1
هل الإسلام دين ترهيب
قد يكون هناك بعض الديانات الباطلة التي تقوم على الترهيب ولكن من الخطأ اعتبار جميع الأديان مبنية على الترهيب
فمن الغلط القول بأن الإسلام الذي هو الدين الحق هو دين ترهيب
القرآن فيه خطاب الترغيب والترهيب ، ولكن الترهيب ليس هدفه التخويف بل لتنبيه الناس من إرتكاب الأخطاء. فإن إبلاغ الناس بخطر سيقع ليس من أجل تخويفهم بل للحذر وأخذ الحيطة.
لم يتحدث الإسلام عن جهنم فقط ، بل الجنة أيضًا. فقبل مجيء الإسلام ، كان الإعتقاد السائد أن ما بعد الموت زوال ولا وجود لحياة اخرى ، فما كان من الإسلام إلا أن أبطل هذا الإعتقاد وبشر المؤمنين بالجنة بعد الموت
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا، ولا تُنَفِّرُوا )(البخاري 70).
الإسلام هو دين الله خالق هذا الكون ، إرتضاه لنا لتسعد البشرية في هذه الدنيا والآخرة ، بفضله نعرف الخالق ونتعرف على ذواتنا ، ونفهم المعنى االحقيقي للوجود ، ونجد السكينة والطمأنينة في دواخلنا والسلامة في حياتنا
وهي دعوة جميع الأنبياء من سيدنا أدم إلى نوح وابراهيم وموسى وعيسى وإلى سيدنا محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام لإنقاذ البشرية ونشر الإيمان و المحبة والسلام في هذه الحياة الدنيا
2
نعمة الاسلام أم نعمة العقل أولاً
أن العقل وسيلة والدين غاية والغاية أهم من الوسيلة
وبيان ذلك أن المفتاح وسيلة وما نفتحه غاية فهل قيمة المفتاح أعظم من قيمة البيت أو الصندوق
وهذا يعني بالتالي أن قيمة الوسيلة عظيمة بمقدار الغاية التي نصل بها إليها
والعقل مزية الإنسان التي بها شرف الإنسان وتكليفه
3
أركان الإسلام
الإسلام مبني على خمسة أركان .الشهادتان والصلاة و الزكاة والصيام والحج
{ بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان } متفق عليه
مفتاح دخول الإنسان الى الإسلام النطق بكلمة الشهادة. [ أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ]
فأما الطَرَف الأول منها ( لا إله إلا الله ) فمعناه أن ينطق بلسانه ويُقرَّ بقلبه "وجود الله ووحدانيته ، وأنه ليس له شريك ولا ند " ، والثاني ( محمداً عبده ورسوله )أي أن " النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عبد الله ورسوله مبعوثٌ من الله إلى الناس كافة ينقل اليهم تعاليم الإسلام الدين الذي شرعه لهم .
الركن الثاني إقام الصلاة : الصلاة هي الصلة بين العبد وربِّه فيقف العبد بين يدي الله مقراً بالعبودية مظهراً العجز بالركوع والسجود. والصلاة عبادة كاملة وشكر تام. وفرض على كل مسلم قال نبينا: { رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة }(الترمذي الإيمان 8).
والركن الثالث إخراج الزكاة. الزكاة هي عبادة مالية فرَضَها اللهُ على الأغنياء من المسلمين فهي حق مفروض معلوم من المال تصرف في أوجه مخصوصة فما يدفعه اغنياء المسلمين من المال للفقراء على سبيل الفرض يسمى زكاة وهو حق للفقراء. كما ان الإسلام شجع المسلمين على مساعدة الفقراء بالإنفاق من غير الزكاة.وهي تسمى الصدقة.
والركن الرابع صيام رمضان :المسلم يمسك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فبالصوم يربي المسلم نفسه ويهذبها ويمنع عنها رغباتها وشهواتها فتزكو النفس وتطهر الروح ، ومع ألم الجوع ينمو في القب الشعور بالشفقة تجاه الفقير.
والركن الخامس الحج : الحج إلى الكعبة بيت الله الحرام في مكة فرض على كل مسلم بالغ يَملك القدرة المالية والبدنية في العمر مرة واحدة ووقته معلوم ومن أعظم الحكم لهذا الركن انه فرصة لإجتماع المسلمين حول العالم .
4
أنواع الجهاد
أنواع الجهاد هي
1- جهاد الجهل: هذا الجهاد هو تبليغ الناس وتعليمهم الدين الحق بأسلوب الحكمة والكلمة الطيبة.
يقول الله تعالى:{ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ } (النحل:125)
إن القرآن الكريم دواء إلهي لعلاج جميع الامراض المادية والروحية والفردية والاجتماعية، ليس للمسلمين فقط، بل لجميع الناس وإلى قيام الساعة. وقد أوكلت إلى المسلمين واجب تبليغه لناس كافة
2- جهاد النفس: يحذر الله المؤمنين من حيل النفس الامارو بالسوء ويحثهم على كبح جماحها ومجاهدتها
يقول الله تعالى:{ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ}. (ص: 26)
وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ المجاهد من جاهد نفسه لله ]
وقال أيضا: [ رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر ، قالوا : وما الجهاد الأكبر ؟ قال : مجاهدة العبد هواه ]،كان ذلك بعد العودة من المعركة، وهذا يعبر بإيجاز شديد عن اهمية جهاد النفس وهزيمتها وانه أصعب وأهم من قتال العدو.
3- جهاد الشيطان: ورد في القرآن الكريم:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ}.( فاطر:6) تشير الآية الى ان الشيطان عدو للانسان، وجهاده واجب للخلاص من شره
4- القتال بالسلاح: وهذا جهاد العدو المتربص بالامة وهو لا يكون دائما، وليس واجبًا على الجميع. فإذا كانت الدولة تتمتع بالقوة الكافية،وهناك من الناس من يقوم بهذا الواجب فانه يسقط عن البقية.
5
معنى الحج و حكمته وفوائده
(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)
الحج في اللغة: القصد، وفي الشرع: "قصد مخصوص، إلى موضع مخصوص، في وقت مخصوص، بشرائط مخصوصة"
الحَجُّ فِي الإسْلَامِ هو حج المسلمين إلى مدينة مكة في موسم محدد من كل عام، وله شعائر معينة تسمى مناسك الحج، وهو واجب لمرة واحدة في العمر لكل بالغ قادر من المسلمين. هو الركن الخامس من أركان الإسلام،
والحج عبادة شعائرها لها رمزية تجعل الحاج يعيش احوالا معينة
فأثناء الحج، يغطي الحجاج أنفسهم بالاحرام ملابس غير مخيطة تشبه الكفن ، تذكر الانسان بالموت.
والوقوف في عرفة هو مثال صغير ليوم القيامة والحشر.
بعد الوقوف بعرفة، يأتي الحجاج إلى مزدلفة بالتكبير، ويقضون ليلة العيد هناك، وفي يوم العيد يذهبون إلى منى لرجم الشيطان وذبح الاضاحي. رجم الشيطان فيه اقتداء الحاج بسيدنا ابرهيم عليه السلام حين رجم الشيطان و يرمز الى كراهية الشيطان وشره.
وبعد أن يظهر الحاج عداوته وكرهه للشر، يذهب ليضحي بالأضحية فهو مستعد للتضحية في سبيل الله، اقتداءا بسيدنا إسماعيل عليه السلام الذي لبى الامر الإلهي وان كان فيه ذبحه فيعبر الحجاج بذلك عن استعدادهم للتضحية بحياتهم في سبيل الله إذا لزم الأمر، وأنهم لن يترددوا في التضحية. وهكذا جميع شعائر الحج فيها دروس يعيشها الحاج في هذه العبادة العظيمة
وكذلك للحج حكم كثيرة وفوائد مادية وروحية.
يجتمع المؤمنون في الحج وقد أتوا من كل البلاد ايمانهم وهدفهم واحد. لا يمكن رؤية هذا التجمع الكبير في أي مكان آخر في العالم .متوجهين الى خالقهم مؤمنين به لبوا نداء الحج يتعبدون بالشعائر ويدعون الى الله ويتضرعون اليه ويطلبون المغفرة، والتوبة والعزم على ترك المعاصي والالتزام باوامر الله وشريعته.
والحج بمثابة مؤتمر عام للعالم الإسلامي يعقد مرة واحدة في السنة. خلال موسم الحج، فهي فرصة للالتقاء والاختلاط مع بعضهم البعض؛ لديهم الفرصة لتبادل الثقافي والفكري والاقتصادي .
6
لماذا الإسلام هو الدين الحق؟
قال الله تعالى:"{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }( آل عمران: 19)
في اللغة، تعني كلمة "دين" الجزاء سواء كان مكافأة أو عقوبة، وهي تعبر عن العلاقة بين التابع (الذي يتبع) والمتبوع صاحب السلطة. أما في الاصطلاح، فقد عُرِّف الدين بتعريفات مختلفة. هناك اختلافات جوهرية بين تعريفات الدين عند العلماء المسلمين ونظرائهم الغربيين، وكذلك فيما يتعلق بمصدر الدين وأول نشأته.
وفقاً للفهم الإسلامي، فإن الدين هو مجموعة القواعد التي توجه الإنسان ليعيش وفقاً للغاية التي خُلق من أجلها، ويساعده على تحقيق هذا الغرض ضمن نظام منضبط. فالدين هو المؤسسة التي تنظم العلاقة بين السلطة الإلهية المقدسة وبين الإنسان الذي يتبعها بإرادته. ومن خلال هذه الآية الكريمة، يتضح أن الدين الذي له قيمة عند الله يجب أن يقوم على تسليم إرادي وطوعي. بمعنى آخر، وفقاً للفكر الإسلامي، فإن الدين هو التشريع الإلهي الذي يوجه أصحاب العقول بإرادتهم نحو الخير والسعادة.
يُذكر مصطلح الإسلام لأول مرة في القرآن الكريم في هذه الآية.
ومعنى الإسلام في اللغة هو "الالتزام، والطاعة، والخضوع، والسلام"،
أما في الاصطلاح، فيعني "قبول كل ما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتسليم له بكل كيان الإنسان".
وبهذا، فإن اسم الدين الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الإسلام. كما أن مصطلح "الإسلام" في اللغة العربية هو مصدر يعبر عن الدخول في هذا الدين.
أما من اتبع الإسلام، فيُطلق عليه "مسلم".
هناك ارتباط قوي بين المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة الإسلام. فوفقاً للفهم الإسلامي، الدين هو قانون يمنع النزاعات والصراعات بين الكائنات العاقلة ويحقق التوافق. كما أن الدين لا يقتصر على تنظيم العلاقات بين البشر فحسب، بل يشمل أيضاً العلاقة بين الإنسان والله، مما يحقق الانسجام بين إرادة الخالق وإرادة المخلوق.
جميع الأديان السماوية تقوم على مبدأ التوحيد، ولهذا فإن الدين الذي بلّغه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يختلف في الأساس عن الأديان التي جاء بها الأنبياء السابقون. ومع ذلك، يرى بعض العلماء المسلمين أن مصطلحي "دين الإسلام" و"أمة الإسلام" يجب أن يُستخدما فقط للإشارة إلى الدين الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه، حتى وإن كان الإسلام يتفق مع الأديان السماوية السابقة في جوهره. ذلك لأن الإسلام يتميز بأحكامه الخاصة التي تخص أمته.
لكن هناك علماء مسلمين آخرين يرون أن الأديان السماوية السابقة يمكن أن تُسمّى أيضاً بالإسلام، مستدلين بآيات قرآنية مثل قول الحواريين للنبي عيسى عليه السلام:{فَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: { كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا}، بالإضافة إلى قوله:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ} إلا أن من يخالفون هذا الرأي يرون أن هذه التسمية تنطبق على الأنبياء أنفسهم وليس بالضرورة على أممهم.
من الملاحظ أن الكتب السماوية السابقة لم تعطِ تسمية محددة لأتباعها، فمصطلحا "اليهودية" و"المسيحية" ظهرا لاحقاً، وكانا يُستخدمان لتسمية أتباع النبي موسى وعيسى عليهما السلام. وبناءً على ذلك، يمكن فهم معنى قوله تعالى:{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } بصورة أعمق. فرغم أن الدين الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم له أحكامه الخاصة، إلا أن القرآن الكريم يؤكد مراراً وتكراراً أنه جاء ليصدّق ما سبقه من الرسالات السماوية، وأن هذه الرسالات في جوهرها كانت ضمن دائرة الإسلام، غير أن الرسالة التي أتى بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم جاءت بالشكل الأكمل.
بالتالي، فإن السبيل الوحيد لنيل رضا الله هو الإيمان التام بجميع ما أنزله من تعاليم. وعلى الرغم من إمكانية استخدام تسميات أخرى للأديان في سياقات معينة، فإن الغاية النهائية هي أن يجتمع الساعون إلى الحقيقة في الإطار الذي يرضاه الله. وهذا المفهوم ينعكس بالضرورة على عقل الإنسان ووجدانه. وقد عبّر العلماء المسلمون عن هذا الفهم من خلال مصطلحي "أمة الإجابة" و"أمة الدعوة"، حيث تشير الأولى إلى من استجاب لدعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل، بينما تشير الثانية إلى من لم ينضم بعد ولكن لديه القابلية لذلك.
من هذا المنطلق، فإن تسمية الإسلام بـ"المحمدية" كما يفعل بعض الكتّاب الغربيين ليست دقيقة، لأنها تقيّد الإسلام بشخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بينما هو دين شامل جاء لكل البشر. فمثل هذه التسمية لا تعكس الحقيقة وتؤدي إلى إعاقة التفاهم بين الأمم.
إن الفهم الصحيح لهذه الآية من منظور الهدف النهائي يدل على أن كل من عاش موحّداً لله، ولم يشرك به شيئاً، واتّبع تعاليمه في حياته، فإنه وفقاً للقرآن الكريم يمكن اعتباره "مسلماً". فالكثير من الآيات تؤكد أن النجاة في الآخرة تقوم على هذا الأساس.
الإسلام في معناه الواسع يعني الاستسلام لله بالقلب واللسان والجوارح. ومن بين هذه الأشكال الثلاثة، فإن التسليم القلبي هو الأهم والأعلى قيمة. وفي القرآن، نجد أن مصطلح الإسلام أحياناً يستخدم ليعبر عن الخضوع الظاهري الذي لم يصل بعد إلى درجة الإيمان الحقيقي.
أما عبارة {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فتُفهم غالباً على أنها تشير إلى أهل الكتاب، أما مصطلح "العلم" فيفسَّر بأنه "الوحي والآيات الواضحة". وتشير الآية إلى أن أهل الكتاب لم يختلفوا إلا بعد أن جاءهم العلم، أي أن الله أوضح لهم الحق ولم يترك لهم حجة، لكنهم رغم ذلك انحرفوا بدافع الغرور والطمع والمصالح الشخصية. وقد فُسّر هذا الاختلاف بأنه يشمل اليهود والمسيحيين معاً.
من خلال الوقائع التاريخية، يمكن فهم أن هذه الآية تنتقد المجتمعات التي أُنزِل إليها الوحي الإلهي، لكنها بدلاً من الاستفادة منه لتحقيق السلام والتقدم، انشغلت بالصراعات الداخلية والمصالح الذاتية، وأدى ذلك إلى الانقسام والتحزب الديني. وعلى الرغم من هذا التحذير الإلهي، إلا أن بعض المسلمين وقعوا في الأخطاء نفسها، مما شكّل عائقاً أمام تحقيق رسالتهم العالمية ونشر حضارتهم بالشكل المطلوب.
7
الهدف من العقوبة في الشريعة الإسلامية؟
شهد مفهوم العقوبة عبر التاريخ تصورات مختلفة، وتحددت غاياتها في ضوء هذه التصورات. ففي الغرب، وحتى القرن الثامن عشر تقريباً، كانت غايات العقوبات تتركز على الردع والانتقام والتشهير. فكان من الشائع آنذاك استخدام أساليب عقابية قاسية مثل الحرق، الصلب، بتر الأعضاء، كسر العظام، والكيّ بالحديد الساخن.
ولم تكن هناك مناسبة بين الجريمة والعقوبة؛ فالعقوبة بالإعدام، مثلاً، كانت تُطبّق أحياناً على أبسط الجرائم. ففي القانون الإنجليزي، حتى القرن الثامن عشر، طُبّقت عقوبة الإعدام على نحو 200 جريمة، أما في القانون الفرنسي فقد بلغت 215 جريمة، وكانت غالبية هذه الجرائم من النوع البسيط.
ومع مرور الزمن، بدأ الانتقام الفردي يُستبدل بهدف الانتقام المجتمعي أو الإلهي. فالانتقام المجتمعي كان يهدف إلى الردع والتخويف، أما الانتقام الإلهي فكان يستهدف تحقيق الكفّارة عن الذنب. وبدءاً من القرن الثامن عشر، بدأ المفكرون الغربيون يرفضون فكرة الانتقام في العقوبات، وحاولوا وضع أهداف بديلة لها.
غايات العقوبة في الإسلام
إن الغاية من العقوبة في الشريعة الإسلامية ليست الظلم أو التعذيب أو الانتقام من الجاني، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبعث لنشر الرعب أو الاستبداد، بل أرسله الله رحمةً للعالمين.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107)
وبحسب النصوص الدينية (الآيات والأحاديث) وأقوال المجتهدين، فإن الغايات التي تتبعها العقوبة في الإسلام هي كما يلي:
1- الردع العام (الوقاية العامة)
تقوم العقوبات في الشريعة الإسلامية على مبدأ الردع والإعجاز، أي منع وقوع الجريمة قبل حدوثها من خلال الترويع والعبرة. ولذلك تُنفَّذ العقوبات علناً أمام الناس، لأن العلنية في العقوبة تؤثر في نفس الإنسان وتردعه.
فالردع العام يتحقق بأفضل صورة عند تنفيذ العقوبة على الملأ، حيث تبقى مشاعر الخوف من العار والإهانة الاجتماعية حاضرة في النفوس، مما يثني الكثيرين عن ارتكاب الجرائم.
2- الردع الخاص (الإصلاح الفردي)
من مقاصد العقوبة في الإسلام إصلاح المذنب وتهذيب سلوكه الأخلاقي، بحيث يُصبح إنساناً صالحاً لا يعاود ارتكاب الجريمة.
فالعقوبة في الإسلام تشبه تأديب الوالد لابنه أو علاج الطبيب لمريضه، لا تهدف إلى الانتقام بل إلى الإصلاح.
3- الكفّارة
العقوبة تُعدّ كفّارة عن الجريمة، وهي مطلب من مطالب العدالة المطلقة. فعند تنفيذ العقوبة، يتم تحقيق الكفّارة عن الذنب، ويُشبع شعور المظلوم بالعدالة، ويسود الأمن في المجتمع.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[حدٌ يقام في الأرض خير للناس من أن يمطروا ثلاثين أو أربعين صباحاً](مسند أحمد)
ويقول القرآن الكريم:
{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(الشورى: 40)
إذًا، العقوبة المكافئة للجريمة تُعدّ عدلاً، غير أن العفو من المظلوم له أجره الخاص عند الله.
كذلك يجب أن تكون العقوبة مناسبة للجريمة، إذ إن العقوبة إذا كانت أشد من الجريمة، تولد شعوراً بالظلم والفوضى في المجتمع. كما أن اعتبار العقوبة كفّارة يُعدّ رحمة بالمذنب، لأن أغلب الفقهاء يرون أن العقوبة الدنيوية تسقط عنه العقوبة الأخروية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
[من أصاب ذنبا أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته]( مسند الامام احمد 2/362)
ولهذا، إذا تاب الجاني وأظهر الندم، يُفضّل ـ إن أمكن ـ عدم إقامة الحد عليه، لأن الغاية الأسمى من العقوبة وهي التوبة قد تحققت.
في الحديث [أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أخالك سرقت](النسائي)
كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا، يا رسول الله، قال: أنكتها لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه
أي إن النبي صلى الله عليه وسلم حاول أن يصرفه عن الإقرار ليتوب بينه وبين ربه دون إقامة الحد. ولكنه أصر، فأقيم عليه الحد.
وفي كلا الحالتين لم يكن هناك دليل خارجي على الجريمة، وإنما كان الاعتراف صادراً عن ندم وتوبة.
أما في الجرائم الثابتة بالبينة والشهادة، فإن التوبة لا تمنع تنفيذ الحد. لأن المصلحة هنا ليست شخصية بل عامة، ويتوجب تنفيذ الحد لحماية المجتمع من تفشي الفساد. والاستثناء الوحيد هو القصاص، إذ يمكن لأولياء الدم العفو عن الجاني، وقد حثّ القرآن على هذا العفو.
أما في الجرائم التعزيرية، التي يُترك تقدير عقوبتها للقاضي، فإن حال الجاني تؤخذ بعين الاعتبار. فإذا رأى القاضي أن الجاني قابل للإصلاح، جاز له تخفيف العقوبة أو إلغاؤها، شريطة مراعاة المصلحة العامة.
8
حكم الحجاب وخطورة التبرج
وردت في القرآن الكريم آيتان واضحتان بشأن الحجاب، حيث يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(الأحزاب:59)
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}(النور:31)
توضح هذه الآيات الكريمة وجوب التزام المرأة المسلمة بالحجاب، ولكن دون تحديد تفصيلي لأجزاء الجسم التي يجب تغطيتها.
وقد جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم ليبيّن ذلك بوضوح، حيث قال مخاطباً أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها:[ يا أسماءُ إنَّ المرأةَ إذا بلغتِ المَحيضَ لم يصلُح أن يُرى منْها إلَّا هذا وَهذا. وأشارَ إلى وجْهِهِ وَكفَّيْه](رواه أبو داود).
الحجاب فرضٌ وليس خيارًا
بناءً على هذه النصوص، فإن تغطية المرأة لرأسها، مع ستر العنق والصدر، فرضٌ من الله ورسوله، وهو جزء من العفة والطهارة التي أمر بها الإسلام. وترك الحجاب يعد تهاوناً في أحد الأحكام الشرعية، مما يجعل المرأة في موضع الإثم، حيث أن كشف الشعر هو تخلٍّ عن فريضة إلهية، وبالتالي فهو محرم.
التوبة والاستغفار لمن تركت الحجاب
من رحمة الله أنه يقبل توبة عباده، فقد قال تعالى:
{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}(آل عمران: 135-136)
خطر التهاون بالحجاب وأثر الذنوب على القلب
يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من أثر الذنوب على القلب، حيث يقول:
[ إنَّ المؤمنَ إذا أذنب ذنبًا كانت نُكتةٌ سوداءُ في قلبِه ، فإن تاب ، ونزع ، واستغفر صقَل منها ، وإن زاد زادت حتَّى يُغلَّفَ بها قلبُه ، فذلك الرَّانُ الَّذي ذكر اللهُ في كتابِه : {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ}]
ثم إن الذنب يقود إلى غيره، وقد يصل الأمر إلى الإنكار الباطني لأحكام الله، فالتهاون في الحجاب قد يؤدي إلى التهاون في غيره من الواجبات، بل وقد يصل بالإنسان إلى إنكار الحساب والعقاب، والاعتراض على أوامر الله.
كيف نتجنب هذه المخاطر؟
لحماية النفس من وساوس الشيطان، يجب على المسلم أن يسارع إلى التوبة ويبتعد عن أي ذنب قد يبعده عن الله. ومن ذلك، الالتزام بالحجاب وعدم التهاون به، فهو حماية للمرأة وصيانة لها، وهو أمر إلهي لا ينبغي التساهل فيه.
اللهم اجعلنا من الطائعين لأوامرك، والمتبعين لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
9
كيف حُفظ القرآن الكريم من التحريف؟
القرآن الكريم، الكتاب السماوي الأخير، والذي أنزله الله على البشرية كافة، نزل على مدى 23 عاماً، آيةً بعد آية، وسورةً بعد سورة.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو ما أنزل عليه من آيات وسور على الصحابة، فكانوا يحفظونه عن ظهر قلب، ويقوم بعضهم بكتابته.
إلى جانب ذلك، كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتّاب وحي مكلفون بكتابة الآيات فور نزولها. وكان جبريل عليه السلام يُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بترتيب الآيات ومكانها داخل السور، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها في مواضعها المحددة. وهكذا، كان القرآن كاملاً ومكتوبًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت مواضع آياته وسوره معروفة بدقة.
بالإضافة إلى ذلك، كان جبريل عليه السلام يراجع مع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام في رمضان. وفي آخر رمضان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، راجع جبريل القرآن مرتين، حيث قرأه النبي صلى الله عليه وسلم مرة، واستمع إليه جبريل، ثم قرأه جبريل، واستمع إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
- جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
رغم أن القرآن كان مكتوباً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه لم يكن مجموعاً في مصحف واحد، بل كان متفرقاً بين الصحابة في صحائف وألواح، ومحفوظاً في صدورهم.
لكن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، نشأت الحاجة لجمع القرآن في مصحف واحد، خاصة بعد استشهاد العديد من حفظة القرآن في معركة اليمامة. فشكّل الخليفة لجنة برئاسة زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهو من كتّاب الوحي، وطلب من الصحابة إحضار ما لديهم من آيات مكتوبة، مع التحقق منها ومقارنتها بما هو محفوظ في صدور الحفاظ.
هكذا، تم جمع القرآن كاملًا في مصحف واحد، وفق الترتيب الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم ، ليبقى محفوظاً من الضياع أو التحريف.
- نسخ المصحف في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومع انتشار الإسلام في أماكن مختلفة، خشي الصحابة من اختلاف القراءات، فأمر عثمان بنسخ عدة مصاحف من المصحف الأصلي وإرسالها إلى الأمصار الإسلامية، حتى يكون القرآن موحدًا بين جميع المسلمين. وهذه المصاحف هي الأساس الذي استُنسخت منه جميع المصاحف الموجودة اليوم.
- لماذا لم يتعرض القرآن للتحريف؟
لم يواجه القرآن أي تحريف أو تغيير، على عكس الكتب السماوية السابقة، وذلك للأسباب التالية:
1. القرآن محفوظ بوعد إلهي
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجرات:9)
فالله تعهد بحفظ القرآن، وهذا ما تحقق عبر العصور.
2. الحفظ في الصدور قبل السطور
منذ نزوله، حرص المسلمون على حفظ القرآن في صدورهم، فلا يمكن أن يُحرَّف أو يُغيَّر. واليوم، هناك ملايين من المسلمين يحفظون القرآن كاملًا، وهو الكتاب الوحيد في العالم الذي يحفظه أتباعه بهذا الشكل.
3. التدوين المبكر والدقيق
كُتب القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وجُمِع في عهد الصحابة بدقة كبيرة، بإشراف الصحابة الذين حفظوه وكتبوه بأنفسهم.
4. توحيد المصحف في عهد عثمان
عندما أرسل الخليفة عثمان رضي الله عنه المصاحف إلى مختلف الأقطار، تم حرق أي نسخ غير معتمدة، لمنع أي تحريف أو اختلاف، وهكذا توحّد النص القرآني في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
5. إعجاز القرآن وبلاغته
القرآن الكريم يتميز بأسلوبه الفريد الذي لا يمكن تحريفه دون أن يُكتشف ذلك فوراً، فهو معجز ببلاغته وبيانه، ولا يمكن تقليده أو تغييره.
خاتمة
منذ نزوله قبل 1400 سنة وحتى اليوم، بقي القرآن محفوظاً كما هو، دون أي تغيير أو تحريف. لا يوجد في العالم كتاب آخر حُفظ بنفس الطريقة، فلا اختلاف بين أي نسخة من القرآن، سواء في الشرق أو الغرب. هذا الحفظ المعجز للقرآن دليلٌ واضحٌ على أنه كلام الله الذي تكفل بحفظه، ليبقى نوراً وهدىً للعالمين إلى يوم القيامة.
10
الإسلام دين حياة
الإسلام هو الدين الوحيد الذي أنزله الله للبشرية منذ آدم. وكانت دعوى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام نفس الدين. وبما أن نبينا (ص) كان خاتم الأنبياء، فقد بلّغ آخر رسالة إلهية.
الإسلام دين يوافق العقل والمنطق. يقدم منظومة أخلاقية يرشد الإنسان في كل خطوة.
إن الله اختار الدين الاسلامي للناس وهو الأصلح لهم. ويسر لهم هذا الدين ليعيشوا في كنفه.
فالدين يخفف ويزيل كل الأعباء و الصعوبات التي يجده الانسان في حياته اليومية.إن الثقة والتوكل على الله مالك الكون ينهي كل المخاوف والهموم.
وكل الأوامر والأحكام التي انزلها الله أتت على الوجه الذي يناسب الطبيعة البشرية، ولا يوجد فيها أي حرج.
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
{ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ }(الأعلى:8) .
{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}(الحج:78)
والحقيقة أن الدين الإسلامي هو منهج الحياة الذي يناسب فطرة الإنسان ووالعيش بالسلامة والسعادة ، وأن الحياة التي يحياها الإنسان وفق القيم الأخلاقية التي جاء بها القرآن هي أفضل حياة ممكنة للإنسان.
11
ما الفرق بين القرآن والكتب السماوية الأخرى؟
إن الكتب السماوية التي نزلت قبل القرآن الكريم والتي لا تزال موجودة اليوم، ليست النسخ الأصلية التي أوحى الله بها إلى أنبيائه. فقد فُقدت أصولها مع مرور الزمن، وأُعيدت كتابتها على يد البشر، مما أدى إلى دخول التحريف والخرافات إليها.
تحريف التوراة
من المعروف تاريخياً أن التوراة الأصلية التي أنزلت على موسى عليه السلام لم يتم الحفاظ عليها، خاصة بعد تعرض اليهود للأسر والاضطهاد لفترات طويلة، حتى أنهم فقدوا دينهم لفترة وأصبحوا يعبدون الأصنام. وبعد قرون، كتب بعض رجال الدين نسخة جديدة من التوراة، لكنها لم تكن مطابقة للأصل، بل احتوت على تحريفات وأحكام تخالف التوحيد، إضافة إلى إساءات وافتراءات على أنبياء الله.
تحريف الزبور
أما الزبور الذي أوحي إلى داوود عليه السلام، فقد تعرض لما تعرضت له التوراة من فقدان وتحريف، ولم يبق منه النص الأصلي.
تحريف الإنجيل
لم يُدوِّن عيسى عليه السلام بنفسه الإنجيل، لأنه بدأ دعوته في سن الثلاثين، وكانت مهمته قصيرة جدًا (ثلاث سنوات فقط)، قضاها في التنقل بين المدن والقرى للدعوة إلى الله. بالإضافة إلى ذلك، كان تحت مراقبة شديدة من الرومان واليهود، مما لم يسمح له بكتابة الإنجيل أو إملائه على تلاميذه.
الأناجيل الموجودة اليوم ليست نصوصاً إلهية مباشرة، بل كتبها أشخاص لم يكونوا من الحواريين، وإنما سمعوا تعاليم المسيح من أتباعه وكتبوها بأسلوبهم الخاص، مما جعلها أقرب إلى سِيَر تاريخية عن حياة عيسى عليه السلام.
هناك اختلافات كبيرة في المحتوى وطريقة السرد بين الأناجيل،
إن اختيار الأناجيل المعتمدة اليوم تم في مجمع نيقية عام 325م، حيث اجتمع 1000 رجل دين، وبعد مراجعة مئات الأناجيل، قرر 318 عضواً اعتماد أربعة أناجيل فقط، وهي التي تدّعي ألوهية المسيح، بينما تم إحراق بقية الأناجيل التي لم تتوافق مع هذا المعتقد.
وبالتالي، فإن عقيدة "ابن الله" لم تكن جزءاً من رسالة عيسى عليه السلام، بل تم إقرارها لاحقاً في المجامع الكنسية. حتى أن بعض الكنائس المسيحية رفضت هذه العقيدة ولم تلتزم بها.
لماذا يختلف القرآن عن هذه الكتب؟
على عكس الكتب السابقة، لم يتعرض القرآن لأي تحريف أو تغيير، فقد نُقل إلينا بأدق التفاصيل كما أُنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وحفظه ملايين المسلمين في صدورهم.
وعد الله بحفظ القرآن بنفسه:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجرات:9)
لم يكتبه بشر بعد مئات السنين، بل دُوِّن وجُمِع في حياة الصحابة تحت إشرافهم المباشر.
الخلاصة
التوراة والزبور والإنجيل الأصلية نزلت من عند الله، لكنها لم تُحفظ من التحريف، وفُقدت أصولها مع الزمن.
أما القرآن فهو الكتاب السماوي الوحيد الذي بقي كما أُنزل دون تغيير، وهو الكتاب المحفوظ إلى يوم القيامة.
لهذا السبب، يعتمد المسلمون على القرآن كمصدر أساسي، بينما ينظرون إلى الكتب السابقة بحذر، لأن نصوصها تم تحريفها عبر التاريخ.
12
ما هو آخر دين سماوي؟
الإسلام هو آخر دين سماوي أرسله الله للبشرية.
يقسم العلماء الأديان إلى نوعين رئيسيين:
الأديان الحقة، هي التي تقوم على الإيمان بإله واحد، وتأمر بعبادته وحده دون شريك، وهذه الأديان أنزلها الله، لذا تُسمّى أيضًا "الأديان السماوية". ولأنها قائمة على التوحيد، فإنها تُعرف أيضًا باسم "دين التوحيد".
الأديان الباطلة، وهي الأديان التي لم تُنزَل من عند الله فهي من صنع واختراع الناس فقد وضعوها بأنفسهم ولا تقوم على الإيمان بالله الواحد.
بعض الأديان الحقة تعرّضت للتحريف عبر الزمن من قبل البشر ، حيث أُضيفت إليها معتقدات غريبة باطلة لا تمتّ لأصل الدين بصلة ولم تكن جزءًا منها، فأصبحت أديانًا محرّفة، مثل اليهودية والمسيحية، اللتين كانتا في الأصل أديانًا سماوية حقة، ولكن بمرور الزمن أُدخلت إليهما تحريفات وتغيرات جعلتهما أديانًا محرَّفة، وبالتالي تُعدّان من الأديان الباطلة.
أول دين في التاريخ كان دين التوحيد الذي أُرسل مع النبي آدم عليه السلام. وكان يقوم على الإيمان بوحدانية الله. وقد أثبتت الدراسات أن أقدم المجتمعات البشرية كانت تؤمن بإله واحد، وهو ما يدحض النظريات التي تدّعي أن الأديان الأولى كانت وثنية.
ومع مرور الوقت، بدأ الناس يبتعدون عن الدين الحق و عقيدة التوحيد، واتبعوا أهواءهم ووسوسة الشيطان، فظهرت الأديان الباطلة. ومع كل انحراف، أرسل الله نبيًا جديدًا ليعيد الناس إلى الطريق الصحيح. ولكن لم يكن الجميع يستجيب للدعوة، بل كان هناك دائمًا من يعارض الحق ويقاتل أهله. هذه المعركة بين الحق والباطل مستمرة عبر العصور، وستبقى حتى نهاية العالم.
13
لماذا فرض الحج؟
مفهوم "العبادة"، في معناه الواسع يعني تنظيم حياة المؤمن وفقاً لما يريده الله،
أما في معناه الضيق فيشمل الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج، والأضحية، وغيرها من الشعائر.
ولكل عبادة خصائصها وحكمتها الخاصة، ومعرفة هذه الحكم تجعل أداء العبادات أكثر معنى.
ويعد الحج من العبادات التي تتميز بأفعال رمزية، لذا فإن فهم أبعاده التاريخية، الأخلاقية، والثقافية يساعد في استيعاب روحه الحقيقية.
الحكمة من الحج وأهدافه
لا شك أن كل ما أمر به الله تعالى ينطوي على حكم عظيمة تفيد الإنسان في دنياه وآخرته، وينطبق هذا أيضاً على فريضة الحج. ومن هذه الحكم:
1. إظهار العبودية والتذلل لله
يشعر الإنسان المؤمن بحاجته الفطرية لإظهار العبودية لله سبحانه وتعالى. والحج يُمكّن المسلم من التعبير عن ضعفه وعجزه أمام خالقه، ومن شكر الله على نعمه. فالحاج يترك وراءه المال، الجاه، والمناصب، متوجهاً إلى الله وحده، مُظهراً خضوعه وتسليمه الكامل لله، مما يمنحه شعوراً عميقاً بلذة العبودية.
2. تجسيد مبدأ المساواة والأخوة الإسلامية
يجمع الحج ملايين المسلمين من مختلف الأجناس، اللغات، والثقافات، في صورة حية للمساواة والأخوة. حيث يرتدي الجميع نفس اللباس، ويعيشون نفس الظروف، ويتحملون نفس المشاق، مما يعزز مفهوم الوحدة. فالحج يُعلِّم المسلمين أن الغنى والفقر، والقوة والضعف، لا قيمة لها أمام الله، كما يذكرهم بيوم القيامة حيث لا ينفع مال ولا جاه.
3. تعزيز الانتماء للإسلام وتقوية الإيمان
زيارة الأماكن المقدسة، حيث نزل الوحي، وحيث عاش النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ورؤية مواقع الأحداث العظيمة في تاريخ الإسلام، تُعزز المشاعر الدينية للمؤمن، وتقوي ارتباطه بدينه.
4. التفاعل والتواصل بين المسلمين
الحج فرصة عظيمة للمسلمين من جميع أنحاء العالم للقاء والتعارف، مما يعزز التواصل بينهم، ويمكنهم من تبادل الأفكار والخبرات، وحتى إقامة علاقات تجارية، ما يُسهم في تقوية الروابط بين الأمة الإسلامية.
5. التعبير عن شكر النعم
يؤدي المسلم الحج شكراً لله على ما وهبه من صحة، ومال، وقدرة على أداء هذه الفريضة، مما يجعله أكثر امتناناً لما أنعم الله به عليه.
6. تهذيب النفس وتعزيز الأخلاق
يمر الحاج خلال أدائه المناسك بتجارب تعزز من أخلاقه، حيث يتعلم الصبر، وتحمل المشاق، والتكيف مع الآخرين، والعمل الجماعي، والتواضع، والالتزام بالقوانين والأنظمة، وهي قيم تنعكس إيجابياً على حياته بعد عودته.
7. ترك أثر عميق في حياة المسلم
يترك الحج أثراً لا يُمحى في نفس الحاج، فيصبح نقطة تحول في حياته، تدفعه لمراجعة سلوكه والتمسك بدينه.
8. التوبة والتطهير من الذنوب
يقف الحاج في عرفات، مستشعراً موقف يوم القيامة، رافعاً يديه بالدعاء، متضرعاً إلى الله، طالباً المغفرة. وهذا الشعور يدفعه إلى عدم العودة إلى الذنوب بعد الحج، مما يجعل الحج فرصة حقيقية للتوبة والتطهر.
9. تعزيز القيم الإيجابية في المجتمع الإسلامي
يتعلم المسلم خلال الحج قيماً عظيمة مثل التعاون، والتسامح، والتعارف، والتواضع، مما يساعد على نشر روح المحبة والتآخي في المجتمع الإسلامي. كما يُسهم في تقليل النزعات العنصرية، حيث يرى الجميع أنفسهم سواسية أمام الله.
في الختام
يتميز الحج بحكم وأهداف عديدة لا توجد مجتمعة في أي عبادة أخرى. فبالإضافة إلى كونه فرضاً، فإنه يحمل فوائد دينية، أخلاقية، اجتماعية، اقتصادية، ونفسية عظيمة. وما ذُكر هنا هو جزء يسير من هذه الفوائد التي تجعل الحج رحلة روحانية فريدة، تؤثر على حياة المسلم بشكل إيجابي طوال عمره.
14
هل الإسلام يُعيق العلم والتقدم؟
العلم هو أساس النهضة، والجهل هو العدو الأكبر للبشرية، لأنه العائق الأساسي أمام التطور والتقدم. القرآن الكريم يحثّ على طلب العلم في مئات الآيات، ومن بينها:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الزمر:9)
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(النحل:43)
كما أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكّد على أهمية العلم،
وقد وردت أحاديث كثيرة تشير الى ذلك، ومنها:
[من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء هم ورثة الأنبياء إنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دِينارًا ولا دِرهمًا، إنَّما ورَّثوا العِلْمَ، فمَن أخَذَه أخَذَ بحظٍّ وافرٍ]
[اطلبوا العلم ولو بالصين]
[ الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها]
[طلبُ العِلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ]
هل الإسلام يُعيق التقدم؟
عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كان أول عمل قام به هو بناء المسجد، وتأسيس مدرسة "أهل الصُفّة" التي خرّجت كبار الصحابة، وكانت الأساس لجميع المدارس والجامعات الإسلامية التي ظهرت لاحقًا.
ولو كان الإسلام يُعيق التقدم، فكيف نشأت الحضارة الإسلامية التي أبهرت العالم؟ كيف برزت عصور الازدهار في الأندلس، والدولة العباسية، والدولة العثمانية؟ وكيف أنجبت الأمة الإسلامية علماء عظماء مثل:
ابن سينا وهو رائد الطب والفلسفة
الفارابي وهو رائد الفلسفة والموسيقى
الإمام الغزالي وهو عالم الفقه والتصوف
جلال الدين الرومي وهو الشاعر والفيلسوف
الإمام الرباني وهو الإصلاح الديني والعلمي
كل هذه الإنجازات تثبت أن الإسلام لم يكن عائقاً أمام العلم، بل كان دافعاً ومحفزاً له.
لماذا تأخر المسلمون في العصر الحديث؟
من الحقائق الواضحة اليوم أن المسلمين تأخروا في مجالات العلوم والتكنولوجيا، ولكن هل هذا بسبب الإسلام؟ بالطبع لا!
هناك محاولات لاتهام الإسلام بأنه يُعيق التقدم، في حين أن السبب الحقيقي هو ابتعاد المسلمين عن روح الإسلام وتعاليمه، وتعرّضهم لخطط تهدف إلى تهميشهم حضارياً.
بعض التيارات تُحاول تصوير كل اكتشاف علمي على أنه انتصار على الدين، لكن هذا قد ينطبق فقط على الأديان التي تعارض العلم، أما الإسلام، فإنه يرى كل اكتشاف جديد بأنه كشف عن سرٍّ من أسرار الله في الكون، مما يزيد من إيمان المسلمين بعظمة الخالق.
هل القرآن يُعارض العلوم الحديثة؟
القرآن الكريم هو آخر وأكمل الكتب السماوية، ولا يوجد فيه أي نص يمنع دراسة العلوم الطبيعية والتكنولوجية. لذلك، من يُحاول الادعاء بأن الإسلام ضد العلم والتقدم، فهو يُروّج لفكرة خاطئة تماماً.
الخلاصة
• الإسلام لم يكن يوماً عائقاً أمام التقدم، بل كان محرّكاً أساسياً للنهضة العلمية.
• التخلف العلمي للمسلمين اليوم ليس بسبب الإسلام، بل بسبب الابتعاد عن تعاليمه وروحه الحقيقية.
• كل اكتشاف علمي هو كشف عن قدرة الله في خلقه، وليس تحدّياً للدين.
• ليس من الإنصاف تجاهل إنجازات المسلمين العلمية عبر التاريخ، والتركيز فقط على تراجعهم في العصر الحديث.
لذلك، فإن النهضة الحقيقية للمسلمين لن تتحقق إلا بالعودة إلى روح الإسلام، التي تدعو إلى العلم والعمل والبحث والاكتشاف.
15
هل العبادة تقتصر على الصلاة والصيام فقط؟
لا، العبادة لا تقتصر فقط على الأوامر الدينية مثل الصلاة والصيام.
بل إن كل عمل أو قول أو فعل أو حتى نية وفكر يتوافق مع رضا الله يُعتبر عبادة.
فكما أن الامتثال لأوامر الله عبادة، فإن اجتناب نواهيه أيضاً عبادة.
وبناءً على ذلك،
يمكن تقسيم العبادة إلى قسمين:
1.العمل الصالح: وهو القيام بأوامر الله، مثل الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات.
2.التقوى: وهي اجتناب ما نهى الله عنه، مثل ترك شرب الخمر، والقمار، والزنا، وغيرها من المحرمات.
16
ما هي فوائد العبادة للفرد والمجتمع؟
1. ترسيخ العقيدة والإيمان في القلب والروح:
من أهم فوائد العبادة أنها تثبّت العقيدة والإيمان في القلوب، حيث إن المعرفة لا تترسخ إلا بالممارسة والتجربة. فالمعلومات التي لا تُطبَّق تبقى مجرد معرفة سطحية يصعب الاحتفاظ بها، كما أن فائدتها للحياة العملية تكون قليلة. والإيمان لا يترسخ في النفس إلا من خلال العبادة، لأنها التطبيق العملي للإيمان. فكما أن ترك العبادة يؤدي إلى ضعف تأثير الإيمان على السلوك، فإن الالتزام بها يقوي أثره، مما يحفظ الإنسان من الوقوع في الذنوب والمعاصي. وقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالثوب الذي يحتاج إلى لباس يحفظه، وهو التقوى، أي الابتعاد عن المعاصي والمحرمات.
2. تنظيم حياة الفرد:
العبادة تُوجّه الفكر إلى الله تعالى، وترسّخ عظمته في القلب، مما يجعل الإنسان يراقب أفعاله ويتحرى رضا الله في كل عمل يقوم به. وبهذا، تنظم العبادة حياة الإنسان وفق تعاليم الدين، وتضعه ضمن إطار منضبط يحفظ توازنه المادي والروحي.
3. تعزيز الروابط الاجتماعية وبناء مجتمع متماسك:
من أعظم فوائد العبادة أنها توحّد المسلمين وتربطهم ببعضهم البعض. فالوقوف في الصلاة باتجاه قبلة واحدة، والصيام معاً في شهر رمضان، وغيرها من العبادات الجماعية، تخلق روابط قوية من الأخوة والمحبة بين المسلمين، مما يساهم في تحقيق الانسجام والاستقرار داخل المجتمع.
4. العبادة تهذب النفس وتقوي الروح:
المؤمن الذي يؤدي عباداته يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية. فالعبادة تمنحه قوة داخلية تعينه على مواجهة مصاعب الحياة دون يأس أو إحباط. كما أنها تحميه من الاضطرابات النفسية والتوتر، وتمنحه سكينة داخلية تجعله أكثر استقراراً وسعادة.
5. العبادة وسيلة لتحقيق الكمال الروحي والأخلاقي:
الإنسان كائن ضعيف بجسده، لكنه يمتلك قدرات روحية هائلة. والعبادة هي التي ترفع روحه، وتنمي قدراته، وتهذب رغباته، وتجعل آماله واقعية، وتضبط أفكاره وعواطفه، وتحميه من الإفراط والتفريط. باختصار، العبادة هي السبيل الذي يوصل الإنسان إلى الكمال الأخلاقي والروحي، ويحقق الغاية الحقيقية من وجوده.
17
الرد على منكري الحجاب
في الجاهلية، كان كثير من الناس يفتقرون إلى التربية والأدب، وكانت الأخلاق والعفة مجرد شعارات بلا تطبيق. وكما هو الحال اليوم، كانت النساء تكشف عن أجسادهن وتتباهين بذلك. فجاء الإسلام، رحمة من الله، ليصلح هذه الفوضى الأخلاقية، وأمر بجملة من التشريعات والتوجيهات، كان من بينها فرض الحجاب على المرأة، وذلك بارتداء الجلباب.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(الأحزاب:59)
ما هو الجلباب؟
قال الخليل بن احمد الفراهيدي:( كل ما يستر به من دثار وشعار وكساء فهو جلباب والكل تصح إرادته هنا، فإن كان المراد القميص فإدناؤه إسباغه حتى يغطي بدنها ورجليها، وإن كان يغطي الرأس فإدناؤه ستر وجهها وعنقها، وإن كان المراد ما يغطي الثياب فإدناؤه تطويله وتوسيعه بحيث يستر جميع بدنها وثيابها، وإن كان المراد ما دون الملحفة فالمراد ستر الوجه واليدين) (السراج المنير، ج3، ص271).
حكم الحجاب في الإسلام
المرأة المسلمة ملزمة بتغطية جميع جسدها عدا الوجه والكفين. فإن كانت تؤمن بوجوب الحجاب لكنها لا تلتزم به، فإنها آثمة لكنها لا تخرج من الإسلام. أما من ينكر وجوبه، فإنه بذلك يخرج عن الدين ويصبح مرتدًا.
التحريف في تفسير النصوص
محاولة تقديم تفسيرات باطلة لا يقبلها الإسلام، بهدف إضعاف إيمان الناس وتشويه تعاليم الدين، تُعدّ نوعًا من الضلال والانحراف.
18
ماذا يعني مصطلح أهل الكتاب؟
يُطلق مصطلح "أهل الكتاب" على أتباع الديانات السماوية مثل اليهود والمسيحيين. وقد ورد ذكر أهل الكتاب كثيراً في القرآن الكريم. وعلى الرغم من أن أهل الكتاب يُعدّون "كفاراً" لعدم إيمانهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم لا يُعتبرون "كفاراً" بالمعنى المطلق الذي ينكر وجود الله.
يمنح القرآن الكريم أهل الكتاب بعض الامتيازات مقارنة بالكافرين الآخرين؛ فمثلًا، يجوز الزواج من نسائهم وأكل ما يذبحونه
{ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة:5). وهذه التسهيلات تعود إلى كونهم أقرب إلى الإيمان من الكفار المحاربين. يقول الله تعالى:
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}( آل عمران:64)
أي لا نعتبر بعضنا بعضاً آلهة أو أرباباً، بل نقيّم جميع أفعالنا وفق أمر الله ورضاه، ونتّبع بعضنا بعضاً في هذا الإطار فقط.
ويذكر القرآن أن أهل الكتاب اتخذوا علماءهم ورهبانهم أربابًا من دون الله
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(سورة التوبة:31).
وفي الحديث عن عدي بن حاتم [أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وفي عنقي صليبٌ من ذَهبٍ. فقالَ يا عديُّ اطرح عنْكَ هذا الوثَنَ وسمعتُهُ يقرأُ في سورةِ براءةٌ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ أما إنَّهم لم يَكونوا يعبدونَهم ولَكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لَهم شيئًا استحلُّوهُ وإذا حرَّموا عليْهم شيئًا حرَّموه] (الترمذي:3094)
أي أن اتخاذ شخص ربًا لا يستلزم أن يُسمى "ربًا" باللفظ، بل يكفي اتباعه في تشريعه المناقض لما أنزل الله.
القرآن الكريم يوجّه إلى طريقة التعامل مع أهل الكتاب في قوله:
{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(العنكبوت:46)
وفي هذه الآية، يُقسَّم أهل الكتاب إلى:
1. الظالمون.
2. المنصفون.
ويؤمر المسلمون بمجادلة المنصفين منهم بالتي هي أحسن، لأن هذا الأسلوب قد يقربهم إلى الإسلام، خاصة أن إسلامهم لا يتطلب إنكار موسى أو عيسى عليهما السلام، بل يتطلب الإيمان بالنبي الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقط، مما ينقذهم من اتباع دين محرّف.
ويصرّح القرآن بأن المسيحيين أقرب إلى المسلمين من اليهود:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}(المائدة:82)
وقد أثبت التاريخ صحة هذه الآية؛ فالمسلمون الذين أسلموا من اليهود قليلون جدًّا، أما من النصارى فكانوا كثيرين، ولا يزال الكثير من الأوروبيين يدخلون الإسلام، حتى أن بعض الكنائس تحوّلت إلى مساجد ومراكز دعوية.
لكن، في الوقت الذي تحقق فيه الدعوة الإسلامية نتائج طيبة في البلدان المسيحية، فإن مواقف قادة هذه الدول كثيراً ما تكون معادية للإسلام.
وقد بيّن القرآن موقفه من الظالمين من أهل الكتاب بقوله:
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة:29)
وهنا يُطرح سؤال: هل تشمل هذه الآية جميع أهل الكتاب؟
الجواب: لا. فلو كانت كذلك لقالت الآية "قاتلوا أهل الكتاب"، ولكنها قيّدت القتال بمن تتوافر فيهم الصفات المذكورة فقط. وهذا يتّسق مع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أرسل المسلمين إلى الحبشة ـ وهي بلد مسيحي ـ وقال إن فيها ملكًا عادلًا، وخلال العهد المدني تعامل مع اليهود والنصارى بالحكمة والدعوة، فأسلم بعضهم.
ويقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}(آل عمران:113)
فلا يجوز وضع جميع أهل الكتاب في خانة واحدة؛ لأن ذلك يخالف الحقيقة الدينية والتاريخية.
أما قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة:51)
فلا يمنع من الحوار والعلاقات الإنسانية معهم. فمثلًا، الزواج من نسائهم أمر ثابت في القرآن
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}(المائدة:5).
وقد علّق الشيخ محمد حمدي يازر على هذه الآية فقال: إن المؤمنين لم يُمنعوا من الإحسان إلى اليهود والنصارى أو التعامل معهم، بل نُهوا عن اتخاذهم أولياء وأعواناً؛ لأنهم لن يكونوا عوناً حقيقيّاً للمؤمنين.
وباختصار: التعامل الإنساني معهم جائز، أما الإعجاب بدينهم وتقاليدهم، فهو ممنوع شرعاً.
19
الحِكمة من الحجاب
مبدأ أن "الاسم يدل على المعنى" ينطبق تماماً على الحجاب، حيث إن تغطية المرأة تجعلها جوهرة مصونة، تزداد قيمتها بالحفاظ عليها وصونها.
الطريقة التي نعامل بها الأشياء تحدد قيمتها، فالاسم الذي نمنحه لها يمنحها صفات معينة، وهذه الصفات تحدد مكانتها.
ومن أسماء الله الحسنى "الستّار"، الذي يعني شرعاً مَن يستر العيوب ويغطيها. ومنه اشتُقَّت كلمة "التستر" التي تعني الستر والاحتجاب.
حتى زمن قريب، كان الحجاب يُعتبر رمزاً للشرف، لكن بعض الناس الذين ابتعدوا عن الفطرة لم يعودوا يرونه كذلك.
عند التأمل في تاريخ الأمم، نجد أن الأصل والطبيعي هو الحجاب، فقد كان في بعض الثقافات رمزاً للشرف والمكانة، بينما كان العري علامة على الانحطاط والمهانة، وكان يُستنكر عبر التاريخ من معظم الشعوب.
يخبرنا القرآن الكريم بأن الحجاب هو "وسيلة للتعريف بالمرأة واحترامها وحمايتها من الأذى"، كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}(الأحزاب:59)
الحكمة من الحجاب
- التعريف والتقدير:
الحجاب يُعرّف المرأة كإنسانة ذات قيمة، وهو ليس فقط لتعريفها للناس، بل ليجعلها معروفة بين جميع المخلوقات، بحيث تتعامل معها باحترام.
- الكرامة والحماية:
الحجاب يعكس كرامة المرأة ويحميها من أذى الآخرين، ويجعل المجتمع يتعامل معها بعناية واحترام.
- الانتماء للأمة الإسلامية:
ارتداء الحجاب يعني الانتماء لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو جزء من الهوية الإسلامية.
- حفظ الفطرة:
الحجاب يعزز الفطرة السليمة للمرأة، حيث يجعلها تدرك أنها كائن ثمين يستحق الحماية، تماماً كما تحافظ الأمة الإسلامية على شرفها ونقاءها.
- وجود من يحميها:
عندما تحافظ المرأة على حجابها، فهي تلقائياً تضمن أن يكون هناك من يساندها ويحميها، كما حدث مع الصحابية التي دافعت عنها الأمة عندما أُهينت في سوق بني قينقاع.
المرأة بطبيعتها مستورة
الحجاب ليس مجرد زي، بل هو صفة أصيلة في المرأة، تعكس حياءها وعفتها. فالمرأة بحكم فطرتها مستورة، وهذا الحجاب يحفظ لها هذه الفطرة النقية.
20
سبب تحريم الزنا
إذا حُرِّم أمرٌ ما في الإسلام، فذلك لأنه محرم بأمر الله تعالى، وليس بالضرورة لسبب مادي نراه نحن. فمثلاً، لحم الخنزير مُحرَّم بسبب الأضرار الصحية التي يحملها، ولكن حتى لو زالت هذه الأضرار، فإنه يظل حراماً. لأن هذه الأضرار التي نعرفها ليست كل شيء، بل هناك أضرار أخرى قد لا ندركها، وحِكَمٌ كثيرة وراء هذا التحريم.
كل ما حرّمه الله فيه ضرر على الإنسان، ولكننا قد لا ندرك حجم هذا الضرر بالكامل. في الماضي، لم يكن الناس يعلمون أن لحم الخنزير ضار، ولكن مع تطور العلم اكتُشِفت أضراره. ولو كان تحريمه متعلقاً فقط بما كان معروفاً قديماً، لكان الناس قد اعترضوا على ذلك حينها. لكن هذا التفكير غير صحيح، فنحن مأمورون باتباع أوامر الله، ومع مرور الزمن واكتشاف فوائد الطاعة، تزداد ثقتنا بالله.
العلم لا يزال عاجزًا عن فهم جميع حِكم أوامر الله، ومع الوقت تنكشف لنا بعض الحِكَم، لكن بعضها يظل غائباً عنّا.
أضرار الزنا على الفرد والمجتمع
- الأضرار النفسية والاجتماعية: علماء النفس والاجتماع أشاروا إلى أن الزنا يُسبب أضراراً نفسية خطيرة مثل القلق، الاكتئاب، واضطرابات العلاقات العاطفية. كما يؤدي إلى تفكك الأسرة، وانتشار الخيانة الزوجية.
- انتشار الأمراض: الزنا يساهم في انتشار الأمراض المنقولة جنسياً، التي قد تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة.
- ضياع الأنساب: الزنا يخلط الأنساب، مما يؤدي إلى مشكلات في حقوق الأطفال وتربيتهم، ويخلق أجيالًا بلا هوية واضحة.
- التسبب في العداوات والجرائم: العلاقات غير الشرعية تسبب الغيرة، الخيانة، وأحياناً جرائم القتل أو الانتقام.
تحريم الزنا في القرآن الكريم
الزنا محرم في الإسلام وفي جميع الأديان السماوية، وهو من كبائر الذنوب، ويعدّ جريمة تمسّ الشرف والنسب، ولذلك فإن عقوبته من أشد العقوبات.
قال الله تعالى:
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}(الإسراء:32)
أي أن الزنا فاحشة عظيمة وطريق سيئ يقود إلى الفساد.
وقال تعالى في بيان عقوبة الزنا وعواقبه:
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}(الفرقان:68-69)
الخلاصة:
الزنا ليس مجرد "فعل شخصي" لا يضر أحدًا، بل هو فساد أخلاقي واجتماعي له عواقب خطيرة على الأفراد والمجتمعات، ولذلك حرّمه الله ووضع له عقوبة صارمة للحفاظ على الطهارة والأخلاق والاستقرار الأسري.
21
سبب قبول العبادات
هناك شرط واحد فقط يتوقف عليه قبول العبادة عند الله ألا وهو الإخلاص
الإخلاص هو روح العبادة. والعبادة التي تؤدى بدون إخلاص فهي مجرد اعمال لا روح فيها وليس لها قيمة.
والإخلاص في العبادة يعني أداء العبادة لأنها أمر من الله وسبب لنيل الرضا الإلهي.
ويعبر بديع الزمان سعيد النورسي عن هذه المسألة بما يلي:
(إن غاية العبادة امتثال امر الله ونيل رضاه، فالداعي الى العبادة هو الامر الإلهي ونتيجتها نيل رضاه سبحانه أما ثمرتها وفوائدها فاخروية )
ولكن إذا صارت الفوائد والمنافع الدنيوية سببا للعبادة ضاع الإخلاص
ورد في الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
[إنَّ اللهَ لا يقبلُ من العملِ إلَّا ما كان خالصًا وابتُغي به وجهُه ]
22
حكم أهل الفترة الذين لم بصلهم الإسلام
الفَتْرَةُ -بالفتح- ما بين كل نبيين،
وأهل الفترة هم الأمم الكائنة في الزمن الذي يقع بين رسولين؛ حيث لم يُرسل إليهم الأول، ولا أدركهم الثاني
ورد في صحيح البخاري عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: فَتْرَةٌ بيْنَ عِيسَى ومُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليهما وسَلَّمَ، سِتُّ مِئَةِ سَنَةٍ.
يشير الحديث الى الفترة أي الزمن بين النبي عيسى (عليه السلام) والنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
تشير بعض الآيات إلى أن العرب قبل الإسلام كانت معرفتهم بالأنبياء ضئيلة، قال الله تعالى:{ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ}(فصلت:14) مما يدل على ضعف تصورهم عن النبوة والأديان السماوية.
مع أنهم كانوا يعرفون النبي إبراهيم (عليه السلام)، إلا أنهم اعتقدوا أن نبوته كانت محصورة في زمانه فقط، ومع مرور ثلاثة آلاف سنة بينه وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لم يبقَ من تعاليم دينه التوحيدي سوى القليل.
تقسيم العلماء لأهل الفترة:
يقسم العلماء أهل الفترة إلى ثلاثة أقسام:
1. من أدرك وجود الله ووحدانيته بعقله: مثل قس بن ساعدة وزيد بن عمرو والد سعيد بن زيد (أحد المبشرين بالجنة).
2. من بدل التوحيد واخترع عبادة الأصنام: مثل عمرو بن لُحَيّ وغيره ممن نشروا الوثنية.
3. من لم يكن له أي اعتقاد إيجابي أو سلبي، وعاش في غفلة: وهم من لم يشغلوا عقولهم بأي قضايا دينية.
• الفئة الثانية (عبدة الأصنام) سيدخلون جهنم.
• أما الفئة الثالثة، فهم أهل نجاة لأنهم لم يتلقوا دعوة دينية واضحة ولم يرتكبوا كفراً صريحاً. وهذا موضع إجماع عند أهل السنة.
• أما الفئة الأولى (أمثال قُس بن ساعدة وزيد بن عمرو)، فسيحشرهم الله كأمة منفردة، وسينالون رحمة الله بسبب إيمانهم.
التكليف بالإيمان بالله عند أهل الفترة:
لا يُكلَّفون بالعبادات الشرعية، لكن هل يُكلَّفون بالإيمان بالله؟
• مذهب الماتريدية: نعم، يجب عليهم الإيمان بالله من خلال التفكر في خلقه.
• مذهب الأشاعرة: لا يُكلفون بذلك، لأن الله قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا}(الإسراء:15)
رأي الإمام الغزالي في أهل الفترة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم:
• من لم تصله الدعوة نهائياً فهو من أهل النجاة.
• من سمع بها ورأى الأدلة والمعجزات ورفض الإيمان، فهو معذب.
• من سمع عن الإسلام بشكل مشوَّه ومن خلال الدعاية السلبية ولم يتلقَ دعوة حقيقية، فهو من أهل النجاة.
حكم أهل الفترة في آخر الزمان:
يقول بديع الزمان النورسي إن الجهل بالدين في آخر الزمان يشبه الفترة، وبالتالي، فإن الذين ماتوا و لم تصلهم الدعوة الصحيحة، خاصة من المسيحيين الذين تعرضوا للاضطهاد، قد يُعتبرون شهداء في ميزان الله.
23
الإكثارمن السؤال في الدين
في الشريعة، هناك نوعان من الأحكام:
1. الأحكام التعبدية: وهي الأحكام التي لا تُعرف حكمتها بشكل واضح، وإنما تعتمد تماماً على الأمر والنهي الإلهي.
2. الأحكام المعقولة المعنى: وهي الأحكام التي يمكن البحث في حكمتها وأسباب تشريعها.
فهم الفرق بين الأحكام التعبدية والمعقولة المعنى
عند النظر إلى السؤال من هذا الجانب، يمكننا طرح مثال: "لماذا صلاة الفجر ركعتان وليس عشراً أو عشرين؟"
الإجابة ببساطة: لأن الله أمر بذلك.
عدد ركعات الصلوات محدد من قِبَل الله، والبحث عن حكمة ذلك قد لا يؤدي إلى نتيجة، لأن الأمر تعبدي محض. أما بعض الأحكام الأخرى، فيمكن فهم الحكمة منها، لكن هذا لا يعني أن الحكمة هي الأصل، بل الأصل هو أمر الله أو نهيه.
مثال آخر: لماذا نصوم؟
يمكن أن نبحث عن العديد من الحكم للصيام، مثل:
• الشعور بالفقراء والرحمة بهم.
• ضبط النفس وتقوية الإرادة.
• الفوائد الصحية.
لكن هل يمكن لشخص أن يقول: "بما أن الصيام يساعدني على الشعور بالفقراء، فسأبدأ الصيام من الساعة 11 مساءً بدلاً من وقت الإمساك (4 صباحاً)، وأفطر بعد المغرب بخمس دقائق فقط لكي أكون أكثر شعوراً بالفقراء؟"
الإجابة: لا، لأن الصيام له وقت محدد من الله، وإذا لم يلتزم به الإنسان، فصيامه غير صحيح حتى لو تحققت الحكمة المرجوة منه بشكل أكبر.
الخلاصة
يجب أن ننظر إلى جميع الأحكام الشرعية بهذه الطريقة:
• نلتزم بها لأنها أمر الله ونهيه، وليس فقط لأجل الحِكَم التي قد نفهمها.
• الحِكمة موجودة، ويمكن البحث فيها، لكنها ليست الأصل، بل هي تفصيل تابع للأمر الإلهي.
• البحث عن الحِكَمة في الاوامر الشرعية أمر محمود، لكنه لا يعني أن نفعل الأمور بناءً على الحِكَمة فقط ونتجاهل النص الشرعي نفسه.
لذلك، لا توجد قاعدة في الإسلام تقول: "لا يجوز الإكثارمن السؤال في الدين"، بل هناك تفريق بين التعبد المحض حيث التساؤل غير مجدٍ، وبين الأحكام ذات المعاني الواضحة التي يمكن البحث في حكمتها، ولكن دون أن تكون الحكمة بديلًا عن الأمر الإلهي نفسه.
24
مفهوم العبودية ومعنى عبادة الله
العبودية هي العلاقة التي تنظم الصلة بين الإنسان المخلوق والله الخالق، ولهذا جاء في أول وحي نزل تأكيد على أن الله هو الخالق، والإنسان مخلوق:
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}(العلق:1-2)
وفي أول آية تدعو الإنسان إلى عبادة الله في القرآن، تم التأكيد على هذه العلاقة:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:21)
من هذه الآيات، نفهم أن العبودية هي وظيفة فطرية للإنسان، وهي تعبير عن الشكر للخالق، وعمل مقدس يحقق الغاية من خلق الإنسان، سواء من الناحية الروحية أو الجسدية.
أنواع العبودية:
تنقسم العبودية إلى نوعين:
1. العبودية بمخاطبة الله بشكل غير مباشرة
2. العبودية بمخاطبة الله بشكل مباشر
أولًا: العبودية بمخاطبة الله بشكل غير مباشرة:
وتتمثل في إدراك عظمة الله من خلال التأمل في خلقه، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
• التسبيح بعظمة الله من خلال ملاحظة النظام الدقيق في الكون وإدارته المتقنة.
• التفكر في جمال الخلق الذي يعكس أسماء الله الحسنى وصفاته الجليلة.
• تقدير عظمة الله من خلال إدراك القيم الجمالية والمعنوية الموجودة في مخلوقاته.
• التأمل في الكون باعتباره كتاباً مكتوباً بحكمة الله وقدرته.
• التفكر في الجمال الإلهي عبر التأمل في الإبداع والتناسق الموجود في الكون، مما يؤدي إلى محبة الله وتعظيمه.
ثانيًا: العبودية بمخاطبة الله بشكل مباشر :
وتتمثل في الممارسات الدينية المباشرة التي تهدف إلى التقرب من الله، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
• إدراك أن الإنسان دائمًا في حضرة الله والتصرف بناءً على ذلك.
• الاعتراف بعظمة الله من خلال التأمل في مخلوقاته والإيمان به استجابة لهذه المعرفة.
• تحقيق محبة الله من خلال إدراك أن نعمه لا تُحصى، وردّ هذا الحب بالعبادة والإخلاص له.
• الشكر لله على عطاياه من خلال التعبير عن الامتنان له بكل الوسائل الممكنة، سواء بالكلام أو بالأفعال.
• التسبيح والسجود لله تعبيراً عن الخضوع لعظمته، وذلك بقول سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر والقيام بالصلاة والركوع والسجود.
العبودية بين العبادة والالتزام الدنيوي
العبودية تشمل نوعين رئيسيين:
1. العبادات الشرعية مثل الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج.
2. العبودية من خلال الأعمال النافعة مثل تطوير التكنولوجيا، وبناء الجسور، وصناعة الطائرات والسفن، وكل ما يسهم في تسهيل حياة البشر.
لكن لتحقيق القبول عند الله، لا بد أن يكون الهدف من هذه العبودية هو رضا الله والإخلاص له.
25
هل قطع يد السارق ظلم
السرقة، التي تعني "أخذ مالٍ مملوك للغير خفيةً من مكانٍ محفوظ دون علم صاحبه"، تُعد من الجرائم الأساسية التي تُرتكب ضد المال وحق التملك. وحماية الثروة التي تُكتسب بعرق الجبين والكسب المشروع هي من المبادئ الأساسية في الإسلام. فقد اعتبر الإسلام العمل والمِلكية أمرين مقدسين، وعاقب على التعدي على المِلكية بغير حق. ولذلك، وكما هو الحال في جميع الأديان السماوية والأنظمة القانونية، فإن السرقة تُعد في الإسلام جريمة قانونية، وكذلك إثماً كبيراً وعاراً من الناحية الدينية والأخلاقية.
السرقة خيانة عظيمة تجرح قلب صاحب المال المسروق الذي اكتسبه بجهده، وهي جريمة لا تتوافق مع الضمير. وقد وُجدت هذه الجريمة في كل عصر ومكان، وما زالت موجودة. ولهذا السبب، أتى الدين الإسلامي العظيم بعقوبة رادعة مناسبة لهذا العمل الجائر، وأمر بقطع يد من يرتكب هذه الجريمة. ولو طُبقت هذه العقوبة، لانخفضت نسبة السرقات إلى أدنى المستويات.
وقد حُرّمت السرقة في الإسلام بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ}(المائدة:38)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
[ إنما هلك الذين قبلَكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهمُ الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهمُ الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، وأيمُ اللهِ لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدَها] (متفق عليه)
فإذا ثبتت السرقة، تُطبق عقوبة الحد بقطع اليد. أما في الحالات التي لا تستوجب الحد، فيُعوض الضرر فقط.
وقد ناقش الفقهاء المسلمون باستفاضة شروط تحقق جريمة السرقة، وشروط تطبيق العقوبة، وتأثير التكرار أو الإكراه أو العفو، وأسسوا بذلك نظرية قانونية غنية.
وباختصار، فإن تحقق الجريمة مشروط بعدم وجود أعذار مثل الجوع أو الضرورة أو الإكراه، وأن تكون السرقة قد تمت عن قصد وبعلم، وأن يكون الجاني مسؤولاً جنائياً، وأن يكون المال المسروق محفوظاً قانوناً، وأن تتجاوز قيمته حدًا معيناً.
وفي الشريعة الإسلامية، لا تُطبق العقوبات إلا بعد اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لمنع وقوع الجريمة. لذا، ينبغي أن يُتذكر هنا أن الهدف الأساسي في الإسلام ليس معاقبة الأشخاص، بل منع وقوع جريمة السرقة من خلال اتخاذ التدابير الوقائية، وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، وتوجيه الناس وتربيتهم.
ويُعد انسجام التعليم الديني والأخلاقي العام والتشريعات القانونية والسياسات الرسمية شرطاً أساسياً لنجاح هذه الجهود المجتمعية.
وقد أمر الله تعالى بعقوبة السرقة. وفي ظل تحقق هذه الشروط العامة، فإن اليد التي تجرؤ على السرقة تُعد كالعضو المصاب بالغرغرينا داخل الجسد الاجتماعي الإسلامي، ويكون من الضروري قطعها.
إن السارق سواء كان رجلًا أو امرأة، ممن ثبتت عليهم السرقة بشكل واضح ولا يوجد شبهة أو عذر يبرر فعلهم، يُعاقبون على فعلهم، ويُقطع يدهم كوسيلة رادعة من الله تعالى لكي لا يعودوا لارتكاب الجريمة.
هذا أمر الله العزيز الحكيم؛ ولا يُرد أمره، وأحكامه مليئة بالحكمة.
فالله الذي لا يرضى بالظلم والفساد، والذي يفرض الزكاة والصدقات والإنفاق لمساعدة الفقراء والمحتاجين، والذي يأمر بتقوى الله والجهاد في سبيله، يعد انتهاك حرمة الله والسرقة في الخفاء تعدياً على عزته وحرباً خفية عليه. وعقوبة اليد التي تمتد إلى مال الغير دون وجه حق هي القطع.
وبالتالي، يجب ألا يُظن أن العقوبة غير متناسبة مع الجريمة. فهذه العقوبة لا تُقاس فقط بقيمة المال، بل هي جزاء على الخيانة الخفية والاعتداء على عزة الله. فهذه اليد قد مدت إلى النار أو إلى حد السيف، وهي قيد من الله يمنع الفساد. وبذلك يتطهر السارق، ويعتبر غيره.
ثم إن الله تعالى حين يعاقب من يتعدى على عظمته بهذه العقوبة، فإنما يفعل ذلك بحكمة، لا بمجرد الغضب. وإذا طُبقت هذه العقوبة بحق وعدل، فإنها تقضي على السرقة من جذورها. ولا يُوجد حينها يد تستحق القطع، بشرط أن تُطبق بالشكل الصحيح، وتُؤمن العدالة، ويُبعد الظلم.
أما إذا قُطعت يد على غير وجه حق، فإن عظمة الله وحكمته ستظهر بالعكس، وسيكون التساؤل حينها: ما عقوبة من يقطع يدًا بغير حق؟
وإذا تاب السارق بعد قطع يده، وأصلح حاله، فإن الله غفور رحيم، ويقبل توبته، ولا يُعذبه في الآخرة، بل يرحمه ويغفر له. ولذلك، لا ينبغي النظر باحتقار إلى من قُطعت يده وتاب، بل يجب مواساته ومساعدته.
26
ما معنى العبادة؟ ولماذا نعبد؟
العبادة تعني الامتثال لأوامر الله، واجتناب نواهيه، والتصرف بما يرضيه.
أما عن سبب عبادتنا، فذلك يعود إلى عدة أمور:
أولاً: لأن العبادة هي الغاية من خلقنا.
لقد خلقنا الله لنؤمن به ونتعرف عليه من خلال عبادته. وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم:
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(الذاريات:56)
كمؤمنين، نحن نعيش وفقاً لهذا الهدف الذي حددته لنا الآية، ونؤدي واجبنا في العبادة والخضوع لله.
ثانياً: لأن الله أنعم علينا بنعم لا تحصى، والعبادة هي شكر له على نعمه.
عندما نتلقى هدية صغيرة من شخص ما، نشعر بالحاجة إلى شكره مراراً وتكراراً، فكيف بنا ونحن نغرق في نعم الله التي لا تعد ولا تحصى؟ الامتناع عن شكر الله بالعبادة سيكون نكراناً عظيماً للجميل، ولذلك، نسعى إلى أداء عباداتنا على أكمل وجه.
الله هو الذي أوجدنا من العدم، ووهبنا آلاف النعم من الحواس والمشاعر والقدرات، وخلق لنا كل ما نحتاجه في الحياة، بل ومنحنا الإيمان والهداية أيضًا.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{ إِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}(النحل:18)
ومن هنا، فإن واجبنا تجاه هذه النعم هو التعرف على صاحبها، ومحبتُه، وإظهار هذه المحبة من خلال العبادة، والشعور الدائم بالشكر والامتنان.
ثالثاً: لأن الله وعد المؤمنين بنعم أعظم في الآخرة، والعبادة دليل على شكرنا له في الدنيا.
عبادتنا وشكرنا في هذه الدنيا لا تكافئ عطاء الله لنا، ومع ذلك، فقد وعدنا الله بالمزيد من النعم في الآخرة، ومنحنا الجنة والسعادة الأبدية برحمته وفضله. فهذه النعم ليست مكافأة لأعمالنا، بل هي فضل من الله ولطف منه.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن:
[ لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ. قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: لا، ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ]
27
لماذا نختار الإسلام؟
جميع الأديان السماوية قامت على نفس المبادئ الأساسية وأكدت على نفس الحقائق. وكل نبي أرسله الله كان استمراراً لمن قبله من حيث المبادئ الأساسية، مع مراعاة الظروف الزمنية واحتياجات العصر، فجميعهم أكدوا على التوحيد والنبوة والبعث والعبادة. لذلك، فإن رسالة الإسلام هي استمرار للوحي الإلهي منذ عهد النبي آدم عليه السلام.
يقول الله تعالى:{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }(آل عمران:19)
كما أن الأنبياء السابقين لم ينكروا بعضهم بعضًا، فإن النبي محمد ﷺ لم يُنكر أحدًا منهم، بل كان استمرارًا لرسالتهم وخاتمًا للنبوة، حيث يقول الله تعالى:{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(الأحزاب:40)
لقد أنزل الله الإسلام ليكون الدين الكامل الذي يختم به الرسالات السماوية، وهو الشريعة الإلهي الشاملة التي يجب أن يلتزم بها الناس بعد اكتمال الوحي، حيث يقول الله تعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }(المائدة:3)
الإسلام: طريق الكمال والسعادة
الإسلام دين يجمع بين الكمال المادي والروحي، ويوفر المبادئ التي تضمن سعادة الإنسان وسلامه. فهو يحث على الأخلاق الحميدة، ويضمن الأمن والاستقرار للمجتمع، ويشجع على العلم والتفكير، وينبذ الجهل، ويدعو إلى العدالة والتعاون بين الأفراد.
قبل الإسلام، كانت الجاهلية تسيطر على العالم، حيث سادت الفوضى، والظلم، وعبادة الأوثان، ووأد البنات. ولكن مع نزول الإسلام، أزال الظلم، وأقام العدل، ونشر الرحمة، وأضاء العقول بالعلم والهداية.
أثر الإسلام عبر التاريخ
لم يقتصر تأثير الإسلام على عصر النبوة، بل استمر تأثيره على الشعوب التي تبنته، مما أدى إلى تقدمها في العلوم والصناعة والتجارة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الحضارات الإسلامية العظيمة مثل الأندلس، الدولة السلجوقية، والدولة العثمانية.
الإسلام ليس مجرد دين، بل هو منهج حياة، وقانون إلهي شامل يحقق السعادة للبشرية كلها.
28
الفرق بين الإسلام والمسيحية
1. العقيدة:
في المسيحية يوجد مبدأ الثالوث (التثليث)، أي الإيمان بالآب والابن والروح القدس كإله واحد في ثلاثة أقانيم، بينما يؤمن الإسلام بعقيدة التوحيد المطلقة، أي أن الله واحد أحد، لا شريك له.
2. نطاق الرسالة:
الإسلام يشمل جميع الديانات السماوية والأنبياء السابقين ويعترف بهم جميعًا، بينما تؤمن المسيحية فقط بـ"الكتاب المقدس" ولا تعترف بالقرآن الكريم ككتاب سماوي موحى به.
3. الخطيئة الأصلية:
تعتقد المسيحية أن الإنسان يولد خاطئًا بسبب الخطيئة الأصلية (خطيئة آدم)، ولذا يحتاج إلى التطهير من خلال المعمودية، أما الإسلام فيرى أن الإنسان يُولد نقيًا خاليًا من الذنوب، وأن لا أحد يحمل وزر غيره.
4. مغفرة الذنوب:
في المسيحية، للكهنة والرهبان سلطة سماع الاعتراف وغفران الذنوب، أما في الإسلام، فـالله وحده هو الذي يغفر الذنوب، ولا يوجد وسيط بين العبد وربه.
5. مصدر الوحي:
في المسيحية، تُعد أقوال السيد المسيح (عليه السلام) كلام الله نفسه، بينما في الإسلام، كلام الله هو ما يُوحى به إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام.
6. مصير عيسى عليه السلام:
بحسب العقيدة المسيحية، عيسى عليه السلام صُلب ومات على الصليب، أما في الإسلام، فقد رفعه الله إليه ولم يُصلب.
7. الدين الحق وخاتميته:
رغم أن المسيحيين المعاصرين يزعمون أن دينهم هو الدين الكامل والخاتم، إلا أن هذا الادعاء لا يُقبل في الإسلام. إذ يقول الله تعالى في القرآن:
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}(آل عمران: 19)
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(آل عمران: 85)
29
لماذا الإسلام أسمى من باقي الأديان؟
الإسلام دين يشمل جميع المبادئ التي تحقق الكمال الروحي والمادي للإنسان، وتضمن له السعادة والسلام. فهو يُوجِّه الأفراد والمجتمعات نحو الخير والتكامل، ويولي أهمية كبيرة لحفظ الحياة، ويعاقب بشدة من يحاول زعزعة الأمن والاستقرار. كما أنه يدعو إلى الوحدة والتعاون والإحسان، ويحمي المجتمع من الفوضى والفساد.
الإسلام يُقدِّم الأخلاق الفاضلة بكل أبعادها ليستفيد منها البشر، ولا توجد فيه أي مسألة إلا ولها فوائد عظيمة، وهو شفاء للأمراض الروحية والجسدية. يعتمد الإسلام على العلم والحكمة، ويحث العقلاء على اختيار طريق الخير بإرادتهم. كما يعتبر الجهل أكبر عدو، ويشجع الناس دائمًا على التفكير والتأمل. لفهم مدى الرحمة التي يجلبها الإسلام للبشرية، يجب النظر إلى حالة العالم قبل الإسلام وبعده.
العالم قبل الإسلام
قبل الإسلام، كانت البشرية تعيش في ظلمات الجهل والضلال، وكانت تعاني من الإرهاب والفوضى. ولم تكن الجزيرة العربية بمنأى عن هذه الفوضى، حيث كان الناس يفتخرون بدفن بناتهم وهنّ أحياء، ويؤمنون بالخرافات، ويعبدون الأصنام التي صنعوها بأيديهم.
في ذلك العصر المظلم، بزغ نور القرآن الكريم من الجزيرة العربية كالشمس، فمزق أحلك طبقات الكفر والظلم. بضيائه السماوي، أنار العقول، وطهَّر النفوس، وملأ القلوب بالهداية، وأزال الشرك ليزرع التوحيد، واستبدل الظلم بالعدل، وأخرج الحقد والعداوة من الصدور ليضع مكانهما المحبة والرحمة.
تأثير الإسلام عبر التاريخ
لم يقتصر تأثير الإسلام على عصر النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل كل أمة تبنَّت الإسلام وطبقته في حياتها تقدمت في العلم والمعرفة والصناعة والتجارة، وأصبحت نموذجاً يُحتذى به. ومن أبرز الأمثلة على ذلك حضارة الأندلس.
لماذا يرفض البعض الإسلام؟
من الطبيعي أن يرى كل إنسان دينه على أنه الحق، ومن الطبيعي أيضاً أن يجد البعض صعوبة في تصديق الأديان الأخرى. على مر التاريخ، لم يجتمع البشر جميعاً على دين واحد، فقد كان هناك دائماً صراع بين الحق والباطل.
الذين لا يقبلون الإسلام ينقسمون إلى مجموعتين:
1. المجموعة الأولى: لا يقبلون الإسلام دون أي دليل يؤيد موقفهم أو يعارضه، فهم لا يهتمون بالتحقق من صحته، ولا يسعون إلى فهمه، ولا يشعرون بالحاجة إلى قبوله أو رفضه بناءً على حُجج واضحة. أغلب هؤلاء يرفضون الإسلام لأنه يضع لهم مسؤوليات والتزامات لا يريدون التقيد بها، فيرون أن قبوله يقيّد حريتهم. هؤلاء في الحقيقة ضحايا للجهل وعدم المعرفة.
2. المجموعة الثانية: هم من لديهم تحامل مسبق ضد الإسلام، ولا ينظرون إلى أي دليل مؤيد له بإيجابية، بل يتمسكون بأضعف الشبهات ضده وكأنها أدلة قاطعة. هؤلاء يشكلون نسبة قليلة جدًا، ولم يتمكنوا أبدًا من دحض حقائق الإسلام بأدلة علمية أو عقلية حقيقية. وعلى العكس من ذلك، عبر التاريخ، دخل آلاف غير المسلمين إلى الإسلام بعد البحث والتدقيق العلمي والمنطقي. حتى اليوم، نرى أن مئات العلماء ورجال الدين المسيحيين، الذين ينتمون إلى دين يدعي العالمية مثل المسيحية، يعتنقون الإسلام ويواصلون الانضمام إليه.
الإسلام هو الدين الذي جمع بين العقل والعلم والأخلاق، وهو الدين الذي يضمن للبشرية سعادتها في الدنيا والآخرة.
30
أمثلة على معجزات القرآن
كل آية من آيات القرآن الكريم هي معجزة بحد ذاتها. ولهذا السبب، لا يمكن سرد جميع معجزات القرآن واحدة تلو الأخرى. ومن بين هذه المعجزات ما يلي:
1. قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}(الرعد: 2) قد أبطل خرافة أن السماء قائمة بفضل الجبال.
2. يوضح القرآن الكريم خلق الكون في قوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الأنعام:101)
وهذه الآية تُخبر قبل 1400 عام عن الحقيقة التي توصل إليها العلم الحديث، وهي أن الكون وُجد من العدم عبر انفجار عظيم وبأبعاد زمانية ومكانية.
3. اتضح للعلماء أن الكون في حالة توسّع دائم، وهذه حقيقة علمية مقبولة اليوم. وقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى :{ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}(الذاريات:47)
4. اكتشف العلم في القرن العشرين أن كل نجم وكل جرم سماوي يتحرك في مدار، وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}(الأنبياء:33)
5. كان يُعتقد أن الشمس ثابتة في مكانها، ولكن القرآن ذكر عكس ذلك منذ قرون طويلة، حيث وصف الشمس بأنها تتحرك بسرعة محددة نحو مستقر لها، وهذا ما أكدته العلوم لاحقًا. قال تعالى:{ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}(يس:38)
المعجزات الجيولوجية في القرآن:
نقصان اليابسة:
يُخبر الله عز وجل في القرآن الكريم، الذي أُنزل قبل 14 قرناً، ببعض أسرار خلقه. وتكشف هذه الأسرار عن أن القرآن كلام الله، كما أنها فتحت آفاقاً للتطور في العلوم الطبيعية.
قال تعالى:
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}(الرعد:41)
{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}(الأحقاف:26)
مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تذوب الأنهار الجليدية في القطبين، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، ويغمر المزيد من اليابسة. وبما أن سواحل اليابسة تُغمر تدريجياً بالماء، فإن مساحة اليابسة الكلية على سطح الأرض تتناقص. وقد تشير عبارات مثل{ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}
نشرت صحيفة نيويورك تايمز في(19 أغسطس 2000) خبراً عن هذا الموضوع:
"خلال القرن الماضي، ارتفعت درجة حرارة سطح الأرض بمقدار درجة فهرنهايت واحدة، وتسارع معدل الاحترار خلال الربع الأخير من القرن. وعند مقارنة بيانات الغواصات من خمسينيات وستينيات القرن العشرين بملاحظات التسعينيات، ثبت أن الغطاء الجليدي في القطب الشمالي قد ترقّق بنسبة 45%. كما تُظهر صور الأقمار الصناعية أن حجم الجليد في تلك المنطقة قد تناقص بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة."
وقد ساعدتنا هذه المعطيات الحديثة في فهم الحكمة الإلهية في آيتي الرعد والأنبياء.
تكوّن الأرض من سبع طبقات:
أحد المعلومات التي يقدمها القرآن عن الأرض هو تشابهها مع السموات السبع، كما في قوله تعالى:
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}(الطارق:12)
وقد توصل العلم إلى هذه الحقيقة بعد أبحاث طويلة، وحدد الطبقات السبعة كالتالي:
1. الهيدروسفير (الطبقة السطحية من المحيطات والمياه)
2. الليثوسفير (القشرة الأرضية)
3. الأسينوسفير (الطبقة شبه السائلة أسفل القشرة)
4. الوشاح العلوي
5. الوشاح السفلي
6. النواة الخارجية
7. النواة الداخلية
ويعتبر اكتشاف هذه الطبقات من نتائج التكنولوجيا في القرن العشرين، وقد أشار إليها القرآن منذ قرون، مما يُعد من معجزاته العلمية.
تشقق الأرض:
قال تعالى:{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ }(الطارق:11-12)
كلمة "الصّدع" في اللغة تعني الشق أو التصدّع، وقد أقسم الله بهذه الأرض المتصدعة.
في الأعوام 1945-1946، بدأ العلماء بالنزول إلى قيعان البحار والمحيطات لدراسة المعادن، واكتشفوا أن سطح الأرض مغطى بتصدّعات وشقوق هائلة تمتد لعشرات آلاف الكيلومترات. وتسمح هذه الشقوق بخروج الحرارة من باطن الأرض إلى الخارج، الأمر الذي يحفظ توازن الحياة. فلو لم توجد هذه الصدوع، لكانت الحرارة في باطن الأرض قد تسببت بكوارث نووية مدمّرة على السطح.
31
ما هي المسيحية
المسيحية: هي ديانة سماوية في أصلها، تقوم على الوحي الإلهي، ولها كتاب مقدس. وهي في جوهرها كانت تقوم على التوحيد، لكن تم تحريفها لاحقاً لتتبنى عقيدة التثليث (الآب، الابن، الروح القدس). وعلى الرغم من وجود مفاهيم دينية مشتركة مثل النبوة، والملائكة، والآخرة، والقدر، إلا أن تفسير هذه المفاهيم يختلف عن ما هو عليه في الإسلام.
في الأناجيل وبعض الكتابات المسيحية القديمة، توجد عبارات تؤكد وحدانية الله مثل: "الله واحد" (يوحنا 5/44)، لكن أيضًا توجد تعبيرات مجازية مثل: "أنا والآب واحد"، و"روح أبيكم"، و"روح الله"، وقد فسّرت لاحقاً على نحو يُدخل عيسى والروح القدس في الألوهية، فظهرت عقيدة التثليث، رغم أن الكتاب المقدس لم يذكرها صراحةً.
أول من بدأ هذه التأويلات كان بولس، الذي انضم إلى الحواريين بعد زمن المسيح. ويُعد بولس، وفق بعض العلماء المعاصرين، انه هو المؤسس الفعلي للمسيحية المعاصرة، وليس المسيح عليه السلام. فالمسيحية اليوم مستمدة أكثر من تفسيرات بولس منها من تعاليم عيسى عليه السلام، حتى إن بعضهم قال: "القرون التالية استندت في عقيدتها أكثر إلى بولس منها إلى الأناجيل". وقد جعل بولس من المسيح مركزًا للعقيدة، واعتبره ليس بشراً فقط، بل منبعثاً بقوة الله.
إذن، المسيحية الحالية تستند إلى تفسيرات بولس. وقد تعرضت الأناجيل الأصلية نفسها للتحريف، مما يجعل المسيحية ديانة محرّفة في نظر الإسلام. ولهذا تختلف المسيحية التي يخبرنا بها القرآن الكريم كليًا عن المسيحية المتبعة اليوم.
المسيحية في القرآن الكريم
يستخدم القرآن الكريم لفظ "نصراني" للإشارة إلى المسيحي، و"نصارى" للإشارة إلى الجماعة منهم، كما ورد في عدة آيات:
{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(آل عمران: 67)
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة:62)
{ وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة:111)
كما يُشار إليهم أيضًا بـ "أهل الكتاب"، ومن ذلك قول الله تعالى:
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}( آل عمران: 64)
وبحسب القرآن، فإن النصارى واليهود لم يلتزموا بعهودهم مع الله، ولذلك ألقى الله العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة. كما أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بُعث إليهم أيضاً، وكشف لهم كثيراً مما أخفوه من كتبهم.
لكن، عارض اليهود والنصارى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وادّعوا أنهم "أبناء الله وأحباؤه"، واعتبر اليهود عُزيراً ابناً لله، والمسيحيون اعتبروا عيسى ابناً لله. وقد أدّى هذا إلى وقوعهم في الكفر لأنهم ألهوا البشر، وقد خالفوا بذلك عقيدة التوحيد.
{ قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ (1) ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ (2) لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ (3) وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ (4)}(سورة الإخلاص)
موقف القرآن من عيسى عليه السلام
القرآن الكريم يؤكد أن عيسى عليه السلام عبدٌ لله ورسوله، وقد جاء ليبلّغ التوحيد، كما جاء في قوله تعالى:
{ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}(المائدة:46)
وقد ضل النصارى عن التوحيد حين قالوا:
{ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ }(المائدة: 73)،
واتخذوا عيسى إلهاً، لكن الله يدعوهم إلى الرجوع إلى دين الحق – الإسلام.
عيسى عليه السلام يبرّئ نفسه يوم القيامة
في يوم القيامة، يُسأل عيسى عليه السلام عمّا نسبه له أتباعه من تأليه، فيقول:
{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }(المائدة:116-117)
الخلاصة
المسيحية في أصلها دين سماوي، نبيها عيسى عليه السلام وكتابها الإنجيل. لكن المسيحية الحالية ليست هي نفسها التي جاء بها عيسى، فقد تم تحريفها، وأُدخلت فيها أفكار باطلة مثل ألوهية المسيح، وأُسِّست على لاهوت بولس. يقول القرآن عن عيسى عليه السلام:
{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}(مريم:30-33)
كما أوضح أن المسيحيين اليوم لا يتبعون الإنجيل الحقيقي، بل بدّلوا تعاليمه لأغراض دنيوية، كما فعل بعض علماء اليهود.
{ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}(المائدة:13)
{ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ}(التوبة:9)
لذا فإن الإسلام يعتبر الديانة الحقة في زماننا، ويدعو أهل الكتاب إلى الإيمان بالتوحيد ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
32
معنى الجهاد
الجهاد في اللغة : بذل الجهد والوسع والطاقة، من الجُهْد بمعنى الوُسع، أو من الجَهْد بمعنى المشقة وكلا المعنيين في الجهاد.
وفي الشرع أو في اصطلاح القرآن والسنة، هو مصطلح إسلامي يعني جميع الأفعال أو الأقوال التي تكون في سبيل الله
تُترجم كلمة "الجهاد" في اللغات الغربية على أنها "الحرب المقدسة"
هدفهم من هذه الترجمة تصوير الإسلام على أنه دين ينتشر بقوة السلاح.
فكلمة "الجهاد" لا تعني "الحرب". وإنما القتال في سبيل الله هو نوع من أنواع الجهاد
وبالتالي ليس الجهاد لفظ يدل فقط على القتال في سبيل الله بل يأتي بمعنى أعم وأشمل
33
تعريف الخمر وحكمه
المشروبات التي تُذهب قدرة العقل على التفكير السليم وتُسبب حالة تُسمى "السكر"، وتُعطل ملكة التمييز والإدراك.
لقد حرّم القرآن الكريم الخمر وأخبر بأنها محرمة:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(المائدة:90)
وقد قال معظم الفقهاء إن كلمة "الخمر" في الآية تشمل كل ما يُذهب العقل من المشروبات المسكرة. وقد فسر الحنفية "الخمر" بأنها عصير العنب إذا غلى واشتدّ وظهرت فيه الرغوة، وهذا فقط ما يُطلق عليه اسم الخمر عندهم، أما باقي أنواع المشروبات المسكرة فلا يشملها اسم "الخمر" صراحةً، لكنها تُلحق به في التحريم لأنها تُسكر. وأغلب الفقهاء يرون أن كل ما يُسكر قليله أو كثيره فهو حرام وداخل تحت مسمى الخمر.
وقد اهتم الإسلام بحفظ خمسة أشياء أساسية: العقل، الصحة، المال، العرض، والدين، ومتعاطي الخمر لا يمكنه الحفاظ على أيٍّ منها.
وقد جاءت آيات تحريم الخمر في القرآن الكريم بشكل تدريجي:
1. في المرحلة الأولى (بمكة) لم يكن هناك حكم واضح بالتحريم، وإنما لفت نظر:
{ وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(النحل: 67)
2. ثم جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "يا رسول الله، إن الخمر تفسد المال وتذهب العقل، فادع الله أن يبيّن لنا فيها بيانًا شافيًا"، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}(البقرة:219)
بعض الصحابة أقلع عن شربها، وبعضهم استمر بحجة أن فيها منفعة.
3. ثم حصل موقف أثناء صلاة المغرب، حيث أمَّ أحدهم الجماعة وهو سكران، فتلا سورة الكافرون بشكل خاطئ، فدعا عمر: "اللهم بيّن لنا أمر الخمر بيانًا شافيًا"، فنزلت الآية:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}(النساء، 43)
فحرمت الخمر في أوقات الصلاة فقط، فصاروا يشربونها بعد العشاء ويؤدون الفجر بعد زوال أثرها.
4. ثم حصلت حادثة أخرى في وليمة زفاف أقامها عتبة بن مالك، حضرها سعد بن أبي وقاص، فلما شربوا الخمر تفاخر سعد بقومه وهجى الأنصار، فغضب أحدهم وضربه بعظم جمل حتى شجّه. فاشتكى سعد للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية الحاسمة:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(المائدة:90-91)
ومن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم الخمر:
[ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ، ومَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيا فَماتَ وهو يُدْمِنُها لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْها في الآخِرَةِ ](مسلم)
[ما أسْكرَ كثيرُهُ فقليلُهُ حرامٌ](النسائي)
[أنَّ طَارِقَ بنَ سُوَيْدٍ الجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنِ الخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقالَ: إنَّما أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقالَ: إنَّه ليسَ بدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ](مسلم)
[ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها](أبو داود)
تحريم الخمر ثبت بإجماع الأمة، واتفق عليه الفقهاء، رغم وجود بعض الاختلافات بين المجتهدين في بعض الأنواع.
وقد رفع عمر بن الخطاب هذه الشبهات فقال من على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم(والخَمْرُ ما خامَرَ العَقْلَ)
وعلى هذا فإن كل ما يُذهِب العقل ويفسد القدرة على التمييز، سواء كان سائلاً أو صلباً، فهو خمر. كالمخدرات مثل الأفيون والهيروين، لأنها تغيّر وظائف العقل، وتؤدي إلى التوهم، وتُضعف الإرادة، وتدمر الصحة والنفس والأخلاق، وتُفسد الإنسان والمجتمع.
فالإسلام يأمر بكل ما فيه نفع للفرد والمجتمع، وينهى عن كل ضار، وقد أثبت الطب الحديث أن هذه المحرمات - مثل الخمر ولحم الخنزير - لها أضرار مادية ومعنوية عظيمة.
كما حرّم الإسلام شرب الخمر، فقد حرّم أيضًا بيعها وترويجها، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:[ لُعِنتِ الخمرُ على عشرةِ أوجُهٍ : بعينِها ، وعاصرِها ، ومعتَصرِها ، وبائعِها ، ومُبتاعِها ، وحاملِها ، والمحمولةِ إليهِ ، وآكِلِ ثمنِها ، وشاربِها ، وساقيها]( ابن ماجه).
وفي الحديث ايضا [إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا ؟ قَالَ : لَا ، فَسَارَّ إِنْسَانًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِمَ سَارَرْتَهُ ؟ ، فَقَالَ : أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا ، فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا](مسلم)
34
هل المسيحية واليهودية حق
سنبين أسس الدين الحق وأهم الأديان
الدين الحق هو شريعة الله تعالى، وهو مجموعة مقدسة من الأحكام الثابتة التي أنزلها الله على عباده بواسطة أنبيائه تفضلًا وإكراماً منه. هذه الشريعة تقود الإنسان إلى الخير، فكلما التزم البشر بها بإرادتهم الحرة، كانوا على الصراط المستقيم ونالوا الهداية، وبهذا يحققون السعادة والسلام في الدنيا والآخرة.
تنقسم الأديان إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
1. الأديان الحقّة: وهي التي تتوافق مع هذا التعريف، أي التي وضعها الله سبحانه وتعالى وأبلغها للناس عن طريق أنبيائه، وتُعرف أيضاً بـ"الأديان السماوية والإلهية". جميع الأديان السماوية متحدة في أصولها، لكنها تختلف في بعض العبادات والأحكام التشريعية.
منذ سيدنا آدم عليه السلام وحتى سيدنا عيسى عليه السلام، كانت جميع الأديان السماوية تقوم على التوحيد والإيمان بالله الواحد. لكن مع مرور الزمن، نالها التحريف، وتغيرت بعض تعاليمها.
ولهذا، بعث الله سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمدًا ﷺ برسالة الإسلام، التي تعتبر الدين الحق الأكمل والخاتم، والمحفوظ إلى يوم القيامة. لذلك، فإن الدين الحق الذي سيبقى إلى الأبد هو الإسلام.
2. الأديان التي تغيّرت وتحرفت: وهي الأديان التي كانت في أصلها حقّة، لكنها تعرضت للتحريف وفقدت صفاتها الإلهية، مثل المسيحية واليهودية. فعلى الرغم من أنها كانت في البداية أديانًا منزلة من عند الله، إلا أن التغييرات التي دخلت عليها أبعدتها عن حقيقتها الأصلية.
3. الأديان الباطلة: وهي الأديان التي لا علاقة لها بالدين الإلهي منذ نشأتها، بل هي معتقدات وضعية اخترعتها بعض الشعوب، مثل عبادة النار، وعبادة النجوم، وعبادة الأصنام. وعلى الرغم من احتوائها على بعض القيم العقلية والمنطقية، إلا أنها لا تملك أي قدسية إلهية، لأنها لم تنزل من عند الله.
35
شهادة المرأة في الإسلام
تعتمد المسائل الأساسية في الفقه الإسلامي على الوحي، وهي موضحة في القرآن الكريم. هذه الأحكام، التي وضعها خالق الكون، تضمن استقرار المجتمعات وسعادتها بغض النظر عن الزمان والمكان والظروف، لأنها تتوافق تماماً مع الفطرة البشرية. عند دراسة الأحكام القرآنية، نلاحظ أنها تراعي الجانبين المادي والروحي للإنسان.
وينطبق هذا الأمر على مسألة الشهادة أيضاً. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
{ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ}(البقرة:282)
يتضح من هذه الآية أن الأمر يتعلق بطبيعة المرأة الفطرية وتركيبتها النفسية. فالمرأة بطبعها أكثر عاطفية وتأثراً بالأحداث، مما يجعل انفعالاتها تلعب دوراً كبيراً في قراراتها. ولذلك، يوضح القرآن أن المرأة قد تنسى بعض التفاصيل أثناء الشهادة، لذا تحتاج إلى امرأة أخرى تذكرها. وهذا أمر قرره الله سبحانه وتعالى، وهو لا يتغير بمرور الزمن.
فإذا قيل هل هناك نساء يتمتعن بذاكرة أقوى من بعض الرجال؟
نعم، بلا شك هناك نساء يتمتعن بذاكرة قوية. لكن هذا الحكم يستند إلى الصفات العامة التي تغلب على النساء، حيث إن النساء عموماً أقل احتكاكاً بالمعاملات التجارية والحياة العامة مقارنة بالرجال، لذا قد يكنَّ أقل دراية بالأحداث الخارجية.
هل في ذلك انتقاص لحقوق المرأة؟
الإسلام لم يقلل من شأن المرأة في الشهادة، بل خفف عنها عبئاً ثقيلًا. فالشهادة مسؤولية عظيمة، ومن يكتمها يعاني من تأنيب الضمير كما يقول الله تعالى:
{ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(البقرة:283)
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم عدَّ شهادة الزور من كبائر الذنوب، والإسلام أراد أن يحمي المرأة من الوقوع في هذا الإثم، خاصة أنها قد تتأثر بمشاعرها أو قد تتسرع في الحكم على الأمور.
هل شهادة المرأة دائماً نصف شهادة الرجل؟
ليس دائمًا، فالأمر يعتمد على نوع القضية:
• في قضايا الحدود كالزنا والسرقة والقصاص، لا تُقبل شهادة المرأة مطلقاً، ويُشترط أربعة رجال أو رجلان في بعض الحالات.
• في المعاملات المالية والتجارية، تُقبل شهادة رجل وامرأتين.
• في الأمور التي لا يطلع عليها الرجال عادةً، مثل الولادة وإثبات العذرية والرضاعة، تُقبل شهادة امرأة واحدة فقط.
حتى في الطلاق، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل شهادة امرأة واحدة. إذن، القاعدة الأساسية في الشهادة هي ضمان تحقيق العدل وعدم ضياع الحقوق، وليس التقليل من شأن المرأة.
ما الحكمة من عدم قبول شهادة المرأة في الحدود والقصاص؟
لأن هذه القضايا خطيرة جدًا، وقد يترتب عليها فقدان حياة شخص بسبب شهادة غير دقيقة. ونظراً لأن النساء قد يكنَّ أكثر تأثراً بعواطفهن أو قد ينسين بعض التفاصيل، فقد يُؤدي ذلك إلى وقوع الظلم. لذا، احتاط الإسلام في مثل هذه القضايا لتجنب أي خطأ قد يؤدي إلى انتهاك حقوق الآخرين.
الخلاصة:
الإسلام لم يظلم المرأة في مسألة الشهادة، بل حماها وخفف عنها عبئاً ثقيلًا، وراعى طبيعتها النفسية والاجتماعية، وضَمِنَ تحقيق العدالة بشكل دقيق ومتوازن.
36
قيمة حقوق الانسان في الإسلام
نعم الإسلام أحق من يقيم ويعطي حقوق الانسان فلا يوجد قانون افضل من التشريع الإلهي.
في الإسلام، حياة الإنسان، وإيمانه، وشرفه وكرامته وحريته، وملكيته، وشخصيته مصونة أيضًا.
لأن سلامة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة مبنية على ذلك.
إن عدم مراعاة حقوق العبد المادية أو المعنوية جريمة عظيمة عند الله، فالله لا يغفر لمن انتهك حق الاخر، الا اذا تنازل العبد عن حقه،
فالعبد يأخذ حقه واذا تنازل وسامح بنفسه بعدها يغفر الله ذلك الذنب.
في الإسلام، كل شخص مسؤول عن احترام حقوق الآخر.
الإنسان اجتماعي بطبعه، والعلاقات الاجتماعية لا حصر لها بين الناس. ويجب أن تقوم هذه العلاقات على العدالة والمساواة. وإلا سيحدث انتهاك لحقوق الناس ويقع الظلم.
إن القرآن الكريم يحمي الحقوق المعنوية للعبد لدرجة أنه ينهى المؤمنين عن سوء الظن، والتجسس والغيبة.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }(الحجرات:12)
لنفكر بعقلانية: هل الدين الذي يحرم الغيبة والشبهة يسمح بالظلم والإرهاب والقتل بغير حق؟
37
هل أسماء الأنبياء الواردة في القرآن نسخت من التوراة؟
ورد في الحديث الشريف أن عدد الأنبياء الذين أُرسلوا للبشرية عبر التاريخ بلغ 124 ألف نبي. وقد أكد القرآن الكريم أن الله أرسل لكل أمة نبياً يدعوها إلى التوحيد، كما جاء في قوله تعالى:{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(النحل:36)
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}(يونس:47)
لماذا ذكر القرآن أنبياءً من الشرق الأوسط فقط؟
على الرغم من أن الله أرسل عددًا هائلًا من الأنبياء، إلا أن القرآن الكريم لم يذكر إلا عددًا قليلًا منهم، وهؤلاء الأنبياء كانوا معروفين عند العرب وأهل الكتاب (اليهود والنصارى).
عدم ذكر أسماء جميع الأنبياء لا يعني عدم وجودهم، فقد بُعث أنبياء آخرون في الشرق الأوسط وخارجها، ولكنهم لم يُذكروا في القرآن الكريم.
ذكر هؤلاء الأنبياء بالتحديد كان لأغراض تربوية وتعليمية، حيث استخدم القرآن قصصهم ليقدم العبر والدروس للأمم السابقة، خاصةً للعرب الذين كانوا يعرفون هذه القصص جزئياً.
هل القرآن نُسخٌ من التوراة والإنجيل؟
لا، بل إن ورود أسماء نفس الأنبياء في القرآن والتوراة والإنجيل هو دليل على أن هذه الكتب من مصدر إلهي واحد، وليس لأن أحدها منسوخ عن الآخر. فالرسالة الأساسية لجميع الأنبياء كانت التوحيد والإيمان بالله والكتب السماوية والرسل.
- جميع الكتب السماوية تدعو إلى عبادة الله وحده واتباع رسله.
- لم ينسخ القرآن من التوراة، بل جاء ليصحح التحريفات التي طرأت عليها ويهيمن عليها.
- بعض التفاصيل الموجودة في التوراة تختلف عن القرآن، مما يدل على أن القرآن لم ينسخها، بل جاء بوحي مستقل من عند الله.
الخلاصة
فالقول بأن القرآن نسخٌ من التوراة لأنه يذكر نفس الأنبياء غير منطقي، فكل الكتب السماوية جاءت من عند الله.
القرآن لم يذكر كل الأنبياء، بل ركّز على من يعرفهم المخاطبون به آنذاك لأغراض تربوية وتعليمية.
جميع الأنبياء جاؤوا برسالة واحدة: عبادة الله وحده، وهذا هو جوهر الإيمان في جميع الكتب السماوية.
38
لماذا لم ينزل الله ديناً واحداً فقط
لكل زمان ومكان ما يناسبه ويكون ذلك الشيء هو الأفضل لذلك الزمان والمكان. وكذلك يوجد في كل الأشياء عموماً ما هو الأفضل والأجمل.
فعلى سبيل المثال، ورد في القرآن الكريم أن الإنسان قد خُلق في أحسن تقويم، أي بأجمل هيئة. فهل هذا يعني أن باقي المخلوقات قد خُلقت ناقصة؟
كلا. فكل مخلوق هو الأجمل في مجاله الخاص.
مثال ذلك: الشمس هي الأجمل في مجالها، فهي لا غنى عنها للحياة على الأرض. ولكن الإنسان، بشكل عام، هو الأجمل والأكمل. والشمس جميلة في وظيفتها ومكانتها.
ويمكن تطبيق هذا على الخروف، الأرض، الأشجار المثمرة، والملائكة، فكل منها أجمل ما يكون في مجاله.
لذلك، كون الإنسان هو الأكمل لا يعني أن باقي المخلوقات ناقصة أو غير كاملة.
وكذلك، فإن الكتب السماوية التي أُنزِلت كانت الأفضل في أزمانها.
كما أن تعليم جدول الضرب لتلميذ في الابتدائية ليس بنقص ولا زيادة، لكنه يناسب مستواه. أما طالب الجامعة فيُعطى دروساً أعلى.
كذلك، الكتب السماوية قبل القرآن كانت الأنسب لعصرها، وكان إرسالها حكمة، لا نقصاً.
فكل نبي والوحي الذي أُنزِل عليه كان الأكمل والأفضل في زمانه.
لكن، عندما بلغ البشر جميعاً مستوى كأنهم طلاب في جامعة قادرة على استيعاب التعليم الأعلى، أُنزِل القرآن الكريم.
فكما لا يمكن أن نقول: "طالما أعلى العلوم تُدرَّس في الجامعة، فلنُعطِها لتلاميذ الابتدائية"، كذلك لا يمكن إنزال القرآن على أقوام لم يبلغوا ذلك المستوى.
الإنسانية كأنها مؤسسة تعليمية، وكل عصر يمثل مرحلة منها، والأنبياء هم أساتذتها.
منذ آدم (عليه السلام)، تطورت البشرية حتى وصلت إلى مستوى تقبل الدين الكامل، فأُرسل الإسلام وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم
والحال أن مادة الرياضيات موجودة في الابتدائية، لكن بما يناسب ذلك المستوى. كذلك الأنبياء السابقون علموا الناس حسب قدراتهم، حتى جاء الإسلام كاملاً.
39
لماذا حرفت التوراة والانجيل ولم يحرف القرآن
1.في الأمور التي لا نُدرك حكمتها، يجب أن نُسلّم لله، فهذا من كمال الإيمان وصدق التبعية.
2. ليست جميع أفعال الله على نمط واحد؛ فبعضها مربوط بالأسباب، وبعضها لا.
مثال:
• الناس يولدون من أب وأم.
• لكن آدم (عليه السلام) خُلق بلا أب ولا أم،
• حواء (عليها السلام) بلا أم،
• عيسى (عليه السلام) بلا أب.
وكذلك، النار عادة تحرق، القمر لا ينشق، العصا لا تتحول إلى حيّة. لكن بقدرة الله، كل هذا حصل:
• إبراهيم (عليه السلام) لم تحرقه النار،
• القمر انشق،
• الشجرة مشت بأمر النبي ﷺ،
• وعصا موسى أصبحت حيّة.
وبالمثل، كما حمى الله بعض الأنبياء مثل إبراهيم وموسى ومحمد (عليهم السلام)، فقد شاء أن يحمي القرآن، بينما سمح بتحريف الكتب السابقة.
فهو القادر على ذلك، لحكمة يعلمها.
كما لا يمكن أن نقول: لماذا لم يحمِ كل الأنبياء كما حمى إبراهيم؟ كذلك لا يمكن الاعتراض على حفظ القرآن فقط.
3. لو لم يُخرَج آدم (عليه السلام) من الجنة، لما ارتقى الإنسان.
فالإنسان نزل من "مخزن الجنة" إلى "حقل الدنيا" كالبذور لتُصبح شجراً.
وبالمثل، لو لم تُحرَّف الكتب السابقة، لما فُتح المجال لنزول القرآن الكريم.
لكن المسؤولية تقع فقط على من حرّف، لا على الله أو الأنبياء.
4. مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء معروف:
أُرسِل رحمة للعالمين،
وليس لفترة أو أمة معينة، بل لكل زمان ومكان، وللإنس والجن.
ولذلك، كان لا بد أن يكون كتابه محفوظًا من التغيير والتحريف.
ولولا هذا الختم، لكان عُرضة للتحريف مثل غيره. لكن الله وضع عليه ختم الحفظ.
5. إذا أراد الله شيئًا، فلا أحد يقدر أن يعارضه.
وحفظه للقرآن الكريم خير دليل على قدرته المطلقة.
40
أضرار القمار وأسباب تحريمه
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}(البقرة:219)
إن القمار والخمر يتسببان في أضرار جسيمة وذنوب عظيمة، لأنهما يضيعان المال ويفسدان حياة الناس. فغالباً ما يؤدي أحدهما إلى الآخر؛ إذ يفقد الخمر الإنسانَ عقله، والعقل هو أساس الدين والدنيا، وعندما يغيب العقل، تقع الجرائم، وتنحدر الأخلاق، وتُرتكب أفعال لا حصر لها من الفساد، لذلك اعتبرها الإسلام من "الكبائر".
منافع القمار من وجهة نظر البعض
- يجلب لبعض الناس نوعًا من البهجة والمتعة.
- يُستخدم في بعض أشكال التجارة.
- يمنح بعض الجبناء جرأةً زائفة.
- قد يربح البعض مالًا دون جهد.
ولكن رغم هذه المنافع المحدودة، فإن أضراره تفوقها بأضعاف مضاعفة.
لماذا تعتبر هذه المنافع غير حقيقية؟
- المتعة المؤقتة تتحول إلى إدمان يدمر العقل
- الجرأة المكتسبة منه تقود إلى الهلاك والمخاطر.
- القوة المزاجية الزائفة تضر بالصحة الجسدية.
- المال المكتسب منه لا بركة فيه، وقد يكون سببًا في خسائر أكبر.
- المدمن على القمار يجد صعوبة في الإقلاع عنه، مما يجعله ينهار مالياً وأخلاقياً.
أضرار القمار الحقيقية
-اجتماعية: يؤدي إلى تفكك الأسر، ووقوع المشاحنات، وانتشار العداوات.
- نفسية: يسبب الإحباط والاكتئاب والإدمان.
- مالية: يجعل الإنسان يخسر ماله وقد يوصله إلى الفقر والديون.
- أخلاقية: يقود الإنسان إلى الطمع والخداع والاحتيال.
- صحية: يسبب التوتر والضغط النفسي، مما قد يؤدي إلى أمراض جسدية خطيرة.
القمار محرم بالعقل والشرع
- عقلياً: ليس من المنطق أن يُعرّض الإنسان نفسه لخسائر مؤكدة من أجل مكاسب وهمية.
- شرعياً: يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(المائدة:90)
بهذا أصبح القمار محرماً تحريماً قاطعاً في الإسلام، تماماً كما هو الحال مع الخمر.
41
تعريف الزكاة و أهميته
الزكاة في اللغة: مشتقة من الزكاء وهو النماء والزيادة.
وفي الاصطلاح: إخراج مال مخصوص من مال مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة.
والزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة و إحدى العبادات المالية، وقد فرضت في المدينة المنورة في السنة الثانية من الهجرة.
وفي القرآن الكريم:{ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ }(البقرة:43)
{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}(التوبة:103)
وتكمن أهمية الزكاة في انها تزيل حاجة الفقير والمحتاج فيستعين بما يعطى له على قضاء حوائجه في هذه الحياة، فتحل مشاكل العوز الاجتماعي بين طبقة الفقراء،فلا تحيلهم الحاجة الى الاسترزاق بالطرق الغير مشروعة المفسدة للمجتمع، وتزيل ايضا الحقد والحسد وتنشر الحب والود بين الأغنياء والفقراء، وكونها حق شرعي للفقير في مال الغني فلا منة للغني ولا يجد الفقير حرجا في اخذها فتحفظ ماء وجهه في المجتمع،والزكاة مفتاح للرحمة بين الناس، تطهر نفس الغني من البخل والطمع والأنانية، لأنه يشارك ماله مع المحتاجين.
42
حِكم ومعاني الحركات في الصلاة
لكل ركن وجزء من الصلاة حكمة خاصة به.
من أسماء الله الحسنى "الحكيم"، أي أنه يخلق كل شيء مع مراعاة العديد من الحكم والمصالح والأهداف. ومن المؤكد أن أوامره ونواهيه تحوي آلاف الحِكم. لذا، فإن كل حركة في الصلاة – وهي أهم عبادة – تحوي الكثير من المعاني.
يمكن أن نلخص بعض هذه الحِكم والمعاني كما يلي:
• الصلاة عماد الدين. وكما تعتبر الكعبة مركز الكون، فإن التوجه إليها أثناء الصلاة له حكمة عظيمة.
• رفع اليدين عند التكبير يعني أنني أطرح الدنيا وما فيها خلفي بكلتا يديّ وأتوجه خالصاً لله.
• بالقيام (الوقوف) نمثل عبادة الأشجار والجبال والملائكة الذين يعبدون الله قيامًا.
• في الركوع، نمثل عبادة الحيوانات كالإبل والماعز والغنم، وأيضاً الملائكة الذين يعبدون الله راكعين.
• في السجود، نمثل عبادة الزواحف والنباتات والملائكة الذين يعبدون الله سُجَّداً.
• عند الجلوس بين السجدتين، نقدم عبادات جميع الكائنات إلى الله نيابة عنهم.
• وعند التسليم إلى اليمين واليسار، نرسل السلام إلى جميع الكائنات في الكون.
• بالإضافة إلى ذلك، نحن نُشرك كل أجسادنا وأعضائنا في العبادة أثناء الصلاة.
كل جزء له معناه:
• القيام له دلالة،
• القراءة لها دلالة،
• الركوع له حكمة،
• السجود تقرب عظيم إلى الله.
الإنسان باعتباره اشرف المخلوقات فهو ينوب عن جميع الكائنات في أداء العبادة، فيقدم مع عبادة أعضائه عبادة الكائنات الحية والجمادات التي تبدو لنا ساكنة، خمس مرات يومياً إلى ربه الرحيم.
تفصيل الحركات:
1. القيام (الوقوف)
يقف الإنسان أولاً منتصبًا ويرفع يديه قائلاً "الله أكبر"، وبذلك يترك كل شيء سوى الله خلفه ويثبت عبوديته وخضوعه الكامل لله. وهو بذلك يمثل عبادة جميع الكائنات القائمة.
2. الركوع
بعد الثناء على الله، يشعر الإنسان بعجزه وضعفه أمام عظمة الله، فينحني خضوعاً له ويقول:
"سبحان ربي العظيم"، أي أنزه ربي العظيم عن كل نقص.
وهكذا يمثل عبادة جميع الكائنات الراكعة.
3. الدعاء (الاعتدال من الركوع)
يعتدل قائماً، ويشكر الله على هدايته له إلى هذا الطريق المستقيم، ويغرق في تفكر عميق أمام عظمة الله وضآلة ذاته.
4. السجود
ينزل إلى السجود، خاضعاً تماماً لله، ويضع جبهته على الأرض ويقول:
"سبحان ربي الأعلى"، أي أنزه ربي الأعلى عن كل نقص.
5. التحيات والسلام
بعد تكرار هذه الحركات، يجد المصلي نفسه في حضرة الله دون أي وساطة، ويدعو ويطلب العون.
وكما أن اللقاء بين اثنين يقتضي التحية، فإن المسلم في التشهد يكرر الصيغ التي جرت بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى جل جلاله أثناء المعراج:
"التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين."
الحركات الجسدية في الصلاة:
في الصلاة هناك أربع حركات رئيسية:
• القيام (الوقوف)،
• الركوع،
• السجدة الأولى،
• السجدة الثانية.
• القيام يمثل الجمع بين جهة الحق (الرأس) وجهة الخلق (الأقدام). وخلاله، يؤدي المصلي الفريضة المتمثلة في قراءة القرآن، بجانب الوقوف.
• الركوع يشبه وضعية الحيوانات أثناء سيرها، حيث تكون أرجلها باتجاه مركز الأرض وجسمها أفقياً. وهذا يشير إلى أن الإنسان، رغم سمو روحه، يحمل جانباً حيوانياً يعيش به في الدنيا. لذا يحتاج إلى تهذيب نفسه ليترقى بروحه الإنسانية.
• السجود: يعني أن ينزل الرأس إلى مستوى القدمين، مما يجعل الإنسان يعيش حال النبات في تواضعه.
أما السجدة الثانية فتمثل حال الجمادات، التي لا تتحرك من ذاتها بل بفعل المؤثرات الخارجية، كالحجارة والمعادن.
وبما أن الجمادات تشكل غالبية الكون، فإن السجود (بما يمثله من تواضع كامل) يعبر عن هذه الكثرة الهائلة.
خلاصة:
الصلاة عبادة شاملة يؤديها الإنسان نيابة عن نفسه و عن سائر الكائنات، ولكن هذا لا يتحقق بشكل صوري فقط، بل بالوصول إلى حقيقتها القلبية والروحية.
43
أدلة من القرآن الكريم أن الإسلام ليس دين الإرهاب
لقد لعن القرآن الكريم الإرهاب، ووصف الفوضى والفتنة بأنها من أعظم المصائب. فالإسلام يحرم كل أنواع الإرهاب والظلم والخيانة، ويعارض بشدة أي شكل من أشكال الفوضى والفساد. فالإسلام لا يرد الضرر بالضرر، بل جاء ليقيم العدل، ويكبح جماح النفوس الطاغية، ويهذب الضمائر الإنسانية. لذلك، فإن الإسلام شديد الحساسية تجاه هذه القضايا، حتى إن القرآن الكريم يصف قتل النفس بغير حق بأنه من أبشع الجرائم في حق الإنسانية جمعاء.
يقول الله تعالى:
{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}(المائدة:32)
كما لعن القرآن الكريم الفتنة والفساد بجميع أشكاله، وحذر من الذين يثيرون الفتن في المجتمع ويفسدون في الأرض:
{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}(البقرة:205)
ويؤكد القرآن الكريم أن الفتنة أشد من القتل، حيث يقول الله عز وجل:
{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}(البقرة:217)
إن المسلم الذي يستفيد من هذه الآيات القرآنية لا يحمل في قلبه العداء أو الكراهية أو الوحشية، بل يكون محبًا للسلام والتسامح، حتى مع أعدائه. فالمؤمن الحقيقي هو رسول محبة، وليس لديه وقت للعداوة أو الكراهية.
كما يوضح القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى يحث المؤمنين على منع الأذى والضرر عن الآخرين، حيث يقول:
{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}(الحج:40)
أما النبي محمد ﷺ، فقد كان نبي الرحمة والمغفرة، ويقول الله تعالى عنه:
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107)
وقد حذر النبي ﷺ من الفتن وأمر بتجنبها، حيث قال:
[إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ قَتْلاَهَا فِى النَّارِ اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ] (سنن ابن ماجه)
[سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ](متفق عليه)
الخلاصة:
الإسلام ليس دين عنف أو إرهاب، بل هو دين رحمة وعدل وسلام. يحرم الظلم والفساد والفوضى والفتنة، ويدعو إلى العدل والمحبة والتسامح.
44
الضرورات الخمس في الاسلام
لقد منح الإسلام للإنسان حقوقًا كثيرة، ويمكن تلخيص القيم التي تُعد من الحقوق الأساسية في ما يلي والتي تسمى الضروريات الخمس: الحق في الحياة، الدين، العقل، المال، والنسل.
1- الحق في الحياة:
يُعد الإنسان أكرم المخلوقات في الإسلام، وقد جعل الحفاظ على حياته من المبادئ الأساسية. يقول القرآن الكريم إن قتل نفس بغير حق كأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.
وقد بيّن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع، مخاطباً جميع المسلمين:
[ فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، ألَا هلْ بَلَّغْتُ ]( البخاري ) موضحاً بذلك حرمة الاعتداء على حياة الإنسان.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم:
[ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ](البخاري)
حتى في حالة الحرب، يُحرَّم قتل من لا يشارك فيها، كالأطفال والنساء والشيوخ ورجال الدين. كما حُرِّم قتل النفس بالانتحار، وعُدّ من الكبائر.
2- الحق في الدين:
لكل إنسان حرية اختيار دينه.
قال تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }(البقرة:256)
وقال:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}(الكافرون:6)
وقد أعطى الإسلام لغير المسلمين الذين يعيشون تحت حكم الدولة الإسلامية حق ممارسة دينهم.
3- العقل:
العقل هو من أعظم صفات الإنسان، فهو وسيلته لقبول أوامر الله والوصول إلى رضاه.
العقل هو مصدر العلم وأساسه، وهو ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات.
وقد دعانا القرآن كثيرًا للتفكر والتأمل، مثل قوله تعالى:
{ أفلا تعقلون }
{أفلا ينظرون}
{يا أولي الألباب}
وللنحافظة على العقل، حرّم الإسلام شرب الخمر وكل ما يغيّب العقل من المخدرات وغيرها، وفرض عقوبات على من يتعاطاها.
4- المال:
كفل الإسلام حق التملك، وحرص على أن يحيا الإنسان حياة كريمة.
لم يُحرّم الإسلام الغنى، بل دعا إلى توزيع الثروة بعدالة ومنع احتكارها.
كما عدّ التعدي على أموال الآخرين من الكبائر، وفرض عقوبة قطع اليد على السرقة (عند توافر الشروط).
5- النسل:
لأجل استمرار النسل وبنائه، شرع الإسلام الزواج كأساس لتكوين الأسرة، واعتبر النكاح أساس المجتمع الإسلامي.
شجّع الإسلام على كثرة النسل، قال رسول الله صلة الله عليه وسلم:
[تزوَّجوا الوَدودَ الولودَ فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ](ابي داود)
وقد دعا النبي زكريا عليه السلام ربه قائلاً:
{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا }(مريم:5-6)
وعدّ الإسلام إنجاب الأطفال واستمرار النسل عبادة، وحرّم إجهاض الجنين بعد تشكله، كما حرّم قتل المولود.
وعند مبايعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم، كان من شروطه:
{ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ }(الممتحنة:12)
مما يدل على أهمية حماية حياة الأطفال قبل الولادة وبعدها.
إذا وُلد الطفل، تصبح مسؤولية رعايته على الأب، لكن قبل ذلك فهي على الأم، لذا فالنهي عن قتل الأطفال يشمل الأجنة في الأرحام.
45
عمر السيدة عائشة عند زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم
بعد عشر سنوات من بداية الوحي، فقد النبي محمد صلى الله عليه وسلم زوجته السيدة خديجة (رضي الله عنها) وهو في الخمسين من عمره. ونظرًا لحاجته إلى زوجة تساعده في شؤون المنزل ورعاية أطفاله، بالإضافة إلى دعم دعوته الإسلامية، تزوج من السيدة سودة (رضي الله عنها)، وهي امرأة مسنة وأرملة، كما تزوج من السيدة عائشة (رضي الله عنها)، ابنة أقرب أصدقائه، أبو بكر الصديق (رضي الله عنه).
طلب النبي صلى الله عليه وسلم الزواج من السيدة عائشة بعد عشر سنوات من بدء الوحي، وكانت قد وُلِدت قبل الوحي بخمس أو ست سنوات، مما يعني أن عمرها عند الزواج كان بين 17 و18 عامًا.
أدلة على أن السيدة عائشة كانت أكبر سناً عند زواجها
يتم التأكيد على أن السيدة عائشة كانت أكبر سنًا عند زواجها من خلال سيرة أختها الكبرى، أسماء بنت أبي بكر. حيث تذكر كتب السيرة القديمة أن:
• أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنها) توفيت عن عمر 100 عام في السنة 73 هـ.
• عند الهجرة، كان عمر أسماء 27 عاماً.
• وبما أن السيدة عائشة كانت تصغر أختها أسماء بعشر سنوات، فهذا يعني أن عمرها عند الهجرة كان 17 عاماً، مما يشير إلى أنها تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم في نفس العمر تقريباً.
• علاوة على ذلك، كانت السيدة عائشة مخطوبة لجبير بن مطعم قبل زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أنها كانت في سن الزواج وقتها.
مصادر هذه المعلومات
هذه التفاصيل موضحة بشكل أكبر في كتاب "عصر السعادة" للعلامة مولانا شبلي، كما وردت في كتاب "خاتم الأنبياء، النبي محمد وحياته" للمؤلفين علي حِمّت بركي وعثمان كسكي أوغلو (ص. 210).
46
مدرسة امهات المؤمنين
كانت فترة المدينة المنورة هي المرحلة التي نزلت فيها العديد من الأحكام الإسلامية وتم تعليمها للأمة من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة الرجال يتمكنون دائمًا من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي، وسؤاله عن أي أمر يشكل عليهم، فيحصلون على الإجابات مباشرةً ويتعلمون الأحكام بسهولة. أما بالنسبة للنساء، فلم يكن الأمر بنفس السهولة، فقد كانت لديهن أيضاً أسئلة تحتاج إلى إجابات وأحكام يرغبن في تعلمها.
لذلك، طلبت النساء من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخصص لهن يوماً في بيت النبوة ليتمكنّ من الاجتماع به وطرح أسئلتهن والحصول على إجابات شرعية. فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وصارت النساء يجتمعن معه يوماً في الأسبوع ليسألنه عن أمور دينهن.
وفي أحد هذه الدروس، حدث موقف طريف، حيث بدأت النساء يتحدثن بصوت مرتفع أثناء وجودهن مع النبي صلى الله عليه وسلم. وبينما كنّ يتكلمن، مرّ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بجانب الباب، فسمع أصواتهن العالية، فانزعج من ذلك وطرق الباب. وما إن رأته النساء حتى سكتن فوراً، وخفّضن أصواتهن.
عندئذٍ قال عمر (رضي الله عنه) معاتباً:
"عجبًا لكن! تهابنني أنا، ولا تهابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!"
فأجبنه بكل صراحة:
"يا عمر، أنت شديد، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس كذلك."
لم يكن عمر (رضي الله عنه) مسروراً عندما بدا كأنه على خلاف مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأدرك ذلك النبي الكريم وطيّب خاطره قائلًا:
"يا عمر، لو سرتَ في طريق، ورآك الشيطان، لغيّر طريقه."
"بيت النبوة".. مدرسة النساء
كان بيت النبوة بمثابة مدرسة للنساء المسلمات، حيث كانت أمهات المؤمنين من أعمدتها الرئيسية، وكنّ بمثابة الطالبات الدائمات وكذلك المعلمات في الوقت نفسه.
وقد وصف الدكتور راشد كُتُك، أستاذ بجامعة مرمرة، هذه الظاهرة قائلًا:
"أحكام الإسلام تشمل الرجال والنساء، لكن هناك أحكام تخص كل جنس على حدة. ولم يكن تعليم الرجال أمراً صعباً على النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان منهم، أما تعليم النساء وإيصال الأحكام إليهن، فكان بحاجة إلى وسيطات يعلمنهن. ولذلك، فإن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كنّ يمثلن هيئة تعليمية للنساء المؤمنات. وكان منزلهن مدرسة، وكنّ معلماتها."
وقد استمرت هذه المهمة حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل زادت أهميتها مع مرور الوقت.
"مدرسة أهل الصُّفّة" و"مدرسة امهات المؤمنين"
في المدينة، كان للنبي صلى الله عليه وسلم مدرستان رئيسيتان:
1. مدرسة أهل الصُّفّة، التي كانت مخصصة لتعليم الصحابة الرجال، وكان على رأس طلابها أبو هريرة (رضي الله عنه)، الذي روى عن النبي (5374) حديثاً.
2. مدرسة امهات المؤمنين، التي كانت مخصصة للنساء، وكانت رائدتها السيدة عائشة (رضي الله عنها)، التي جاءت في المرتبة الرابعة بين أكثر الصحابة روايةً للحديث، حيث روت 2210 حديثاً.
أهمية مدرسة امهات المؤمنين في حفظ الإسلام
الإسلام هو الدين الخاتم، وقد جاء بتشريعات تغطي جميع جوانب الحياة. وكان تدوين هذه الأحكام وتعليمها للناس من أولى المهام في عصر السعادة، حيث كانت تفاصيل الدين تُحدَّد وفقاً لما يرضي الله في كل لحظة من لحظات حياة المسلمين.
ومن خلال أمهات المؤمنين، وخاصة السيدة عائشة (رضي الله عنها)، تم نقل جزء كبير من الأحكام الشرعية، لا سيما المتعلقة بالنساء. فلو لم تكن هناك مدرسة "امهات المؤمنين"، ولو لم تكن السيدة عائشة جزءاً منها، لفُقِد نصف أحكام الإسلام تقريباً!
وهكذا، كان بيت النبوة مدرسة عظيمة، وحملت أمهات المؤمنين مسؤولية نشر العلم ونقل تعاليم الإسلام للأجيال القادمة.
47
ما معنى الأضحية؟ ولماذا تُذبح؟ وما هي حكمها؟
الأضحية، في معناها اللغوي، تعني "القربان" أو "التقرّب". وانطلاقاً من هذا المعنى، فإن ذبح الأضحية هو عمل يُقصد به التقرب إلى الله تعالى من خلال ذبح شيء من المال الذي رزقنا الله إياه، بشرط أن يكون مما يُمكن أن يُضحّى به، وذلك ابتغاءً لرضاه.
في سورة الحج، يقول الله تعالى:
{ْ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ}(الحج:37)
وهذا يعني أن الهدف الأساسي من ذبح الأضحية هو تنفيذ أمر الله، وإظهار التقوى. أي أن الإنسان على استعداد لأن يُضحّي بأغلى ما يملك في سبيل الله، كما فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما همّ بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، مما يُظهر أن المؤمن ينبغي أن يكون مستعدًا حتى للتضحية بنفسه إن اقتضى الأمر.
ومن جهة أخرى، فإن الأضحية تكسر عبودية المال، وتُعلّم الإنسان أن رضا الله فوق كل شيء، وأنه قادر على ترك أي شيء من أجله.
الهدف الأساسي من الأضحية هو نيل رضا الله والتقرب منه. ومن خلال هذا الفعل التعبدي، يقترب المؤمن من ربه وينال رضاه. كما أن للأضحية بُعداً اجتماعياً، فهي مثال على التكافل والتراحم، حيث يستفيد الفقراء من لحوم الأضاحي.
وبذلك، فإن روح هذه العبادة تقوم على التقرب إلى الله، والتضحية من أجل الناس. ومهما كان حكمها الفقهي، فهي تُعد من شعائر المسلمين، وقد حافظت على مكانتها في الحياة الدينية للأمة منذ قرون.
إن الأضحية تعبّر رمزياً عن استعداد المسلم للتضحية بكل ما يملك، بل حتى نفسه، في سبيل الله.
الإسلام، إلى جانب دعوته إلى الصفاء النفسي والسمو الروحي، أتى بأحكام وتطبيقات تعزز الوحدة والتماسك في المجتمعات، كأوامر الزكاة والحج والأضحية. هذه العبادات المالية ذات البعد الاجتماعي حافظت على جوهرها وغايتها عبر العصور، ونُقلت كما هي إلى الأجيال المتعاقبة دون تغيير.
الحِكمة من ذبح الأضحية:
1. التقرب إلى الله:
كلمة "قربان" في اللغة تعني ما يُتقرب به إلى الله. ومن هذا الاسم يتضح أن الأضحية وسيلة للتقرب من الله ونيل رضاه. وقد قال تعالى:
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}(الحج:34)
وهذا يدل على أن ذبح الأضحية ذِكر لله، وتأكيد أن هذه الأنعام من رزقه وحده.
مع مرور الزمن، قد ينسى الإنسان أن ما يملكه من مال وثروة هو نعمة من الله، وقد يغتر بماله، كما فعل قارون، ويظن أنه حصل عليه بجهده. فتأتي الأضحية لتُذكّره أن المال ملك لله، وأنه لا يملك شيئاً دون إذنه، فيتواضع ويشكر، وتكون وسيلة للتقرب إلى الله.
2. الاختبار والطاعة:
كما أن الله لا يحتاج إلى لحم الأضحية ولا دمها، فإن الأمر بالأضحية هو اختبار لعباده، لقياس تقواهم وطاعتهم. يقول الله في سورة الحج:
{ْ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ}(الحج:37)
الهدف هنا هو الإخلاص، التقوى، والتقرب من الله، وليس اللحم والدم في حد ذاتهما.
3. تذكير بقصة سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
تُذكّر الأضحية المسلمين بقصة الفداء العظيمة، حينما أُمر سيدنا إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه إسماعيل، واستجابا للأمر بكل تسليم. لكن الله تعالى فداه بكبش عظيم من الجنة. فكانت الأضحية تخليداً لهذا الحدث العظيم، ولتظل قصة الإيمان والتضحية حاضرة في وجدان المسلمين.
4. رمز الاستعداد للتضحية:
عندما يضحي المسلم كل عام، فإن في هذا رمزاً لاستعداده الكامل لتقديم كل ما يملك، بل حياته، في سبيل الله، إن اقتضى الأمر.
5. تجسيد للعدالة الاجتماعية:
كثير من الفقراء الذين لا يستطيعون أكل اللحم طوال العام يجدون في عيد الأضحى فرصة لتناول اللحم بوفرة. كما يمكن تخزين الزائد من اللحم للاستفادة منه لاحقاً.
وهذا يُظهر كيف يحقق الإسلام العدالة الاجتماعية من خلال عبادة ذات طابع تعبدي واجتماعي في آنٍ واحد.
48
تعريف القماروحكمه
القمار هو: إعطاء أو أخذ مال اعتمادًا على احتمال أمر غير مؤكد النتائج. ومهما كان اسم اللعبة، فإن كل لعبة أو رهان مشترك تقوم على دفع أو ربح مال أو شيء ذي قيمة بهذه الطريقة تُعد قماراً. وقد سُمي في القرآن "ميسراً" لأنه من السهولة (يُسر)، إذ هو وسيلة سهلة لاكتساب المال أو فقدانه.
القمار طريق للكسب الحرام، ينسى الإنسان فيه خالقه، ويصرفه عن الصلاة، ويقوده للكسل، ويهدم قدرته على العمل، وينشر البغضاء والعداوة بين الناس. وكل أنواع القمار محرّمة في الإسلام لأنها تُلحق أضراراً لا تُمحى بالفرد والمجتمع.
وقد ورد في القرآن الكريم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}(النساء:29)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(المائدة:90-91)
القمار وأضراره:
من حيث التحريم والإثم، لا فرق بين الخمر والقمار، فكلاهما محرمان في نفس الآية. والقمار هو كل لعبة حظ تُكسب أو تُفقد فيها الأموال. وهو أخذ مال الغير ظلماً، وسرقة جماعية مُتفق عليها. وهو كارثة اجتماعية، وقد دمّر القمار العديد من الأسر وجعلهم يعيشون في بؤس دائم.
من يسهرون على موائد القمار مدفوعين بالطمع، يضيعون صحتهم، أموالهم، أخلاقهم وأوقاتهم، ويبتعدون عن إنسانيتهم. من يربح اليوم يخسر غدًا.
المال الذي يُخسر في القمار غالباً فيه حق الزوجة والأولاد والفقراء، والمال الذي يُربح به أيضاً غير مشروع.
ومع انتشار القمار، تزداد الأضرار الاجتماعية، ويحل الكسل محل العمل، وتقل الإنتاجية في الحياة الاقتصادية. ويأتي القمار ومعه الشرور مثل الخمر، الكذب، الطمع، الحقد، الانتقام، والقتل.
في الأسرة، يؤدي القمار إلى الفوضى، والنزاعات، والإهمال. وقد شوهد كثيرون يبيعون دينهم، وشرفهم، ووطنيتهم، ويدوسون على كل القيم المقدسة بسبب القمار.
والقمار، مثل الخمر، يتحول بسرعة إلى عادة يصعب التخلص منها، لذلك فهو من أخطر العادات.
كل لعبة حظ تؤدي إلى ربح أو خسارة مال – مثل النرد، أوراق اللعب، اليانصيب،الرهانات المشتركة – تُعتبر قماراً.
تبدأ ألعاب الحظ بدافع التسلية، ثم يدفع الربح الإنسان للعب طمعاً، ويعاود الخاسر اللعب لتعويض خسارته، فينتهي به الأمر مقامراً. والذين يفقدون كل شيء في القمار ويخربون أسرهم، كانوا في البداية يرونه مجرد تسلية.
تجنّب القمار واجب، وكذلك حماية أهلنا ومن حولنا منه. وقد حمّل القرآن الكريم المسؤولية لرب الأسرة لتربية أفراد عائلته وتوجيههم إلى الحياة التي يريدها الله ورسوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم:6)
أما الألعاب مثل الطاولة، الشطرنج، الداما، الورق، التنس، والبلياردو، فإذا كانت تُلعب بنية القمار وكسب المال، فهي بلا شك قمار محرم.
وقد وردت أحاديث نبوية تحرّم لعبة الطاولة:
[مَن لَعِبَ بالنَّرْدِ فقد عصى اللهَ ورسولَه](أبو داود: 4938)
[مَن لَعِبَ بالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأنَّما صَبَغَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ ودَمِهِ](مسلم: 226)
وقد رأى أغلب فقهاء الإسلام أن هذه الأحاديث تشمل التحريم حتى لو لم يكن اللعب بغرض القمار. أما سعيد بن المسيب وبعض العلماء، فرأوا أن اللعب بها لغير القمار لا يُعد حراماً.
والألعاب مثل الورق والدومينو تُشبه الطاولة من حيث الحكم.
أما لعبة الشطرنج، فقد ظهرت في عهد الصحابة، ولم يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها، وقد اختلف العلماء فيها:
• بعضهم مثل عبد الله بن عباس، أبو هريرة، ابن سيرين، سعيد بن المسيب وغيرهم رأوا أنها مباحة.
• الشافعي قال إنها مكروهة تنزيهاً، بينما رأى أبو حنيفة، مالك، وأحمد بن حنبل أنها حرام.
وقد استندوا إلى كونها أقرب إلى التفكير والذكاء منها إلى الحظ، كما لا يوجد نص قطعي بتحريمها. لكن بعض الصحابة شبهوها بالطاولة،
أما لعبة الداما، فهي تُشبه الشطرنج. والتنس والبلياردو يغلب عليهما الجانب الرياضي، وإذا لم يُقترن بهما شيء محرم، فهما مباحان.
الخلاصة:
لكي يكون اللعب مباحاً إذا لم يكن بنية القمار، وإنما للتسلية والراحة، فهناك أربعة شروط يجب توفرها:
1. ألا يؤدي إلى تأخير الصلاة أو فواتها.
2. ألا يكون فيه أي منفعة مادية أو مصلحة مرجوة.
3. أن يحفظ اللاعب لسانه من الكلام البذيء أو العبث.
4. ألا يتحول إلى وسيلة لهدر الوقت وتجاوز حدود الراحة والتسلية الطبيعية.
49
المرأة في الشريعة الإسلامية؟
حصلت المرأة على المكانة والقيمة التي تستحقها من خلال الدين الإسلامي، ووجدت فيه الطمأنينة والسعادة التي كانت تتوق إليها عبر التاريخ. لقد أزال الإسلام مظاهر الإفراط والتفريط في العلاقات بين الرجال والنساء، وأقام توازناً وانسجاماً كاملين بين الجنسين.
وفقاً للإسلام، فإن الرجل والمرأة متساويان تماماً من حيث كونهما مخلوقين من قبل الله. كما جاء في القرآن الكريم:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات:13)
ويقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: [الناس سواسية كأسنان المشط]
تكامل المرأة والرجل
الرجل والمرأة هما جزءان مكملان لبعضهما البعض، وهذا ما يعبر عنه القرآن الكريم في قوله:
{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}(البقرة:187)
فاللباس يستر العيوب، ويحمي من البرد والحر، وهكذا الرجل والمرأة يكمل كل منهما الآخر ويغطي نقائصه. لذا فإن الجدال حول أي الجنسين أكثر تفوقاً هو أمر غير مجدٍ.
وكما أوضح القرآن الكريم، يتمتع الرجل ببعض الصفات التي قد لا تتوفر لدى المرأة، والعكس صحيح. فكلاهما يحتاج إلى الآخر، ولكلٍ منهما ميزات وتفوقات متبادلة. لهذا فإن المقارنة بينهما بنفس المعايير تؤدي إلى استنتاجات خاطئة. يقول الله تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(النساء:34)
معيار التفاضل في الإسلام
لا يوجد في الإسلام تمييز في القيمة بناءً على الجنس، بل إن التفاضل عند الله يقوم على التقوى والعمل الصالح فقط، كما ورد في قوله تعالى:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(الحجرات:13)
ويؤكد القرآن أن الرجال والنساء المؤمنين الذين يعملون الصالحات سيحصلون على الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النحل:97)
العادات الجاهلية التي أزالها الإسلام لصالح المرأة
رفض الإسلام الاعتقادات السائدة بين اليهود والنصارى بأن المرأة كائن ملعون، كما حرم بشدة عادة وأد البنات التي كانت منتشرة في الجاهلية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:[لا طيَرةَ ، ولا صفرَ ، ولا هامَّة] مبيّناً أنه لا يوجد شيء اسمه "نحس" أو "سوء طالع"، مما ألغى الاعتقاد بأن المرأة مصدر شؤم.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال بالإحسان إلى النساء قائلاً: [اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا] كما رفع من شأن البنات، حيث قال:[مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ]
الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة
1. الحق في النفقة
الرجل ملزم بالإنفاق على زوجته وأولاده، وتأمين متطلباتهم من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، وليس للمرأة أي التزام مالي تجاه الأسرة.
2. الأهلية القانونية
المرأة في الإسلام لها أهلية قانونية كاملة، فلها الحق في امتلاك وإدارة أموالها الخاصة دون الحاجة إلى إذن من أحد.
3. حق الميراث
خلافاً للأنظمة القانونية الأخرى السائدة وقت ظهور الإسلام، أعطى الإسلام المرأة حق الميراث. ورغم أن هناك حالات تأخذ فيها المرأة نصف نصيب الرجل، إلا أن هذا التقسيم له حكمته وأسبابه العادلة.
4. الحق في التعليم
أكد الإسلام على أهمية تعليم المرأة، واعتبرها المربية الأساسية للأجيال. لذلك كان هناك العديد من النساء العالمات في الحديث والفقه والأدب عبر التاريخ الإسلامي.
5. حق العمل
يمكن للمرأة أن تمارس أي مهنة لا تتعارض مع تعاليم الدين والأخلاق.
6. حقوق أخرى
للزوجة حق المطالبة بالمهر، كما أن الزوج ملزم بحسن معاملتها، ولا يجوز له التعدي على حقوقها أو معاملتها بقسوة.
قيادة الأسرة
رغم أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها، إلا أنه جعل الرجل هو القائم على الأسرة، وذلك ليس بسبب تفوقه، ولكن بسبب مسؤوليته في الإنفاق ورعاية الأسرة، كما قال تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(النساء:34)
وهذا لا يعني أن الرجل أعلى من المرأة في القيمة، بل إنه دور تكاملي لتوزيع المسؤوليات بينهما
50
نظرة الإسلام إلى العنصرية
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات:13)
وفي نفس السورة، يقول الله تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}(الحجرات:10)
هذه الآيات تُبيّن أن الله لم يُفضّل أي قوم على قوم، ولم يمنح أي شعب مكانة أعلى بسبب نسبه أو عرقه، بل جعل التقوى هي المقياس الوحيد للكرامة عند الله. الإسلام يجعل المؤمنين جميعاً إخوة، ولا يُعتبر أي إنسان مؤمناً كامل الإيمان حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
[ لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ](البخاري)
فكيف يواجه الإسلام العنصرية؟
قد يختلف المؤمنون في بعض الأمور، وقد تدخل العداوة بينهم لسبب أو لآخر، ولكن الحل الإسلامي هو الإصلاح بين الإخوة، لا تعميق الانقسام. وكما قال الله تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}(الحجرات:10)
فمن يُثير العصبية القومية أو العنصرية بين المسلمين، فإنه في الحقيقة يُساهم في تمزيق وحدتهم ويخدم أعداءهم عن قصد أو غير قصد.
و من قصة نوح عليه السلام في سورة هود، عندما رأى نبي الله نوح ابنه يغرق في الطوفان، توجّه إلى الله قائلًا:
{وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}(هود:45)
لكن الله سبحانه وتعالى ردّ عليه بقوله:
{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}(هود:46)
أي أن القرابة الحقيقية ليست قرابة الدم، وإنما قرابة الإيمان والعمل الصالح. وهكذا، فإن الإنسان غير المؤمن لا يُمكن اعتباره أخاً حقيقياً للمؤمن، مهما كانت صلة القرابة بينهما.
كذلك القرآن يجذر من موالاة غير المؤمنين
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(التوبة:23)
هذه الآية توضح أن الرابطة الحقيقية التي تجمع الناس ليست رابطة الدم، بل رابطة الإيمان
فحتى لو كان الشخص قريباً للمؤمن بالنسب، لكنه يختار الكفر، فلا يجوز للمؤمن أن يتخذه ولياً.
ان في يوم القيامة لا فائدة من العرق أو النسب
في يوم القيامة، لا يُنظر إلى أصل الإنسان أو عرقه، بل إلى إيمانه وعمله، كما يقول الله تعالى:
{يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الشعراء:88-89)
حتى العلاقة بين الأب وابنه لا تُفيد إذا لم يكن الابن مؤمناً، فكيف يمكن أن يكون الانتماء العرقي عامل تفاضل بين الناس؟!
في النهاية نستخلص التالي
• الإسلام يرفض العنصرية بجميع أشكالها، ويُؤكد أن الناس متساوون، ولا فرق بينهم إلا بالتقوى.
• الرابطة الحقيقية بين البشر ليست العرق أو الدم، بل الإيمان والعمل الصالح.
• لا يجوز تفضيل شخص على آخر بسبب أصله أو قوميته، بل يُنظر إلى تقواه وأخلاقه.
• في الآخرة، لن يكون للمال أو النسب أي قيمة، بل سيكون القلب السليم هو المعيار الوحيد للنجاة.
إذن، الإسلام دينٌ يُحارب العنصرية، ويُؤسس لمجتمع قائم على العدل والمساواة، حيث يُكرّم الإنسان بناءً على تقواه، وليس بناءً على أصله أو نسبه.
51
الاكتشافات الحديثة في القرآن الكريم
علم الفلك
• لم تُعرف بعد كيفية تكون المادة الأولى للكون بشكل مؤكد، وربما يبقى ذلك مجهولاً إلى الأبد. ومع ذلك، وُضعت بعض النظريات المدعومة بأدلة يمكن قبولها. وتُفهم آيات القرآن المتعلقة بهذا الموضوع بشكل أفضل في ضوء هذه النظريات:
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}(الأنبياء:30)
{ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}(فصلت:11)
النظرة السائدة اليوم بين علماء الفيزياء الفلكية تدور في نفس الإطار الذي ترسمه هذه الآيات.
• هناك إشارات متعددة في القرآن إلى كروية الأرض، مثل قوله تعالى:{ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}(الزمر:5)
كلمة "يُكَوِّر" تشير إلى لفّ الشيء حول جسم كروي، كما يُلفّ العمامة على الرأس.
ومن الآيات التي تشير إلى دوران الأرض:
{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}(النمل:88)
الفيزياء
عندما يصعد الإنسان إلى طبقات الجو العليا، يقل الأوكسجين ويهبط ضغط الهواء بمعدل درجة واحدة كل 100 متر، مما يؤدي إلى ضيق التنفس واضطرابات في الكلام والرؤية، وربما فقدان الوعي. وبعد ارتفاع 20,000 متر، يستحيل التنفس دون أجهزة خاصة، مما يؤدي إلى الموت. ويصف القرآن هذا الواقع بقوله:
{فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}(الأنعام:125)
علم طبقات الأرض (الجيولوجيا)
أثبتت الجيولوجيا أن للجبال جذوراً عميقة تحت الأرض تساوي أحياناً ارتفاعها فوق سطح الأرض. ويقول القرآن:
{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}(النبأ:6-7)
كما جاء في آية أخرى:
{ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا }(النازعات:32)
ويُظهر القرآن أن الجبال تحفظ توازن الأرض:
{وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ}(لقمان:10)
وتبين حديثاً أن الجبال تمثل عناصر مهمة في قانون التوازن الأرضي المسمى "إيزوستاسي". وتبيّن أيضاً أن هناك نقاطاً ساخنة على الأرض، وعددها يقارب 110، وهي جبال ضخمة تمنع حركة القشرة الأرضية، وتثبتها كالمسامير.
علم النبات
مع أن التلقيح في النباتات معروف قديماً، إلا أن دور الرياح في عملية التلقيح لم يكن معروفاً حتى وقت قريب. قال تعالى: {وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}(الرعد:3)
وقد تم اكتشاف أن جميع النباتات تحتوي على أزهار بها أعضاء ذكرية وأنثوية، وأن التلقيح يتم أيضاً عبر الرياح.
{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ }(الحجر:22)
علم الوراثة
{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ }(الأعراف:172)
القرآن يعرض حقيقة خفية وعميقة في فطرة الإنسان، بأسلوب مدهش لا مثيل له، في وقت لم يكن لدى الناس فيه أي علم بحقيقة نشأة الإنسان. واليوم، يُبيِّن العلم أن الجينات تحتوي على جميع الصفات الوراثية للإنسان، وهي محفوظة في خلايا صغيرة جداً لا تتجاوز 1 سم³، رغم أنها تحتوي على سجل مفصل لحياة ثلاثة مليارات إنسان.
قال تعالى:{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(فصلت:53)
علم البصمات (الداكتيلوسكوبي)
علم البصمات يثبت أن لكل إنسان بصمة إصبع فريدة لا تتكرر. ويقول الله تعالى:
{ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ}(القيامة:3-4)
فقد أشار القرآن إلى هذه الخاصية الدقيقة لبنية الإنسان.
علم الأحياء
عند مقارنة آيات القرآن المتعلقة بتطور الجنين، مثل سورة الحج (آية 5) وسورة المؤمنون (الآيات 12-14) نجد توافقاً تاماً مع مكتشفات علم الأحياء الحديث. وقد عبّر أحد أساتذة الطب عن هذا بقوله:
"القرآن يوضح للبشر بأسلوب بسيط الحقائق الأساسية حول تكاثر الإنسان، والتي استغرقت البشرية قروناً لاكتشافها."
الآيات:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}(الحج:5)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }(المؤمنون:12-14)
الطب الوقائي (حفظ الصحة)
يضع القرآن الكريم أحكاماً لحفظ صحة الإنسان النفسية والبدنية، كما يحتوي على قوانين دقيقة في الطب الوقائي لم تُفهم بشكل كامل إلا بعد قرون من نزوله.
فهو يأمر بالنظافة الشخصية، نظافة الملابس، الراحة الكافية، التغذية الجيدة، تجنب الأطعمة الفاسدة، الامتناع عن الخمر، والامتناع عن أكل الميتة والدم ولحم الخنزير. كما يحذر من الزنا، أحد أسباب الأمراض الجنسية.
52
مفهوم الجهاد في ضوء الآيات والأحاديث
يتناول بعض الكُتّاب الغربيين مفهوم الجهاد بشكل خاطئ ومتعمد، فيقصرونه على معنى "القتال" متجاهلين معانيه الأخرى الكثيرة، رغم أن مفهوم الجهاد واسع جداً وشامل. وعند دراسة الآيات والأحاديث المختلفة التي تناولت الجهاد، وكذلك تطبيقات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم له، يتضح بجلاء أن الجهاد لا يقتصر على القتال فقط.
فعلى سبيل المثال، حين سألت السيدة عائشة رضي الله عنها:[ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ ؟ قَالَ : لاَ ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ] (البخاري- كتاب الجهاد:1).
وفي حديث آخر[ إن من أعظم الجهادِ كلمةُ عدلٍ عند سُلطانٍ جائرٍ](الترمذي:2175)
ومثال آخر: [ جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ] (متفق عليه).
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ] (مسلم - كتاب الإيمان 80).
من خلال هذه الأحاديث يتضح أن الجهاد له مفاهيم ووسائل واسعة وشاملة.
كلمة "جهاد" في اللغة العربية مشتقة من الجذر "جهد"، ويعني بذل الجهد والطاقة واستعمال كل الإمكانيات لتحقيق هدف معين. وفي أوسع معانيه، يعني الجهاد: العيش في سبيل الله باستقامة مدى الحياة، وبذل الجهد في أداء العبودية بإخلاص، ومجاهدة النفس والشيطان، وتطبيق أوامر الله ورسوله على النفس، ونقل جمال الإسلام للناس بالدعوة، وإبلاغ الرسالة الإلهية للبشرية، والدفاع عن بلاد المسلمين وأهلها من كل تهديد أو عدوان، والقتال عند الضرورة.
وبناءً على هذا المعنى، فإن للجهاد "جانباً معنوياً" وآخر "مادياً".
أما الجانب المعنوي، فيتطلب إيماناً صادقاً، وإخلاصاً وتضحيةً، وهمةً عالية، وهو ما يشير إليه قوله تعالى:
{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة:285-286)
يتطلب هذا الجانب تربية المؤمنين على العلم والإيمان، ووعي وبصيرة، وتجسيد نموذج المسلم الصادق في الإخلاص والسلوك على المنهج القرآني يقول الله تعالى:
{ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(الزمر:2-3)
{ وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}(البقرة:41)
أما الجانب المادي، فيتمثل في التقدم الاقتصادي، والقوة العلمية والتكنولوجية، وتحقيق التفوق الثقافي والسياسي والعسكري لمواجهة أعداء الإسلام وخيانتهم، والاستعداد بأقوى الأسلحة والتجهيزات الممكنة.
في ضوء الآيات والأحاديث، يشمل مفهوم الجهاد في الأدبيات الإسلامية المهام والمسؤوليات التالية:
1. السعي للعيش مدى الحياة متمسكاً بالدين وبإخلاص، ومجاهدة النفس والشيطان، وكسر سلطة النفس الأمارة بالسوء.
2. تغليب الحق والعمل على إعلائه.
3. تعلم الدين والعيش به وتعليمه للآخرين.
4. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5. التحمل والصبر على الصعوبات والخشونة.
6. الدعوة إلى الإسلام، ونقل الرسالة الإلهية للبشرية.
7. المجاهدة الفكرية والعلمية ضد الأعداء، والتفوق في العلم والتقنية.
8. تحقيق القوة والتفوق الاقتصادي والثقافي.
9. إدارة الدولة ببصيرة وعدم إتاحة الفرصة للمستغلين والفاسدين.
10. بذل الجهد لتجنب الوقوع تحت السيطرة السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية للدول الأخرى.
11. اتخاذ جميع التدابير المسبقة ضد الخيانات والاعتداءات.
12. عند الضرورة، عدم الخوف من القتال، والثبات، والمشاركة بكل القوة والثقة بالله.
إن تضييق مفهوم الجهاد عن قصد أو عن جهل ليقتصر على معنى "القتال" فقط، لا يعكس الحقيقة، ويعد ناقصاً ومخالفاً لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من معانٍ ومضامين شاملة وعميقة.
53
حكمة أداء الصلاة في خمس مرات في اليوم
عندما يستيقظ الإنسان في الصباح، يشعر وكأنه قد وُهب حياة جديدة، ويستعد لممارسة أعماله اليومية.
ولكن الذي منحه هذا النشاط والحيوية، وسيمكنه من السعي في رزقه، هو الله تعالى.
لذلك، فُرضت صلاة الفجر كوسيلةٍ لشكر الله على نعمة الصحة، ولطلب العون منه في أعمال الدنيا.
خلال النهار، يستفيد الإنسان من نعم الحياة والصحة والعقل التي وهبها الله له،
والتي تساعده على تحقيق النجاح في أموره الدنيوية.
ولشكر الله على هذه النعم، ولمنع القلب من الانغماس في الغفلة والقسوة بسبب مشاغل الحياة، فُرضت صلاتا الظهر والعصر.
ومع اقتراب المساء وانتهاء العمل اليومي، يصبح من الحكمة أن تُختتم هذه الجهود بعبادة روحية، تعبيراً عن الامتنان لما تحقق خلال اليوم، ولهذا فُرضت صلاة المغرب.
ثم يأتي الليل، حيث يستعد الإنسان للدخول في عالم النوم، الذي يُشبه الموت من جهة، ويُعتبر مرحلةً للراحة والاسترخاء من جهة أخرى.
ولكي يختتم الإنسان يومه بعبادة مقدسة، وينتقل إلى عالم النوم بروحٍ نقيةٍ وطمأنينةٍ، متضرعاً إلى الله بطلب المغفرة، فُرضت صلاة العشاء، لتكون ختاماً حسناً لليوم.
من جانب آخر، تمر حياة الإنسان – وكذلك الكائنات من حوله – بخمس مراحل: الولادة، النمو، الاستقرار، الشيخوخة، ثم الموت. ولكي يحقق الإنسان توازناً بين حياته المادية والروحية، شرع الله لنا خمس صلوات في اليوم، لتتناسب مع هذه المراحل الخمس، ولتحقق التناغم بين الجسد والروح والعمل.
54
معنى الجهاد و أنواعه
الجهاد هو اسم لكل نشاط أو عمل يُبذل في سبيل الله. هو بذل الجهد لإعلاء الحق وجعله غالباً.
وبعبارة أخرى، الجهاد هو الجانب العملي في الإسلام، وهو قوة دفعه وحركته.
كلمة "جهاد" تُترجم في اللغات الغربية غالباً إلى "الحرب المقدسة" وهذه الترجمة تعكس محاولة لتصوير الإسلام كدين انتشر بالسيف والإكراه.
غير أن هذا الفهم خاطئ، لأن كلمة "الجهاد" لا تعني الحرب فقط، وإن كان القتال في سبيل الله يُعد نوعاً من الجهاد، إلا أن مفهوم الجهاد أوسع من ذلك بكثير؛ فهو يشمل كل جهد يُبذل لنشر دين الله وإيصاله إلى الناس كافة.
أقسام الجهاد:
1. الجهاد ضد الجهل:
وهو جهاد تعليم الناس الحق والصواب والجمال.
يقول الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم:
{ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ}(النحل:125)
وفي آية أخرى:
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران:104)
فالقرآن الكريم ليس خاصاً بقوم معين، بل هو دواء إلهي شامل كافٍ لعلاج آلام البشرية المادية والمعنوية، الفردية والاجتماعية إلى يوم القيامة. وقد كُلف المسلمون بتقديم هذا الدواء الإلهي للعالم أجمع.
2. الجهاد مع النفس:
وفي هذا الصدد يُنبه الله تعالى المؤمنين قائلاً:
{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ }(ص:26)
وقال النبي ﷺ:
[أفضلُ الجهادِ من جاهد نفسَه في ذاتِ اللهِ عزَّ و جلَّ]
[أَعْدَى عَدُوِّكَ نفسُكَ التى بين جَنْبَيْكَ]
وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أنه قال لأصحابه وقد انصرفوا من الجهاد ["أتيتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: "مجاهدة النفس"]
والمقصود أن مجاهدة النفس أصعب وأعظم من القتال في المعركة، لما فيها من صراع دائم وخفي.
3. الجهاد ضد الشيطان:
يقول الله تعالى:{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا }(فاطر:6)
فقد عُرّف الشيطان بأنه العدو الأكبر للإنسان، والجهاد ضده هو من أعظم أنواع الجهاد، لأنه عدو خفي لا يملّ ولا يكلّ.
4. الجهاد بالسلاح (القتال):
وهذا النوع ليس دائمًا ولا هو فرض على كل شخص. فإذا كانت الدولة تملك القوة الكافية، فإن القتال يُعد فرض كفاية، أي إذا قام به البعض سقط عن الآخرين.
55
معنى الطواف حول الكعبة والحكمة منه
إن الطواف حول الكعبة يمثل فكرة التوحيد.
ومعناه في الحياة الاجتماعية هو عدم الانفصال عن الوحدة، والسعي للحفاظ عليها.
أما معناه في الحياة الفردية، فهو أعمق ويحتوي على حقائق روحية؛ فالسماوات سبع طبقات، وكذلك النفس البشرية تتكون من سبع مراتب.
ومع كل دورة، يتم اجتياز مرحلة، وبلوغ منزلة، مما يشير إلى الارتقاء فوق السماوات السبع، والسمو فوق العالم المادي.
كما أن ذلك يرمز إلى ارتقاء النفس من أدنى مراتبها إلى أعلاها، أي من "النفس الأمارة بالسوء" إلى "النفس المطمئنة"، حيث ينجو الإنسان من حياة البهيمية ويبلغ حياة الروحانية.
الطواف حول الكعبة هو عبادة مستوحاة من نظام الكون.
فالكواكب تدور حول الشمس، والإلكترونات تدور حول النواة؛ والدوران حول مثل هذا المركز يعبر عن التعلق به حباً وارتباطاً.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}(الإسراء:44)
وقد ساعدت تطورات العلوم الطبيعية في تفسير هذه الآية؛ إذ تبين أن جميع الكائنات، بما فيها ما كان يُظن أنه جامد، تتكون من ذرات، وتدور الإلكترونات باستمرار وبنظام دقيق حول نواة الذرة، وهذا ما عبر عنه القرآن بالتسبيح. ومن هنا فإن الطواف حول الكعبة، رمز الإسلام، هو تعبير عن الانتماء للدين، والتفاني في محبة الله والتعلق به بكل جوارح القلب.
العبادة هي قيام العبد بواجباته من تكبير وحمد وشكر لله تعالى كما أمره. لذا، فإن أداء كل كائن للمهمة التي خلقه الله من أجلها يُعد عبادة وتسبيحاً.
فهم الطواف:
الطواف في اللغة يعني الدوران حول شيء. وفي الكون، كل شيء في حالة طواف، من أصغر وحدة مادية وهي الذرة إلى أعظم المجرات. فالإلكترونات تدور حول النواة بسرعة مذهلة، والمجرات تدور بنظام فلكي مذهل حول مراكزها. كأن الجميع يعبد الخالق الذي أوجدهم. وكما ورد في القرآن:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}(يس:33)
ومنظر آلاف المسلمين يطوفون حول الكعبة يشبه دوران مجرة بنجومها، وللتمتع باللذة الروحية في الطواف، يجب أن يُسلم المرء نفسه لهذه الدائرة، ويصبح قطرة في بحر المؤمنين. الطواف هو رمز للخضوع والامتثال لحكم الله، وخلاصة الكون والخَلق.
الرَّمَل والاضطباع:
الرَّمَل هو مشي الرجال في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف بخطى قوية، أما الاضطباع فهو كشف الكتف الأيمن عند الطواف أثناء الإحرام. وكلاهما كان إظهاراً للقوة أمام المشركين عندما جاء المسلمون من المدينة المنورة لأداء العمرة بعد سنوات من الهجرة. حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يُظهروا القوة والنشاط أمام قريش، وقد فعلوا ذلك. ومع أن هذه الحاجة زالت بزوال المشركين، إلا أن هذه السنة استمرت، ليظل المسلمون يتذكرون أهمية إظهار القوة والعزة.
بدء الطواف بالكعبة على يسار الطائف له معنى رمزي، حيث يكون القلب، موضع نظر الله، باتجاه الكعبة، بيت الله.
فالله لا ينظر إلى الصور والأموال، بل إلى القلوب. ولذا فثمة علاقة عميقة بين الكعبة وقلب الإنسان، وهذا يدل على أن الطواف ينبغي أن يكون من القلب وبالنية الصادقة.
في الطواف، يُعاش لذة الإيمان. هذه اللذة الروحية الناتجة عن القرب من الله لا يمكن أن تُشعر في مكان آخر بهذا الوضوح والحيوية.
يشعر الحاج وكأنه في بيته، في حضن محبة الله. الكعبة تبدو له مألوفة، برائحتها وحرارتها وجلالها.
كما في الصلاة، لا يوجد تمييز بين الطائفين حول الكعبة. الكل سواء. لا فروق بين الناس، لا علامات تميز أحدًا عن الآخر. الكل يتوحد في رمز التوحيد، فينبغي للمؤمن أن يذوب في الجماعة.
الدوران حول مركز ما هو تعبير رمزي عن المحبة العميقة والاستعداد للتضحية في سبيله. والطواف حول بيت الله الحرام هو تعبير فعلي عن التوجه لله وحده، والخضوع له، وعدم عبادة سواه.
الحاج في الطواف يدرك أنه في حضرة الله، ويجب أن يطوف بتوقير وخشوع، بمحبة تجمع بين الخوف والرجاء. كما أن النبي إبراهيم عليه السلام طاف مع ابنه إسماعيل أثناء بناء الكعبة، كذلك يبني الحاج بإيمانه قلبه. الكعبة هي بيت الله، والقلب موضع نظر الله، فالله يراقب القلوب وينظر إليها.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:[ إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم](مسلم)
وفي الآخرة كذلك، كما في الدنيا، الله يريد قلباً سليماً،
كما في الآية 88 من سورة الشعراء{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
ولهذا قال المتصوفة أن جميع الصفات التي وردت عن الكعبة في القرآن والحديث، يمكن أن تُطلق على القلب، فهو بيت الله. وقالوا إن القلب هو "البيت الحرام"، لا يجوز أن يدخله غير الحبيب، لأن الله يسكن فيه. ويؤكد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم أثناء طوافه بالكعبة:
[ما أطيبَكِ وأطيبَ ريحَكِ ما أعظمَكِ وأعظمَ حرمَتكِ والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لحُرمةُ المؤمنِ أعظمُ حُرمةً عِندَ اللهِ مِنكِ مالُهُ ودمُهُ وأنْ يُظنَّ بهِ إلا خيرًا](ابن ماجه)
56
انتهاء صلاحية الأديان الأخرى
على مر التاريخ، أرسل الله تعالى إلى الناس أنبياء وشرائع مختلفة، لكنه جعل الإسلام خاتم الأديان، وبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتماً للأنبياء. ومع مجيء الإسلام، انتهى الالتزام بالشريعة والاحكام الدينية لليهودية والمسيحية وسائر الأديان السابقة.
وهذا يشبه تماماً صدور قانون جديد يلغي العمل بالقوانين السابقة. فعندما نزلت الشريعة الإلهية الأخيرة، أصبح الإسلام الدين الوحيد الصالح للعمل به حتى يوم القيامة.
الأسباب الرئيسية لانتهاء صلاحية الأديان الأخرى:
1. الأديان السابقة كانت محدودة بزمان ومكان معينين
كانت الأديان السابقة موجهة إلى أقوام محددين وفي أزمنة معينة، أما الإسلام فجاء برسالة عالمية تخاطب البشرية جمعاء. دعوته عامة، وشريعته صالحة لكل زمان ومكان.
2. مستوى تطور البشرية في العصور السابقة لم يكن مهيأً للدين العالمي
كان البشر في العصور القديمة يتميزون بالبدائية في العلم والفكر والثقافة، وكان مستوى التواصل والنقل محدودًا. ولذلك، أُرسلت إليهم شرائع خاصة تناسب بيئاتهم وثقافاتهم المختلفة. ومع تقدم البشرية في الفكر والعلم والثقافة، أصبحت تلك الشرائع غير كافية لسد احتياجاتهم، فبعث الله الإسلام ليكون الدين الشامل الذي يغطي احتياجات الإنسانية كلها.
3. تحريف الأديان السابقة ودخول الشرك فيها
تعرضت الديانات السابقة للتحريف، ودخلتها الخرافات والعقائد الباطلة. فقد ضاعت عقيدة التوحيد التي جاءت بها جميع الأنبياء، بينما بقي الإسلام محفوظاً كما أنزل، دون أي تحريف أو تغيير.
الخلاصة:
الأديان السابقة كانت مثل المصابيح التي تضيء شارعاً مظلماً في الليل، أما الإسلام فهو كالشمس التي تضيء العالم كله. فهل هناك حاجة إلى مصباح الشارع بعد طلوع الشمس؟ وهل يمكن مقارنة نور المصباح بضوء الشمس؟
57
الايمان بالكتب السماوية المحرفة
نحن المسلمين نؤمن بأن الله أنزل التوراة على موسى عليه السلام، والزبور على داوود عليه السلام، والإنجيل على عيسى عليه السلام، وأن هذه الكتب كانت في أصلها وحياً إلهياً خالصةً من أي انحراف أو مخالفة للتوحيد.
لكن بمرور الزمن، تعرضت هذه الكتب للتحريف والتغيير، وضاعت أصولها الأصلية.
- هل بقي شيء من الوحي في الكتب الحالية؟
لا يمكننا أن نقول إن جميع ما في أيدي اليهود والنصارى اليوم هو وحي محرف بالكامل، فقد يكون هناك أجزاءٌ ما زالت صحيحة.
لكن في الوقت نفسه، دخلت عليها عقائد باطلة وأساطير بشرية.
لذلك، يتعامل الإسلام بحذر مع هذه الكتب، وفق القواعد التالية:
1. ما وافق القرآن الكريم، نؤمن أنه من بقايا الوحي الأصلي.
2. ما خالف القرآن، نعتقد أنه أضيف لاحقاً وليس من كلام الله.
3. ما لم يذكره القرآن لا نقبله ولا نرفضه، لأنه قد يكون صحيحاً وقد يكون محرّفاً.
- توجيه النبي صلى الله عليه وسلم حول التعامل مع أهل الكتاب
يروي الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه أن أهل الكتاب كانوا يقرؤون التوراة بالعبرية ثم يفسرونها للمسلمين بالعربية.
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن تصديقهم أو تكذيبهم قائلًا:
[لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ،{ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (البقرة:136)]
- لماذا نؤمن بهذه الكتب رغم تحريفها؟
الإيمان بالكتب السماوية جزءٌ من أركان الإيمان، لكنه لا يعني أننا نؤمن بما في أيدي أهل الكتاب اليوم كما هو، بل نؤمن:
• بأن الله أنزلها في الأصل على أنبيائه.
• بأنها كانت كتباً حقّة قبل أن تتعرض للتحريف.
• بأن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد المحفوظ من التغيير، والمهيمن على ما سبقه من الكتب.
لذلك، نستقي الحقائق من القرآن الكريم وحده، ونأخذ موقفاً حذراً تجاه ما ورد في الكتب السابقة.
58
هل يعتبر ذبح الأضاحي عمل وحشي؟
يعتبر بعض الأشخاص والجماعات أن ذبح الحيوانات كأضحية لأداء فريضة دينية هو عمل وحشي، ويوجهون انتقاداتهم لهذا الأمر من منطلق الاعتراض على الإسلام.
ومع ذلك، فإن هؤلاء يتجاهلون حقيقة أساسية:
اللحوم التي يتم الحصول عليها من الأضاحي تشكل مصدراً أساسياً للبروتين الذي لا غنى عنه للبشر.
ولهذا السبب، يتم ذبح أعداد كبيرة من الحيوانات يومياً في المسالخ حول العالم لتوفير الغذاء وتلبية احتياجات البشر الغذائية.
لا يوجد غذاء يمكن أن يحل محل اللحوم بالكامل.
لذلك، فإن الاعتراض على ذبح الحيوانات لغرض التغذية واعتباره وحشية ليس فقط مخالفاً للمنطق، بل يتعارض أيضاً مع الفطرة السليمة.
فمنذ بداية البشرية، كان الإنسان يعتمد على الحيوانات كمصدر غذائي.
إن تجاهل هذه الحقيقة والاعتراض على ذبح الأضاحي فقط لأنها شعيرة دينية هو موقف أيديولوجي بحت.
أما الوحشية الحقيقية، فهي قتل البشر وسفك دمائهم.
وإذا كان بالإمكان التصدي لهذا الأمر، فالأولى أن يتم التركيز على ذلك.
وبدلًا من الاعتراض على ذبح الحيوانات التي جعلها الله مصدراً للغذاء،
فإن من الأولى الدفاع عن حقوق الإنسان التي تنتهكها الأنظمة الحديثة في العالم.
59
أهمية العدل في الإسلام
قال الله تعالى في آية كريمة:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل:90)
وهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بالظلم والفساد.
فالله، العادل المطلق، ليس غافلاً عن ما يفعله الظالمون، وسيحاسبهم أمام عدله الإلهي على كل صغيرة وكبيرة من خيانتهم وظلمهم.
وفي آية أخرى، يُحذر حتى من الميل القلبي للظالمين، فيقول سبحانه:
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}(هود:113)
ويقول الله أيضاً:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ }(النساء:58)
الملفت في هذه الآية أنه قال "بين الناس" ولم يقل "بين المؤمنين"، أي أن العدل واجب تجاه الجميع، سواء كانوا أصدقاء أم أعداء.
كما يقول سبحانه:
{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}(الزلزلة:7-8)
من أهم أسس العدالة في الإسلام:
أن لا يُحاسَب أحد على ذنب غيره، فلا يُحمل أحد وزر غيره، كما قال تعالى:
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}(فاطر:18)
فكل إنسان يتحمل مسؤولية ذنبه فقط. ومن ارتكب جريمة، هو وحده من يُحاسب عليها. أما إذا تسبب أحد في وقوع الآخر في الذنب، فكلاهما مسؤولان.
وقد حدد الله في القرآن الكريم حدودًا كثيرة لضمان عدم تعدي الناس على حقوق بعضهم البعض، وسماها "حدود الله". وتجاوز هذه الحدود هو ظلم يستوجب العقاب الإلهي.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث شريف:
[ إنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ في الدُّنْيَا ]
وقد حذّر الله في عدة آيات من عواقب الظلم، نذكر منها مثالين:
{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}(الحج:45)
{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ}(الأنبياء:11)
الإسلام وحقوق غير المسلمين:
يأمر الإسلام باحترام حقوق غير المسلمين أيضاً، خاصة في حالة السلم، حيث تُحفظ حقوقهم تماماً كما تُحفظ حقوق المسلمين.
وقد قرر فقهاء المذهب الحنفي أن:
"من قتل غير مسلم ظلماً في دار السلم، يُقتص منه، أي يُحكم عليه بالقتل."
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مهددًا من يؤذي غير المسلم المعاهد:
[ ألا مَن ظلمَ مُعاهدًا، أوِ انتقصَهُ، أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئًا بغَيرِ طيبِ نفسٍ، فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ ]
موقف الإسلام من الظلم والإرهاب:
من الواضح أن من يرتكب الظلم أو الإرهاب من المسلمين، فقد ابتعد عن روح الإسلام، ويجب البحث عن مصدر هذا الانحراف في جهلهم وغلبة أهوائهم، لا في الدين ذاته.
فالإنسان ليس معصوماً من الخطأ، ولكن الخطأ لا يُدين الدين، بل يُدان صاحبه فقط. تحميل الدين مسؤولية أفعال أفراده هو ظلم في حد ذاته.
ومن الجدير بالذكر أن القوى التي تمنع المسلمين من تعلم دينهم من مصادره الأصيلة، وتشجعهم على اللهو والفساد، وتنهب خيراتهم، هي مسؤولة بدرجة أولى عن تحول بعضهم إلى التطرف والفوضى. ويجب على هذه القوى أن تحاسب نفسها وتراجع ضمائرها بدلًا من توجيه الاتهامات للآخرين.
60
أسباب تخلُّف العالم الإسلامي
هناك مرض فكري كان يُطرح كثيراً في الماضي ولا يزال يظهر بين الحين والآخر، وهو: الاعتقاد بأن الدين عائق أمام التقدّم، والظنّ بأن سبب تخلُّفنا عن الدول المسيحية يعود إلى الإسلام.
وقبل الردّ على هذا الادّعاء، يجدر بنا التوقّف عند عدّة نقاط، ومن خلالها يمكننا الوصول إلى الجواب الأوّل للسؤال المطروح.
النقطة الأولى:
عندما ظهر الإسلام في البداية، عانى المسلمون من اضطهاد المشركين وظلمهم، لكنهم بعد ذلك أسّسوا دولة، وظلوا يتقدّمون حتى قبل قرن من الزمان فقط. وكان عصر السعادة (عصر النبوة) أوّل دليل على ذلك، إذ تميز بالإيمان، والأخلاق، والفضيلة، والعدل، والطمأنينة. ثم كانت الخلافة العباسية حيث شجع العلم والبحث وتأسيس العلوم وفي الغرب كانت دولة الأندلس الأموية التي قادت أوروبا علمياً، كما ارتقت الدولتان السلجوقية والعثمانية في مجالات العلم والفن.
هذه الإنجازات لا يمكن إنكارها أو طمسها بادعاءات من هذا النوع.
هنا يظهر ضرورة التمييز بين الإسلام والمسلمين. فالمسلمون هم من يتقدّمون ويتأخّرون، أما الإسلام فهو ثابت لا يتغير.
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة:3)
والسؤال الذي ينبغي طرحه هو:
هل كنا أكثر التزاماً بالإسلام في فترات بناء الإمبراطوريات، أم في فترات التخلّف؟
النقطة الثانية:
من يحمّلون الإسلام مسؤولية التخلّف، يجب عليهم أن يتحدثوا عن الإسلام نفسه وليس عن المسلمين، وأن يأتوا بدلائل واضحة، فيقولوا مثلاً:
"هذه الأحكام من القرآن، وهذه الأحاديث من النبي، هي التي تمنع التقدّم."
وعليهم إثبات أن تحريم الكذب، الظلم، الخمر، القمار، الزنا، الاحتكار، الربا، الغيبة، والعنصرية، وغيرها من الشرور، هي عقبات أمام التقدّم!
النقطة الثالثة:
على من يزعم أن تفوق الغرب المسيحي سببه تخلف الإسلام، أن يبحثوا عن أسس التقدّم العلمي والتكنولوجي في الإنجيل. فإن لم يجدوها (وهم لن يجدوا)، فكيف يتهمون الإسلام؟
فالإنجيل لا يتضمن آية واحدة تتعلق بالحياة الاقتصادية أو نظام الحكم!
النقطة الأخيرة قبل الجواب المباشر:
إن من يوجّهون الاتهام للإسلام عليهم أيضاً إثبات أن النظام التعليمي الحالي، الذي أنتج أناساً لا يعرفون حقّاً ولا قانوناً، يسرقون ويفسدون، ويعبدون الشهوات والأنانية، هو ناتج عن الإسلام!
وللردّ على السؤال نورد هنا ما قاله الامام بديع الزمان سعيد النورسي في كليات رسائل النور كتاب الكلمات في اللوامع
حيث يُطرح فيه هذا السؤال فيقول :
( أيها الصديق! سألني أحدهم ذات يوم: لما كان "الحق يعلو" أمرا حقا لا مراء فيه، فلِمَ ينتصر الكافرُ على المسلم، وتغلُب القوة على الحق؟.
قلت: تأمل في النقاط الأربع الآتية، تنحل المعضلة.
النقطة الأولى:
لا يلزم أن تكون كلُّ وسيلةٍ من وسائل كل حقٍّ حقا، كما لا يلزم أيضا أن تكون كلُّ وسيلةٍ من وسائل كلِّ باطلٍ باطلا.
فالنتيجة إذن: إنّ وسيلةً حقة (ولو كانت في باطل) غالبة على وسيلةٍ باطلة (ولو كانت في الحق).
وعليه يكون: حقٌ مغلوب لباطلِ مغلوب بوسيلته الباطلة، أي مغلوب موقتا، وإلاّ فليس مغلوبا بذاته، وليس دائما، لأن عاقبة الأمور تصير للحق دوما.
أما القوة، فلها من الحق نصيب، وفيها سرّ للتفوق كامن في خلقتها.
النقطة الثانية:
بينما يجب أن تكون كلُّ صفةٍ من صفات المسلم مسلمةً مثله، إلاّ أن هذا ليس أمرا واقعا، ولا دائما!
ومثله، لا يلزم أيضا أن تكون صفات الكافر جميعها كافرةً ولا نابعةً من كفره.
وكذا الأمر في صفات الفاسق، لا يشترط أن تكون جميعُها فاسقة، ولا ناشئة من فسقه.
إذن، صفة مسلمة يتصف بها كافر تتغلب على صفةٍ غير مشروعة لدى المسلم. وبهذه الوساطة (والوسيلة الحقة) يكون ذلك الكافر غالبا على ذلك المسلم (الذي يحمل صفة غير مشروعة).
ثم إن حقّ الحياة في الدنيا شامل وعام للجميع. والكفر ليس مانعا لحق الحياة الذي هو تجلٍ للرحمة العامة والذي ينطوي على سر الحكمة في الخلق.
النقطة الثالثة:
للّٰه سبحانه وتعالى تجليان -يتجلى بهما على المخلوقات- وهما تجليان شرعيان صادران من صفتين من صفات كماله جل وعلا.
أولهما: الشرع التكويني -أو السنة الكونية- الذي هو المشيئة والتقدير الإلهي الصادر من صفة "الإرادة الإلهية".
والثاني: الشريعة المعروفة الصادرة من صفة "الكلام الرباني".
فكما أن هناك طاعةً وعصيانا تجاه الأوامر الشرعية المعروفة، كذلك هناك طاعة وعصيان تجاه الأوامر التكوينية.
وغالبا ما يرى الأول (مطيع الشريعة والعاصي لها) جزاءه وثوابه في الدار الآخرة. والثاني (مطيع السنن الكونية والعاصي لها) غالبا ما ينال عقابه وثوابه في الدار الدنيا.
فكما أن ثواب الصبر النصرُ، وجزاء البطالة والتقاعس الذلُّ والتسفّل.
كذلك ثواب السعي الغنى، وثواب الثبات التغلب.
مثلما أن نتيجة السمِّ المرضُ، وعاقبةَ الترياقِ والدواء الشفاء والعافية.
وتجتمع أحيانا أوامر الشريعتين معا في شيء.. فلكلٍ جهة.
فطاعةُ الأمر التكويني الذي هو حقٌ، هذه الطاعة غالبة -لأنها طاعة لأمر إلهي- على عصيان هذا الأمر بالمقابل، لأن العصيان -لأي أمر تكويني- يندرج في الباطل ويصبح جزءا منه.
فإذا ما أصبح حق وسيلةً لباطلٍ فسينتصر على باطلٍ أصبح وسيلةً لحق، وتظهر النتيجة:
حق مغلوب أمام باطل! ولكن ليس مغلوبا بذاته، وإنما بوسيلته. إذن فـ"الحق يعلو" يعلو بالذات، والعقبى هي المرادة -فليس العلو قاصرا في الدنيا- إلاّ أن التقيّد والأخذ بحيثيات الحق مقصود ولابد منه.
النقطة الرابعة:
إن ظلَّ حقٌ كامنا في طور القوة (أي لم يخرج إلى طور الفعل المشاهَد) أو كان مشوبا بشيء آخر، أو مغشوشا، وتطلّب الأمر كشف الحق وتزويده بـقوة جديدة، وجعله خالصا زكيا، يُسلّط عليه مؤقتا باطل حتى يخلُص الحق -نتيجة التدافع- من كل درن فيكونَ طيبا، ولتظهرَ مدى قيمة سبيكة الحق الثمينة جدا.
فإذا ما انتصر الباطل في الدنيا -في مكان وزمان معينين- فقد كسب معركةً ولم يكسب الحربَ كلها، لأن ﴿العاقبة للمتقين﴾ هي المآل الذي يؤول إليه الحق.
وهكذا الباطل مغلوب -حتى في غلبه الظاهر- وفي "الحق يعلو" سرّ كامن عميق يدفع الباطل قهرا إلى العقاب في عقبى الدنيا أو الآخرة، فهو يتطلع إلى العقبى. وهكذا الحق غالب مهما ظهر أنه مغلوب!.) (الكلمات ص:871)
خلاصة القول:
• لا يمكن اتهام الإسلام بتخلف المسلمين.
• الإسلام دين يُعلي من شأن العلم، والعدل، والعمل.
• من يأخذ بالأسباب ينجح، ومن يتقاعس يتخلّف، مهما كان دينه.
• نتائج الدنيا مرتبطة بالقوانين الكونية، لا بالإيمان.
• أما الجزاء الأخروي فمرتبط بالإيمان والعبادة.
61
الإسلام يوافق العقل و المنطق
أحكام الدين الإسلامي ومبادئه تتوافق مع الفطرة الإنسانية، وهي مقبولة عقليًا. هذا الاستنتاج صحيح. إن جميع الأحكام الإسلامية "معقولة المعنى" ويمكن فهمها بالعقل والمنطق، باستثناء بعض الأحكام التعبدية التي لا يدرك العقل حكمتها تتطلب التسليم.
في الإسلام، تُفرض الأوامر والنواهي على الأشخاص البالغين العاقلين، ولا تُحمَّل أي مسؤولية على من لا عقل له. وهذا يدل على أن الإسلام يعطي أهمية للعقل، ويخاطبه، ومن هذه الناحية، يمكن اعتباره "دين العقل والمنطق".
على سبيل المثال، فإن نظام الزكاة في الإسلام هو مؤسسة تهدف إلى مساعدة الأغنياء للفقراء، وتعزيز ثقافة المشاركة، والقضاء على الظلم الذي يؤجج الصراعات الطبقية ويزيد من مشاعر الحقد والكراهية بين الطبقات، وتحويل هذا الصراع إلى محبة واحترام وسلام، وتحقيق التوازن في الحياة الاجتماعية. وهذه الوظيفة للزكاة واضحة جدًا ويمكن فهمها بسهولة من الناحية المنطقية والعقلية.
كذلك، فإن أول شرط لدخول الإسلام هو الإيمان بالله ورسوله. ومكان الإيمان هو القلب.
والقلب بالإضافة الى انه يشمل المشاعر السامية، والإلهامات، والخواطر، كذلك يشمل العقل أيضاً. ومن الواضح أن من لا عقل له غير مكلَّف بالإيمان.
أسلوب القرآن الكريم مليء بالأدلة العقلية والمنطقية لإقناع العقول بالحقائق. عند الحديث عن وحدانية الله، أو أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسول حق، أو أن القرآن كلام الله، أو حقيقة البعث بعد الموت، يتم تقديم أدلة عقلية ومنطقية باستمرار.
في الواقع، إذا لم يكن الأمر أو النهي مُرضياً للعقل، فلا يمكن الحديث عن اختبار عادل. فإذا طرحتَ على طالب في المرحلة الابتدائية أسئلة علمية معقدة لا تُطرح إلا في الجامعة أو دراسات الدكتوراه، فإنك تكون قد ظلمته. ولهذا السبب، يؤكد القرآن مرارًا على استخدام العقل والتفكير، ويطرح تساؤلات مثل: "أفلا تعقلون؟"، "أفلا تتفكرون؟"، "أفلا تذكرون؟"
فاذا قيل هل يعني ذلك أن الإسلام يخضع بالكامل للعقل البشري؟
إذا كان القصد من القول "الإسلام دين المنطق" أن الإنسان يعتمد فقط على عقله الخاص ليحكم على كل شيء، فهذا استنتاج خاطئ. لأن البعض قد يقول: "بما أن العقل طريقه واحد، فكل ما لا يستوعبه عقلي فهو خطأ، إذن أي شيء في الإسلام لا يتوافق مع عقلي فهو غير صحيح، لأن الإسلام هو دين العقل، وما لا يقبله العقل غير موجود فيه."
ولكن هؤلاء الأشخاص يعجزون حتى عن فهم مفهوم "العقل" ذاته. لأن العقل وحده – بدون أي عوامل خارجية – لا يمكنه استيعاب كل شيء. بل إن العقل يحاول فهم الأمور وفقاً للمعرفة والأفكار التي يتلقاها.
إذا لم يكن الشخص متعلماً في مجال معين، فإنه حتى لو كان ذكاؤه عالياً، فلن يتمكن من فهم أو أداء عمل المهندس أو الطبيب أو المفتي. وهذا دليل واضح على أن العقل وحده غير كافٍ لاستيعاب كل شيء.
نقطة أخرى مهمة يجب ذكرها هي أنه من الخطأ الادعاء بأن مسألة معينة "غير منطقية" لمجرد أن بعض الناس لا يستطيعون فهمها. فالكثير من الناس لا يفهمون العديد من المسائل في الفيزياء أو الكيمياء أو علم الفلك أو الرياضيات، لكن لا أحد يدّعي أن هذه العلوم غير عقلانية أو غير منطقية. لأن العقل البشري وحده ليس لديه القدرة على اكتشاف كل شيء. لو كان الأمر كذلك، لما كانت هناك حاجة إلى الأنبياء. فكما أن لكل علم متخصصين يفهمونه بوضوح، فإن هناك حقائق في الإسلام والقرآن قد لا يفهمها البعض، لكن ذلك لا يعني أنها غير عقلانية أو غير منطقية.
فلو قيل ماذا عن الأحكام التي لا يفهمها العقل؟
في الإسلام، هناك بعض الأحكام التي تُعرف بـ"التعبدية"، وهي التي لا يمكن للعقل فهمها بشكل مباشر، لكنها موجودة لاختبار العبودية والتسليم.
أما أصول الإيمان، فهي قائمة على العلم والعقل. وأما بعض الأحكام الشرعية التي لا يفهمها العقل بسهولة، فهي موجودة لاختبار مدى التسليم والطاعة. فبعد قبول أصول الإيمان، يجب أن تكون هناك بعض الأمور التي قد لا يفهمها العقل تماماً، ليُختبر الإنسان فيما إذا كان يُسلِّم بعقله فقط أم يُسلِّم لما جاء به القرآن أيضاً.
بعبارة أخرى، فإن من يقول: "بما أن القرآن كلام الله، إذن حتى لو لم أفهم بعض الأمور، فإن كل ما يقوله صحيح" فهو شخص نجح في الاختبار. أما من يقول: "هناك أمور في القرآن لا أفهمها، ولذلك لدي شكوك" فهو شخص فشل في الاختبار، لأنه إما غير صادق في إيمانه أو جاهل جدًا.
على سبيل المثال، كون صلاة الفجر ركعتين، والظهر أربع ركعات، هو أمر تعبدي وليس له تفسير عقلي واضح. لكن لماذا حرّم الله لحم الخنزير والخمر؟ هذه مسائل يمكن توضيحها من خلال العلم والحكمة. فالمسائل التي تعتمد على المنطق أوسع بكثير من المسائل التعبدية.
الخلاصة:
• الإسلام يتوافق مع العقل والمنطق، لكنه لا يعتمد على عقل الإنسان وحده كمرجع نهائي.
• هناك أمور تُفهم بالعقل، وأخرى تتطلب التسليم، وهذا جزء من الاختبار الإلهي.
• ليس كل ما لا نفهمه غير منطقي، بل قد يكون خارج نطاق معرفتنا وإدراكنا.
62
محاولة ربط دين الإسلام بالهجمات الإرهابية
المسلم لا يمكن أن يكون إرهابياً، والإرهابي لا يمكن أن يكون مسلماً حقيقياً
الإسلام هو دين التسامح؛ يعتبر الإنسان أكرم مخلوق، ويعدّ الاعتداء على الأبرياء من أعظم الذنوب. وقد صدع القرآن بهذه الحقيقة في قوله:
{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}(المائدة:32)
الواقع أن المسلم لا يخدم الموت، بل يخدم الحياة.
ويجب علينا في هذا السياق أن نتذكر مبدأين أساسيين من مبادئ العدالة التي قررها الإسلام:
1. المبدأ الأول: الآية القرآنية { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}(الأنعام: 164). أي لا يمكن معاقبة شخص بسبب جريمة شخص آخر. في الإسلام، العقوبات والمسؤوليات فردية.
2. المبدأ الثاني: الأصل في الذمم البراءة. أي لا يُتَّهم أحد حتى تثبت إدانته، ولا يجوز معاقبة أحد دون دليل قاطع. وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
[لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا] (البخاري)
الإسلام يعني السلام والمسالمة. وهذا يدل على أن السلام الحقيقي، في الجسد والعقل، لا يتحقق إلا بطاعة الله والتسليم له. ولا يكون المسلم مسلماً كاملًا إلا إذا عاش في انسجام وسلام مع مجتمعه. فالحياة في طاعة الله تولد الطمأنينة في القلب، وتؤسس للسلام الحقيقي في المجتمع.
قال الله تعالى:
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرعد:28)
لقد أبلغ أنبياء الله جميعهم هذه الحقيقة أثناء دعوتهم الناس إلى الهداية. ويجب أن نتذكر هنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
[قالَ عمارٌ ثلاثٌ مَنْ جمعَهُنَّ فقدْ جمعَ الإيمانَ الإنصافُ مِن نفسِكَ وبذلُ السَّلامِ للعالمِ والإنفاقُ مِنَ الإِقْتَارِ](البخاري)
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم:
[كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ](البخاري)
[يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا](مسلم)
[ليس بمؤمنٍ من بات شبعان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ وهو يعلمُ](أبو يعلى)
[ المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ](البخاري)
وباختصار، لم يهمل الإسلام لا الفرد ولا المجتمع، بل سعى إلى تحقيق التوازن الكامل بينهما. رسالة الإسلام موجهة إلى البشرية جمعاء. فالله رب العالمين {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الفاتحة)،
ورسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أُرسل إلى كافة الناس، كما في قوله تعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}(الأعراف:158)
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107)
في الإسلام، جميع الناس متساوون دون اعتبار لاختلاف اللون أو اللغة أو العرق أو الوطن. وحتى في هذا العصر الذي يسمى بعصر التنوير، لا يزال هناك تمييز ومعاملة غير متساوية بين البشر. والإسلام جاء ليزيل كل هذه التفرقة ويؤكد على المساواة لأن الجميع مخلوقون من الله.
إن الإسلام يحمل في جوهره نظرة إنسانية عالمية، ويرفض بشدة أي تمييز قائم على اللون أو القبيلة أو الدم أو المنطقة. نحن ندين كل عدوان يُمارس ضد الإنسانية، ونتألم لكل اعتداء يطال الأبرياء. الإسلام حرّم بشدة المجازر الجماعية التي يُقتل فيها المظلومون إلى جانب الظالمين. ولا يجوز في الإسلام معاقبة أحد بسبب خطأ غيره.
الإسلام لا يبيح قتل الأبرياء أو العُزّل بأي شكل من الأشكال. وإذا ثبت أن هناك بعض الأفراد من المسلمين ارتكبوا مجازر كما تدعي بعض وسائل الإعلام المنحازة، فإننا ندينهم باسم الإسلام، ونعتبرهم مذنبين ومجرمين. ونؤكد أن الظالمين، مهما كانت ديانتهم أو جنسهم أو عرقهم، يجب أن يُعاقبوا بعقوبات رادعة.
63
أهمية الزكاة بالنسبة للمجتمع
• الزكاة توازن في الملكية: فهي لا تسلب صاحبها ملكيته بالكامل، ولا تتركها محصورة لديه فقط، بل تقسم الثروة بين الفقراء والأغنياء ضمن حدود معينة.
• الزكاة نوع من الضمان الاجتماعي: إذ تهدف إلى مساعدة المحتاجين، مثل الفقراء والمساكين ومن تراكمت عليه الديون وأبناء السبيل، مما يعزز شخصية الأفراد ويقوي الاقتصاد والمجتمع ككل.
• الزكاة تغطي جميع احتياجات الطبقات الفقيرة: فهي بمثابة تأمين شامل لحاجاتهم الجسدية والروحية والأخلاقية، وقد سبق الإسلام الأنظمة الحديثة في وضع أساس التأمين الاجتماعي منذ 1400 عام، بينما لم يبدأ التفكير الجاد في ذلك إلا قبل أقل من مئة عام.
• الزكاة تقضي على الفجوة بين الأغنياء والفقراء: فهي تقرب بين الطبقات الاجتماعية وتساعد في تكوين طبقة متوسطة، مما يؤدي إلى ازدهار الأسواق وزيادة القوة الشرائية للفقراء، بدلاً من احتكار الثروة من قبل فئة معينة. وقد نهى القرآن الكريم عن احتكار المال بيد الأغنياء ، كما ورد في قوله تعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ}(الحشر:7)
• الزكاة تمنع اكتناز الأموال وتحفز الاستثمار: لأنها تفرض على رأس المال وليس على الأرباح فقط، مما يدفع أصحاب الأموال إلى تشغيلها بدلاً من تركها تتآكل مع الزكاة.
• الزكاة تحقق التوازن الاجتماعي: فقد خلق الله الناس في مستويات معيشية مختلفة، فمنهم الغني والفقير ومتوسط الحال، كما قال تعالى:{ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}(النحل:71)
فلا يمكن أن يكون جميع الناس في مستوى معيشي واحد، ولكن يجب ألا تكون الفوارق شاسعة، والزكاة هي الجسر الذي يربط بين الأغنياء والفقراء.
• الزكاة توطد العلاقات بين أفراد المجتمع: فهي تعزز مشاعر الحب والرحمة من الأغنياء تجاه الفقراء، وتقوي الاحترام والعمل الجاد لدى الفقراء تجاه الأغنياء، مما يقلل من الحقد والعداوة بين الطبقات الاجتماعية.
• الزكاة تمنع الجرائم وعدم الاستقرار الاجتماعي: فإذا لم يهتم الأغنياء باحتياجات الفقراء، فقد يدفعهم الفقر إلى الانضمام إلى أعداء المجتمع أو ارتكاب الجرائم مثل السرقة وقطع الطرق والقتل.
• الزكاة وسيلة للنمو الاقتصادي: فهي ليست مجرد عمل اجتماعي، بل تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد وزيادة الإنتاج والاستثمار.
• الزكاة تحد من الصراعات الطبقية: فقد كان التفاوت بين الأغنياء والفقراء سبباً في العديد من الثورات عبر التاريخ، إلا أن الإسلام عالج هذه المشكلة من خلال الزكاة والصدقات والأوقاف، إلى جانب ترسيخ أخلاق الصبر والقناعة والرضا بالقضاء والقدر، مما منع تفشي الغرور بين الأغنياء والحسد بين الفقراء.
بالتالي، تعد الزكاة أداة فعالة لتحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي، وتعزيز روح التعاون والتراحم داخل المجتمع.
64
خصائص الدين الإسلامي
الدين الإسلامي يتميز عن سائر الأديان بعدة خصائص رئيسية، من أهمها:
1- الإسلام دين يخاطب كل العصور وكل البشر
الإسلام يخاطب جميع الأزمنة وكل الناس، والمبادئ التي جاء بها تلبي جميع احتياجات البشرية. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الطابع العالمي في آيات كثيرة، منها:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}(سبأ:28)
{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}(الأعراف:158)
2- الإسلام دين التيسير
لم يكلّف الإسلام الناس بما لا يستطيعون فعله، ولم يفرض عليهم أعمالاً شاقة. وقد بيّن القرآن الكريم قاعدة التيسير في آيات كثيرة:
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة:286)
{رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}(البقرة:286)
{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة:185)
كما وردت أحاديث نبوية تؤكد هذا التيسير، منها:
[ إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً](صحيح مسلم)
[إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا](صحيح مسلم)
[إنَّ خيرَ دِينِكُمْ أيسَرُه ، إنَّ خيرَ دِينِكُمْ أيسَرُه ، ثلاثًا]
[وَما أَمَرْتُكُمْ به فَافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ]
[ بَشِّروا وَلا تُنفِّروا، ويَسِّروا وَلا تُعسِّروا]
وسيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت:[ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا]
أمثلة من تطبيقات التيسير في الإسلام:
- يجوز التيمم بدلًا من الوضوء في حال عدم وجود الماء أو الخوف من المرض.
- الجمع والقصر في الصلاة للمسافر.
- أداء الصلاة جالسًا لمن لا يستطيع الوقوف.
- الإفطار في رمضان للمريض والمسافر.
- تأجيل الحج في حال وجود الخطر أو المرض.
3- جميع أحكام الإسلام عقلانية
الإسلام لا يحتوي على أحكام تناقض العقل أو المنطق. فالإنسان يتميز بالعقل، وبه يميّز بين الحق والباطل. وقد ذُكر العقل في حوالي 70 آية في القرآن. والأوامر الإلهية تتوجه إلى العقل مباشرة.
عندما طلب الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُريهم معجزات ليؤمنوا، دعاهم الله لا إلى طلب المعجزات، بل إلى التفكر في خلق السماوات والأرض، كما في قوله:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(البقرة:164)
ومن الأحاديث الدالة على أهمية العقل:
[لا إيمان لمن لا عقل له، ولا دين لمن لا عقل له]
[دينُ المرءِ عقلُهُ ]
[لا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله]
قال صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي رضي الله عنه [إذا تقرب الناس بأبواب البر فتقرب أنت بعقلك]
4- الإسلام يُلغي الطبقية والتمييز بين البشر
جاء الإسلام ليقضي على التمييز الطبقي والاجتماعي، فأصل جميع البشر واحد. قال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(الحجرات: 13)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
[لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ، ولا لأبيضَ على أسودَ ، ولا لأسودَ على أبيضَ - : إلَّا بالتَّقوَى ، النَّاسُ من آدمَ ، وآدمُ من ترابٍ]
الإسلام لا يهتم باللون أو النسب أو اللغة، إنما يقيّم الإنسان بتقواه وإيمانه.
5- لإسلام دين توازن بين الروح والجسد، والدنيا والآخرة
بخلاف اليهودية التي تميل إلى المادية، والنصرانية والهندوسية التي تُغرق في الروحانيات، فإن الإسلام أقام توازنًا دقيقًا بين الجسد والروح، وبين الدنيا والآخرة.
قال تعالى:
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(البقرة:201)
الإسلام لا يدعو لترك الدنيا، ولا يُشجع على الرهبانية، بل يأمر بالسعي في الدنيا وكأنك تعيش أبداً، والعمل للآخرة وكأنك تموت غدًا.
6- لا يوجد في الإسلام طبقة كهنوتية
لا يوجد في الإسلام رجال دين لهم سلطة مطلقة أو امتياز خاص في غفران الذنوب. لا يوجد وسطاء بين العبد وربه. كل مسلم مسؤول عن تعلم دينه بقدر استطاعته، والعبادة علاقة مباشرة بين العبد وخالقه.
7- الإسلام دين أخلاق وعلم
الإسلام هو دين الفضيلة والأخلاق، وفي ذات الوقت هو حافظ للعلم والحقيقة في أعلى مراتبها. فقد شجّع على طلب العلم واعتبره عبادة، بل بدأ أول آية في القرآن بكلمة "اقرأ".
65
حقيقة تأثَّر الإسلام بالثقافات التي سبقته
إن وجود أي خبر أو ميزة جميلة في أمة أو ثقافة معينة، ووجوده أيضاً في أحد الأديان الحقَّة، لا يدلُّ أصلاً على أن ذلك الدين قد تأثَّر بتلك الثقافة، بل على العكس، يُشير إلى أن مصدره هو الوحي. ومع مرور الزمن، قد يُنسى ارتباطه بالوحي ويُفهم على أنه جزء من ثقافة تلك الأمة.
لأن الله سبحانه وتعالى أرسل آلاف الأنبياء للبشرية، وكان أول إنسان هو أيضاً أول نبي.
من هذا المنظور، فإن وجود أخبار الدين في ثقافات أخرى يدلُّ على أن أصلها قائم على الوحي، إلا أن هذا الوحي قد نُسي مع الزمن وظُنَّ أنه جزء من التراث الثقافي أو منسوبٌ إلى شخص معين.
قصة وضع النبي موسى (عليه السلام) في التابوت مذكورة في القرآن الكريم بوضوح، ويمكن إدراك ذلك عند قراءة قصته وسيرته.
ولقد بُعث العديد من الأنبياء في منطقة الشرق الأوسط، لذا، قد تحتوي الثقافة السومرية على بعض الرموز والمبشرات التي تنتمي إلى الأديان السماوية.
وهذا قد يعني أن بعض الأنبياء الذين سبقوا موسى (عليه السلام) بشَّروا بقدومه.
وبالمثل، جاءت البشارات المتعلقة بالنبي محمد (ﷺ) في الكتب السماوية السابقة قبل بعثته.
بعض الملحدين يستخدمون هذه النقوش القديمة للطعن في الأديان، ولكن القرآن الكريم يخبرنا بأنه لم تُترك أي أمة بدون نبيٍّ أو مُنذر أو مرشد. والتاريخ الإنساني يُؤكِّد صحة هذا الإخبار القرآني.
من المعروف أن العرب في فترة الجاهلية كانوا لا يزالون يحتفظون ببقايا دين النبي إبراهيم (عليه السلام) الحنيف، والتي تعود إلى آلاف السنين. فوجود الكعبة المشرفة، واعتبار العرب لها مقدسة في ذلك العصر، والطواف حولها، وغير ذلك من الشعائر، لا يمكن تفسيره على أنه مجرد عادات وثنية.
كما أن وجود قوانين تحفظ كرامة الإنسان أو نقوشٍ تاريخية تسجل قصصاً قديمة لا يُعتبر دليلًا على أن الدين قد تأثر بثقافات بشرية، بل على العكس، يُعد دليلًا على أصالة الدين. لكن الملحدين الماديين الذين يستخدمون أدوات مادية مُضلِّلة يحاولون قلب الحقائق التاريخية لصالحهم.
أما القصص مثل قصة النبي أيوب (عليه السلام)، فإذا ثبت أن هناك إشارات إليها قبل زمنه، فقد تكون بمثابة بشارةٍ بقدومه، أو قد تدلُّ على وجود أشخاص آخرين عبر التاريخ مرُّوا باختبارات مشابهة له.
فالقرآن الكريم حينما يسرد هذه القصص، فإنه يُبرز أحداثًا كُليَّة تحمل عبراً، ويقدم نماذج حيَّة لأبطال الصبر، حتى تستفيد منها البشرية وتتعظ بها.
باختصار: الأحداث التي يذكرها القرآن الكريم، وأبطالها، هي أحداث تاريخية واقعية لا شك فيها، ولكن قد تكون هناك أحداث مشابهة لها في سياقات أخرى.
66
الحكمة من عقوبة الرجم
( ينبغي أن يكون على يمين السلطان اللطف والرحمة، وعلى يساره الشدة والتأديب. فالمكافأة هي ثمرة الرحمة، والتأديب يستلزم العقوبة. وكما أن عدم مكافأة المطيعين لا يليق بجلال السلطان، كذلك ترك المذنبين بلا عقوبة لا يليق بعزته؛ فكلاهما يُعدّ ضعفاً وعجزاً، والله سبحانه وتعالى منزه عن كل هذه النقائص.)
علينا أن نُبين بوضوح أن عقوبة الرجم في الإسلام هي عقوبة رادعة وشديدة، وتهدف إلى حماية المجتمع. ومن بين أهداف الأديان السماوية جميعاً الحفاظ على النسل، والزنا يُعد من أبشع الوسائل غير المشروعة التي تُفسد وتُشوّه الأنساب. والزنا، إلى جانب كونه جريمة عظيمة، هو أيضاً وسيلة إغراء للنفوس المنفلتة. لذلك، لا يُمكن أن نتوقع من دين عالمي مثل الإسلام أن يتغاضى عن هذا النوع من الفواحش دون أن يفرض وسائل رادعة تحول دونها. فرض العقوبة على المذنب لا يناقض الرحمة والمحبة، بل هو عين العدالة.
القرآن الكريم، بأسلوبه المعجز، لم يقل فقط: «لا تزنوا»، بل قال:{ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}( الإسراء:32)وهو تعبير أكثر بلاغة وتأثيرًا. فالقول «لا تقرب» أبلغ من «لا تفعل»، لأنه ينهى عن كل ما قد يؤدي إلى الوقوع في الزنا، مثل اللمس، والتقبيل، والنظر بشهوة، والإيحاءات وغيرها من المقدمات. فالاقتراب من أسبابه هو أيضاً مؤيِّد له. والزنا عمل فاحش، وذنب عظيم، يؤدي إلى مفاسد كثيرة منها: تضييع الأنساب، والانحراف عن المحرمات، والاعتداء على حقوق الآخرين، وتفكك الأسرة، وانتشار الفوضى، والأمراض الأخلاقية.
وقد قال شيخ الإسلام الآلوسي إن الزنا يُعد موتاً بالنّسبة للأطفال، لأن من لا يُعرف نسبه يُعامل كالميت. وكيف للميّت أن يكون له دور فعّال في شؤون الحياة والحقوق في الشريعة الإسلامية؟
وبعد أن حرّمت الشريعة الإسلامية كل ما يؤدي إلى الزنا، اعتبرت جريمة الزنا اعتداءً على المصلحة العامة وعلى كرامة الفرد، وعاقبت عليها بشدة لضمان عدم تكرارها. لأن الزنا يهدد نظام الأسرة، والأسرة هي أساس المجتمع. فإذا انتشرت هذه الجريمة، انتشر الفساد والفاحشة، وانهارت الأسر، وانحرف النسل.
ولهذا السبب، عاقب الإسلام على الزنا بأشد العقوبات، لا سيما إذا صدر من شخص متزوج، لأن ذلك يُعد مثالاً سيئاً للغاية. وقد اتفق الفقهاء على أن الزاني غير المتزوج – سواء كان رجلاً أو امرأة – يُجلد مئة جلدة، استناداً إلى قول الله تعالى:{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}(النور:2)
واتفق الفقهاء أيضاً، استناداً إلى الأدلة، على أن الزاني المتزوج – سواء كان رجلاً أو امرأة – إذا ثبت زناه يُعاقب بالرجم.
وثبوت حد الرجم يكون بأمرين:
1. الإقرار (أن يعترف الزاني بنفسه).
2. شهادة أربعة رجال عدول.
وشروط تنفيذ العقوبة:
1. أن يكون الزاني عاقلاً.
2. أن يكون بالغاً.
3. أن يرتكب الفعل بإرادة واختيار.
4. أن يكون عالماً بأن الزنا حرام.
من هذا يتبين أن الإسلام، في كل مرحلة من مراحل الانحدار نحو هذه الفاحشة، يقف في وجه الإنسان ليمنعه منها، ويوجهه للعيش في بيئة مشروعة ضمن حدود العفة والطهارة.
ومع ذلك، لا يكفي أن يكون النظام قوياً وقوانينه محكمة، بل ينبغي أن يُربّى الأفراد على تقبّل هذه القوانين، وأن تُصقل ضمائرهم لتكون صافية ونقية. فلا تكون النصوص والتشريعات كلمات جوفاء، بل تتحول إلى مبادئ يُؤمن بها ويطبقها الناس.
القرآن الكريم، في آيات كثيرة، يُوجه الإنسان إلى حقيقة عظيمة:(أينما كنت، وفي أي زمان أو مكان، فأنت تحت رقابة الله)
هذا الشعور يدفع الإنسان لأن يخطط لكل أفعاله ويعيش في ظل هذا الوعي الإلهي.
67
لماذا فرض الصيام؟
ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183)
كما قال رسول الله ﷺ:[ الصيام جُنَّةٌ، كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ القِتَالِ] النسائي
فالصيام عبادة تحرر الإنسان من الشهوات وتزيد من إخلاصه، إذ يدرّب المسلم على مقاومة الجوع والعطش وكبح رغبات النفس. وهو وسيلة لتعزيز الإرادة والقوة الروحية، مما يجعل المؤمن أكثر صلابة في طاعة الله والاستعداد للجهاد في سبيله.
اختبار الإرادة والطاعة
يتغير موعد الصيام سنوياً وفقاً للتقويم الهجري، مما يعني أن المسلمين يصومون أحياناً في البرد القارس وأحياناً في الحر الشديد. وهذا اختبار عملي يعكس استعداد العبد لطاعة الله في جميع الظروف، سواء في الشتاء القارس أو الصيف الحار.
إخلاص العبادة لله
الصيام من العبادات التي لا يدخلها الرياء، إذ لا يعلم أحد إن كان الشخص صائماً أم لا سوى الله، ولهذا ورد في الحديث الشريف:
[قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ.] البخاري
ففي حين أن سائر العبادات تُضاعف حسناتها عشر مرات، فإن الصيام له أجر غير محدود، يُكافئ الله به عباده مباشرة، مما يدل على مكانته العظيمة في الإسلام.
68
هل الإسلام دين حرب
إن الحرب ليست أمراً مرغوباً أو مطلوباً، لكن البشرية لم تستطع تجنبها عبر التاريخ. فقد ذكر القرآن الكريم قصة الصراع بين ابني آدم، حيث كان أحدهما بريئاً والآخر معتدياً، فقام المعتدي بقتل أخيه البريء.
قال الله تعالى:{ وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ (27) لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (28) إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ (29) فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ (30) فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابٗا يَبۡحَثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُرِيَهُۥ كَيۡفَ يُوَٰرِي سَوۡءَةَ أَخِيهِۚ قَالَ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَٰرِيَ سَوۡءَةَ أَخِيۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّٰدِمِينَ (31)}( سورة المائدة) وقد عُرف البريء باسم هابيل، والمعتدي باسم قابيل.
بقتل قابيل لأخيه، سُفك لأول مرة دم بشري على الأرض، إلا أن هذا الدم ازداد مع مرور الزمن ليشمل مختلف أنحاء العالم. إن هابيل وقابيل يمثّلان نموذجين للإنسانية: البريء والمعتدي. وطالما وُجد في العالم أشخاص مثل قابيل، فإن أمثال هابيل سيحتفظون بحق الدفاع عن أنفسهم.
لذلك، يسمح الإسلام بالحرب في ظل ظروف معينة لردع الظلم وتحقيق السلام العادل. كما في الآية التالية: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}(الحج:39)
وأول من نزلت فيهم هذه الآية هم المسلمون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين تعرّضوا للاضطهاد في مكة، حتى أُجبر بعضهم على الهجرة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. لكن حتى هناك لم يكونوا في مأمن من التهديدات والهجمات، فسمح لهم الله بالدفاع عن أنفسهم.
مبادئ الحرب في الإسلام
في آية أخرى تتعلق بالحرب، يقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(البقرة:190)
"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (سورة البقرة، 190)
تُظهر هذه الآية عدة مبادئ مهمة في الحرب:
1. قاتلوا الذين يقاتلونكم: أي لا تقاتلوا من لا يقاتلكم. ولهذا، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم قادته العسكريين بعدم قتل النساء، الأطفال، كبار السن، والرهبان المنعزلين في المعابد.
2. الحرب في سبيل الله: أي أن يكون القتال لتحقيق العدالة ومنع الظلم، وليس من أجل الغزو أو المكاسب الاقتصادية.
3. عدم التجاوز في الحرب: فحتى في القتال، يفرض الإسلام قواعد أخلاقية، مثل تجنب التعذيب، وعدم التمثيل بجثث الأعداء.
الحرب لحماية المظلومين
يقول الله تعالى في موضع آخر:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}(النساء:75)
تشير هذه الآية إلى أن الحرب تكون مشروعة عندما يُمنع المسلمون من ممارسة دينهم ويتعرضون للاضطهاد. فبعد انتهاء القتال، يتم تحرير المسلمين من الظلم، ويُمنح الناس حرية اعتناق الإسلام أو البقاء على دينهم.
الخلاصة
الأصل في الإسلام هو السلام وليس الحرب، ولكن عندما يُمارس الظلم أو يتعرض المسلمون للاعتداء، فإن القتال يصبح ضرورياً. الإسلام لم يخترع الحرب، بل وضع لها ضوابط أخلاقية وإنسانية، فحولها من فوضى همجية إلى معركة عادلة لها قوانينها. لذلك، فإن وجود أحكام الحرب في الإسلام ليس نقصاً، بل هو كمالٌ وتشريعٌ يضفي عليها طابعاً حضارياً وإنسانياً.
69
نظرة القرآن الكريم إلى أهل الكتاب
لا يساوي الإسلام بين المشركين (الذين يشركون بالله) وأهل الكتاب، أي اليهود والنصارى. بل يعاملهم بطريقة مختلفة، كما يتضح في العديد من الآيات الكريمة.
يقول الله تعالى في سورة المائدة:
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ}(المائدة:5)
وفقًا لهذه الآية، يمكن للمسلمين التعامل مع أهل الكتاب في مجالات الاقتصاد والتجارة.
كما يجوز للمسلم الزواج من امرأة عفيفة من أهل الكتاب، بينما لا يُسمح له بالزواج من مشركة.
آيات أخرى تتعلق بأهل الكتاب
دعوة أهل الكتاب إلى التوحيد
يقول الله تعالى:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}(آل عمران:64)
يدعو القرآن أهل الكتاب إلى الإيمان بالله وحده وعدم الشرك به، وعدم اتخاذ بعضهم البعض آلهة أو أرباباً من دون الله.
الحوار مع أهل الكتاب بالحسنى
يقول الله تعالى:{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(العنكبوت:46)
يأمر الله المسلمين بأن يجادلوا أهل الكتاب بأفضل الطرق وأحسن الأساليب، باستثناء من ظلم منهم.
كما يؤكد على أن الإله واحد، وأن المسلمين مؤمنون بالكتب السماوية التي أُنزلت من قبل.
الفرق بين اليهود والنصارى في موقفهم من المسلمين
يقول الله تعالى:{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ}(المائدة:82)
يشير القرآن إلى أن اليهود والمشركين أشد الناس عداوة للمؤمنين.
بينما النصارى أقربهم مودة للمسلمين، وذلك لأن منهم قساوسة ورهباناً يتصفون بالتواضع وعدم الكبر.
الخلاصة
- الإسلام يفرق بين المشركين وأهل الكتاب، ويمنح أهل الكتاب بعض الامتيازات، مثل إباحة طعامهم والزواج من نسائهم.
- يدعو الإسلام أهل الكتاب إلى التوحيد والحوار بالحسنى.
- يشير القرآن إلى أن بعض أهل الكتاب أقرب مودة للمسلمين من غيرهم.
70
ما هو الحديث النبوي
معنى "الآية": هي جُمل ذات بداية ونهاية محددة، وردت ضمن سور القرآن الكريم. وكل آية من آيات القرآن تُعد معجزة بحد ذاتها. فكل آية دليل على صدق الأنبياء الذين بلغوها، وهي عبرة لمن يتأمل ويتفكر، وبما أنها معجزة فهي تُعد أمراً خارقاً للعادة.
أما "الحديث": فهو ما نُقل عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته الأخلاقية والبشرية، وهو التعبير اللفظي أو الكتابي عن سنّته. وفي هذا المعنى يُعد الحديث مرادفًا لكلمة "السنة".
ومع مرور الوقت، أصبح يُطلق مصطلح "الحديث" على جميع الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لم يقتصر دور الرسول صلى الله عليه وسلم على تبليغ الوحي من الله فحسب، بل فسّره وطبّقه في حياته، فصار مثالًا حيًّا يُحتذى به، وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت : [كان خُلُقُه القُرآنَ] صحيح مسلم
ثم ان الأحاديث هي وحي من الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويستدل على ذلك بقوله تعالى:
{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ}(النجم:3-4)
وقوله تعالى:
{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}(آل عمران:164)
وقد فسّر العلماء "الحكمة" هنا بأنها "السنة".
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:
[ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه](أبو داود: 2/505)
و عن حسان بن عطية أحد التابعين من ثقات الشاميين ( كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن ) (ابن عبد البر، جامع بيان العلم، 2/191).
ومن الآيات والأحاديث السابقة يتضح أن القرآن والحديث (أو السنة بتعبير أوسع) كلاهما وحي من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. غير أن الفرق بينهما أن القرآن معجز في لفظه ومعناه، ومُسجّل في اللوح المحفوظ، ولا يمكن لأي أحد أن يتصرف فيه لا جبريل عليه السلام ولا النبي صلى الله عليه وسلم. أما الحديث، فبما أنه لم يُوحَ بلفظه، فهو ليس معجزًا كالقرآن من حيث اللفظ، وإنما يمكن روايته بالمعنى، بشرط المحافظة على معناه.
ويُعد الحديث مصدراً تشريعياً يعتمد على الوحي، ويأخذ عدة أشكال بالنسبة إلى القرآن الكريم:
1. بعض الأحاديث تؤكد وتدعم أحكام القرآن، مثل الأحاديث التي تنهى عن عقوق الوالدين، وشهادة الزور، وقتل النفس.
2. بعض الأحاديث تُفسر أحكام القرآن وتُكملها، فالقرآن أمر بإقامة الصلاة والحج وإيتاء الزكاة، لكنه لم يُفصل كيفية أداء هذه العبادات، فنجد تفاصيلها في السنة النبوية.
3. بعض الأحاديث تشرّع في مسائل لم يذكرها القرآن، مما يدل على أن الحديث مصدر مستقل للتشريع، مثل تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية والطيور الجارحة، وتفاصيل ديات القتل وغير ذلك.
ما سبق يُظهر المكانة المهمة للحديث (أو السنة) في الإسلام. فالسنة تأتي بعد القرآن مباشرة من حيث المصدرية، ولذا يجب الاهتمام بها واتباعها، وهو أمر أكده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال الله في القرآن:
{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(آل عمران:31)
{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}(آل عمران:32)
{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}}(آل عمران:132)
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}(الحشر:7)
ومن هذه الآيات نرى أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم مقرونة بطاعة الله، بل إن طاعته هي طاعة لله عز وجل.
كما ورد في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم:
[ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ] (رواه الترمذي (2664)
بهذا الحديث حذّر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين من الاستهانة بسنته، وأكّد أن الدين لا يمكن تصوره بدون سنة نبوية.
71
ما هو الصيام؟ وما حكمه في الإسلام؟
الصيام هو الامتناع عن الأكل والشرب والجماع من وقت الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
ويُطلق على بدء الصيام "الإمساك"، ومعناه كبح النفس عن شهواتها، ويقابله "الإفطار"، وهو تناول الطعام وانتهاء الصوم.
حكم الصيام في الإسلام
الصيام هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو من الشعائر العظيمة التي شرعت في السنة الثانية للهجرة، في العاشر من شهر شعبان.
وقد ثبتت فرضيته بالقرآن والسنة والإجماع.
قال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183)
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
[ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ]
فوائد الصيام
الصيام يقي الإنسان من الوقوع في المعاصي، فهو يحفظ النفس من الشهوات ويكبح جماح الرغبات. لهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الشباب غير القادرين على الزواج بالصيام، لأنه يقلل من تأثير الشهوة ويهذب النفس. وقد أثبت العلم الحديث أن الصيام يساعد في السيطرة على الرغبات الجسدية.
عندما يحل شهر رمضان، تقل معدلات الجريمة والمعاصي، وتنتشر أجواء الخير والبركة، ويزداد التراحم بين الناس. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك:
[ إذا جاء رمضانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الرحمةِ ، و غُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّمَ ، و سُلسِلَتِ الشياطينُ]
مكانة الصيام عند الله
ورد في الحديث القدسي:
[ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به]
وفي حديث آخر:
[ كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يُضاعفُ ؛ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها ، إلى سَبْعِمائةِ ضِعفٍ ، قال اللهُ تعالى :إِلَّا الصَّوْمَ ؛ فإنَّه لِي ، وأنا أجزي به ، يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلِي]
وهذا يدل على أن الصيام له أجر غير محدود، لا يعلمه إلا الله، وسينال الصائمون مكافآت عظيمة يوم القيامة.
الصائمون في الآخرة
من فضل الصيام أن الله خصص للصائمين باباً في الجنة يُسمى "الريّان"، لا يدخله إلا الصائمون، كما ورد في الحديث:
[إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ.]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:[ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ]
كما أن دعاء الصائم مستجاب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:[ ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم الصَّائمُ حتَّى يُفطرَ والإمامُ العادلُ ودعوةُ المظلومِ ]
الصيام ليس مجرد عبادة، بل هو تدريب للنفس على الصبر، وتعزيز للإخلاص، وتطهير للروح، وهو عبادة جليلة لها أجر عظيم عند الله.
72
السلام في الإسلام
في كتاب "أفكار ما بعد الحداثة"، يلخص البروفيسور الدكتور إبراهيم أوزدمير تحت عنوان "أخوّة المسلم مع الناس" بعض التطبيقات التاريخية للإسلام. دعونا نستعرض هذه النقاط المهمة ونفكر معاً: هل السلام الذي تبحث عنه البشرية موجود في الإسلام؟
تكريم الإسلام للإنسان
وفقاً للقرآن الكريم، الإنسان هو أشرف المخلوقات، وهو خليفة الله في الأرض، ولذلك فقد مُنح مكانة عظيمة. وقد اعتبر قتل نفس بريئة بمثابة قتل البشرية جمعاء.
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أظهر احتراماً حتى لجنازات غير المسلمين، مما يؤكد أن قيمة الإنسان تسبق انتماءه الديني. وقد أسهم هذا الفهم في ترسيخ تقاليد قائمة على التسامح والحوار بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى.
لا إكراه في الدين
بما أن نظرة المسلمين للآخرين تستند إلى مبادئ القرآن الكريم، لم يُجبر أحد على تغيير دينه أو اعتناق الإسلام تحت الحكم الإسلامي. وهذا نابع من المبدأ القرآني الصريح:{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}(البقرة:256)
وعليه، فقد تُرك سكان المناطق المفتوحة أحراراً في عقيدتهم، ولم يُفرض عليهم الإسلام، بل كان عليهم فقط دفع الجزية مقابل حمايتهم.
شدّد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على هذا المبدأ في قوله:
[ألا مَن ظلمَ مُعاهدًا، أوِ انتقصَهُ، أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئًا بغَيرِ طيبِ نفسٍ، فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ]
وبما أن الإكراه في الدين يتعارض مع جوهر العقيدة الإسلامية، فقد بيّن القرآن أن دور رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التبليغ، وليس إجبار الناس على الإيمان.
دستور المدينة – نموذج للتعايش
عند هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وضع وثيقة مكتوبة لتنظيم العلاقة بين المسلمين واليهود، تُعرف بـ صحيفة المدينة، وتُعتبر أول دستور لدولة في التاريخ.
ومن بين بنودها:( لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم )وقد ضمنت هذه الوثيقة حرية الدين لليهود وحلفائهم، مما يدل على التزام الإسلام بمبدأ التعايش السلمي.
حماية المسيحيين في نجران
كانت نجران، جنوب مكة، مركزاً للمسيحية في الجزيرة العربية. وعندما عقد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اتفاقية مع أهل نجران، ضمن لهم:
• حماية أرواحهم وأموالهم
• حرية ممارسة دينهم
• الحفاظ على كنائسهم ورجال دينهم
استمرارية المبادئ الإسلامية عبر العصور
بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، واصل الخلفاء المسلمون نفس النهج. ففي عهد أبي بكر الصديق، وجّه قادة جيوشه بعدم المساس بالمدنيين، وعدم قطع الأشجار أو قتل الحيوانات إلا للحاجة. كما عكس عهد عمر بن الخطاب عند فتح القدس نفس المبادئ، إذ ضمن حرية العبادة للمسيحيين، وحمى أماكنهم المقدسة.
الخلاصة
الإسلام ليس دين حرب، بل هو دين سلام قائم على العدل والتسامح. إنه يقدّم نموذجاً متكاملاً لاحترام حقوق الإنسان، وحماية الأقليات، وضمان حرية العقيدة. لذا، فإن السلام الذي تنشده البشرية، يمكن أن تجده في التعاليم الإسلامية الأصيلة.
73
هل عدالة الله تقتصر على المسلمين ؟
عدل الله يشمل الجميع، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. فقد حرم الله الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده دون النظر إلى دينهم. فالله لا يظلم أحداً، ولا يحيد عن العدل في حكمه.
يقول الله تعالى: { مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } (فصلت:46)
في هذه الآية، تأكيد على أن الله لا يظلم أي عبد من عباده، بغض النظر عن دينه، وأن العدل يشمل الجميع.
هناك العديد من الآيات التي تؤكد هذا المبدأ، ومنها قول الله تعالى في خطاب موجه للكافرين: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } (الحج:8-10)
تشير هذه الآية إلى أن العقاب الذي يصيب الكافرين هو بسبب أعمالهم، وليس لأن الله يظلم أحداً.
كما قال الله تعالى:{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة:7-8)
وهذه الآية تؤكد أن أي عمل، مهما كان صغيراً، سواء كان خيراً أو شراً، لا يضيع عند الله، بل يجد صاحبه جزاءه عليه.
كلمة (ذرة) في هذه الآية تعني أصغر شيء يمكن إدراكه، سواء كان كالنملة الصغيرة أو كجزيئات الغبار التي تظهر في ضوء الشمس. وهذا يوضح أن حتى أصغر الأعمال لا تغيب عن عدل الله.
74
الحكمة من حد السرقة
• كمسلمين، ما يجب علينا هو التسليم لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والامتثال لها.
• ومن المعروف أن القوانين المعاصرة لا تعتبر الزنا جريمة. لكن، هل يمكن لأي إنسان عاقل، سواء كان مؤمناً أو غير مؤمن، ولديه مفهوم الشرف والكرامة، أن يقبل بأن تُزال صفة الجريمة عن مثل هذا الفعل، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأقاربه أو أهل بيته؟
• لا بد من التوضيح بأن أحكاماً مثل الرجم في الإسلام، ليست إلا عقوبات رادعة شديدة. ومن أهداف الشرائع السماوية كلها، ومن مصلحة البشرية جمعاء، الحفاظ على النسل وصيانته. والزنا، من منظور قانوني وإنساني، يُعد من أشنع السبل غير المشروعة التي تفسد وتخلط الأنساب، وهو في الوقت ذاته جريمة شنيعة وجاذبة للنفوس الشاردة. فهل يُعقل أن ديناً عالمياً مثل الإسلام لا يضع عقوبات رادعة أمام مثل هذه الجريمة الدنيئة؟
• ومن الملفت للنظر، أنه رغم شدة عقوبة الزنا، إلا أن إثبات وقوعها في الإسلام مقيد بشروط شديدة جدًا، منها وجود أربعة شهود يرون الفعل بشكل واضح لا لبس فيه. وهذا أمر يكاد يكون مستحيلًا. بل إن من يدّعي رؤية الفعل دون أن يشهد معه ثلاثة آخرون، يُعاقب بجلده ثمانين جلدة. ومعنى هذا أن لا أحد ينبغي له أن يتحدث في هذا الموضوع جزافاً أو ينشره دون بيّنة.
• وقد ورد في عصر النبوة، أن أغلب حالات الرجم التي تمت، لم تكن نتيجة شهادة الشهود، بل باعتراف الجناة أنفسهم الذين أرادوا تطهير أنفسهم من الشعور بالذنب الشديد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، عندما يسمع الاعتراف، يحاول صرفهم عنه ويتأكد من حالتهم العقلية، ويستفسر: هل كان الفعل زنا صريحاً أم مقدمات فقط؟ لكنه بعد الإصرار والاعتراف الواضح، يُطبق عليهم الحد.
• أما حكم قطع يد السارق في القرآن، فهو – إن صح التعبير – من أكثر الأحكام مواكبة لهذا العصر؛ إذ لم يعرف عصر من العصور كثرة في اللصوص، وقطاع الطرق، وسارقي الحقائب، والناهبين، كما عرفه عصرنا. ومن المتفق عليه بين الناس – ما عدا السارقين – أن العقوبات الخفيفة والمتساهلة ليست رادعة لهم.
• ويكفي أن نعلم أن عدد الأيادي التي قُطعت بسبب السرقة عبر التاريخ الإسلام أعداد قليلة جداً
• في المقابل، وفي زماننا الحالي، لا يكاد يمر يوم في مدينة من مدن العالم دون أن تُزهق أرواح، وتُرتكب جرائم قتل لأجل المال، ويُسلب الناس في وضح النهار، كل ذلك دون رادع حقيقي. ومن هنا، فإن حاجة هذا العصر إلى رادع حاسم، هي أعظم من أي عصر مضى.
• وفي هذا السياق نورد هنا حكاية تمثيلية وردت في كليات رسائل النور للامام سعيد النورسي يقول :
(سافر شخص إلى قوم من البدو في صحراء، فنزل ضيفاً عند رجل فاضل.. لَاحَظَ أنهم لا يهتمون بحرز أموالهم. وقد ألقى صاحبُ المنزل نقودَه في زوايا البيت مكشوفةً دون تحفّظ.
- قال الضيف لصاحب المنزل:
- ألا تخافون من السرقة؟ تلقون أموالكم هكذا في الزوايا دون تحرز؟
أجابه: لا تقع السرقة فينا!
- إننا نضع نقودنا في صناديق حديد مقفلة، ومع ذلك كثيراً ما تقع فينا السرقة.
* إننا نقطع يد السارق كما أمر به الله تعالى وعلى وفق ما تتطلبه عدالة الشريعة.
- فإذن كثيرون منكم قد حرموا من إحدى أيديهم!
* ما رأيت إلّا قطع يد واحدة، وقد بلغتُ الخمسين من العمر.
- إن في بلادنا يسجن يومياً ما يقارب الخمسين من الناس بسبب السرقة، ومع ذلك لا يردعهم ذلك إلّا بواحد من ألف مما تردعه عدالتكم!
* لقد أهملتم حقيقة عظيمة وغفلتم عن سرّ عجيب عريق، لذا تُحرمون من حقيقة العدالة؛ إذ بدلاً من المصلحة الإنسانية تتدخل فيكم الأغراض الشخصية والمحسوبيات والتحيز وما إلى ذلك من الأمور التي تغيّر طبيعة الأحكام وتحرّفها.
وحكمة تلك الحقيقة هي: أن السارق فينا في اللحظة التي يمد يده للسرقة يتذكر إجراء الحدّ الشرعي عليه، ويخطر بباله أنه أمر إلهي نازل من العرش الأعظم، فكأنه يسمع بخاصية الإيمان بأُذن قلبه ويشعر حقيقةً بالكلام الأزلي الذي يقول: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُٓوا اَيْدِيَهُمَا ﴾ (المائدة:٣٨) فيهيج عنده ما يحمله من إيمان وعقيدة، وتثار مشاعره النبيلة، فتحصل له حالة روحية أشبه ما يكون بهجوم يُشن من أطراف الوجدان وأعماقه على ميل السرقة، فيتشتت ذلك الميل الناشئ من النفس الأمارة بالسوء والهوى، وينسحب وينكمش، وهكذا بتوالي التذكير هذا يزول ذلك الميل إلى السرقة، إذ الذي يهاجم ذلك الميل ليس الوهم والفكر وحدهما وإنما هو قوى معنوية من عقل وقلب ووجدان، كلها تهاجم دفعة واحدة ذلك الميل والهوى فبتذكر الحد الشرعي يقف تجاه ذلك الميل زجرٌ سماوي ورادع وجداني فيسكتانه.) (الخطبة الشامية)
• وخلاصة القول: عندما تُطبّق الحدود والعقوبات باسم الأمر الإلهي والعدل الرباني، فإن الروح والعقل والضمير وجوانب الإنسان اللطيفة تتأثر وتتفاعل معها، ولهذا السبب فإن عقوبة واحدة خلال خمسين سنة، أنفع من عشرات السجون اليومية."
75
ما هي حكمة وفوائد عبادة الصيام؟
إن أوامر الله ونواهيه كلها تصب في مصلحة العباد، فقد أجمع علماء الإسلام على أن جميع الأحكام تهدف إلى تحقيق مصلحة الإنسان. فكل ما أمر الله به فيه منافع عظيمة للعباد، وكل ما نهى عنه فيه أضرار كبيرة. ومن هذا المنطلق، اجتهد العلماء في البحث عن حكم وفوائد العبادات، ولم يركزوا فقط على منافعها العملية، بل سعوا لجعلها وسيلة لتطهير النفس والارتقاء بها.
الهدف الأساسي من الصيام
الصيام يهدف إلى بلوغ التقوى، كما جاء في القرآن الكريم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183)
فالصيام بمثابة دورة روحية تنقي القلب والروح من أدران الذنوب، فيرتقي الإنسان إلى مستوى {قد أفلح من زكاها}، أي أن من يطهر نفسه من الشرور يفوز بالفلاح. وكما أن الزكاة تطهر أموال المسلمين، فإن الصيام هو زكاة الجسد، حيث يحرر الإنسان من سيطرة شهواته ويجعله أكثر قدرة على التحكم في نفسه.
الصيام والتربية الروحية والاجتماعية
الصائم عندما يتحكم في رغباته، فإنه يقترب من الله، فيشعر بانتمائه إلى المجتمع الإيماني. وخلال شهر رمضان، تتجسد هذه الروح الجماعية في العبادات الجماعية، حيث يجتمع الفقراء والأغنياء في صفوف واحدة للصلاة وعلى موائد الإفطار، مما يعزز التكافل الاجتماعي، كما أن الزكاة والصدقات تعمل على تحقيق توازن اقتصادي بين الفئات المختلفة.
الصيام مدرسة للصبر والإرادة
الصيام ليس فقط امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تدريب على ضبط النفس وقوة الإرادة. فمن يتمكن من مقاومة الجوع والعطش يستطيع أن يواجه تحديات الحياة بصبر وثبات. والأشخاص الذين يتمتعون بإرادة قوية يحققون النجاح في الدنيا والآخرة، لأن العبادات تتطلب عزيمة قوية وإرادة صلبة.
الصيام يرسّخ القناعة ويهذب النفس
عندما يشعر الصائم بالجوع، يدرك معاناة الفقراء، فيتعلم القناعة ويبتعد عن الإسراف. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[القناعَةُ كَنزٌ لا يَفنَى] (البيهقي-الزهد). والصيام يعزز الشعور بنعم الله ويزيد من شكر العبد لربه، فيفهم أن الطمع يؤدي إلى الحرمان، بينما القناعة تجلب البركة.
تنظيم الحياة والانضباط الذاتي
الصيام يعلّم الإنسان الانضباط من خلال مواعيد الإفطار والسحور والصلاة، مما يجعله أكثر التزاماً في حياته اليومية. ورمضان هو فرصة عظيمة لمراجعة النفس، والاستغفار، والتقرب من الله، مما يساعد المسلم على بناء علاقة أقوى مع ربه.
الفوائد الصحية للصيام
الصيام هو زكاة الجسد، حيث يساعد على التخلص من السموم المتراكمة في الجسم، ويعمل على تجديد الخلايا وتعزيز صحة البدن. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [صُومُوا تَصِحُّوا] (المعجم الأوسط للطبراني) وخلال شهر رمضان، يشعر الإنسان بالانتعاش الجسدي والفكري، حيث تتحرر خلايا الجسم من الأضرار الناجمة عن العادات الغذائية غير الصحية.
الصيام باب للمغفرة والأمل
رمضان هو شهر الغفران، حيث تُفتح أبواب الرحمة، ويُمنح العباد فرصة للتوبة الصادقة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
[مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ](البخاري).
والصيام يُعلّم الإنسان الصبر على الابتلاءات ويزيد من قدرته على التحمل في مواجهة الصعوبات.
الصيام وعلاقته بالسنة النبوية
فهم حكمة الصيام يساعد المسلم على الالتزام بأحكامه وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، مما يجعل الصيام أكثر بركة وقبولًا عند الله. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [الصومُ جُنَّةٌ] أي أنه وقاية للمؤمن من الذنوب والنار. وقال أيضاً مخاطباً الصحابي كعب بن عجرة:[ يا كعبُ بنَ عُجرةَ ! الصلاةُ برهانٌ ، والصومُ جُنَّةٌ حصينةٌ ، والصدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماءُ النارَ] (الترمذي)
وفي الختام
الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو رحلة روحانية تقود الإنسان إلى التقوى، وتربيه على الصبر والانضباط، وتعزز الشعور بالقناعة والشكر. وهو وسيلة لتحقيق الصحة الجسدية والنفسية، وفرصة للعودة إلى الله. لذلك، فإن فهم حكمه وأسراره يساعدنا على أداء هذه العبادة العظيمة بروحها الحقيقية، كما أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
76
هل يستطيع الإسلام، أن يجيب على أسئلة عصرنا ويلبي احتياجاته؟
بداية نشير الى ما ذكره الامام سعيد النورسي في كليات رسائل النور
حيث يتناول وظيفة القرآن من خلال شُعبتين:
1. تعليم الناس حقيقة دائرة الربوبية
2. بيان أحوال دائرة العبودية
دائرة الربوبية تشمل ذات الله وصفاته وأفعاله وأسمائه، حيث يُعرِّف القرآن الناس بربهم ويُبعدهم عن المعتقدات الباطلة.
أما دائرة العبودية، فهي تُعنى بواجبات الإنسان تجاه الله، من حيث ما أمر الله به، وما نهى عنه، وما يرضيه وما يُسبب سخطه.
هل للزمن تأثير على هذه التعاليم؟
في هاتين الدائرتين، ليس للعقل البشري كلمة مستقلة، وليس للزمن تأثير يُغير من ثوابتها. فالله، كما كان في الأزل، هو كذلك الآن، والإنسان الذي يرضاه الله كان ولا يزال بنفس الصفات التي حددها الإسلام منذ البداية.
هل تغيّرت الأحكام عبر العصور؟
في عصور الأنبياء السابقة، نزلت أحكام متغيرة في بعض المعاملات، وفقاً لمتطلبات كل عصر، ولكن هذا التغيير انتهى عندما بلغت البشرية مرحلة النضج، بحيث تستطيع التعلم من رسالة واحدة ونبي واحد وكتاب واحد.
مصدر الاعتراضات
الاعتراضات على صلاحية الإسلام غالباً ما تتركز على الأحكام المتعلقة بالمعاملات والأخلاق، لكن المعترضين لا يطرحون بديلًا حقيقياً. وغالباً ما تأتي هذه الاعتراضات من الفئات التي اعتادت على الانحرافات الاجتماعية، وتتصور أن القيم القرآنية لا تتناسب مع نمط حياتها، فتدعي أن القرآن لم يعد مناسباً لعصرنا.
هل يجب تغيير الحقائق لتناسب الأغلبية؟
الحقيقة لا تتغير بتغير الأغلبية، بل على العكس، الناس هم من يجب أن يسعوا للوصول إلى الحق والالتزام به، وليس العكس.
مثالان واضحان: تحريم الربا والخمر
حرّم القرآن الربا والخمر. والواقع أن لا أحد يمكنه الادعاء بأنهما مفيدان، إلا من أدمنهما أو استغل آثارهما لمصلحته. فلو كانت غالبية الناس في عصر ما تتعامل بالربا أو تدمن الخمر، فهل هذا يعني أن القرآن لم يعد صالحًا لذلك العصر؟ على العكس، هذا دليل على أن المجتمع قد انحرف عن القرآن، وليس العكس.
الخلاصة
جميع أحكام الإسلام تشبه هذه الأمثلة، فهي ثوابت لا تتغير مع الزمن. والمجتمعات التي تعتقد أنها تجاوزت القرآن ليست في الحقيقة إلا بعيدة عنه، بحاجة إلى العودة إليه، وليس إلى تغييره!
77
حقيقة موت وحياة سيدنا عيسى (عليه السلام)
النبي عيسى (عليه السلام) لم يمت.
مثل جميع الأنبياء، كان عيسى (عليه السلام) يدعو الناس إلى الحق والتوحيد، ويحمل رسالة الإيمان بالله وعبادته. لم يتردد في أداء مهمته ولم يشعر بالخوف، بل كان ثابتًا ومخلصًا في دعوته. ومع استمرار دعوته، اشتد حقد اليهود عليه، فحاولوا التخلص منه عبر المكائد.
أرسلوا إليه أحد المنافقين، يُدعى تطيانوس، بينما أحاطوا بمنزله بأربعة آلاف شخص. لكن عندما دخل تطيانوس المنزل، لم يجد النبي عيسى. وفي تلك اللحظة، غيّر الله ملامح وجهه ليشبه وجه النبي عيسى، فقبض عليه اليهود ظنًا منهم أنه عيسى (عليه السلام)، ورغم احتجاجه بأنه ليس هو، لم يصدقه أحد، فقاموا بصلبه وقتله.
إذن، النبي عيسى لا يزال حيًا ولم يمت، وكما ورد في العديد من الأحاديث الصحيحة، فإنه سينزل إلى الأرض في آخر الزمان.
نزول النبي عيسى (عليه السلام) في آخر الزمان
في صحيح مسلم، روى جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) حديثًا عن النبي ﷺ يقول فيه:
[ لا تَزالُ طائِفةٌ مِن أُمَّتي يُقاتِلونَ على الحَقِّ ظاهِرينَ إلى يَومِ القيامةِ، قال: فيَنزِلُ عيسى ابنُ مَريَمَ، فيقولُ أميرُهم: تَعالَ صَلِّ بنا، فيقولُ: لا، إنَّ بعضَكم على بعضٍ أميرٌ، لِيُكرِمَ اللهُ هذه الأُمَّةَ.]
الإمام بديع الزمان سعيد النورسي، في كتابه "المكتوبات"، يفسر هذا الحديث بأن المسيحية ستقترب من الإسلام، وستتخلص من التحريفات، مما سيؤدي إلى اتحادها مع الإسلام. وعندئذٍ، سيشكل الإسلام والمسيحية جبهة موحدة ضد الإلحاد، مما سيعزز الدين الحق ويضعف الإلحاد.
نزول النبي عيسى جسديًا إلى الأرض
حول نزوله الجسدي، يقول النورسي في المكتوب الخامس عشر
(وهكذا ففي مثل هذه الفترة، وحينما يبدو ذلك التيار قوياً شديداً يظهر الدينُ الحق الذي أتى به عيسى عليه السلام، والذي هو الشخصية المعنوية لسيدنا عيسى عليه السلام، أي ينزل من سماء الرحمة الإلهية، فتتصفى النصرانيةُ الحاضرة تجاه تلك الحقيقة وتتجرد من الخرافات والتحريفات وتتحد مع حقائق الإسلام، أي أن النصرانية ستنقلب معنىً إلى نوع من الإسلام. فذلك الشخص المعنوي للنصرانية يكون تابعاً، باقتدائه بالقرآن الكريم ويظل الإسلامُ في مقام الإمام المتبوع، ويجد الدين الحق نتيجة هذا الالتحاق قوة عظمى، إذ في الوقت الذي كان الإسلام والنصرانية منفردين -كل على حدة- غير قادرَين على صدّ تيار الإلحاد يكونان بفضل الاتحاد بينهما على استعداد لتدمير تيار الإلحاد تدميراً كاملاً. ففي هذه الأثناء يتولى شخصُ عيسى عليه السلام الموجود بجسمه البشري في عالم السماوات قيادة تيار ذلك الدين الحق. أخْبَرَ بهذا مُخبر صادق استناداً إلى وعد من لدن قدير على كل شيء، وإذ هو قد أخبر، فالأمر حق لا ريب فيه. وإذ وعَد به القدير على كل شيء، فلاشك أنه سينجزه.)
ويضيف أن الله، الذي يرسل الملائكة إلى الأرض، ويجعل بعضهم يظهرون في هيئة بشر، يمكنه بسهولة إعادة النبي عيسى إلى الأرض، حتى لو كان قد مات بالفعل. وعندما يعود، لن يتعرف عليه الجميع فورًا، بل فقط المقربون منه وأصحاب الإيمان العميق.
الخلاصة
• النبي عيسى (عليه السلام) لم يُصلب ولم يمت، بل رفعه الله إليه.
• سينزل في آخر الزمان ليكمل مهمته، ويوحد أتباع الدين الحق ضد الإلحاد.
• عندما يعود، لن يتعرف عليه الجميع مباشرة، بل فقط من لديهم نور الإيمان.
78
لماذا حُرم الخمر و لحم الخنزير ولم يحرم القتال ؟
قد لا يكون هذا السؤال موجهاً مباشرة من قبل المعترضين، لكننا نقول لإخواننا الذين ينقلون لنا مثل هذه الأسئلة: إن الأحكام التي وضعها الله هي انعكاسات لحكمته وعلمه اللامتناهي. ومبدئياً، كل حكم إلهي يحمل قيمة مضافة بحد ذاته، ولا يجوز التضحية بأي حكم شرعي لحساب حكم آخر ما لم تكن هناك ضرورة قصوى.
على سبيل المثال، وجود الحرب لا يُحلل الخمر ولا لحم الخنزير. ويجب أن يعلم من يطرح هذا الاعتراض أن شربه للخمر في بيته لن يُسهم في إنهاء الحرب، ولن يجلب السلام. وإذا كان يتبنى فكراً إنسانياً، فإن انغماسه في الخمر بينما يموت آخرون في الحروب يُعد سلوكاً غير إنساني، ولا يتماشى مع أي منطق أو ضمير.
وبالمثل، هل أكل بعض الناس لحم الخنزير في وقت الحرب يقرّبنا إلى السلام؟
وفوق كل ذلك، فإن الله تعالى قد اهتم بأمر الحروب أيضا، وما زال يهتم. نعم، الله يأمرنا من خلال القرآن الكريم ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بعدم القتال والدخول في السلم والسلام:
بعض الآيات التي تتعلق بهذا الشأن:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(البقرة:208)
{ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا }(النساء:90)
{ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ }(المائدة:32)
أما أول آية أذنت للمسلمين بالقتال فجاءت بعد حوالي 15 سنة من بداية نزول الوحي، وهي:
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}(الحج:39)
فالمسلمون ظلوا طوال 13 سنة في مكة وسنتين في المدينة يتحملون الاضطهاد والأذى من الكافرين دون أن يُؤذن لهم بالقتال. وذلك لأن الإسلام دين السلام، ولفظ "إسلام" نفسه مشتق من "سِلْم" أي السلام. ولهذا عندما أذن الله لهم بالقتال لأول مرة، استخدم تعبيرات خفيفة للغاية:
1. في بداية الآية، لم يُقل "قاتلوا فوراً"، بل استخدم تعبير "أُذِنَ"، وهو تعبير لطيف يحمل في طياته الرحمة.
2. كما أن صيغة الفعل كانت مبنية للمجهول (أُذِنَ) بدلًا من "أذِنتُ"، مما يدل على أن القتال ليس أمراً محبوباً في الإسلام، بل هو استثناء يُلجأ إليه عند الضرورة.
3. الإذن بالقتال جاء مشروطًا، فلم يُؤذن لهم بذلك إلا بعد أن تعرّضوا للعدوان، ما يدل على أن القتال ليس هدفًا في حد ذاته في الإسلام، بل دفاعاً عن النفس.
4. السبب المذكور في الآية للقتال{ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} يوضح أن الحرب في الإسلام لا تُشن بدوافع استعمارية أو توسعية، بل هي رد على الظلم.
وبعد هذا الإذن، كانت أول معركة هي غزوة بدر، حيث جاء المشركون من مكة إلى منطقة بدر قرب المدينة، وتحقق وعد الله في الآية{وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ، حيث انتصر المسلمون وانهزم المشركون.
أما من يسأل: "لماذا لا يتدخل الله لإيقاف الحروب؟" فجوابه واضح:
إن الله خلق الدنيا كمكان للامتحان، ويبتلي فيها الناس، ولذلك منحهم إرادة حرة وقدرة على الفعل. ولكي يكون الامتحان عادلًا، لا بد أن يُترك المجال لكلٍ من الخير والشر لكي يُمارسا بحرية. ولذلك، كما لا يقيّد الله يد المحسن، لا يقيّد كذلك يد المسيء، لأن الامتحان لا يستقيم إلا بترك الخيار للطرفين.
ولو شاء الله أن يتدخل في كل شر، لسلب شارب الخمر عقله إلى الأبد، أو لمسخ آكل الخنزير إلى خنزير حقيقي. وكان يمكنه أن يُصيب القتلة بكسور مدمّرة، أو يخرس ألسنة الظالمين... لكنه لم يفعل، لأن العدل الإلهي في الامتحان يقتضي أن يترك لهم المجال.
إن وجود الظالم والمظلوم معًا في هذا العالم، وموت الظالم في عزّ والمظلوم في ذلّ، دليل واضح على وجود محكمة عليا في الآخرة ستُظهر عدالة الله الكاملة.
79
ما هي عبادة الحج وما هو حكمها في الإسلام؟
- عبادة الحج
كلمة "الحج" في اللغة تعني القصد والتوجه الى معظم.
أما في الاصطلاح الديني، فتعني زيارة مكان معين في وقت محدد بأفعال مخصوصة.
• المكان المعين: الكعبة المشرفة وعرفة.
• الوقت المحدد: أشهر الحج وهي شوال، ذو القعدة، والعشرة الأولى من ذو الحجة.
• الأفعال المخصوصة: تشمل الطواف حول الكعبة، الوقوف بعرفة، السعي بين الصفا والمروة، وغيرها من مناسك الحج.
حكم الحج
الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو عبادة تجمع بين الجهد البدني والإنفاق المالي.
فرض الحج في السنة التاسعة للهجرة، وثبتت فرضيته بالقرآن والسنة والإجماع.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}(آل عمران:97)
الحج فرض على كل مسلم بالغ، عاقل، قادر، مرة واحدة في العمر.
حديث نبوي عن فرضية الحج قال النبي صلى الله عليه وسلم:
[خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم](صحيح مسلم)
80
كيفية تعلم الاسلام وتطبيقه
عندما يُذكر الإسلام، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو القرآن الكريم وسيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. فقد أرسل الله كتاباً يتضمن أوامره ونواهيه، وأرسل نبيّاً ليُجسّد هذا الكتاب في الحياة الواقعية.
إذًا، فإن طريق المسلم الحق يمر عبر اتباع القرآن والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، الذي هو (قرآن يمشي على الأرض).
ولهذا قال الله تعالى في القرآن الكريم:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(آل عمران:31)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود:
[ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه]
مشيرًا بذلك إلى أن القرآن لا يُفهم فهماً كاملاً إلا من خلال سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أما عن أقوال العلماء المستنبطة من القرآن والسنة، فقد وضّحها الله تعالى في قوله:
{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء:83)
مما يدل على أهمية الرجوع لأهل العلم المتخصصين في الشريعة. ومن هنا جاء وجود المذاهب الفقهية الأربعة.
وباختصار، فإن تعلّم الإسلام والعيش به بشكل صحيح يتحقق من خلال:
• اتباع القرآن،
• الاقتداء بـ السنة النبوية،
• الالتزام بأقوال العلماء الربانيين الذين استخرجوا الأحكام من هذين المصدرين.
أما عن الاطلاع على الديانات الأخرى أو الأفكار المناقضة للإسلام، فينبغي أولاً أن يترسخ إيمان المسلم وأن يُبنى بشكل قوي. فمن غير المعقول أن يبحث الإنسان عن الجمال في "مزبلة" الحي دون أن يكون قد بنى بيته أولاً بإتقان. ونحن لا ننكر وجود بعض الأمور الحسنة في الثقافات الأخرى، لكن الدخول إليها دون تحصين فكري أشبه بالمرور في غرفة مسمومة بلا قناع، مما قد يُعرض الإنسان للانحراف.
لهذا، يجب أن نمتلك عقيدة صحيحة وفهماً سليماً للإسلام قبل التعرّض لأي فكر مخالف.
الطريق الوحيد للوصول إلى الحق والحقيقة هو الإيمان بالقرآن والعمل بمقتضاه، فهو كتابٌ مقدسٌ أنزله الله ليهدي البشر إلى الخير المطلق والحق الأصيل، ويوصلهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة. فالقرآن يدعو إلى الإيمان والتوحيد، وإلى العبادة، والإخاء، والمحبّة، وقد وضع أعظم القواعد في الإيمان والعمل الصالح.
الإسلام لا يُبنى إلا بمقاييس القرآن، وما عداه من الضلالات والخرافات يرفضها الإسلام بشدّة.
القرآن الكريم أقنع عامة الناس ببساطته، وأذهل العلماء ببلاغته وفصاحته. وكل من يبحث عن الحقيقة يجد في القرآن إجابةً لحاجته الفكرية والروحية. العقول لا تهدأ ولا تطمئن إلا بذكر الله، والقرآن هو مفتاح ذلك.
لقد شجع القرآن على التفكّر، وأعطى للعقل الوسيلة الصحيحة لفهم كتاب الكون، واستكشاف أسراره، ومعرفة خالق هذا الكون ومعبوده. فالقرآن نورٌ إلهي يهدي العقول في ظلمات الحياة، كما تنير الشمس المادة.
قال الله تعالى:
{إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}(الإسراء:9)
وكما يجب اتباع قوانين العلم للتقدم فيه، فإن اتباع القرآن والسنة ضروري للوصول إلى الحق.
فالإنسان لا يعرف صفات الله، ومصيره، وحقيقة الآخرة، وما يُقبل فيها وما يُرفض، إلا من خلال القرآن والسنة. وبذلك، فإن كل مسلم ملزَمٌ ببناء إيمانه وعبادته وأخلاقه وفق هذين المصدرين.
ومن خلال القرآن والسنة يتعلم المسلم:
• ما الذي يجب الإيمان به للدخول في دائرة الإسلام،
• ما الأعمال التي يجب عليه فعلها والابتعاد عنها للبقاء في دائرة الإيمان.
لذلك، على المسلم أن يقيّم أي فكرة أو معتقد أو رأي بشري بمقياس القرآن والسنة، ويفهم أنه لا حقيقة خارج هذه المقاييس.
القرآن الكريم يُعلّمنا أركان الإيمان:
الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
كما أن القرآن يُعلّم المؤمنين كل تفاصيل الإسلام من أوامر ونواهي. فمن امتثل لتلك الأوامر والنواهي كان مسلماً كاملاً في إيمانه وعمله.
81
ما هي الصلاة؟ وما هي أهميتها؟
إن الله تعالى غني عن كل شيء، فلا يحتاج إلى عبادتنا كما لا يحتاج إلى شيء من خلقه. أما نحن فبحاجة ماسة إلى العبادة؛ لأنها دواء لجراحنا الروحية، وغذاء لأرواحنا، وشفاء لأمراض قلوبنا. من هذا المنطلق، فإن أمر الله لنا بالعبادة إنما هو لخيرنا ومنفعتنا. فكما أن الطبيب يُلح على مريضه بأخذ بعض الأدوية لا لحاجته هو، بل لفائدة المريض وشفائه، فإن التفكير بأن الله تعالى يأمرنا بالعبادة لأنه بحاجة إليها هو تفكير باطل وسخيف.
حكمة خلق الله للكون هي إظهار تجليات أسمائه وصفاته. وهذه التجليات، وهذه التحف الفنية البديعة، لابد ان يدركها الانسان فهو الكائن العاقل في هذا الكون.
لكن الإنسان، لانشغاله بعالم الدنيا، غالباً لا يتأمل في هذا الابداع الإلهي ليستخلص منه دروساً عن وحدانية الخالق، وعلمه، وقدرته، وحكمته. والطريق من الابداع إلى المبدع، ومن الخلق إلى الخالق، لا يُدرك إلا بالتحرر من شواغل الدنيا، وأفضل وسيلة لذلك هي الصلاة.
ولا شك أن للضوء والهواء والماء والغذاء أهمية كبيرة لأجسادنا، لكن للإنسان العاقل، فريضة الصلاة – باعتبارها نور العقل، وهواء القلب، وغذاء الروح – هي ضرورة لا تقل أهمية عن تلك الضروريات.
إن الصلاة، التي تُؤدى خمس مرات في اليوم، هي تعبير عن الاحترام لله تعالى، خالقنا من العدم، وواهبنا النعم، والذي وعد من يعبده باحترام في الدنيا بالخلود في جنات النعيم. فكيف لعقل سليم أن يرضى باستمرار الإساءة لربه بعدم الصلاة؟!
الصلاة هي فهرس لكافة العبادات في الإسلام.
فمن يتوجه إلى القبلة أثناء الصلاة، فكأنه أدى نوعاً من الحج، ومن يمتنع خلالها عن الطعام والشراب، فكأنه صام، ومن يخصص وقتاً من حياته لذكر الله، فكأنه قدّم زكاة عمره. كما أن الحركات المختلفة في الصلاة (قيام، ركوع، سجود) تُشبه في تنوعها عبادة الكائنات الأخرى، من الأشجار إلى الحيوانات فمنها ما هيئتها قائمة ومنها راكعة ومنها الساجدة على الارض .
وحتى الملائكة – بعضهم واقف، وبعضهم راكع، وبعضهم ساجد – يعبدون الله بلا انقطاع. والمصلي، حين يُؤدي هذه الحالات الثلاث في وقت قصير، يكون كأنه يشارك الملائكة عبادتهم، ويُصبح في درجة من التقدّس.
الصلاة علامة أساسية على الإسلام.
فقد جاء في الحديث الشريف:
[ العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ، فمَن تركَها فقد كفرَ](أبو داود والترمذي)
فمن دخل في عقد الإيمان، يجب عليه أن يتنفس من هواء العبادة، وأن يُؤدي الصلاة كواجب من واجبات الانتماء الروحي.
النداء إلى الصلاة (الأذان) هو دعوة للوقوف في حضرة ملك الملوك، وهو نداء يُشبه نداء التجمع للعسكر أمام قائدهم. ومَن يتخلف عن هذا النداء خمس مرات في اليوم، فكأنه فرّ من معسكر الطاعة، فأي حال سيكون حاله؟!
الصلاة هي صلة حقيقية مع الله.
هي شكرٌ لرب كريم لا يُعد نعمه، وهي وقفة احترام أمام الخالق العظيم، وهي الحبل النوراني الذي يربط الأرض بالعرش. من أراد نور الحضرة الإلهية، فليتمسك بهذا الحبل.
الصلاة في جماعة لها أهمية عظيمة.
فهي من أعظم شعائر الإسلام، وهي مظهر من مظاهر الوحدة والتضامن، إذ تقضي على الفوارق الطبقية والعنصرية، فكل المسلمين يقفون صفاً واحدًا لا فرق بينهم. إنها وسيلة لتعزيز روابط المجتمع، ولتعميق المعرفة بين المسلمين، وتقوية الجسد الاجتماعي. ومتى كانت لبنات البناء (أي الأفراد) قوية، كان المجتمع قوياً وسليماً.
آيات وأحاديث تؤكد أهمية الصلاة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة:153)
تشير الآية إلى أن من يريد اجتياز امتحان الحياة بنجاح، عليه أن يستعين بالصلاة والصبر معاً. فالصلاة تحتاج إلى صبر، لكنها تُعلّم الإنسان الصبر أيضاً، إذ إن المواظبة على الصلاة تُنظم حياة الإنسان وتضبط سلوكه.
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}(البقرة:45)
تُبرز هذه الآية أن الصلاة ثقيلة على من لا يعرف الله حق المعرفة. لذلك تجد من يفتقر إلى هذا الوعي يملّ بسرعة من الصلاة.
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}(البقرة:238)
{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}(العنكبوت:45)
{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}(المؤمنون:1-2)
الصلاة هي تأكيد العهد الأزلي.
عندما قال الله تعالى في عالم الأرواح: {ألست بربكم؟}،
أجاب الجميع بـ "بلى".
والصلاة هي إمضاء جديد لهذا العهد. إنها معراج المؤمن.
82
هل كان انتشار الإسلام بالسيف أم بالدعوة؟
لفهم مفهوم الجهاد في الإسلام بشكل صحيح، لا بد أولًا من الإجابة عن سؤالين مهمين: من هو النبي؟ وما هي مهمته؟
الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء ليكونوا هداة للناس في رحلتهم إلى الآخرة، فمن آمن وعمل صالحاً كانت نهايته الجنة، ومن كفر وعصى فمصيره إلى النار. وكانت مهمة هؤلاء الرسل تعريف الناس بالله، وتعليمهم العبادة، والتمييز بين الحلال والحرام، وبيان كيفية شكر الله على نعمه العظيمة.
أسلوب النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في نشر الإسلام
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قام بهذه المهمة بأكمل وجه، فبدأ دعوته في مكة، حيث عرّف الناس بالله، وبيّن أوامره ونواهيه، وحذّرهم من عبادة الأصنام التي تُعد شركاً بالله. واجه معارضة شديدة واضطهادًا استمر ثلاثة عشر عاماً، لكنه صبر على الأذى حتى أذن الله له بالهجرة إلى المدينة، حيث واصل دعوته بنفس الأسلوب.
لكن المشركين لم يتركوه وشأنه، بل سعوا لمهاجمته هناك أيضاً، ومع ذلك لم يستطيعوا منع الإسلام من التغلغل في قلوب الناس.
ومن صفات النبي التي ذكرتها الكتب السماوية السابقة أنه "صاحب السيف"، أي أنه بالإضافة إلى دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، كان مأذوناً له بالقتال إذا تعرضت دعوته للمنع أو الاعتداء.
وهذا الأمر لم يكن مقتصراً عليه، فالنبيان داوود وسليمان (عليهما السلام) استخدما القوة عندما اقتضت الحاجة لحماية دعوتهما.
هل انتشر الإسلام بالحروب أم بالدعوة؟
عند النظر بإنصاف إلى التاريخ، نجد أن انتشار الإسلام في قلوب الناس لم يكن بالسيف، بل بالدعوة والتبليغ، أي بإيصال تعاليم القرآن وعرض الحقائق بوضوح.
شيئان لعبا دوراً أساسياً في انتشار الإسلام:
1. العلماء والدعاة: الذين نذروا حياتهم لنشر الإسلام، وسافروا إلى أماكن بعيدة للدعوة.
2. التجار المسلمون: الذين نشروا الإسلام من خلال أخلاقهم وسلوكهم أثناء التجارة، مما جذب الناس إلى الإسلام.
أدلة قرآنية على انتشار الإسلام بالدعوة لا بالإكراه
القرآن الكريم يوضح بجلاء أن الإسلام لا يُفرض بالقوة، بل يُعرض بالحكمة والإقناع:
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}(البقرة:256)
{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}(الغاشية:21-22)
شواهد تاريخية على انتشار الإسلام بالدعوة
• عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته في مكة، لم يكن لديه أي قوة مادية، ورغم أن المشركين كانوا أعداءه، إلا أنه استطاع أن يكسب قلوب الناس بالدعوة فقط. دخل العديد من الصحابة الإسلام عن قناعة، مثل أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، وأصبح الإيمان قوة لا تقهر. ولو أراد الصحابة، لكان بإمكانهم القضاء على زعماء قريش، لكنهم لم يفعلوا ذلك، وبدلًا من اللجوء إلى العنف، تحملوا المشاق وواصلوا دعوتهم.
• المسلمون الذين هاجروا إلى المدينة قبل النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخدموا السيف لنشر الإسلام، بل دعوا الناس إليه بالحكمة والموعظة الحسنة. وهكذا، تأسس الإسلام في مكة والمدينة بالدعوة وليس بالقوة.
• بعد صلح الحديبية، وخلال عامين فقط، اعتنق الإسلام عدد من الناس يفوق عدد الذين دخلوا الإسلام خلال العشرين سنة الأولى من الدعوة! مما يدل على أن الناس كانوا يدخلون الإسلام بمحض إرادتهم عندما أتيحت لهم فرصة التعرف عليه دون تهديد أو إكراه.
• المغول الذين غزوا بغداد، كانوا في البداية أعداءً للإسلام، وأحرقوا المكتبات الإسلامية، لكنهم بعد فترة اعتنقوا الإسلام بأنفسهم، ولم يكن للسيف أي دور في ذلك.
• انتشار الإسلام في إندونيسيا وماليزيا وأفريقيا تم عبر التجار والدعاة، وليس بالقوة.
الإسلام في العصر الحديث
اليوم، رغم أن المسلمين فقدوا الكثير من قوتهم المادية، إلا أن الإسلام يواصل انتشاره بشكل غير مسبوق، وخاصة في أوروبا وأمريكا. العديد من العلماء والمفكرين الغربيين دخلوا الإسلام بعد دراسته والاقتناع به، وليس لأن أحدًا أجبرهم على ذلك.
الخلاصة
• الإسلام لم ينتشر بالسيف، بل بالدعوة الحكيمة والتبليغ والإقناع.
• القوة لم تُستخدم إلا للدفاع عن النفس عندما تعرض المسلمون للعدوان.
• الأدلة القرآنية والتاريخية تثبت أن الإسلام دين حرية واختيار، وليس دين إكراه.
• انتشار الإسلام في العصر الحديث يؤكد أن قوته الحقيقية تكمن في تعاليمه العادلة، وليس في القوة العسكرية.