مناجاة

 

قطرة نورية من كليات رسائل النورسي

اعلموا!

اني قد اكتب تضرّع قلبي الى ربي مع ان من شأنه ان يُستَر ولا يُسطَر، رجاءً من رحمته تعالى ان يقبل نُطق كتابي، بدلاً عني إذ أسكت الموت لساني.. نعم، لا تسع توبة لساني في عمري القصير كفارة لذنوبي الكثيرة. فنطقُ الكتاب الثابت الدائم أوفى لها. فقبل ثلاث عشرة سنة واثناء اضطراب روحي عارم وفي غمرة تحول ضحكات (سعيد القديم) الى بكاء (سعيد الجديد) أفقت من ليل الشباب على صبح المشيب فسطرت هذه المناجاة باللغة العربية، اوردها هي:

ياربي الرحيم وياإلهي الكريم!

قد ضاع بسوء اختياري عمري وشبابي، وما بقي من ثمراتها في يدي الاّ آثام مؤلمة مُذلة، وآلام مضرّة مُضلة، ووساوسٌ مزعجة معجزة، وانا بهذا الحمل الثقيل، والقلب العليل، والوجه الخجيل متقربٌ – بالمشاهدة – بكمال السرعة، بلا انحراف وبلا اختيار كآبائي واحبابي واقاربي واقراني الى باب القبر، بيت الوحدة والانفراد في طريق ابد الآباد، للفراق الابدي من هذه الدار الفانية الهالكة باليقين، والآفلة الراحلة بالمشاهدة، ولا سيما الغدارة المكارة لمثلي ذي النفس الامارة.

فيا ربي الرحيم ويا ربي الكريم!

أراني عن قريب لبستُ كفني وركبت تابوتي، وودعت أحبابي، وتوجهت الى باب قبري، فأنادي في باب رحمتك: الأمان الأمان ياحنان يامنان، نجني من خجالة العصيان.

آهٍ.. كفني على عنقي، وانا قائم عند رأس قبري، أرفع رأسي الى باب رحمتك اُنادي: الأمان الأمان يارحمن ياحنان، خلصني من ثقل حمل العصيان.

آهٍ.. انا ملتف بكفني وساكن في قبري وتركني المشيعون، وانا منتظر لعفوك ورحمتك.. ومشاهدٌ بأن لا ملجأ ولا منجأ الاّ اليك، وأُنادي: الأمان الأمانَ من ضيق المكان، ومن وحشة العصيان، ومن قبح وجه الآثام. يارحمن ياحنان.. يا منان.. ويا ديان نجني من رفاقة الذنوب والعصيان..

الهي! رحمتك ملجئي ووسيلتي، واليك ارفع بثي وحزني وشكايتي.

يا خالقي الكريم، وياربي الرحيم، وياسيدي، ويامولاي.. مخلوقك، ومصنوعك وعبدك العاصي العاجز، الغافل، الجاهل العليل الذليل المسيء المسن الشقي الآبق، قد عاد بعد اربعين سنة الى بابك ملتجأً الى رحمتك، معترفاً بالذنوب والخطيئات مبتلى بالاوهام والاسقام، متضرعاً اليك.. فان تقبل وتغفر وترحم فانت لذاك اهلٌ وانت ارحم الراحمين والاّ فايّ بابٍ يُقصد غير بابك.. وانت الرّبُ المقصود والحق المعبود. ولا اله الاّ انت وحدك لا شريك لك.. آخر الكلام في الدنيا واول الكلام في الآخرة وفي القبر: اشهد ان لا إله الاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.(*)

____________

(*) كليات رسائل النور – اللمعة السابعة عشرة .. ص:196

قرئت 21 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد