غرباء الحيرة

 

 قطرة نورية من كليات رسائل النورسي

[على قمة شجرة التوت الاسود المباركة،

ذكر سعيد القديم بلسان سعيد الجديد

هذه الحقائق].

 

مخاطبي ليس "ضياء باشا(1) بل المفتونون باوروبا.

والمتكلم ليس نفسي، بل قلبي تلميذ القرآن.

ان"الكلمات" السابقة حقائق. اياك ان تحار، احذر ان تجاوز حدّها

لا تُزغ، ولا تصغِ الى فكر الاجانب، انه ضلال، يسوقك الى الندم.

ألا ترى الأوسعَ فكراً والأحدَّ نظراً يقول دوماً في حيرته:

آه!وا أسفى! ممن اشكو، ولمن! فقد ذهلت!

وأنا أقول ولا اتردد فالقرآن ينطقني:

اشكو منه اليه، ولا اتحير مثلك!

استغيث من الحق بالحق، لا أتجاوز حدّي.

ادعو من الارض الى السماء، ولا اهرب مثلك!

في القرآن الكريم: الدعوة كلها؛ من النور والى النور، لا انكث مثلك.

في القران الكريم: الحكمة الصائبة. اثبتها، ولا اعير للفلسفة المخالفة أي اهتمام!

في القرآن الكريم: جواهر الحقائق.

افديها بروحي.. لا ابيعها مثلك!

أجيل طرفي من الخلق الى الحق، لا اضل مثلك!

اطير فوق الطريق الشائك، لا اطؤها مثلك!

يصعد شكري الى عنان السماء، لا اعصي مثلك!

ارى الموت صديقاً، لا اخافه مثلك!

ادخل القبر باسماً، لا ارتعد مثلك!

فمَ تنّين، فِراشَ الوحشة، عتبةَ العدم.. لا اراه مثلك!

بل موضع تلاقي الاحباب.. لا اضجر منه، لا ابغضه مثلك!

لا اتضايق منه، ولا أهابه.

فهو باب الرحمة، باب النور، باب الحق

اقرعه باسم الله، ولا التفت، ولا تأخذني الدهشة.

سأرقُد قرير العين، حامداً ربي، لا اقاسي ضيقاً، ولا اظل في وحشة.

سأقوم على صدى أذان اسرافيل في فجر الحشر، قائلاً.. "الله اكبر".

لا ارهب من المحشر الاكبر!

لا اتخلف من المسجد الاعظم!

من لطف الله ونور القران الكريم وفيض الإيمان.. لا أيأس اصلاً.

بل اسعى واجري طائراً الى ظل عرش الرحمن.

ولا احار مثلك.. ان شاء الله.(*)

 

__________________

(1) شاعر تركي (1825ــ 1880) كان من دعاة التجديد، دخل جمعية العثمانيين الجدد، هاجر الى باريس. له ديوان "ظفرنامه" و "خرابات" في ثلاث مجلدات، جمع فيها من عيون شعر الديوان. كان يتمتع بذكاء خارق ولكنه حار أمام الحكمة الإلهية الجارية في الكون، وكان يعاني من حيرته هذه معاناة اي معاناة. "ينى لغات". ــ المترجم.

(*) كليات رسائل النور - الكلمة السابعة عشرة - ص: 228

 

قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد