كل بدعة ضلالة وبيان انواع السنن
(كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)[1]
أي: بعد ان كملتْ قواعد الشريعة الغراء ودساتير السنة المطهرة، واخذت تمام كمالها، بدلالة الآية الكريمة (اليومَ أكملتُ لكُم دينَكُم...) (المائدة: 3) فان عدم استحسان تلك الدساتير بمحدثات الامور، او ايجاد البدع التي تشعر كأن تلك القواعد ناقصة -حاش لله - ضلال ليس له مستقر الا النار.
ان للسنة المطهرة مراتب:
قسم منها واجب لايمكن تركه، وهو مبين في الشريعة الغراء مفصلا، وهو من المحكمات اي لايمكن باية جهة كانت ان تتبدل.
وقسم منها هو من قبيل النوافل، وهذا بدوره قسمان:
قسم منه هو السنن التي تخص العبادات، وهي مبينة ايضا في كتب الشريعة. وتغيير هذه السنن بدعة.
أما القسم الآخر فهو الذي يطلق عليه الآداب وهي المذكورة في كتب السير الشريفة، ومخالفتها لاتسمى بدعة، الا انها من نوع مخالفة الآداب النبوية، وعدم الاستفاضة من نورها، وعدم التأدب بالادب الحقيقي. فهذا القسم هو: اتباع افعال الرسول صلى الله عليه وسلم المعلومة بالتواتر في العرف والعادات والمعاملات الفطرية، ككثير من السنن التي تبين قواعد ادب المخاطبة وتظهر حالات الاكل والشرب والنوم أو التي تتعلق بالمعاشرة. فمن يتحر امثال هذه السنن التي تطلق عليها الآداب ويتبعها فانه يحول عاداته الى عبادات، ويستفيض من نور ذلك الأدب النبوي، لأن مراعاة أبسط الآداب واصغرها تذكر بالرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم مما يسكب النور في القلب.
ان اهم ما في السنة المطهرة هي تلك السنن التي هي من نوع علامات الاسلام والمتعلقة بالشعائر، اذ الشعائر هي عبادة من نوع الحقوق العامة التي تخص المجتمع.
فكما ان قيام فرد بها يؤدي الى استفادة المجتمع كله، فان تركها يجعل الجماعة كلها مسؤولة. فمثل هذه الشعائر يعلن عنها وهي أرفع من ان تنالها ايدي الرياء واهم من الفرائض الشخصية ولو كانت من نوع النوافل.(*)
______________________________
[1] حديث صحيح: جزء من حديث اخرجه احمد (3/310، 311 و337،338،371) ومسلم (867) والنسائي (3/ 188) وابن ماجة (45) والبيهقي في السنن (3/213، 214) وغيرهم من عدة طرق كلهم من حديث جابر رضي الله عنه. وزيادة (وكل ضلالة في النار) هي عند النسائي فقط من بين هؤلاء وسندها صحيح.
(*) كليات رسائل النور- اللمعة الحادية عشرة - ص: 86