اثبات التوحيد  الكلمة السادسة   [ يحيي ]

باسمه سبحانه

ايها المستخلف المبارك

(لا إله إلاّ الله، وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي، ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير، وإليه المصير)

 

بديع الزمان سعيد النورسي يشير باختصار الى اثبات التوحيد من حيث الاسم الاعظم والجملة التي تلخص التوحيد فيتناولها كلمة كلمة

 

اثبات التوحيد  الكلمة السادسة   [ يحيي ]

اي انه هو الذي يهب الحياة، فهو اذن وحده خالق كل شئ، لان الحياة هي روح الكون ونوره وخميرته ونتيجته وخلاصته. فمن وهب الحياة واعطاها فهو خالق الكون جميعاً، وهو المحيي الحي القيوم. نشير الى برهان عظيم لمرتبة التوحيد هذه بالآتي:

اننا نشاهد خيماً منصوبة على ارجاء الارض كافة لجيش ذوي الحياة العظيم، ونشاهد ايضاً ان جيشاً حديثاً من جيوش لاتعد ولا تحصى للحي القيوم يأتي من عالم الغيب ويتسلم اعتدته وتجهيزاته كل ربيع.

فاذ نحن نتأمل هذا الجيش الضخم نرى ان طوائف النباتات تربو على مائتي ألف نوع، وامم الحيوانات تنوف على مائة ألف نوع من الانواع المختلفة. كل امة من هذه الامم، وكل طائفة منها تلبس ملابس خاصة بها، ولها ارزاقها المعينة، ولها تدريبات وتعليمات مخصوصة، ولها رُخص تخصها، ومزودة باسلحة واعتدة تلائمها، ومدة خدماتها العسكرية معينة، ولكن مع كل هذا الاختلاف والتباين فان قائداً أعظم بقدرته المطلقة وحكمته المطلقة وعلمه غير المحدود وارادته غير المحدودة ورحمته الواسعة وخزينته التي لا تنضب، لا ينسى جندياً قط، ولا يلتبس عليه شئ من أمرهم ولا يؤخر عنهم اي شئ يحتاجونه، بل كل طائفة من الطوائف والامم التي تزيد على ثلاثمائة ألف من الطوائف والامم يرسل اليها أرزاقها المتباينة وملابسها المختلفة واسلحتها المتغايرة، وتدرّب تدريبات متنوعة وتسرح من وظائفها في اوقات متخالفة، كل ذلك في انتظام كامل وبميزان تام وفي الوقت المناسب. يشاهد هذا كل ذي عين باصرة، ويدركه كل ذي قلب شهيد ادراكاً بعين اليقين، كما اثبتنا ذلك في كلمة اخرى. فهل من الممكن ان يتدخل ويكون له حصة في هذا الاحياء والادارة، وهذه التربية والاعاشة سوى صاحب علم محيط يحيط بكل ما يخص ذلك الجيش وبشؤونه كافة، وصاحب قدرة مطلقة تدير اموره بجميع لوازمه؟ حاش لله الف الف مرة.

اذ من المعلوم؛ انه اذا وجد في فوج واحد عشر امم مختلفة، فان تجهيز كل امة باعتدة مميزة، عسير بعشرة اضعاف تجهيـز الفوج كله بالاعتدة نفسها، ومن هنا يلجأ الانسان العاجز الى تجهيزهم بالملابس والاعتدة الموحدة. بينما الحي القيوم سبحانه يجهّز هذا الجيش العظيم الذي تربو طوائفه واممه على ثلاثمائة الـف طـائفة بتجـهـيزات حياتيـة متباينة الواحدة عن الأخرى، وبكل سهولة ويـسر، وبغـيـر عناء، وبانتظام كامل، وفي منتهى الحكمة. حتى يسوق كل فرد من افراد ذلك الجيش للقول بلسان حاله: "هو الذي يحيي" بل يجعل تلك الجماعة العظمى تتلو في مسجد الكون العظيم:

 (الله لا إله الاّ هوَ الحيُّ القيّوم لاتَأخُذهُ سِنةٌ ولانومٌ لهُ ما في السّموات وما في الارضِ مَن ذا الذي يَشفَعُ عندهُ إلاّ بإذنِهِ يعلمُ ما بينَ ايديهم وما خَلفَهُم ولايُحيطونَ بشَيءٍ من علمهِ الاّ بما شاءَ وسِعَ كُرسيُّهُ السّمواتِ والارض ولايَؤدُهُ حفظُهُما وهو العَليُّ العظيم) (البقرة :255)(*)

____________________

(*) المكتوب العشرون - ص: 308

 

قرئت 12 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد