الارهاصات النبوية

 

{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ } (الاعراف:157)

{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } (الصف:6)

الارهاصات النبوية

 اي الخوارق التي ظهرت قبل النبوة، وتُعدّ من دلائل النبوة، لعلاقتها بها،

وهي على ثلاثة اقسام:

القسم الاول

ما أخبرت به التوراة والانجيل والزبور وصحف الانبياء عليهم السلام عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

وهو ثابت بنص القرآن الكريم.

نعم، فما دامت تلك الكتب كتباً سماوية، واصحابها هم انبياء كرام عليهم السلام، فلابد ان اخبارها عمن سيضئ بالنور الذي يأتيه نصف المعمورة، وينسخ الاديان الاخرى، ويغيّر ملامح الكون، اقول لابد ان ذكرها لهذه الذات المباركة ضروري وقطعي. أفيمكن لتلك الكتب التي لا تهمل حوادث جزئية الاّ تذكر اعظم حادثة في تاريخ البشرية تلك هي حادثة البعثة المحمدية؟ واذا كان لابد لها أن تبحث عنها وتذكرها، فهي إما ستكذّبها كي تصون دينها وكتابها من النسخ والتخريب، أو ستصدّقها، أي تصدق ذلك النبي الحق كي تحافظ على دينها وكتابها من تسرب الخرافات وتسلل التحريفات، ولما كان الاصدقاء والاعداء متفقين على عدم وجود اية امارة في تلك الكتب للتكذيب مهما كانت، فهناك اذاً امارات التصديق. فما دام التصديق قائماً بصورة مطلقة، وان هناك علة قاطعة، وسبباً اساساً يقتضي وجود هذا التصديق، فنحن بدورنا سنثبت ذلك التصديق بثلاث حجج قاطعة تدل على وجوده:

الحجة الاولى:

ان الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم تلى عليهم آيات كريمة يتحداهم بها، وكأنه يقول لهم بلسان القرآن الكريم: ان كتبكم تصدّق ما تشتمل عليه شمائلي واوصافي وتصدّق ما ابلّغه للعالمين.

﴿قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين﴾ (آل عمران: 93) ﴿فَقُل تعالوا ندعُ ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لَعْنَتَ الله على الكاذبين﴾ (آل عمران: 61).

ومع هذا التحدي الواضح لم يتقدم حبر من أحبار اليهود، ولا قس من قسس النصارى الى اظهار خلاف ما يقوله صلى الله عليه وسلم . فلو كان هناك شئ مهما كان طفيفاً من هذا القبيل لأعلنه اولئك الكفار والمنافقون من اليهود ذوو العناد والحسد، وهم كثيرون في كل مكان وزمان.

فكان التحدي؛ إما ان يجدوا أيّ خلاف كان فيما يبلّغ من اوامر الله سبحانه، أو سيجاهدهم جهاداً لا هوادة فيه، وهم لعجزهم عن الأتيان بخلاف ما يبلّغ آثروا الحرب والدمار والهجرة، اي انهم لم يجدوا شيئاً كي يلزموه. ولو وجدوا خلاف قوله لكان اظهاره أهون عليهم من بذل النفوس والاموال وتخريب الديار.

 

الحجة الثانية:

لقد خالطت آيات التوراة والانجيل والزبور كلماتٌ غريبة عنها، لتوالي ترجماتها، والتباس كلام المفسرين وتأويلاتهم الخاطئة مع آياتها، حيث ان آياتها ليس فيها الاعجاز الذي في آيات القرآن الكريم، فضلاً عما قام به الجهلاء وذوو الاغراض السيئة من تحريفات في تلك الكتب، فزادت من تلك التحريفات والتغييرات حتى ان العلامة المشهور رحمة الله الهندي(1) ألزم الحجة علماء اليهود والنصارى باظهار الوف من التحريفات في الكتب السابقة.

ومع هذا القدر من التحريفات، فقد استخرج في هذا العصر العالم المشهور حسين الجسر - رحمه الله - مائة وعشرة أدلة على نبوته صلى الله عليه وسلم من تلك الكتب واثبتها في كتابه المسمى بــ (الرسالة الحميدية) وقام المرحوم اسماعيل حقي المناسطري بترجمة الكتاب الى اللغة التركية، فمن اراد فليراجعه.

ثم ان كثيراً من علماء اليهود والنصارى قد أقروا: ان في كتبنا أوصاف النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، منهم هرقل من ملوك الروم الذي اعترف قائلاً: (ان عيسى عليه السلام قد بشّر بمحمد صلى الله عليه وسلم) كما اعترف صاحب مصر (المقوقس، وابن صوريا، وابن أخطب واخوه كعب بن أسد والزبير بن باطيا وغيرهم من علماء اليهود) ورؤسائهم قائلين: (نعم، ان اوصافه موجودة في كتبنا، ومذكورة فيها).

كما ان كثيراً من مشاهير علماء اليهود والنصارى قد نبذوا الخصومة والعناد وآمنوا بالاسلام بعدما رأوا أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم   في كتبهم، وبيّنوها لغيرهم من العلماء، فألزموهم الحجة. منهم: عبد الله بن سلام، ووهب بن منبه، وابي ياسر، وشامول - صاحب تُبعّ - كما آمن تبّع قبل البعثة غياباً، وإبناسَعْية وهما أسيد وثعَلبة اللذان ناديا في قبيلة بني النضير منددَين بهم عندما حاربت الرسول صلى الله عليه وسلم قائلَين: (والله هو الذي عَهِد اليكم فيه ابن هَيْبان). وابن هيْبان هذا هو الرجل العارف بالله الذي كان قد نزل ضيفاً على بني النضير قبل البعثة، وقال لهم: (قريبٌ ظهور نبي هذا دار هجرته) وتوفي هناك، الاّ ان قبيلة بني النضير لم تلق بالاً لهما، فأصابهم ما أصابهم.

 

كما آمن من علماء اليهود: ابن ياسين، ومخيريق، وكعب الاحبار قبيلة بني النضير لم تلق بالاً لهما، فأصابهم ما أصابهم.

كما آمن من علماء اليهود: ابن ياسين، ومخيريق، وكعب الاحبار، وامثالهم كثير ممن رأوا نعت الرسول صلى الله عليه وسلم في كتبهم وألزموا الحجة من لم يؤمنوا.

وممن اسلم من علماء النصارى بحيراء الراهب - كما مرّ سابقاً - وذلك عندما ذهب صلى الله عليه وسلم مع عمه ابي طالب الى الشام، وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فصنع بحيرا طعاماً لقافلة قريش، اكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم ثم نظر واذا بالغمامة التي تظل القافلة باقية في مكانها، قال فالذي اريده اذاً ما زال باقياً هناك فارسل عليه من يأتي به، وقال لعمه ابي طالب: عُدْ به الى مكة، فاليهود حسّاد يكيدون له، فإنا نجد اوصافه في التوارة.

وقد آمن كل من نسطور الحبشة ومليكها النجاشي، لمّا رأيا اوصاف النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم. واعلن العالم النصراني المشهور ضغاطر اوصافه صلى الله عليه وسلم بين الروم، فاستشهد. وقد آمن ايضاً حارث بن ابي شمر الغساني - العالم النصراني المشهور - ورؤساء الروحانيين في الشام، وملوكها اي صاحب ايليا، وهرقل، وابن ناطور، وجارود، وامثالهم، لمّا رأوا اوصافه صلى الله عليه وسلم في كتبهم. الاّ ان هرقل لم يعلن ايمانه حرصاً على الحكم والسلطة.

وامثال هؤلاء كثير مثل سلمان الفارسي الذي كان نصرانياً، وما ان رأى اوصافه صلى الله عليه وسلم حتى أخذ يتحرى عنه ولما رآه أسلم. وكذلك تميم وهو عالم جليل، والنجاشي ملك الحبشة المشهور، ونصارى الحبشة، واساقفة نجران.. فهؤلاء كلهم يخبرون بالاتفاق: اننا آمنا لما رأينا اوصافه صلى الله عليه وسلم في كتبنا.

 

الحجة الثالثة:

سنذكر على سبيل المثال فحسب، آيات من التوراة والأنجيل والزبور(2) التي تبشر بالرسول صلى الله عليه وسلم .

الاول: هناك آية في الزبور ما معناه.

(الـّلـّهم ابعث لنا مقيم السنة بعد الفترة) ومقيم السنة هو من اسمائه صلى الله عليه وسلم .

وآية الأنجيل:

(قال المسيح اني ذاهب الى أبي وابيكم ليبعث فيكم الفارقليطا)(3) اي ليبعث فيكم أحمد.

وآية اخرى من الانجيل:

(واني اطلب من ربي فيعطيكم فارقليطاً يكون معكم الى الابد)(4).

والفارقليط: الفارق بين الحق والباطل، وهو اسم النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الكتب(5).

وآية التوراة:

(ان الله قال لأبراهيم. إنّ هاجر تلد ويكون من ولدها مَن يدُه فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة اليه بالخشوع)(6).

وآية اخرى في التوراة:

(وقال يا موسى اني مقيم لهم نبياً من بني اخوتهم مثلك وأجري قولي في فمه والرجل الذي لا يقبل قول النبي الذي يتكلم باسمي فانا انتقم منه)(7).

وآية ثالثة في التوراة:

(قال موسى: رب اني اجد في التوراة أمة هم خير امة اخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، فاجعلهم امتي، قال: تلك امة محمد).

تنبيه:

لقد عبّرت الكتب عن اسم محمد صلى الله عليه وسلم باسماء سريانية ضمن اسماء عبرية فمثلاً: (مشفَّح، مُنْحَمنا، حمياطا) وغيرها من الاسماء التي ترد بمعنى محمد في اللغة العربية. أما الاسم الصريح (محمد) صلى الله عليه وسلم فلم يأت الاّ نادراً، وهذا قد حرّفه اليهود لحسدهم وعنادهم، منها آية الزبور:

(يا داود يأتي بعدك نبي يسمى احمد ومحمداً صادقاً سيداً، امته مرحومة). وقد اعلن عن وجود هذه الآية الآتية في التوراة قبل ان تلعب فيها ايدي التحريف كثيراً، كلٌ من عبد الله بن عمرو بن العاص وهو احد العبادلة السبعة الذين لهم اطلاع واسع على الكتب السابقة، وعبد الله بن سلام وهو من مشاهير علماء اليهود الذي سبق أقرانه في الاسلام، وكعب الاحبار وهو من علماء اليهود. الآية تخاطب سيدنا موسى عليه السلام، ثم تتجه الى النبي الذي سيأتي:

(يا ايها النبي انا ارسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للاميين، أنت عبدي، سمّيتُك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخّاب في الاسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، بل يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا اله الاّ الله)(8).

وآية اخرى من التوراة:

 

(محمد رسول الله مولده بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام. وامته الحمّادون) ولفظ (محمد) في هذه الآية قد ورد باسم سرياني يعني محمد.

وايضاً آية اخرى من التوراة:

(انت عبدي ورسولي سميتك المتوكل). فهذه الآية تخاطب الذي سيبعث بعد موسى عليه السلام من بني اسماعيل الذين هم اخو بني اسحاق(9)

وآية اخرى من التوراة:

(عبدي المختار ليس بفظٍ ولا غليظ)(10) والمختار هو المصطفى وهو اسم من اسماء النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاءت تعاريف متنوعة تخص (رئيس العالم) الذي بُشّر به بعد عيسى عليه السلام في الانجيل، منها: (معه قضيب من حديد يقاتل به وامته كذلك) فقضيبٌ من حديد يعني السيف. اي سيأتي من هو صاحب السيف، وامته مأمورة بالجهاد، كما وصفهم القرآن الكريم في ختام سورة الفتح:

﴿وَمَثلُهم في الانجيل كَزَرعٍ أخَرَجَ شَطْئَهُ فآزَرَه فاستَغْلظَ فاستوى على سُوقه يُعجِبُ الزُرّاعَ ليغيظَ بهم الكفّار﴾ (الفتح: 29)

وهناك آيات كثيرة اخرى مشابهة لهذه في الانجيل(11).

جاءت في الباب الثالث والثلاثين من الكتاب الخامس من التوراة هذه الآية:

(وقال: جاء الرب من سيناء واشرق لنا من ساعيرا ستعلن من جبل فاران ومعه الوف الاطهار في يمينه).

فهذه الآية مثلما تخبر عن نبوة موسى عليه السلام باقبال الحق من طورسينا، فهي تخبر عن نبوة عيسى عليه السلام بــ (اشرق لنا من ساعيرا) وفي الوقت نفسه تخبر عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بظهور الحق من فاران التي هي جبال الحجاز بالاتفاق، فالآية تخبر بالضرورة عن نبوته صلى الله عليه وسلم. أما (ومعه الوف الأطهار في يمينه) فهي تصدّق حكم الآية الكريمة في ختام سورة الفتح في: ﴿ذلك مَثَلهُمْ في التوراة﴾ ... اذ تصف اصحابه صلى الله عليه وسلم بالاطهار القديسين وهم الاولياء الصالحون.

وجاءت هذه الآية في الباب الثاني والاربعين من كتاب اشعيا:

(ان الحق سبحانه سيبعث صفيه في آخر الزمان وسيرسل اليه الروح الأمين وهو جبرائيل يعلّمه ثم بعد ذلك يعلم الناس كما علّمه جبرائيل، ويحكم بين الناس بالحق، وهو نورٌ سيُخرج الناس من الظلمات الى النور. وقد علمني ربي ما سيقع فاقول لكم). فهذه الآية تبين بوضوح تام اوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم .

وفي الباب الرابع من كتاب النبي ميخائيل الآية الآتية:

(ستكون في آخر الزمان أمة مرحومة تعبد الحق وتوثر الجبل المقدس، ويجتمع اليها خلق كثير هناك من كل اقليم تعبد الرب ولا تشرك به).

فهذه الآية تبين (عَرَفة) والخلق الكثير هم الحجاج الذين يقصدون ذلك الجبل المقدس ويعبدون الله، وان الامة المرحومة هي امة محمد، حيث ان هذا الوصف شعارهم.

وفي الباب الثاني والسبعين من الزبور هذه الآية:

(انه يملك من البحر الى البحر، ومن الانهار الى اقاصي الارض، وترده الهدايا من اليمن والجزائر، وتسجد له الملوك وتنقاد اليه، ويصلّى عليه كل وقت ويدعى له بالبركة كل يوم. وتشع انواره من المدينة، وسيدوم ذكره ابد الآباد، وان اسمه موجود قبل ان تخلق الشمس، وسيبقى اسمه ما بقيت الشمس).

فهذه الآية صريحة في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل جاء بعد نبي الله داود عليه السلام نبيٌ غير محمد صلى الله عليه وسلم الذي اعلن الدين شرقاً وغرباً، وجعل الملوك يعطون له الجزية صاغرين، وانقاد له الملوك والسلاطين انقياد خضوع ومحبة، وتوهب له الصلوات والادعية يومياً من خمس البشرية، وبزغت انواره من المدينة؟.. فهل هناك غيره؟.

والآية العشرون من الباب الرابع عشر من انجيل يوحنا (المترجم الى التركية) هي: (لا اتكلم ايضاً معكم كثيراً لأن رئيس هذا العالم يأتي، وليس له فيّ شئ او ليس له عندي مثيل)(12).

 

فعبارة سيد العالم هو فخر العالم، وهو عنوان مشهور لسيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

والآية السابعة من الباب السادس عشر من انجيل يوحنا:

 

(لكني اقول لكم الحق انه خير لكم ان انطلق، لأنه ان لم انطلق لا يأتيكم المعزّي)(13)فهل المسلّي بعد عيسى عليه السلام غير محمد صلى الله عليه وسلم .فهو الذي ينقذ البشرية من حكم الزوال والاعدام الابدي فيسليها، وهو سيد العالمين وفخر الكائنات.

 

والآية الثامنة من الباب السادس عشر من انجيل يوحنا:

 

(ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى برٍ وعلى دينونة) (اي يلزمهم على الخطيئة والصلاح والحكم) فالذي يبدل فساد العالم الى صلاح، وينقذ الناس من الآثام والخطايا والشرك، ويبدل اسس السياسة والحاكمية في الدنيا، من يكون غير محمد صلى الله عليه وسلم ؟.

 

والآية الحادية عشرة من الباب السادس عشر من انجيل يوحنا: (لقد جاء زمان قدوم سيد العالم) أو (وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دِينْ). فلابد ان المراد بسيد العالم(14) هو سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم .

 

والآية الثالثة عشرة من الباب الثاني من انجيل يوحنا: (اذا جاء روح الحق ذاك، فهو الذي يرشدكم الحق كله، لأنه لا ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع ويخبركم بالآتي من الامور).

 

فهذه الآية صريحة في حق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. فمن غيره صلى الله عليه وسلم دعا الناس جميعاً الى الحق؟ ومن غيره لا ينطق الاّ بالوحي، ويقول ما يسمعه من جبرائيل عليه السلام؟ ومن غيره يخبر عن احداث القيامة والآخرة إخباراً مفصلاً؟

 

ثم ان في صحف الانبياء اسماء للرسول صلى الله عليه وسلم تفيد معنى (محمد) (احمد) (المختار) (مصطفى) وذلك باللغة السريانية والعبرية:

 

ففي صحف شعيب عليه السلام؛ هناك: (مشفّح) وهي بمعنى: (محمد) كما انه في التوراة اسم (منحمنّا) وهذا بمعنى اسم (محمد). كما جاء في الزبور (حمياطا) وهو بمعنى نبي الحرم. وفيه ايضاً (المختار)، وقد جاء في التوراة اسم (الحاتم، الخاتم)، وجاءت كلمة (مقيم السنة) في كل من التوراة والزبور. وفي صحف ابراهيم والتوراة: (مازماز). وفي التوراة ايضاً (أحيد).

 

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :

 

(اسمى في القرآن محمد وفي الانجيل أحمد وفي التوراة اُحيد، وانما سميت اُحيِدَ لأني اُحيد عن امتي نار جهنم)(15) ومن الاسماء النبوية التي وردت في الانجيل (صاحب القضيب والهراوة) فلا شك انه اعظم نبي بين الانبياء بجهاده وجهاد امته. وكذلك: (انه صاحب التاج) فهذه الصفةخاصة به صلى الله عليه وسلم اذ الامة العربية هم المعروفون بالعمامة والعقال بين الامم والتاج والعمامة بمعنى واحد. فصاحب التاج المذكور في الانجيل ليس الاّ الرسول صلى الله عليه وسلم . وفيه كذلك: البارقليط أو الفارقليط، ومعناه كما جاء في تفسير الانجيل: انه الفارق بين الحق والباطل، وهو اسم النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدعو الناس الى الحق. وقد قال عيسى عليه السلام في الانجيل: (ساذهب كي يجئ سيد العالم) فهل غير محمد صلى الله عليه وسلم قد جاء بعد عيسى عليه السلام، وترأس العالم وفرّق بين الحق والباطل، وارشد الناس الى الخير والصلاح. اي ان عيسى عليه السلام كان يبشّر دوماً انه سيأتي احدهم بعدي ولا تبقى الحاجة اليّ فانا مقدمة له. كما يصرح بذلك القرآن الكريم: ﴿واذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل اني رسولُ الله اليكُم مُصَدقاً لما بين يَديّ من التوراة ومبشّراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمُه احمد﴾ (الصف: 6).

 

نعم ان عيسى عليه السلام قد بشّر أمته كثيراً بانه سيجئ سيد العالم(16) ورئيسه ويذكره باسماء مختلفة سواء بالسريانية أو العبرية. فالعلماء المحققون يرون ان هذه الاسماء تعني: أحمد، محمد، الفارق بين الحق والباطل.

 

سؤال: لِمَ بشّر عيسى عليه السلام بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم اكثر من غيره من الانبياء عليهم السلام بينما اكتفى الآخرون بالاخبار عنه فقط؟

 

الجواب: لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد انقذ عيسى عليه السلام من تكذيب اليهود ومن افتراءاتهم الشنيعة، وانقذ دينه من تحريفات فظيعة، فضلاً عن انه اتى بشريعة سمحاء بدلاً من تلك الشريعة التي ارهقت بني اسرائيل الذين لا يؤمنون بعيسى عليه السلام فهذه الشريعة الغراء جامعة للاحكام مكملة لما هو ناقص في شريعة عيسى عليه السلام. ومن هنا تأتي بشارة عيسى عليه السلام بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي رئيس العالم..

 

  

 

وهكذا نرى كيف ان التوراة والانجيل والزبور وسائر صحف الانبياء قد اعتنت بنبي آخر الزمان وتضم آيات كثيرة نعوته، كما بينا نماذج منها. فهو مذكور باسماء ونعوت مختلفة في تلك الكتب. تُرى من يكون نبي آخر الزمان الذي ذكرته جميع كتب الانبياء ذكراً جاداً الى هذا الحد، في آيات مكررة منها، غير محمد صلى الله عليه وسلم ! (*)

 

 

_________________________________

 

(1) (1818 - 1891) وذلك في كتابه (اظهار الحق) الذي يعدّ من ادق الدراسات النقدية للتوراة والانجيل، وسبب تأليفه له هو: أنه اثناء الاحتلال البريطاني للهند، أخذ المبشرون يهاجمون الاسلام بعنف، فتصدّى لهم علماء كثيرون، فعقدت اول مناظرة رسمية بين رئيس المبشرين ومؤلف الكتاب، في 10/3/1854. ودوّنت محاضر الجلسات التي حضرها رجالات الهند، فكانت النتيجة ان انسحب المبشر بعد ان قامت عليه الحجة الدامغة ولما يتم النقاش. وهاجر رحمة اللّه بعد الثورة الهندية ضد الانكليز سنة 1857 الى مكة واتصل به السلطان عبد العزيز خان ومن بعده السلطان عبد الحميد الثاني فألف كتابه هذا (اظهار الحق) في استانبول وتُرجم الى لغات عدة، وهو الذي اسس المدرسة الصولتية في مكة والتي ما زالت قائمة - المترجم. (عن كتاب اكبر مجاهد في التاريخ الشيخ رحمت اللّه الهندي. ترجمه من الاردية احمد حجازي السقا). - المترجم.

 

(2) اورد الاستاذ اغلب هذه الآيات باللغة العربية، وعندما حاولتُ ارجاع كل آية الى مصدرها في الاناجيل وجدت اختلافاً كبيراً بين طبعاتها وتفاوتاً واضحاً في ترجماتها المختلفة رغم الاحتفاظ بالمعنى العام، لذا ادرجتها كما ذكرها الاستاذ في الأصل.ـ المترجم.

 

(3) انجيل يوحنا - الاصحاح الرابع عشر.ـ المترجم.

 

(4) انجيل يوحنا - الاصحاح الرابع عشر.ـ المترجم.

 

(5) ولكن يبدو أن المترجمين قد تركوا لفظ فارقليط في تراجمهم للانجيل لشهرته لدى المسلمين في النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولقد تتبع رحمة الله الهندي في (اظهار الحق) اختلاف الترجمات في مختلف الطبعات ابتداءً من اقدم طبعاتها. - المترجم.

 

(6) سفر التكوين - الاصحاح السابع عشر. - المترجم.

 

(7) سفر التثنية. - الاصحاح الثامن عشر. - المترجم.

 

(8) (اشعيا) الاصحاح42ــ المترجم.

 

(9) سفر التثنية - الاصحاح 18. - المترجم.

 

(10) سفر التثنية - الاصحاح 18. - المترجم.

 

(11) يورد الاستاذ المؤلف هذه الآيات في الأنجيل باللغة التركية مشيراً الى مواضعها.ــ المترجم.

 

(12) الآية الثلاثون من الاصحاح 14 من انجيل يوحنا (طبعة جمعيات الكتاب المقدس).ــ المترجم.

 

(13) في طبعة الموصل سنة 1876 (لايأتيكم الفارقليط).ــ المترجم.

 

(14) نعم! أعظم به من سيد، ينقاد له كل عصر ثلاثمئة وخمسون مليون شخص انقياد طاعة وحب منذ الفٍ وثلاثمئة سنة، ويستسلمون لأوامره، ويجددون معه البيعة يومياً بالسلام عليه. - المؤلف.

 

(15) عن ابن عباس رضي الله عنه (الانوار المحمدية من المواهب اللدنية 143) - المترجم.

 

(16) لقد رأى الرحال التركي المشهور (اولياجلبي) في مقبرة شمعون الصفا انجيلاً مكتوب على جلد الغزال فقرأ فيه الآية الآتية:

 

(ايتون) مولود (آزربيون) من نسل ابراهيم (بروفتون) يصبح نبياً (لوغسلين) ليس كذاباً (بنت افنزولات) يكون مولده بمكة (كه كالوشير) يأتي بالصلاح والرشاد (تونو منين) اسمه المبارك (مواميت) (محرّفة عن – محمد - ) احمد محمد (ايسفيدوس) الذين معه ويتبعونه (تاكرديس) هم اساس هذه الدنيا (بيست بيث) وهو سيد العالم. - المؤلف.

(*) كليات رسائل النور –الاشارة السادسة عشر من المكتوب التاسع عشر ص(219)

قرئت 418 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد