الصوم مفتاح للشكر

 

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

﴿شهْرُ رَمضَانَ الَّذى اُنْزِلَ فيهِ القرآن هُدىً للِنَّاسِ وَبَيّنَاتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: 185)

رسالة رمضان

نكته دقيقة ومسألة لطيفة تبين حكمة من الحكم الكثيرة لصيام شهر رمضان المبارك

 

ان هـناك حكماً عدة يتوجه بها صيامُ رمضان المـبارك بالشكـر على النعَم التي أسبغها الباري علينا، احداها:

أن الأطعمة التي يأتي بها خادمٌ من مطبخ سلطانٍ لها ثمنُها - كما ذُكر في الكلمة الاولى – (1) ويُعدّ من البلاهة توهّم الاطعمة النفيسة تافهةً غير ذات قيمة، وعدمُ معرفة مُنعمها الحقيقي، في الوقت الذي تُمنح الخادم هبات وعطايا لأجلها. وكذلك الاطعمة والنعم غير المعدودة التي بثّها الله سبحانه في وجه الارض فانه يطلب منّا حتماً ثمنَها، ألا وهو القيام بالشكر له تجاه تلك النِعم. والاسباب الظاهرية التي تُحمل عليها تلك النعم وأصحابها الظاهرون هم بمثابة خَدَمة لها، فنحن ندفع الخدام ما يستحقونه من الثمن ونظل تحت فضلهم ومنتهم بل نبدي لهم من التوقير والشكر اكثر مما يستحقونه والحال أن المنعم الحقيقي سبحانه يستحق - ببثّه تلك النِعَم - أن نقّدم له غاية الشكر والحمد، ومنتهى الامتنان والرضا، وهو الأهلُ لكل ذلك، بل أكثر. اذن فتقديم الشكرلله سبحانه واظهار الرضا ازاء تلك النعم انما يكون بمعرفة صدور تلك النعم والآلاء منه مباشرة.. وبتقدير قيمتها.. وبشعور الحاجة اليها.

لذا فان صيام رمضان المبارك لهو مفتاح شكر حقيقي خالص، وحمدٍ عظيم عام لله سبحانه. وذلك لأن أغلب الناس لا يدركون قيمة نِعَمٍ كثيرة - غير مضطرين إليها في سائر الاوقات - لعدم تعرّضهم لقساوة الجوع الحقيقي وأوضاره. فلا يُدرِك - مثلاً ـ درجةَ النعمة الكامنة في كسرة خبز يابس أولئك المتخمون بالشبع، وبخاصة إن كانوا أثرياء منعّمين، بينما يدركها المؤمن عند الافطار أنها نعمة إلهية ثمينة، وتشهد على ذلك قوته الذائقة. لذا ينال الصائمون في رمضان - ابتداءاً من السلطان وانتهاء بأفقر فقير - شكراً معنوياً لله تعالى منبعثاً من ادراكهم قيمةَ تلك النعم العظيمة. أما امتناع الانسان عن تناول الاطعمة نهاراً فانه يجعله يتوصل الى ان يدرك بأنها نعمةٌ حقاً، اذ يخاطب نفسه قائلاً:

(ان هذه النِعم ليست مُلكاً لي، فأنا لست حراً في تناولها، فهي اذن تعود الى واحد آخر، وهي أصلاً من إنعامه وكَرَمه علينا، وانا الآن في انتظار أمره).. وبهذا يكون قد أدى شكراً معنوياً حيال تلك النعم.

وبهذه الصورة يصبح الصوم في حكم مفتاح للشكر من جهات شتى، ذلك الشكر الذي هو الوظيفة الحقيقية للانسان.(*)

اللّهم صل وسلم على سيدنا محمد صلاةً تكون لك رضاءً ولحقّه أداءً بعدد ثواب حروف القرآن في شهر رمضان وعلى آله وصحبه وسلم.

﴿سُبحانَ ربّكَ رَبِّ العِزَّةِ عمَّا يَصفون* وسلامٌ على المُرسَلين *

والحمدُ لله رَبِّ العالَمين﴾

آمين

_____________________________

(1) كليات رسائل النور – الكلمات ص (7)

(*) كليات رسائل النور- المكتوبات ص (514)

قرئت 12 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد