الرد على المبتدعة الذين يحاولون تغيير الشعائر الإسلامية
باسمه سبحانه
(فآمِنُوا باللّه ورَسُولهِ النبيّ الأُميّ الذي يُؤمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتهِ وَاتَّبِعوهُ لَعَلّكُم تَهتَدُون) (الاعراف:158)
(يُريدُونَ أنْ يُطفِئُوا نُورَ الله بِافواهِهم وَيَأبَى الله إلاّ أنْ يُتِم نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكافِروُن)(التوبة:32)
ايها المستخلف المبارك
ان مـستند الذين يحـاولون تـغيــيـر الشـعـائر الاسـلامية وتبــديلـها، وحجتهم نابعة من تقليد الاجانب تقليداً أعمى، كما هو في كل الامور الفاسدة. فهم يقولون :
" ان المهتدين في لندن، والذين دخلوا في حظيرة الايمان من الاجانب يترجمون كثيراً من الامور امثال الأذان والاقامة للصلاة، الى ألسنتهم، ويعملون بها في بلادهم، والعالم الاسلامي ازاء عملهم هذا ساكت، لا يعترض عليهم، فاذاً هناك جواز شرعي في عملهم هذا بحيث يجعلهم يلزمون الصمت ازاءه!".
الجـواب:
ان الفرق في هذا القياس ظاهر جداً، وليس من شأن ذي شعور تقليدهم، وقياس الامور عليهم مهما كان. لأن بلاد الاجانب يطلق عليها في لسان الشريعة " دار الحرب ". فكثير من الامور لها جواز شرعي في " دار الحرب "، ولامساغ لها في " دار الاسلام ".
ثم ان بلاد الافرنج تتميز بقوة النصرانية وشوكتها. فليس هناك محيط يلقّن بلسان الحال ما يشيع مفاهيم الكلمات المقدسة ومعاني الاصطلاحات الشرعية، لذا فبالضرورة رُجحّت المعاني القدسية على الالفاظ المقدسة، اي تُركت الالفاظ حفاظاً على المعاني، اي اختير أخف الضررين، واهون الشرين.
اما في "دار الاسلام"؛ فان المحيط يرشد ويلقن المسلمين بلسان الحال المعاني الاجمالية لتلك الكلمات المقدسة، إذ ان جميع المحاورات، والمسائل الدائرة بين المسلمين حول الاعراف والعادات والتاريخ الاسلامي، والشعائر الاسلامية عامة، وأركان الاسلام كافة تلقّن باستمرار المعاني المجملة لتلك الكلمات المقدسة لأهل الايمان. حتى ان معابد هذه البلاد ومدارسها الدينية، بل حتى شواهد القبور في المقابر، تؤدي مهمة ملقن ومعلّم تُذكّر المؤمنين بتلك المعاني المقدسة. فيا ترى إن مَن يعدّ نفسه مسلماً، ويتعلم يومياً خمسين كلمة من الكلمات الاجنبية في سبيل مصلحة دنيوية؛ ان لم يتعلم في خمسين سنة مايكررها كل يوم خمسين مرة من الكلمات المقدسة، امثال(سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا ّالله والله أكبر) ألا يتردى الى ادنى من الحيوان بخمسين مرة؟ ألا إن هذه الكلمات المقدسة لاتحرّف، ولاتُترجم، ولاتهجّر لأجل هؤلاء الانعام!. بل ان هجر هذه الكلمات وتحريفها ما هو الاّ نقض لشواهد القبور كلها وتسويتها بالتراب وإعراض عن الاجداد، واهانة لهم، واتخاذهم اعداءاً ..وعليه فهم يرتعدون في قبورهم من هول هذا التحقير والاهانة.
ان علماء السوء الذين انخدعوا بالملحدين، يقولون تغريراً بالامة : لقد قال الامام الاعظم (ابو حنيفة النعمان):" يجوز قراءة ترجمة الفاتحة بالفارسية، ان وجدت الحاجة، وحسب درجة الحاجة، لمن لايعرف العربية اصلاً، في الديار البعيدة ". فبناءً على هذه الفتوى، ونحن محتاجون، فلنا اذاً ان نقرأها بالتركية(1).
الجـواب:
ان جميع الائمة العظام ـ سوى الامام الاعظم ـ والائمة الاثنى عشر المجتهدين، كلهم يفتون خلاف فتوى الامام الاعظم هذه. وان الجادة الكبرى للعالم الاسلامي هي التي سلكها اولئك الائمة العظام كلهم. فالامة العظيمة لاتسير الاّ في الجادة الكبرى.فالذين يريدون ان يسوقوها الى طريق مخصوصة وضيقة انما يضلون الناس.
ان فتوى الامام الاعظم، فتوى خاصة بخمس جهات:
الاولى: انها تخص اولئك القاطنين في دار اخرى، وبلاد بعيدة عن مركز دار الاسلام.
الثانية: انها مبنية على الحاجة الحقيقية.
الثالثة: انها خاصة بترجمتها الى الفارسية، التي تعد ـ في رواية ـ من لسان اهل الجنة.
الرابعة: انها حكم بالجواز خصيصاً لسورة الفاتحة، لئلا يترك الصلاة من لايعرف سورة الفاتحة.
الخامسة: لقد أظهر الجواز ليكون باعثاً لفهم العوام المعاني المقدسة ـ بحمية اسلامية نابعة عن قوة الايمان ـ والحال ان ترك أصلها العربي، وترجمتها بدافع الهدم الناشئ من ضعف الايمان، والنابع من فكر العنصرية والنفور من لسان العربية ـ الناجمة من ضعف الايمان ـ ما هو الاّ دفع للناس الى ترك الدين والخروج عليه.(*)
______________
(1) لعل اصل الفتوى هو: "وأما اذا كان ما قرأ موافقاً لما في القرآن تجوز به الصلاة عند ابي حنيفة رحمه اللّه تعالى لأنه تجوز قراءة القرآن بالفارسية وغيرها من الألسنة فيجعل كأنه قرأ القرآن بالسريانية والعبرانية فتجوز الصلاة عنده لهذا." المبسوط لشمس الدين السرخسي 1/234 ــ. المترجم.
(*) كليات رسائل النور- المكتوب التاسع والعشرون - ص:558