الأشياء لا تمضي إلي العدم

 

 

باسمه سبحانه

ايها المستخلف المبارك 

ان الاشياء لاتمضي الى العدم، ولاتصير الى الفناء، بل تمضي من دائرة القدرة الى دائرة العلم، وتدخل من عالم الشهادة الى عالم الغيب، وتتوجه من عالم التغير والفناء الى عالم النور والبقاء، وان الجمال والكمال في الاشياء يعودان الى الاسماء الإلهية والى نقوشها وجلواتها من زاوية نظر الحقيقة.

وحيث ان تلك الاسماء باقية وتجلياتها دائمة، فلاشك أن نقوشها تتجدد وتتجمل وتتبدل، فلا تذهب الى العدم والفناء، بل تتبدل تعيناتها الاعتبارية. اما حقائقها وماهياتها وهوياتها المثالية التي هي مدار الحسن والجمال ومظهر الفيض والكمال فهي باقية فالحسن والجمال في الاشياء التي لاتملك روحاً يعودان الى الاسماء الإلهية مباشرة فالشرف لها والمدح والثناء لها. إذ الحسن حسنها والمحبة توجه اليها. ولايورث تبدل تلك المرايا ضرراً للاسماء.

وان كانت الاشياء من ذوي الارواح ولكن لم تكن من ذوي العقول، فان فراقها وزوالها ليس فناءً ولاعدماً بل ينجو الشئ الحي من وجود جسماني ومن اضطرابات وظائف الحياة، مودعاً ثمرات وظائفه التي كسبها الى روحه الباقية. فارواح هذه الاشياء تستند ايضاً الى اسماء الهية حسنى. فتدوم وتستمر، وتمضي الى سعادة ملائمة لها.

اما ان كان اولئك الاحياء من ذوي العقول، فانهم اصلاً يمضون الى سعادة ابدية والى عالم البقاء المؤسس على كمالات مادية ومعنوية.

لذا فان فراقهم وزوالهم ليس موتاً وعدماً ولازوالاً وفراقاً حقاً، بل هو وصال مع الكمالات وهو سياحة ممتعة الى عوالم نورانية للصانع الحكيم، عوالم اجمل من الدنيا وازهى منها كعالم البرزخ وعالم المثال وعالم الارواح والى ممالكه الاخرى من منازله سبحانه وتعالى.

حاصل الكلام: ان الله موجود وباق، وان صفاته سرمدية واسماءه دائمة، اذاً لابد أن تجليات تلك الاسماء ونقوشها تتجدد في بقاء معنوي فليس تخريباً ولافناءً ولا اعداماً وزوالاً. اذ من المعلوم ان الانسان ذو علاقة ـ من حيث الانسانية ـ مع اكثر الموجودات، فيتلذذ بسعادتها ويتألم بمصائبها، ولاسيما مع ذوي الحياة، وبخاصة مع الانسان وبالاخص مع من يحبهم ويعجب بهم ويحترمهم من اهل الكمال، فهو اشد تألماً بآلامهم واكثر سعادة بسعادتهم حتى يضحي بسعادته في سبيل اسعادهم كتضحية الوالدة الشفيقة بسعادتها وراحتها من اجل ولدها.

فكل مؤمن يستطيع ان يكون بنور القرآن والايمان سعيداً بسعادة جميع الموجودات وبقائها ونجاتها من العدم وصيرورتها مكاتيب ربانية ويغنم نوراً عظيماً بعظم الدنيا. فكلٌ يستفيد من هذا النور حسب درجته.

اما ان كان من اهل الضلال، فانه يتألم علاوة على آلامه بهلاك الموجودات وبفنائها وباعدامها الظاهري وبآلام ذوي الارواح منها. اي أن كفره يملأ دنياه بالعدم ويفرغها على رأسه، فيمضي الى جهنم (معنوية) قبل أن يساق الى جهنم (في الآخرة).(*)

 

______________

(*) المكتوب الرابع والعشرون - ص:371

 

قرئت 8 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد