أما الرجل الثاني، فهو «المؤمن» الذي يعرف خالقَه حق المعرفة ويؤمن به. فالدنيا في نظره دارُ ذكر رحماني، وساحةُ تعليمٍ وتدريب البشر والحيوان، وميدانُ ابتلاءٍ واختبارٍ للإنس والجان. أما الوفيات كافة -من حيوان وإنسان- فهي إعفاء من الوظائف، وإنهاء من الخدمات. فالذين أنهوا وظائف حياتهم، يودِّعون هذه الدار الفانية وهم مسرورون معنويا، حيث إنّهم يُنقَلون إلى عالم آخر غير ذي قلق، خالٍ من أوضار المادة وأوصاب الزمان والمكان وصروف الدهر وطوارق الحدثان، لينفسح المجالُ واسعا لموظفين جُدد يأتون للسعي في مهامهم.
أما المواليد كافة -من حيوان وإنسان- فهي سَوقة تجنيدٍ عسكرية، وتسلُّمُ سلاح، وتسنّم وظائف وواجبات، فكل كائن إنما هو موظف وجندي مسرور، ومأمور مستقيم راضٍ قانع. وأما الأصوات المنبعثة والأصداء المرتدّة من أرجاء الدنيا فهي إما ذكر وتسبيح لتسنّم الوظائف والشروع فيها، أو شكر وتهليل إيذانا بالانتهاء منها، أو أنغام صادرة من شوق العمل وفرحته.
فالموجودات كلها -في نظر هذا المؤمن- خدّام مؤنسون، وموظفون أخلّاء، وكتب حلوة لسيده الكريم ومالكه الرحيم.
وهكذا يتجلى من إيمانه كثير جدا من أمثال هذه الحقائق التي هي في غاية اللطف والسمو واللذة والذوق. فالإيمان إذن يضم حقا بذرة معنوية منشقة من «طوبى الجنة». أما الكفر فإنه يخفي بذرة معنوية قد نفثته «زقومُ جهنم».
فالسلامة والأمان إذن لا وجود لهما إلّا في الإسلام والإيمان. فعلينا أن نردد دائما:
الحمد لله على دين الإسلام وكمال الإيمان.