُسخَّر أمامَها باسم الله وباسم الرحمن كلُّ أمر صعب وكلُّ شيءٍ صلد.
نعم، إن انتشار الأغصان في الهواء وحملَها للأثمار، وتشعّبَ الجذور في الصخور الصماء، وخزنَها للغذاء في ظلمات التراب.. وكذا تحمّل الأوراق الخضراء شدةَ الحرارة