اثبات التوحيد  الكلمة الخامسة   [ له الحمد ]

باسمه سبحانه

ايها المستخلف المبارك

(لا إله إلاّ الله، وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي، ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير، وإليه المصير)

 

بديع الزمان سعيد النورسي يشير باختصار الى اثبات التوحيد من حيث

الاسم الاعظم والجملة التي تلخص التوحيد فيتناولها كلمة كلمة

 

اثبات التوحيد  الكلمة الخامسة   [ له الحمد ]

اي: ان الكمالات التي هي سبب المدح والثناء، في الموجودات كافة، تخصّه وحده سبحانه ، ولهذا فالحمد ايضاً له وحده، فكل ماصدر وما يصدر من مدح وثناء من الازل الى الابد، وممن صدر وعلى مَن وقع، يخصُّه وحده. لأن كل ماهو سبب المدح والثناء من كمال وجمال ومن نعم وآلاء وكل ماهو مدار الحمد، هو لله تعالى، يخصه وحده.

نعم! ان ما يصعد اليه سبحانه دوماً من الموجودات جميعاً عبودية وتسبيح وسجود ودعاء وحمد وثناء، يصعد كلها الى تلك الحضرة المقدسة باستمرار. كما يفهم من الاشارات القرآنية. نشير الى برهان عظيم يثبت هذه الحقيقة التوحيدية:

عندما ننظر الى العالم نشاهده كبستان عظيم، سقفه مرصّع بالنجوم، وارضه زيّنت بموجودات جميلة زاهية.. فهذه الاجرام العلوية النورانية المنتظمة، والموجودات الارضية الحكيمة المزينة، في هذا البستان العظيم، كل منها يقول بلسانه الخاص، وجميعها تقول معاً:

نحن معجزات قدرة قدير جليل، نشهد على وحدانية خالق حكيم وصانع قدير.

وفي رياض العالم هذا ننظر الى الارض نرى انها كروضة نثرت فيها مئات الالاف من طوائف النباتات ذات الالوان الزاهية والاشكال الجميلة، وانتشرت فيها مئات الآلاف من انواع الحيوانات المتنوعة. فجميع تلك النباتات الزاهية والحيوانات المزينة في روضة الارض، تعلن بصورها المنتظمة وباشكالها الموزونة:

نحن معجزات صانع واحد حكيم وخوارقه وادلاء على وحدانيته وشهداء عليها.

وكذا ننظر الى قمم الاشجار في تلك الروضة البهية نرى أن ثمارها وازاهيرها مخلوقة بمنتهى العلم والحكمة وبغاية الكرم واللطف والجمال.. فكل تلك الثمرات والازاهير الجميلة تعلن باشكالها والوانها المتنوعة، بلسان واحد:

نحن معجزات هدايا رحمن ذي جمال، وخوارق عطايا رحيم ذي كمال.

فما في بستان العالم من اجرام وموجودات ومافي روضة الارض من نباتات وحيوانات، وما على قمم الاشجار من ازاهير وثمرات يشهد، بل يعلن بصوت عالٍ رفيع:

ان خالقنا ومصوّرنا ـ الذي أهدانا اليكم ـ القادر ذو الجمال والحكيم الكريم، قدير على كل شئ، لايصعب عليه شئ، لايخرج عن دائرة قدرته شئ قط. فالنجوم والذرات سواء بالنسبة الى قدرته، والكلي سهلٌ عليها كالجزئي، والجزء نفيس كالكل، واكبر شئ يسيرٌ عليه كأصغره، والصغير متقن الصنع كالكبير، وربما الصغير أبدع اتقاناً من الكبير. فجميع الوقوعات الماضية التي هي عجائب قدرته، تشهد ان ذلك القدير المطلق قادر على عجائب الإمكانات التي ستحدث في المستقبل. فكما ان الذي أتى بالامس قادر على إتيان الغد، فان ذلك القدير الذي انشأ الماضي قادر على ايجاد المستقبل ايضاً، وذلك الصانع الحكيم الذي خلق الدنيا قادر على خلق الآخرة.

نعم؛ كما ان ذلك القادر الجليل هو المعبود الحق، فالمحمود بالحق ايضاً انما هو وحده. وكما ان العبادة خاصة به وحده، فالحمد والثناء ايضاً يخصانه سبحانه.

فهل من الممكن ان الصانع الحكيم الذي خلق السموات والارض يترك هذا الانسان سدىً، وهو الذي خلقه اعظم نتيجة للسموات والارض واكمل ثمرات العالم؟ وهل يمكن ان يحيله الى الاسباب والمصادفات، فيقلب حكمته الباهرة عبثاً؟ حاشَ لله.. وكلا..

وهل يعقل ان الحكيم العليم الذي يرعى الشجرة، ويدبّر امورها بعناية ويربيها في منتهى الحكمة ان يهمل ثمرات تلك الشجرة التي هي غايتها وفائدتها ولايهتم بها، فتتشتت وتتفرق في ايدي السراق وايدي العبث، وتضيع؟ لاشك ان عدم الاهتمام هذا محال قطعاً، اذ الاهتمام بالشجرة انما هي لأجل ثمراتها.

وهكذا فان اكمل ثمرات هذا العالم ونتيجته ذات الشعور وغايته هو الانسان، فهل يمكن أن يعطي صانع هذا العالم الحكيم، الحمد والعبادة والشكر والمحبة التي هي ثمرة الثمار ذات الشعور الى غيره تعالى.. فيضيّع حكمته الباهرة وينزّلها الى دركة

العدم.. او يقلب قدرته المطلقة الى عجز.. او يحوّل علمه المحيط الى جهل؟ حاشَ لله وكلا.. الف الف مرة!

فهل من الممكن ان يصل الشكر والعبادة التي يقدّمها ذوو الشعور الذين هم مدار المقاصد الإلهية في بناء قصر الكون ولاسيما الانسان الذي هو افضلهم ازاء النعم التي نالوها، الى غير صانع قصر الكون وان يسمح ذلك الصانع الجليل ان يقدم الشكر والعبادة وهي غاية المقاصد، الى غيره تعالى؟

وهل من الممكن أن مَن يحبب نفسه الى ذوي الشعور بانواع نعمه التي لاتعد ولاتحصى، ويعّرف نفسه اليهم بما لايحد من معجزات صنعته ثم يدع شكرهم وعباداتهم وحمدهم ومحبتهم ومعرفتهم ورضاهم الى الاسباب والطبيعة، ولايهتم بها فيدفعهم الى انكار حكمته المطلقة ويهوّن من شأن سلطان ربوبيته وينزّلها الى دركة العدم؟ كلا حاشلله مائة الف مرة.

وهل يمكن أن يكون شريكاً من يعجز عن خلق الربيع وعن ايجاد الثمرات كلها وعن خلق ثمرة التفاح ـ المتحدة في العلامات ـ على الارض كافة..في الحمد مع المحمود المطلق سبحانه بأن يخلق تفاحة واحدة منها ويقدمها نعمةً الى احدهم، ويحصل على شكره؟ حاشَ لله وكلا..لأن الذي يخلق التفاحة الواحدة هو خالق ثمرة التفاح في العالم كله. اذ السكة واحدة والعلامة واحدة. ثم ان الذي خلق التفاح كله في العالم هو الذي اوجد الحبوب والثمرات التي هي محور الرزق. بمعنى: ان من ينعم اصغر نعمة جزئية على اصغر كائن حي جزئي، هو خالق العالم، وهو الرزاق الجليل لاغيره، لذا فالحمد والشكر يخصانه وحده. وان حقيقة العالم تقول دائماً بلسان الحق:

له الحمد من كل احدٍ من الازل الى الابد.(*)

__________________

(*) المكتوب العشرون - ص: 306

 

 

قرئت 10 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد