الا المودة في القربى
قطرة نورية من كليات رسائل النورسي
ان معنى قوله تعالى {الاّ الموّدَة في القُربى}(الشورى:23) -على قول - هو: أن الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم لدى قيامه بمهمة الرسالة لايسأل أجراً من أحد،الاّ محبةَ آل بيته فحسب.
واذا قيل:
إن أجراً من حيث قرابة النسل قد أُخذ بنظر الاعتبار حسب هذا المعنى بينما الآية الكريمة: {ان أكرمكُم عند الله اتقاكم} (الحجرات:13) تدل على ان وظيفة الرسالة تستمر من حيث التقرب الى الله بالتقوى لامن حيث قرابة النسل.
الجـواب:ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد شاهد بنظر النبوة الأنيس بالغيب: أن آل بيته سيكونون بمثابة شجرة نورانية عظيمة تمتد اغصانُها وفروعها في العالم الاسلامي، فالذين يرشدون مختلف طبقات العالم الاسلامي الى الهدى والخير، ويكونون نماذج شاخصة للكمالات الانسانية جمعاء،سيظهرون باكثريتهم المطلقة من آل البيت.
وقد كشف عن قبول دعاء امته بحق آل البيت الوارد في التشهد وهو اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين، انك حميد مجيد.أي: كما ان معظم المرشدين الهادين النورانيين من ملة ابراهيم - عليه السلام - هم أنبياء من نسله وآله، كذلك رأى صلى الله عليه وسلم ان اقطاب آل بيته يكونون كأنبياء بني اسرائيل في الامة المحمدية يؤدون وظيفة خدمة الاسلام العظيمة في شتى طرقها ومسالكها. ولاجل هذا؛ اُمر صلى الله عليه وسلم ان يقول: { قُل لا اسئلكم عليه أجراً الاّ المودّةَ في القُربى} وطلب مودّة أمته لآل بيته. والذي يؤيد هذه الحقيقة هو ما جاء في روايات أخرى انه صلى الله عليه وسلم قال: [ياايها الناس اني قد تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلو:كتاب الله وعترتي أهل بيتي ] (1) ذلك لان آل البيت هم منبع السنة الشريفة والمحافظون عليها والمكلفون أولاً بالالتزام بها.
وهكذا وضحت حقيقة هذا الحديث بناء على ما ذكر آنفاً، أي: بالاتباع التام للكتاب والسنة الشريفة. أي: ان المراد من آل البيت من حيث وظيفة الرسالة هو إتباع السنة النبوية، فالذي يدع السنة الشريفة لايكون من آل البيت حقيقة كما لايمكن ان يكون موالياً حقيقياً لآل البيت.
ثم ان الحكمة في ارادته صلى الله عليه وسلم في جمع الأمة حول آل البيت هي: ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد علم باذن إلهي ان آل البيت سيكثر نسلهم بمرور الزمن بينما الاسلام سيؤول الى الضعف. فيلزم والحالة هذه وجود جماعة مترابطة متساندة في منتهى القوة والكثرة لتكون مركزاً ومحوراً لرقي العالم الاسلامي المعنوي. وقد علم صلى الله عليه وسلم بهذا بإذن إلهي فرغّب في جمع أمته حول آل بيته.
نعم ان افراد آل البيت وان لم يكونوا سابقين ومتقدمين على غيرهم في الايمان والاعتقاد الاّ انهم يسبقونهم كثيراً في التسليم والالتزام والولاء للاسلام، لانهم يوالون الاسلام فطرة وطبعاً ونسلاً. فالموالاة الطبعية لاتُترك ولوكانت في ضعف وعدم شهرة أو حتى على باطل، فكيف بالموالاة لحقيقة ارتبطت بها سلسلة أجداده الذين ضحوا بأرواحهم رخيصة في سبيلها فنالوا الشرف بها، فتلك الحقيقة هى في منتهى القوة وذروة الشرف وعلى الحق المبين، أفيستطيع من يشعر بداهة بمدى اصالة هذه الموالاة الفطرية ان يتركها؟
فأهل البيت بهذا الالتزام الشديد للاسلام وهو التزام فطري يرون الأمارة البسيطة بجانب الاسلام برهاناً قوياً لانهم يوالون الاسلام فطرة بينما غيرهم لايلتزم الاّ بعد اقتناعه بالبرهان القوي.(*)
__________________
(1)حديث صحيح: اخرجه الترمذي برقم 3786 والطبراني في الكبير2680، وللحديث شواهد كثيرة انظر الاحاديث الصحيحة رقم 1761.
(*) كليات رسائل النور - اللمعة الرابع - ص: 31