أعدى عدوك نفسك
بسم الله الرحمن الرحيم
(ان النفس لأمّارة بالسوء) (يوسف: 53)
والحديث الشريف: (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك)(1).
قطرة نورية من كليات رسائل النورسي
أعدى عدوك نفسك.
نكتة من نكات الآية الكريمة: (ان النفس لأمّارة بالسوء)
نعم!ان الذي يحب نفسه الامارة بالسوء - غير المزّكاة - ويعجب بها، هو في الحقيقة لايحب أحداً غيرها، وحتى لو ابدى للغير حباً فلا يحبه من صميم قلبه، بل ربما يحبه لمنافعه، ولما يتوقع منه من متاع. فهو في محاولة دائمة لتحبيب نفسه للآخرين وفي سعي متواصل لأثارة اعجابهم به، يصرف كل قصورٍ عن نفسه فلا يحمّلها اي نقص كان، بل يدافع دفاع المحامي المخلص لإبراء ساحتها، ويمدحها بمبالغات بل بأكاذيب لينزّهها عن كل عيب او قصور، حتى يقربها الى التقديس، بل يبلغ به الامر ان يكون مصداق الآية الكريمة (من أتخذ ألهه هواه) (الفرقان:43) عندها تتوالى عليه صفعات هذه الآية الكريمة - حسب درجته - فينقلب مدحُه الى إعراض الناس عنه، ويتحول تحبيب نفسه اليهم الى استثقالهم له، فيجد عكس ما كان يروم، فضلاً عن أنه يضيّع الاخلاص، لما يخلط من رياء وتصنع في اعماله الأخروية، فيكون مغلوباً على أمره امام شهواته وهواه ومشاعره، تلك التي لاتبصر العقبى ولاتفكر في النتائج والمغرمة بالتلذذ الآني. بل قد تبرر له اهواؤه الضالة اموراً يرتكبها لاجل متعة لاتدوم ساعة يفضي به ان يلقى في السجن لسنة كاملة. وقد يقاسي عشر سنوات من الجزاء العادل لاجل تسكين روح الثأر لديه وشهوة الغرور التي لا تستغرق دقيقة واحدة. فيكون مثله كمثل ذلك الطفل الابله الذي لايقدر قيمة جزء المصحف الشريف الذي يتلوه ويدرسه فيبيعه بقطعة حلوى رخيصة، اذ يصرف حسناته التي هي اغلى من الالماس ويبدلها بما يشبه في تفاهتها قطع الزجاج، تلك هي حسياته وهواه وغروره. فيخسر خسارة جسيمة فيما كان ينبغي له ان يربح ربحاً عظيماً.
اللهم احفظنا من شر النفس والشيطان ومن شر الجن والانس.(*)
____________________
(1) اعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك«، رواه البيهقي في الزهد باسناد ضعيف وله شاهد من حديث أنس..والمشهور على الالسنة: اعدى عدوك..إهـ (كشف الخفاء 1/143) قال العراقي في تخريج الاحياء (كتاب عجائب القلب): اخرجه البيهقي في كتاب الزهد من حديث ابن عباس، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان احد الوضاعين.إهـ وقال الزبيدي في شرح الاحياء 7/206تعقيباً على العراقي: ووجدتُ بخط ابن حجر ما نصّه: وللحديث طرق اخرى غير هذه من حديث أنس.
(*) اللمعة الثامنة والعشرون - ص: 447