تأمُّل بالعربية

 

«بينما كنتُ متأملاً ومستغرقاً في تفكر يخص الأحدية، نظرت إلى ثمرات شجرة الدلب القريبة من غرفتي، فخطر إلى القلب تفكر متسلسل بعبارات عربية، فكتبتُه كما ورد بالعربية وسأذكر توضيحاً مختصراً له.

فَالبُذُورُ وَالأثْمَارُ، والحُبُوبُ وَالأزهَارُ، مُعجِزَاتُ الحِكمَةِ، خَوَارِقُ الصَّنْعَةِ، هَدَايا الرَّحْمَةِ، بَرَاهينُ الوَحْدَةِ، شَوَاهِدُ لُطْفِهِ في دارِ الآخِرَةِ، شَوَاهِدُ صَادِقَةٌ بأنَّ خَلاَّقَهَا عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، وَبِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ. قَدْ وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ بِالرَّحْمَةِ وَالعِلْمِ وَالخَلْقِ وَالتَّدْبيرِ وَالصُّنْعِ وَالتَّصْوِيرِ. فَالشَّمسُ كَالبَذرَةِ وَالنَّجْمُ كَالزَّهْرَةِ وَالأرضُ كَالحَبَّةِ لا تَثْقُلُ عَلَيهِ بِالخَلْقِ وَالتَّدْبيرِ وَالصُّنعِ وَالتَّصْويرِ. فَالبُذُورُ وَالأثْمَارُ مَرَايا الوَحْدَةِ في أقْطَارِ الكَثْرَةِ، إشَاراتُ القَدَرِ، رُمُوزَاتُ القُدْرَةِ بِأنَّ تِلكَ الكَثْرَةَ مِنْ مَنْبَعِ الوَحْدَةِ، تَصْدُرُ شَاهِدَةً لِوَحْدَةِ الفَاطِرِ في الصُّنْعِ وَالتَصْويرِ. ثُمَّ إلى الوَحْدَةِ تَنْتَهي ذَاكِرَةً لِحِكمَةِ الصَّانِعِ في الخَلْقِ وَالتَّدْبيِرِ. وَتَلْوِيحاتُ الحِكْمَةِ بأنَّ خَالِقَ الكُلِّ بِكُلِّيَّةِ النَّظَرِ إلى الجُزْئيِّ يَنْظُرُ، ثَمَّ إلى جُزْئِهِ. إذْ إنْ كانَ ثَمَرَاً فَهُوَ المَقْصُودُ الأظهَرُ مِنْ خَلقِ هَذا الشَّجَرِ.

فَالبَشَرُ ثَمَرٌ لِهَذِهِ الكَائِنَاتِ، فَهُوَ المَقْصُودُ الأظْهَرُ لِخَالِقِ المَوْجُودَاتِ. والقَلبُ كَالنُّوَاةِ، فَهُوَ المِرآةُ الأنْوَرُ لِصَانِعِ المَخْلُوقَاتِ. وَمِنْ هذِهِ الحِكْمَةِ فَالإنسَانُ الأصْغَرُ في هذِهِ الكَائِناتِ هُوَ المَدَارُ الأظْهَرُ للنَّشْرِ وَالمحَشْرِ في هذِهِ المَوجُوداتِ، وَالتَّخْريبِ والتَّبْديلِ وَالتَّحويلِ وَالتَّجْديدِ لِهَذِهِ الكَائِناتِ.

ومبدأ هذه الفقرة العربية هو:

فَسُبْحانَ مَنْ جَعَلَ حَديقَةَ أرضِهِ مَشْهَرَ صَنْعَتِهِ، مَحْشرَ فِطْرَتِهِ، مَظْهَرَ قُدرَتِهِ، مَدَارَ حِكْمَتِهِ، مَزْهَرَ رَحْمَتِهِ، مَزْرَعَ جَنَّتِهِ، مَمَرَّ المَخْلُوقَاتِ، مَسِيلَ المَوجُودَاتِ، مَكيلَ المَصْنُوعَاتِ.

فَمُزَيَّنُ الحَيْوانَاتِ مُنَقَّشُ الطُّيوراتِ مُثَمَّرُ الشَّجَراتِ مُزَهَّرُ النَبَاتاتِ مُعْجِزَاتُ عِلمِهِ. خَوَارِقُ صُنْعِهِ، هَدايَا جُودِهِ، بَراهِينُ لُطْفِهِ.

تَبَسُّمُ الأزهَارِ مِنْ زينَةِ الأثْمَارِ، تَسَجُّعُ الأطيَارِ في نَسْمَةِ الأسْحَارِ، تَهَزُّجُ الأمطار عَلى خُدُودِ الأزهَارِ، تَرَحُّمُ الوالِدَاتِ عَلى الأطفَالِ الصِّغَارِ.. تَعَرُّفُ وَدُودٍ، تَوَدُّدِ رَحمن، تَرَحُّمُ حَنَّانٍ، تَحَنُّنُ مَنَّانٍ، للِجِنَّ وَالإنسَانِ، وَالرُّوحِ وَالحَيوَانِ، وَالمَلَكِ وَالجانِّ..»([1])

 

[1]() الكلمات، الكلمة الثانية والثلاثون، خاتمة المقصد الثاني.

Ekranı Genişlet