إلى سجن افيون

 

إلى سجن افيون

المدرسة اليوسفية الثالثة

28/1/1948 - 20/9/1949

إثارة التهم مرة أخرى:

لم يتمكن أعداء رسائل النور المتسترون أن يتحملوا تلك الفتوحات النورية، فنبهوا المسؤولين في الدولة ضدنا وأثاروهم علينا، فاصبحت الحياة -مرة أخرى- ثقيلة مضجرة، الاّ ان العناية الإلهية تجلت على حين غرة، حيث ان المسؤولين أنفسهم -وهم أحوج الناس إلى رسائل النور- بدأوا فعلاً بقراءة الرسائل المصادرة بشوق واهتمام، وذلك بحكم وظيفتهم. واستطاعت تلك الرسائل بفضل الله أن تليّن قلوبَهم وتجعلها تجنح إلى جانبها. فتوسعت بذلك دائرة مدارس النور، حيث أنهم بدأوا بتقديرها والإعجاب بها بدلاً من جرحها ونقدها. فأكسبتنا هذه النتيجة منافع جمة، إذ هي خير مائة مرة ممّا نحن فيه من الأضرار المادية، وأذهبت ما نعانيه من اضطراب وقلق. ولكن ما ان مرّت فترة وجيزة، حتى حوّل المنافقون -وهم الأعداء المتسترون- نظر الحكومة إلى شخصي أنا، ونبّهوا أذهانها إلى حياتي السياسية السابقة، فأثاروا الأوهام والشكوك، وبثوا المخاوف من حولي في صفوف دوائر العدل والمعارف (التربية) والأمن ووزارة الداخلية. ومما وسّع تلك المخاوف لديهم ما يجري من المشاحنات بين الأحزاب السياسية، وما أثاره الفوضويون و الإرهابيون -وهم واجهة الشيوعيين- حتى أن الحكومة قامت إثر ذلك بحملة توقيف وتضييق شديد علينا، وبمصادرة ما تمكنت من الحصول عليه من الرسائل، فتوقف نشاط طلاب النور وفعالياتهم.

وبالرغم من أن بعض الموظفين المسؤولين أشاعوا دعايات مغرضة عجيبة لجرح شخصيتي وذمّها -مما لا يمكن أن يصدّقها أحد- الاّ انهم باؤوا بالإخفاق الذريع، فلم يستطيعوا ان يقنعوا احداً بها. ومعذلك احالوني إلى الموقف لمدة يومين بحجج رخيصة تافهة جداً، ووضعوني في قاعة واسعة جداً وحيداً في تلك الأيام الشديدة البرد كالزمهرير، علماً أنني ما كنت أتحمل البرد في بيتي الاّ على مضض وكنت أقاومه بشدة بإشعال الموقد دائماً وبإشعال المدفأة عدة مرات يومياً، وذلك لما أعانيه من ضعف ومرض.(1)

((وتبدأ الاسطوانة نفسها من جديد، ويشاع في البلد ان النورسي يشكل جمعية سرية، ويحرض الناس على الحكومة محاولاً هدم نظام الدولة، ويطلق على مصطفى كمال انه دجال المسلمين.. وامثالها من الإشاعات والتهم، فيساق الأستاذ مع خمسة عشر طالباً للنور معه إلى محكمة الجزاء الكبرى لأفيون، كما جمع من الولايات عدد من طلاب النور فيكون مجموعهم ثمانية وأربعون طالباً مع الأستاذ ويودعون جميعاً إلى التوقيف في 23/1/1948.

وبعد إجراء التحقيقات الرسمية المشددة،لم يعثروا على مادة تدينهم قط.. ولكن المحكمة حكمت بقناعة الحاكم الوجدانية -أي دون الاعتماد على دليل- على الأستاذ النورسي عشرين شهراً وعلى عالم فاضل ثمانية أشهر لكل منهم، وعلى اثنين وعشرين طالبا ستة اشهر، واُفرج عن الباقين.(2)

اعترض الأستاذ وطلابه على هذه المعاملات الاعتباطية إلى محكمة التمييز، فأجابت بالآتي:

(لما كان بديع الزمان سعيد النورسي قد اصبح بريئاً من التهمة بقرار محكمة دنيزلي، فلا تؤخذ الدعوى المصدّقة من قبل التمييز مرة ثانية بالمحكمة، حتى لو كان قرار محكمة دنيزلي خطأً).

وعلى هذا بدأت المحكمة من جديد واستجوبت المتهمين الأبرياء . وطالب طلاب النور المحكمة بتنفيذ قرار محكمة التمييز، الاّ انها تماطلت.. وفي النهاية قررت تنفيذ قرار التمييز الاّ ان المحكمة ادّعت انها تكمّل بعض الأمور الرسمية الناقصة. بيد أن هذه الأمور الناقصة لم تنته إلى ان قضى الأستاذ وطلاب النور الأحكام الصادرة بحقهم رغم براءتهم.

وفي هذه الأثناء تولى سلطة البلاد الحزب الديمقراطي واعلن العفو العام واُغلقت القضية لانها ضمن شمولية قانون العفو العام.(3) ولكن هيئة المحكمة لم تبرئ ساحة (رسائل النور) بل استمرت في قرارها حول مصادرتها فقررت المصادرة مرتين ، لكن محكمة التمييز نقضت القرارين معاً. ثم اضطرت محكمة افيون إلى إقرار براءة (رسائل النور) وعدم مصادرتها. ولكن هذه المرة نقضت محكمة التمييز قرار محكمة آفيون لنقص في الأصول الرسمية وطلبت تدقيق رئاسة الشؤون الدينية للرسائل فقدّمت الرئاسة تقريراً ايجابياً بحقها .واستمرت المكاتبات الرسمية حتى سنة 1956فقررت محكمة افيون بالإجماع براءة (رسائل النور) استناداً إلى تقرير الخبراء المذكور. واصبح هذا القرار قراراً نهائياً قاطعاً. وبعد هذا القرار اصبح طبع (رسائل النور) مسموحاً به في كل مكان.

ولقد عانى الأستاذ النورسي في سجن افيون معاناة تفوق بكثير عما كان عليه في سجن دنيزلي، بل ان يوماً من سجن افيون يفوق شهراً من سجن دنيزلي من العذاب، إذ قاسى من اثر التسميم(4) ما قاسى حتى انقطع عن تناول الغذاء لأيام عدة، وكان وحيداً في ردهة كبيرة تسع ستين شخصاً في جو شديد البرد، ولم يسمحوا لأحد ان يخدمه او يعاونه وهو الشيخ الكبير. انهم كانوا ينتظرون اجله على هذه الصورة..))(5)

فبينما كنت أتقلب من شدة الحمّى المتولدة من البرد، أتململ من حالتي النفسية المتضايقة جداً، انكشفت في قلبي حقيقة عناية إلهية، ونُبّهت إلى ما يأتي:

إنك قد أطلقت على السجن اسم (المدرسة اليوسفية)، وقد وهب لك (سجن دنيزلى) من النتائج والفوائد أضعاف أضعاف ما أذاقكم من

الضيق والشدة، ومنحكم فرحاً شديداً وسروراً عظيماً وغنائم معنوية كثيرة، واستفادة المساجين معكم من رسائل النور، وقراءة رسائل النور في الأوساط الرسمية العليا وغيرها من الفوائد، حتى جعلتكم في شكر دائم مستمر بدل التشكي والضجر محوّلة كل ساعة من ساعات السجن والضيق إلى عشر ساعات من العبادة، فخلّدت تلك الساعات الفانية، فهذه المدرسة اليوسفية الثالثة كذلك ستعطي -بإذن الله- من الحرارة الكافية ما يدفىء هذا البرد الشديد، وستمنح من الفرح والبهجة ما يرفع هذا الضيق الثقيل، باستفادة أهل المصائب والبلاء معكم من رسائل النور ووجدانهم السلوان فيها. أما الذين غضبت واحتديت عليهم، فان كانوا من المغرّر بهم ومن المخدوعين فلا يستحقون الغضب والحدّة، إذ انهم يظلمونك دون قصد ولا علم ولا شعور.

وان كانوا يعذبونك ويشددون عليك الخناق وهم يقومون بهذا عن علم وعن حقد دفين إرضاء لأهل الضلالة فإنهم سيعذّبون عن قريب بالموت الذي يتصورونه إعداماً أبدياً، وسيرون الضيق الشديد الدائمي المقيم في السجن المنفرد وهو القبر. وأنت بدورك تكسب ثواباً عظيماً -نتيجة ظلمهم- وتظفر بخلود ساعاتك الفانية، وتغنم لذائذ روحية معنوية فضلاً عن قيامك بمهمتك العلمية والدينية بإخلاص.

هكذا ورد إلى روحي هذا المعنى فقلت بكل ما أوتيت من قوة: (الحمد لله). وأشفقت على أولئك الظَلَمة بحكم إنسانيتي ودعوت: يا ربّى أصلح شأن هؤلاء..

ولقد ثبتّ في إفادتي التي كتبتُها إلى وزارة الداخلية: ان هذه الحادثة الجديدة غير قانونية، وأثبتها بعشرة أوجه، بل ان هؤلاء الظلمة الذين يخرقون القانون باسم القانون هم المجرمون حقاً، حيث بدأوا بالبحث عن حجج واهية جداً وتتبعوا افتراءات مختلقة إلى حدّ ان جلبوا سخرية السامعين وابكت أهل الحق المنصفين، وأظهروا لأهل الإنصاف أنهم لا يجدون باسم القانون والحق أي مسوّغ للتعرض لرسائل النور ومسّ طلابها بسوء، فيزلّون إلى البلاهة والجنون ويتخبطون خبط عشواء.

مثال ذلك:

لم يجد الجواسيس الذين راقبونا لمدة شهر شيئاً علينا، لذا لفّقوا التقرير الآتي: (ان خادم) سعيد (قد اشترى له الخمر من حانوت). الاّ أنهم لم يجدوا أحداً يوقّع على هذا التقرير تصديقاً لهم، الاّ شخصاً غريباً وسكيراً في الوقت نفسه، فطلبوا منه -تحت الضغط والتهديد- ان يوقع مصدقاً على ذلك التقرير، فردّ عليهم: (استغفر الله من يستطيع أن يوقع -هذا التقرير- مصدقاً هذا الكذب العجيب!) فاضطروا إلى إتلاف التقرير.

مثال آخر:

لحاجتي الشديدة لاستنشاق الهواء النقي، ولما يُعلم من اعتلال صحتي، فقد أعارني شخص لا أعرفه -ولم أتعرف عليه لحدّ الآن- عربة ذات حصان، لأتنزه بها خارج البلدة فكنت اقضي ساعة او ساعتين في هذه النزهة. وكنت قد وعدت صاحب العربة والحصان بأن أوفي أجرتها كتباً تثمن بخمسين ليرة، لئلا أحيد عن قاعدتي التي اتخذتها لنفسي، ولئلا أظل تحت منّة أحد من الناس وأذاه.. فهل هناك احتمال لان ينجم ضرر ما من هذا العمل؟! غير أن دائرة الشرطة ودائرة العدل والأمن الداخلي وحتى المحافظ نفسه استفسروا بأكثر من خمسين مرة: لمنْ هذا الحصان؟ ولمن هذه العربة؟ وكأنه قد حدثت حادثة سياسية خطيرة للإخلال بالأمن والنظام! مما اضطر ان يتطوع أحد الأشخاص لقطع دابر هذه الاستفسارات السخيفة المتتالية فيدّعي أن الحصان ملكه، وادّعى آخر بان العربة له، فصدر الأمر بالقبض عليهما واودعا معي في السجن. فبمثل هذه النماذج أصبحنا من المتفرجين على لعب الصبيان ودُماهم، فبكينا ضاحكين وحزنّا ساخرين، وعرفنا أن كل من يتعرض لرسائل النور ولطلابها يصبح أضحوكة وموضع هزء وسخرية.

واليك محاورة لطيفة من تلك النماذج: لقد قلتُ للمدعي العام -قبل ان اطلّع على ما كتب في محضر اتهامي من الإخلال بالأمن- قلت له: لقد اغتبتك أمس، إذ قلت لأحد أفراد الشرطة الذي استجوبني نيابة عن مدير الأمن: (ليهلكني الله -ثلاث مرات- ان لم اكن قد خدمت الأمن العام لهذا البلد أكثر من ألف مدير أمن واكثر من ألف مدع عام..).

ثم إنني في الوقت الذي كنتُ في أمسّ الحاجة إلى الإخلاد إلى الراحة وعدم الاهتمام بهموم الدنيا والابتعاد نهائياً عن البرد، فان قيام هؤلاء بنفيي -في هذه الفترة من البرد بالذات- وتهجيري من مدينة لأخرى بما يفوق تحملي، ومن ثم توقيفي والتضييق علىّ بأكثر من طاقتي وبما يشعر أنه حقدٌ دفين وأمر متعمد مقصود..كل ذلك ولّد عندي غيظاً وامتعاضاً غير اعتيادي تجاه هؤلاء. ولكن العناية الإلهية أغاثتني فنبهت القلب إلى هذا المعنى:

ان للقدر الإلهي -الذي هو عدل محض- حصةً عظيمة جداً فيما يسلطه عليك هؤلاء البشر من الظلم البيّن، وان رزقك في السجن هو الذي دعاك إلى السجن، فينبغي اذاً ان تقابل هذه الحصة بالرضى والتسليم.

وان للحكمة الربانية ورحمتها حظاً وافراً ايضاً كفتح طريق النور والهداية إلى قلوب المساجين وبث السلوان والأمل فيهم، ومن ثم إحراز الثواب لكم؛ لذا ينبغي تقديم آلاف الحمد والشكر لله -من خلال الصبر- تجاه هذا الحظ العظيم.

وكذا فان لنفسك أنت ايضاً حصتها حيث ان لها ما لا تعرف من التقصيرات.. فينبغي مقابلة هذه الحصة ايضاً بالاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله وتأنيب النفس بأنها مستحقة لهذه الصفعة.

وكذا فان بعض الموظفين السذج والجبناء المنخدعين الذين يساقون إلى ذلك الظلم بدسائس الأعداء المتسترين منهم حصة ايضاً ونصيب، فرسائل النور قد ثأرت لك ثأراً كاملاً من هؤلاء المنافقين بما أنزلت بهم من صفعاتها المعنوية المدهشة. فحسبهم تلك الضربات.

أما الحصة الأخيرة فهي لأولئك الموظفين الذين هم وسائط فعلية. ولكن لكونهم منتفعين حتماً من جهة الإيمان -سواء أرادوا أم لم يريدوا- عند نظرهم إلى (رسائل النور) وقراءتهم لها بنيّة النقد او الجرح، فان العفو والتجاوز عنهم وفق دستور ﴿والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس﴾ هو شهامة ونجابة.

وبعد ان تلقيت هذا التنبيه والتحذير الذي كلّه حق وحقيقة قررت أن أظل صابراً وشاكراً جذلاً في هذه المدرسة اليوسفية الجديدة. بل قررت أن أعاقب نفسي بتقصير لا ضرر فيه فأساعد وأعاون حتى أولئك الذين يسيئون إلى ويخاصمونني ثم ان من كان مثلي في الخامسة والسبعين من عمره، وقد انقطعت علاقاته مع الدنيا ولم يبق من أحبابه في الدنيا الاّ خمسة من كل سبعين شخصاً، وتقوم سبعون ألف نسخة من (رسائل النور) بمهمته النورية بكل حرية، وله من الإخوان ومن الورثة مَن يؤدون وظيفة الإيمان بآلاف الألسنة بدلاً من لسان واحد.. فالقبر لمثلي اذاً خير وأفضل مائة مرّة من هذا السجن. فضلاً عن أن هذا السجن هو اكثر نفعاً واكثر راحة بمائة مرة من الحرية المقيدة في الخارج، ومن الحياة تحت تحكّم الآخرين وسيطرتهم؛ لان المرء يتحمل مضطراً مع مئات المساجين تحكماً من بعض المسؤولين؛ أمثال المدير ورئيس الحراس بحكم وظيفتهم، فيجد سلواناً وإكراماً أخوياً من أصدقاء كثيرين من حوله، بينما يتحمل وحده في الخارج سيطرة مئات الموظفين والمسؤولين.

وكذلك الرأفة الإسلامية والفطرة البشرية تسعيان بالرحمة للشيوخ ولاسيما من هم في هذه الحالة، فتبدلان مشقة السجن وعذابه إلى رحمة ايضاً.. لاجل كل ذلك فقد رضيت بالسجن..

وحينما قُدمت إلى هذه المحكمة الثالثة جلست على كرسي خارج باب المحكمة لما كنت أحسّ من النصب والضيق في الوقوف لشدة ضعفي وشيخوختي ومرضي. وفجأة أتى الحاكم وقال مغاضباً مع إهانة وتحقير: لِمَ لا ينتظر هذا واقفاً؟!

ففار الغضب في أعماقي على انعدام الرحمة للشيب، والتفتُّ واذا بجمع غفير من المسلمين قد احتشدوا حولنا ينظرون إلينا بعيون ملؤها الرأفة، وقلوب ملؤها الرحمة والاخوة، حتى لم يستطع أحد من صرفهم عن هذا التجمع، وهنا وردت إلى القلب هاتان الحقيقتان:

الأولى :ان اعدائي، وأعداء النور المتسترين قد اقنعوا بعض الموظفين الغافلين وساقوهم إلى مثل هذه المعاملات المهينة كي يحطموا شخصيتي امام أنظار الناس، ويصرفوا ما لا أرغبه أبداً من توجه الناس وإقبالهم علىّ، ظناً منهم أنهم يتمكنون بذلك من إقامة سدّ منيع امام سيل فتوحات النور. فتجاه تلك الإهانة الصادرة من رجل واحد فقد صرفت العناية الإلهية نظري إلى هؤلاء المائة إكراماً منها للخدمة الإيمانية التي تقدمها (رسائل النور) وطلابها قائلة: انظر إلى هؤلاء، فقد أتوا للترحيب بكم لخدمتكم تلك، بقلوب كلأي بالرأفة والحزن والإعجاب والارتباط الوثيق.

بل حتى في اليوم الثاني عندما كنت أجيب عن أسئلة حاكم التحقيق؛ إحتشد ألف من الناس في الساحة المقابلة لنوافذ المقر. كانت ملامح وجوههم تعبّر عن وضعهم، وتقول: (لاتضايقوا هؤلاء). ولشدة ارتباطهم بنا، عجزت الشرطة عن ان تفرقهم. وعند ذلك ورد إلى القلب:

ان هؤلاء الناس في هذا الوقت العصيب؛ ينشدون سلواناً كاملاً، ونوراً لاينطفئ، وايماناً راسخاً، وبشارة صادقة بالسعادة الأبدية، بل يبحثون عنها بفطرتهم، وقد طرق سمعَهم أن ما يبحثون عنه موجود فعلاً في (رسائل النور)، لذا يبدون هذا الاحترام والتقدير لشخصي -الذي لا أهمية له- بما يفوق طاقتي وحدي، من موقع كونى خادماً للإيمان، وعسى أن أكون قد قمت بشئ من الخدمة له.

الحقيقة الثانية:لقد ورد إلى القلب: انه حيال إهانتنا والاستخفاف بنا بحجة إخلالنا بالأمن العام، وازاء صرف إقبال الناس عنا بالمعاملات الدنيئة التي يقوم بها أشخاص معدودون من المغرر بهم.. فان هناك الترحيب الحار والقدر اللائق لكم من قبل أهل الحقيقة وأبناء الجيل القادم. نعم، في الوقت الذي تنشط الفوضى والإرهاب المتستّر بستار الشيوعية للإخلال بالأمن العام، فان طلاب (رسائل النور) يقفون بوجه ذلك الإفساد المرعب، في جميع أرجاء البلاد ويكسرون شوكته بقوة الإيمان التحقيقي، ويسعون حثيثاً لإحلال الأمن والنظام مكان الخوف والفوضى. فلم تظهر في العشرين سنة السابقة أية حادثة كانت حول إخلالهم بالأمن، رغم كثرة طلاب النور وانتشارهم في جميع أنحاء البلاد، فلم يجد ولم يسجل عليهم أحد من الضباط المسؤولين حدثاً، في عشر ولايات وعبر حوالي أربع محاكم ذات علاقة، بل لقد قال ضباط منصفون لثلاث ولايات: (ان طلاب النور ضباط معنويون للأمن في البلاد، انهم يساعدوننا في الحفاظ على الأمن والنظام لما يجعلون من فكر كل من يقرأ رسائل النور بالإيمان التحقيقي حارساً ورقيباً عليه فيسعون بذلك للحفاظ على الأمن العام.)(6)(*)

___________________________

(1) اللمعات/394-395

(2) في 6/ 12/ 1948

(3) واُخلي سبيلهم في 20/ 9/ 1949

(4) تكررت حادثة التسميم 3 مرات في سجن افيون وبهذا يبلغ عدد تسميم الأستاذ الى هذه الفترة 14 مرة.

(5) T.H.Afyon Hayatı

(6) اللمعات/395-400

(*) كليات رسائل النور- سيرة ذاتية ص:383 

 

قرئت 7 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد