رسالة خاصة لدفع الشبهات عن السلطان عبد الحميد (1)
لقد ساور أحد إخواننا المعلمين شبهة في أن أستاذنا قد هاجم السلطان عبد الحميد الثاني ولم يقدّر ذلك السلطان العظيم حق قدره وذلك بما يفهم من خطبه التي ألقاها في بداية عهد الحرية.
الجواب: إننا نجيب عن حقيقة الوضع الذي فهمناه من أستاذنا:
أولاً: إن الدستور الذي سار عليه أستاذنا طوال حياته هو الدستور القرآني والقاعدة الجليلة ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾(الأنعام:164) بمعنى أن الأخطاء التي ارتكبتها حكومة ذلك العهد لا تُسند إلى السلطان. ولهذا حمل نحوه حسن الظن، بل سعى -تجاه معارضيه- لتأويل ما اضطر إليه من أخطاء وتقصيرات.
ثانياً: لقد أثنى أستاذنا ثناءً حسناً على الحرية الشرعية بداية عهد الحرية، ودعا الناس في خطبه إليها، وقال للمعارضين لها:
«إن لم تنضبط الحرية بالشريعة فإن ما أطلقتموه من استبداد ضعيف جزئي اضطر إليه شخص، يصبح استبداداً عظيما يوزع على الناس كافة. ويغدو كل شخص مستبداً بذاته، فيتولد عندئذٍ استبداد مطلق، وينقلب الاستبداد الواحد إلى الألوف، بمعنى أن الحرية ستموت ويولد استبداد مطلق».
حتى إن أستاذنا وجّه إلى المحكمة التي نصبت لأجل الإعدامات ما يأتي:
«إن كانت المشروطية تعني مخالفة الشريعة واستبداد جماعة معينة -الاتحاديين- فليشهد الثقلان أني مرتجع».([2])
ثالثاً: لقد شعر أستاذنا بنوع من إحساس مسبق، نجاة العالم الإسلامي الحالي من سيطرة الأجانب وتوجهه إلى الاتفاق على صورة جماهير متحدة إسلامية فكان يتمنى هذا ويتصوره، بل دعا إليه بكل ما أوتي من قوة، لذا قدّر الحرية الشرعية حق قدرها. وقال في خطبه آنذاك: «إن لم تربّ الحرية بالتربية الإسلامية فستموت، ويولد مكانها الاستبداد المطلق».
رابعاً: لقد سمعنا من أستاذنا وعرفنا منه عن كثب أنه كان يعتقد أن السلطان عبد الحميد -من بين السلاطين- في حكم ولي من الصالحين، لوقوفه بصمود تجاه دسائس الأجانب وقواهم، وكونه خليفة معظم العالم الإسلامي، وسوقه العشائر الرحّل في الولايات الشرقية إلى مراقي المدنية والعسكرية بالقوات الحميدية، ومراعاته الشعائر الإسلامية ما استطاع إليها سبيلا وأدائه صلاة الجمعة في المسجد، واتخاذه شيخاْ فاضلاّ ومرشدا معنوياّ بصورة دائمة في قصره. فضلاً عن حسناته الأخرى.
طلاب النور الملازمون للأستاذ، 1953.([3])
[1]() يذكر "محسن آلو" أحد طلاب النور الذي لازم الأستاذ النورسي أنه عندما سمع الأستاذ أن أحداً قد نشر كتاباً في إسطنبول يتهجم فيه على السلطان عبد الحميد قال: إن السلطان عبد الحميد كان خليفة ستين مليوناً من المسلمين، وأنا أنظر إليه نظر ولي من الأولياء. ثم نشر رسالة خاصة (ملحقة) بهذا الشأن. "Son Şahidler 4 ص313 ".
[2]() أي رجعي بالتعبير المتداول حاليا وهذا القول نظير قول الإمام الشافعي رضي اللّٰه عنه:
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أنى رافضي
[3]() (ب) 183.
