ماهية الروح مجهولة

 

    من المعلوم إن الإنسان لا يجهل ماهية الروح فحسب، بل يجهل حتى ماهية حياة ابسط نبات. وماهية الأشياء التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى. لأنه هو خالق الموجودات وبارئها.

    يقول الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي [1] رحمه الله : (( إن وجود العقل هو لإيفاء وظيفة العبودية، وليس لإدراك أسرار الربوبية )). وبهذه العبارة البليغة بيّن بديع الزمان على نحو صحيح بأن الإنسان ليس مكلفاً لحل أسرار الربوبية ولا طاقة له على ذلك.

    فمثلا في الوقت الذي ندل على وجود الكهرباء بعقولنا رغم إننا لا نراها بحواسنا ولا نعرف ماهيتها، ومع ذلك لا يساورنا شك بوجود هذه الحقيقة التي لا تُلمس باليد ولا تُرى بالعين، وليس لها طول أو عرض، أو حجم. ولا هي كثيفة أو سائلة وليس لها أي طعم أو رائحة أو لون. لأن تلك الحقيقة ظاهرة أمام العيان بآثارها وحركاتها وثمارها ونتائجها. ونحن نعلم بأن الكهرباء هي التي تقوم بعملية الحساب في الحاسبات الإلكترونية، وبنقل الأمواج الصوتية في الراديو وبنقل الأصوات والصور في التلفزيون وبحفظ الأصوات في شريط التسجيل وبالإنارة في المصباح. فالكهرباء هي التي تقوم بكل هذه الأعمال. ولكن لو فرضنا أن لهذه الكهرباء التي تمتلك هذه المهارة شعوراً، فإنها لا تعرف نفسها وماهيتها. فلو كانت لها قابلية الرؤية لتمكنت من رؤية آلات الماكنة التي تسعى إلى تشغيلها فحسب. وكذلك الروح فإنها رغم عدم معرفتها لماهيتها فانه تقوم بأعمال كثيرة في معمل الجسد وفي آن واحد ودون خطا أو سهو.

    الخلاصة: هناك حقائق لم يدرك الإنسان ماهيتها ولم يستطيع رؤيتها بحواسه الظاهرة والباطنة. والروح واحدة من هذه الحقائق.(*)

__________________

(1) بديع الزمان سعيد النورسي ( رحمه الله ) : ولد في سنة 1293هـ (1873م) في قرية (نورس) قرب بحيرة (وان) الواقعة شرق تركيا . درس العلوم الإسلامية كلها وأتمها وتغلب في جميع المناظرات والمناقشات التي دخلها مع العلماء . أخذ يؤلف منذ سنة (1926م) مستمداً من فيض القرآن الكريم رسائل تنوف على المئة والثلاثين رسالة سماها « رسائل النور » طيلة سنوات عمره التي قضاها بين النفي والتشريد والسجن والتي تزيد على ربع قرن . وظل الأستاذ النورسي – رحمه الله – دؤوباً في خدمة القرآن الكريم والإيمان بالتأليف والتوجيه إلى أن وافته المنية في 26 رمضان المبارك سنة 1379 هـ والموافق 23 مارت سنة 1960 م . رحمه الله رحمة واسعة .
(*) ما هي الروح ؟ تأليف الأستاذ محمد قرقنجي - ترجمة سامي سليمان عارف

قرئت 19 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد