كيف يتصور عذاب القبر
سؤال:
كيف يتصور عذاب القبر؟
اعلم! ان باشارة آية (اَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَاَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)(1) وكذا برمز تعقيب هذه بـ ثم اليه ترجعون مع النظر إلى ايجاز القرآن، ايماء الى حياة القبر كما تدل على حياة الحشر.
فإن قلت: كيف يتصور عذاب القبر مع انه لو وضعت بيضة على صدر جنازة بأيام لا يحس فيها أدنى حركة فكيف الحياة والعذاب؟
قيل لك: ان العالم المثاليّ قد بُرهن عليه في موقعه، حتى ان وجوده قطعي عند المحققين الإلهيين. وخاصةُ ذلك العالم تحويلُ المعاني أجساماً والأعراضُ جواهرَ والمتغيرات ثابتةً. والعيون الناظرة من عالم الشهادة اليه، الرؤيا الصادقة والكشف الصادق والأجسام الشفافة فانها تلوِّح بوجوده. ثم ان عالم البرزخ اثبتُ حقيقةً من عالم المثال الذي هو تمثاله. وظل هذا العالم عالم الرؤيا، وظل هذا عالم الخيال، ونظير هذا الاجسام الشفافة كالمرآة. فاذ تفهمت هذا فانظر في عالم الرؤيا وتأمل في شخص نام عندك وهو ساكن وساكت مع انه في عالمه يقاتل ويضارب فيصير مجروحا أو تلدغه الحية فيتألم. ولو أمكن لك أن تدخل في رؤياه وتقول له: يا هذا! لا تعجز ولا تغضب فإن هذا ليس حقيقة وحلفتَ له ألف يمين لما يصدقك. ويقول لك: هذا ألمي يوجعني وهذا جرحي! أما ترى هذا وبيده السيف، واما ترى الحية تهجم عليّ؛ اذ تجسم معنى وجع الكتف أو نزلة الرأس(2) في صورة سيف جارح، اذ النتيجة واحدة. أو تصوَّر معنى الخيانة الموجعة لقلبه في لباس الحية اذ الألم واحد. فيا هذا! اذ ترى ذاك في ظل عالم المثال أفلا تصدقه في عالم البرزخ الذي هو أثبت حقيقة بدرجات وأبعد منا؟ أما (يحييكم) بالنظر الى الحياة الأخروية. فاعلم! ان تلك الحياة نتيجة لكل العالم. ولولاها لم تكن الحقيقة ثابتة ولانقلبت الحقائقُ - كالنعمة -نقمةً. وقس!.. ولقد لخصنا دلائلها في تفسير (وبالآخرة هم يوقنون)..(*)
________________________________________
(1) سورة غافر: 11.
(2) مرض الزكام.
(*) إشارات الإعجاز - ص: 218