عبادة الله اكبر
قطرة نورية من كليات رسائل النورسي
اعلم ان النبوة في البشرية فذلكة الخير وخلاصة الكمال واساسه. وأن الدين الحق فهرس السعادة. وأن الايمان حُسنٌ منزَّه وجمال مجرّد. وحيث ان حسناً ساطعاً، وفيضاً واسعاً سامياً، وحقاً ظاهراً، وكمالاً فائقاً مشاهَدٌ في هذا العالم، فبالبداهة يكون الحقُ والحقيقة في جانب النبوة، وفي يد الانبياء عليهم السلام، وتكون الضلالة والشر والخسارة في مخالفيهم.
فان شئت فانظر الى مثال واحد من بين الوف الامثلة على محاسن العبودية التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام وهو:
ان النبي صلى الله عليه وسلم يوحد بالعبادة قلوبَ الموحدين في صلاة العيد والجمعة والجماعة، ويجمع ألسنتهم جميعاً على كلمة واحدة. حتى يقابل هذا الانسانُ عظمة الخطاب الصادر من المعبود الحق سبحانه بأصوات قلوبٍ وألسنةٍ لا تحد وبدعواتها، متعاوناً متسانداً، بحيث يظهر الجميع عبوديةً واسعةً جداً ازاء عظمة أُلوهية المعبود الحق فكأن كرة الارض برمتها هي التي تنطق ذلك الذكر، وتدعو ذلك الدعاء، وتصلي لله باقطارها وتمتثل بارجائها الامر النازل بالعزة والعظمة من فوق السموات السبع: ﴿وأقيموا الصلاة﴾(البقرة:43).
وبهذا الاتحاد صار الانسان وهو المخلوق الضعيف الصغير الذي هو كالذرة في هذه العوالم، عبداً محبوباً لدى السموات والارض من جهة وعظمة عبوديته له، واصبح خليفة الارض وسلطانها، وسيد الحيوانات ورئيسها، وغاية خلق الكائنات ونتيجتها. أرأيت لو اجتمعت في عالم الشهادة ايضاً – كما هو في عالم الغيب – اصوات المكبرين البالغين مئات الملايين من المؤمنين بـ (الله اكبر) عقب الصلوات ولا سيما صلاة العيد، واتحدت جميعها في آن واحد أما كانت متساوية لصوت تكبيرة (الله اكبر) تطلقها كرةُ الارض ومتناسبةً مع ضخامتها والتي اصبحت كأنها إنسان ضخم، إذ باتحاد تكبيرات اولئك الموحدين في آن واحد يكون هناك تكبيرةٌ عظيمة جداً كأن الارض تطلقها، بل كأن الارض تتزلزل زلزالها في صلاة العيد. اذ تكبر الله بتكبير العالم الاسلامي باقطارها واوتادها وتسبحه بتسبيحهم واذكارهم فتنوي من صميم قلب كعبتها المشرّفة التي هي قِبلتها، وتكبر بـ (الله اكبر) بلسان عَرَفة من فم مكة المكرمة. فتتموّج صدى (الله اكبر) متمثلةً في هواء كهوف أفواه جميع المؤمنين المنتشرين في العالم بمثل تموج ما لا يحد من الصدى في كلمة واحدة من (الله اكبر). بل تتموج تلك التكبيرات والاذكار في اقطار السموات وعوالم البرزخ. فالحمد لله الذي جعل هذه الارض ساجدةً عابدةً له وهيأها لتكون مسجداً لعباده ومهداً لمخلوقاته. فنحمده سبحانه ونسبحه ونكبره بعدد ذرات الارض ونرفع اليه حمداً بعدد موجوداته أن جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي علمنا هذا النوع من العبادة.(*)
____________
(*) كليات رسائل النور – اللمعة السابعة عشرة .. ص:194