ارتباط معرفة صفات الله واسمائه الحسنى بأنانية الانسان
السؤال :
سؤال لِمَ ارتبطت معرفة صفات الله جلّ جلاله واسمائه الحسنى "بأنانية"(1)الانسان؟
الجواب:ان الشئ المطلق والمحيط، لا يكون له حدود ولانهاية؛ فلا يُعطى له شكل ولا يُحكَم عليه بحكم، وذلك لعدم وجود وجه تعيّنٍ وصورةٍ له؛ لذا لاتُفهم حقيقة ماهيته.
فمثل:الضياء الدائم الذي لا يتخلله ظلام ، لا يُشعَر به ولا يُعرَف وجودُه الاّ اذا حُدّد بظلمة حقيقية أو موهومة.
وهكذا، فان صفات الله سبحانه وتعالى كالعلم والقدرة واسماءه الحسنى كالحكيم والرحيم لانها مطلقة لا حدود لها ومحيطة بكل شئ، لا شريك لها ولاندّ، لايمكن الاحاطة بها أو تقييدها بشئ، فلا تُعرف ماهيتها، ولا يُشعر بها؛ لذا لابد من وضع حدٍّ فرضي وخيالي لتلك الصفات والاسماء المطلقة، ليكون وسيلة لفهمها حيث لا حدود ولا نهاية حقيقية لها وهذا ما تفعله " الانانية " اي ما يقوم به " انا " ؛ اذ يتصور في نفسه ربوبيةً موهومة، ومالكيةً مفترضة وقدرة وعلماً، فيحدّ حدوداً معينة، ويضع بها حداً موهوماً لصفاتٍ محيطة واسماء مطلقة فيقول مثلاً: من هنا الى هناك لي، ومن بعده يعود الى تلك الصفات. أي: يضع نوعاً من تقسيم الامور، ويستعد بهذا الى فهم ماهية تلك الصفات غير المحدودة شيئاً فشيئاً، وذلك بما لديه من موازين صغيرة ومقاييس بسيطة.
فمثل:يفهم بربوبيته الموهومة التي يتصورها في دائرة مُلكه، ربوبيةَ خالقه المطلقة سبحانه وتعالى في دائرة الممكنات.
ويدرك بمالكيته الظاهرية، مالكيةَ خالقه الحقيقية، فيقول: كما انني مالك لهذا البيت فالخالق سبحانه كذلك مالك لهذا الكون.
ويعلم بعلمه الجزئي، علمَ الله المطلق.
ويعرف بمهارته المكتسبة الجزئية، بدائعَ الصانع الجليل، فيقول مثلاً: كما انني شيدتُ هذه الدار ونظّمتها، كذلك لابد من منشئ لدار الدنيا ومنظّم لها.
وهكذا..فقد اندرجت في " أنا " آلاف الاحوال والصفات والمشاعر المنطوية على آلاف الاسرار المغلقة التي تستطيع ان تدل وتبيّن ـ الى حدٍ ما ـ الصفات الإلهية وشؤونها الحكيمة كلها.
أي أن " أنا " لايحمل في ذاته معنىً، بل يدل على معنىً في غيره ؛ كالمرآة العاكسة، والوحدة القياسية، وآلة الانكشاف.(*)
_______________________
(1) ليس المقصود من ((الانانية )) تلك الصفة المذمومة في الانسان وانما اشتقاق من ((أنا))._المترجم .
(*) الكلمة الثلاثون - ص: 637