الشعور الذي ينجز الخدمات
قطرة نورية من كليات رسائل النورسي
سأبين لكم دستوراً في الاخوة عليكم الأخذ به بجد.
ان الحياة نتيجة الوحدة والإتحاد، فاذا ذهب الإتحاد المندمج الممتزج، فالحياة المعنوية تذهب ايضاً أدراج الرياح. فالآية الكريمة: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾(الأنفال:46) تشير إلى ان التساند والترابط إذا اختل تفقد الجماعة مذاقها.
إنكم تعلمون ان ثلاث ألفات إذا كتبت منفردة متفرقة فقيمتها ثلاث، ولكن إذا اجتمعت بالتساند العددي فقيمتها مائة واحد عشر. فان بضع أشخاص من أمثالكم من خدّام الحق إذا عمل كل منهم على انفراد من دون اعتبار لتقسيم الأعمال فان قوتهم تكون بقوة ثلاثة او أربعة أشخاص، بينما إذا ما عملوا متساندين باخوة حقيقية، مفتخراً كل منهم بفضائل الآخرين، حتى يبلغوا بسر الفناء في الاخوة ان يكون أحدهم هو الآخر بنفسه، اقول: انهم إذا ما عملوا هكذا فان قيمة أولئك الأشخاص الأربعة تكون بمثابة أربعمائة شخص.
إنكم يا إخوتي بمثابة مولدات الكهرباء التي تمدّ الضوء إلى بلد عظيم وليس إلى اسپارطة وحدها، فدواليب الماكينة مضطرة إلى التعاون فيما بينها. فإن كلاً من تلك الدواليب -ناهيك عن الغيرة والاستياء- تجد الراحة مما تكسبه من القوة الفائقة التي تمتلكها الدواليب الأخرى حيث انها تخفف عنه عبء الوظيفة.
ان الذين يحملون على أكتافهم أعباء خدمة الإيمان والقرآن والتي هي بمثابة خزينة الحق والحقيقة العظيمة الرفيعة يفتخرون كلما انضم إليهم أكتاف قوية متعاونةً معهم، فيشكرون ربهم.
حذار حذار من فتح باب النقد فيما بينكم. ان ما يستحق النقد خارج الصف كثير بل كثير جداً. فكما أنني افتخر بمزاياكم، وأجد الراحة والسلوان من مزاياكم التي حرمت منها، واعدّها كأنها عندي وأنا المالك لها، فأنتم كذلك عليكم النظر إلى مزايا إخوانكم على هذا النمط. فليكن كل منكم ناشراً لفضائل الآخرين.
ولما كنت أرى ان الشعور الأخوي الخالص الذي أبداه أخونا (الحافظ علي)( 1) تجاه أحد إخواننا الذي سيكون منافساً له في الاستنساخ اليدوي جدير بأن تطلعوا عليه، أذكره لكم وهو الآتي:
جاءني (الحافظ علي) وقلت له : ان خط الأخ (فلان) أجود من خطه وانه اكثر منه عملاً ونشاطاً. واذا بي أجد ان الحافظ علي يفتخر بإخلاص ومن الصميم بتفوق الآخر عليه، بل إلتذ بذلك وانشرح، وذلك لان الآخر قد استطاع جلب محبة أستاذه وثنائه عليه. راقبت قلبه أمعنت فيه بدقة، وعلمت انه ليس تصنعاً قط. بل شعرت انه شعور خالص. فشكرت الله تعالى على ان في إخواننا من يحمل هذا الشعور السامي، وسينجز هذا الشعور بأذن الله كثيراً جداً من الخدمات. والحمد لله فان ذلك الشعور الأخوي قد سرى تدريجياً في صفوف إخواننا في هذه المنطقة.(2)(*)
_______________________
(1) هو من اوائل الذين تتلمذوا على يد الأستاذ النورسي، كان دؤوباً في الاستنساخ، لما انعم الله عليه من جودة الخط ومن علو الهمة، يرد اسمه كثيراً في الرسائل، استشهد في سجن (دنيزلي) سنة 1944 من أثر التسمم عن (46) سنة من العمر رحمه الله رحمة واسعة.
(2) الملاحق - بارلا/58
(*) كليات رسائل النور – سيرة ذاتية ص:248