خاطبه صاحبُه:
«يا هذا.. اشتر بهذه الليرة الباقية لديك تذكرةَ سفر، فلا تضيّعها كذلك، فسيدُنا كريم رحيم، لعلّه يشملك برحمته وينالك عفوُه عما بدَر منك من تقصير، فيسمحوا لك بركوب الطائرة، ونبلغ معا محل إقامتنا في يوم واحد. فإن لم تفعل ما أقوله لك فستضطر إلى مواصلة السير شهرين كاملين في هذه المفازة مشيا على الأقدام، والجوعُ يفتك بك، والغربة تخيّم عليك وأنت وحيد شارد في هذه السفرة الطويلة».
تُرى لو عاند هذا الشخص، فصرف حتى تلك الليرة الباقية في سبيل شهوة عابرة، وقضاء لذة زائلة، بدلا من اقتناء تذكرة سفر هي بمثابة مفتاح كنـزٍ له. ألَا يعني ذلك أنه شقي خاسر، وأبله بليد حقا ؟ ألا يُدرك هذا أغبى إنسان؟
فيا من لا يؤدي الصلاة! ويا نفسي المتضايقة منها! إن ذلك الحاكمَ هو ربُّنا وخالقنا جلّ وعلا. أما ذلكما الخادمان المسافران، فأحدُهما هو المتديّن الذي يقيم الصلاة بشوق ويؤديها حق الأداء، والآخر هو الغافل التارك للصلاة. وأما تلك الليرات الذهبية «الأربعة والعشرون» فهي الأربع والعشرون ساعةً من كل يوم من أيام العمر. وأما ذلك البستان الخاص فهو الجنة. وأما تلك المحطة فهي القبر.وأما تلك السياحة والسفر الطويل فهي رحلة البشر السائرة نحو القبر والماضية إلى الحشر والمنطلقة إلى دار الخلود. فالسالكون لهذا الطريق الطويل يقطعونه على درجات متفاوتة، كلّ حسب عمله ومدى تقواه. فقسم من المتقين يقطعون في يوم واحد مسافةَ ألف سنة كأنهم البرق. وقسم منهم يقطعون في يوم واحد مسافة خمسين ألف سنة كأنهم الخيال. وقد أشار القرآن العظيم إلى هذه الحقيقة في آيتين كريمتين.