ان اسم الله (الحكم) و(الحكيم) يقتضيان بداهة نبوة محمد
(( يصح ان يقال: ان اسم الله (الحكم) و(الحكيم) يقتضيان بداهة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، ويدلان عليها ويستلزمانها.
نعم! مادام الكتاب البليغ بمعانيه ومراميه، يقتضي بالضرورة معلماً بارعاً لتدريسه.. والجمال الفائق يقتضي مراةً يتراءى فيها، ويُري بها جمالَه وحُسنه.. والصنعةُ البديعة تستدعي منادياً داعياً اليها..
فلابد ان يوجد بين بني البشر الذي هو موضع خطاب كتاب الكون الكبير المتضمن مئات المعاني البليغة والحِكَم الدقيقة في كل حرف من حروفه، اقول:
لابد ان يوجد رائدٌ اكمل، ومعلمٌ اكبر، ليرشد الناس الى ما في ذلك الكتاب الكبير من حِكم مقدسة حقيقية.. وليعلّم وجود الحِكَم المبثوثة في ارجائه ويدل علىها.. وليكون مبعث ظهور المقاصد الربانية في خلق الكون، بل السبب في حصولها.. وليرشد الى مايريد الخالق اظهارَه من كمال صنعته البديعة، وجمال اسمائه الحسنى، فيكون كالمرآة الصافية لذلك الكمال البديع والجمال الفائق.. ولينهض بعبودية واسعة - باسم المخلوقات قاطبة - تجاه مظاهر الربوبية الواسعة، مثيراً الشوقَ وناثراً الوجدَ في الآفاق براً وبحراً ملفتاً انظار الجميع الى الصانع الجليل بدعوةٍ ودعاء، وتهليل وتسبيح وتقديس، ترنّ به ارجاء السماوات والارض.. وليقرع اسماع جميع ارباب العقول بما يلقّنه من دروس مقدسة سامية وارشادات حكيمة من القرآن الحكيم.. وليبين بأجمل صورة واجلاها بالقرآن العظيم المقاصد الإلهية لذلك الصانع (الحكم الحكيم).. وليستقبل بأكمل مقابلة وأتمهامظاهر الحكمة البالغة والجمال والجلال المتجلية في الآفاق. فانسانٌ هذه مهمته، انسان ضروري وجوده،بل يستلزمه هذا الكون،كضرورة الشمس ولزومها له.
فالذي يؤدي هذه المهمات، وينجز هذه الوظائف على اتم صورة ليس الا الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم كما هو مشاهد؛ لذا فكما تستلزم الشمس الضوء، ويستلزم الضوء النهار، فالحِكَم المبثوثة في آفاق الكون وجنباته تستلزم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته.
نعم! مثلما يقتضي التجلي الاعظم لاسم (الحكم والحكيم) - في اوسع مداه - الرسالة الاحمدية، فان اغلب الاسماء الحسنى؛ (الله، الرحمن، الرحيم، الودود، المنعم، الكريم، الجميل، الرب) وامثالها، تستلزم الرسالة الاحمدية في اعظم تجلياتها واحاطتها بالكون كله، استلزاماً قاطعاً لا ريب فيه.
فمثلاً:
ان الرحمة الواسعة التي هي تجلي اسم (الرحيم) تظهر بوضوح بمَن هو (رحمة للعالمين)..
وان التحبب الإلهي، والتعرف الرباني - اللذين هما من تجليات اسم (الودود) - يفضيان الى نتيجتهما ويجدان المقابلة بـ(حبيب رب العالمين)..
وان جميع انواع الجمال: من جمال الذات الى جمال الاسماء، وجمال الصنعة والاتقان، وجمال المصنوعات، والمخلوقات، كل انواع الجمال – التي هي تجلٍ من تجليات اسم (الجميل) - تشاهَد في تلك المرآة الاحمدية، وتُشهد بها..
بل حتى تجليات عظمة الربوبية، وهيمنة سلطنة الالوهية انما تُعرف برسالة هذا الداعية العظيم الى سلطان الربوبية وتتبين بها، وتُفهم عنها، وتؤخذ منها وتُصدّق بها..
وهكذا فأغلب الاسماء الحسنى انما هي برهان باهر على الرسالة الاحمدية كما مر آنفاً..)) (*)
____________________
(*) كليات رسائل النور- اللمعة الثلاثون - النكتة الثالثة النقطة الخامسة ص(536)