لا تحمل ما لا يطيق
قطرة نورية من كليات رسائل النورسي
اعلم ايها السعيد الغافل! انك ترى الدنيا الزائلة سريعاً، كأنها دائمة لا تموت، فعندما تنظر ما حولك من الآفاق وتراها ثابتةً مستمرةً – الى حد ما – نوعاً وجملةً، ومن ثم ترجع بالمنظار نفسه فتنظر الى نفسك الفانية، تظنها ثابتةً ايضاً. وعندها لا تندهش الاّ من هَول القيامة، وكأنك تدوم الى أن تقوم الساعة!.
عُدْ الى رشدك، فانت ودنياك الخاصة بك معرضان في كلّ آن الى ضربات الزوال والفناء.. ان مَثَلَكَ في خطأ شعورك وغَلَط حسك هذا، يشبه مَن في يده مرآة تواجه قصراً او بلداً او حديقةً، وترتسمالصورة المثاليةُ للقصر او البلد او الحديقة فيها، فاذا ما تحركت المرآة أدنى حركة، وتغيرت اقلّ تغير، فسيحدث الهرج والمرج في تلك الصورة المثالية، فلا يفيدك بعدُ البقاءُ والدوام الخارجيان في نفس القصر او البلد او الحديقة، اذ ليس لك منها الاّ ما تعطيك مرآتُك بمقياسها وميزانها.
فاعلم ان حياتك وعمرك مرآة! وانها عماد دنياك وسندها ومرآتها ومركزها. فتأمل في مرآتك، وإمكان موتها، وخرابِ ما فيها في كل دقيقة، فهي في وضع كأن قيامتك ستقوم في كل دقيقة.
فما دام الامر هكذا فلا تحمل حياتك ودنياك ما لا طاقة لهما به.(*)
____________
(*) كليات رسائل النور – اللمعة السابعة عشرة .. ص:175