من اسباب كسب الاخلاص رابطة الموت و التأمل الايماني في المخلوقات

بسم الله الرحمن الرحيم

(كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران: 185)

(اِنَّكَ مَـيّـتٌ وَاِنَّـهُمْ مَـيّـتُون) (الزمر:30)

قطرة نورية من كليات رسائل النورسي

من اسباب كسب الاخلاص

رابطة الموت و التأمل الايماني في المخلوقات.

فيا اخوتي في خدمة القرآن!

ان اهم سبب لكسب "الاخلاص" واعظم وسيلة مؤثرة للمحافظة عليه هو: "رابطة الموت":

فكما ان طول الامل يثلم الاخلاص ويفسده ويسوق الناس الى حب الدنيا والى الرياء، فان "رابطة الموت" تنفّر من الرياء، وتجعل المرابط معه يحرز الاخلاص. اذ تخلصه من دسائس النفس الأمارة، وذلك بتذكر موته وبملاحظة فناء الدنيا وزوالها. هذا ولقد اتخذ المتصوفة واهل الحقيقة العلمية "رابطة الموت" اساساً في منهج سلوكهم، وذلك بما تعلموه من الآية الكريمة: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران: 185) (اِنَّكَ مَـيّـتٌ وَاِنَّـهُمْ مَـيّـتُون) (الزمر:30) فازالوا بتلك الرابطة توهم البقاء وحلم الابدية الذي يولد طول الامل، حيث افترضوا خيالاً وتصوروا انفسهم امواتاً.. فالان يُغسلون.. والآن يوضعون في القبر..وحينما يتفكرون بهذه الصورة تتأثر النفس الامارة بهذا التخيل اكثر فتتخلى شيئاً فشيئاً عن آمالها العريضة. فلهذه الرابطة اذن فوائد جمة ومنافع شتى. ويكفى ان الحديث الشريف يرشدنا اليها بقوله صلى الله عليه وسلم: (اَكْثِروُا ذِكْرَ هَاذِمِ الَّلذَّاتِ)(1). وحيث ان مسلكنا حقيقة علمية وليست طريقة صوفية، فلا نرى انفسنا مضطرين مثلهم الى مباشرة تلك الرابطة بالافتراض والخيال. فضلاً عن ان هذا الاسلوب لايلائم منهج الحقيقة. اذ التفكر بالعقبى ليس هو بجلب المستقبل الى الحاضر خيالاً، بل الذهاب فكراً من الحاضر الى المستقبل، ومشاهدة المسقبل من خلال الحاضر الواقع كما هو الحقيقة، فلا حاجة الى الخيال، ولا يلزم الافتراض، اذ الانسان يمكنه مشاهدة جنازته وهي ثمرة محمولة على شجرة عمره القصير، واذا ما حول نظره قليلاً لا يرى موته وحده، بل يرى ايضاً موت عصره، حتى اذا جال بنظره اكثر يرى موت الدنيا ودمارها، وعندها ينفتح امامه الطريق الى "الاخلاص التام".

والسبب الثاني في احراز الاخلاص هو: ان يكسب المرء حضوراً وسكينة بالايمان التحقيقي وباللمعات الواردة عن التفكر الايماني في المخلوقات. وهذا التأمل يسوق صاحبه الى معرفة الخالق سبحانه، فتنسكب الطمأنينة والسكينة في القلب.حقاً ان تلمع هذا النوع من التأمل في فكر الانسان يجعله يفكر دائماً في حضور الخالق الرحيم سبحانه ورؤيته له، اي انه حاضر وناظر اليه دائماً. فلا يلتفت عندئذٍ الى غيره، ولا يستمد من سواه. حيث ان النظر والالتفات الى ماسواه يخل بأدب الحضور وسكينة القلب. وبهذا ينجو الانسان من الرياء ويتخلص منه، فيظفر بالاخلاص باذن الله.

وعلى كل حال فان في هذا "التأمل" درجات كثيرة ومراتب عدة. فحظ كل شخص ما يكسبه، وربحه ما يستفيد منه حسب قابلياته وقدراته.

نكتفي بهذا القدر ونحيل الى رسائل النور حيث ذكرت كثيراً من الحقائق حول النجاة من الرياء واحراز الاخلاص.(*)
------------------------

[1] اكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت: رواه احمد والترمذي وحسنه. والنسائي من حديث ابي سلمة عن ابي هريرة به مرفوعاً. وصححه ابن حبان والحاكم. واعلّه الدارقطني بالارتباك. (تمييز الطيب لابن الديبع الشيباني) ومعنى هاذم: قاطع. ــ المترجم.

(*) اللمعة الحادية والعشرون - ص: 246

 

قرئت 3 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد