حكاية أوردتها في لائحة الاعتراض

 

لقد بينت هذه الحكاية في لائحة الاعتراض، وهي تُصوِّر حال غربتي وانعدام النصير، وعدم اهتمام أحد بالسؤال عني، ولو برسالة منذ أربعة شهور والمعزول عن الناس، وهو يقتحم قضية مصيرية بين الموت والحياة، فضلاً عن تنفير الناس عنه ببث الإشاعات المغرضة.

والحكاية هي أنه ابتُلي سلطان في غابر الزمان بداء لا دواء له إلاّ دم طفل، فأعطى والدٌ طفله قرباناً مقابل ثمن، بناء على فتوى الحاكم. ولكن الطفل بدأ يضحك أمام المجلس بدلاً من البكاء والاستنجاد، فقيل له: لِمَ لا تستغيث! ولا تشكو بل تضحك؟ فأجابهم: إذا ابتلى الإنسان ببلاء فإن أول ما يلتجئ إليه هو والده، ثم إلى الحاكم، ثم إلى السلطان؛ فوالدي يبيعني لأُذبح، والحاكم يصدر قراره بقتلي، وها هو السلطان ينتظر دمي. فهذه الحالة العجيبة الغريبة والقبيحة المنفرة والتي لم يشاهَد مثلها لا تقابل إلاّ بالضحك.

وهكذا يا سيد "شكري قايا"([1]) أصبحنا نحن كذلك بمثابة ذلك الطفل، فبينما يقتضي أن نعرض وضعنا إلى والي المدينة الذي يمثل الحكومة، ثم إلى عدالة المحكمة، ثم إلى وزارة الداخلية لبيان الظلم الواقع علينا وتخليصنا من أيدي الظالمين، إذا بنا نشاهد أن وزير الداخلية -الذي هو آخر مرجع يستمع إلينا- هو المبتلى بداء الغرور فيطلب دمنا ويريد القضاء علينا بحجج واهية تافهة، سائراً على خطأ كبير بإضفائه لون الحقيقة للأوهام التي لا أصل لها قطعاً.

ونحن بدورنا نشكو شخص شكري قايا إلى وزير الداخلية شكري قايا. فإن كانت هذه المحكمة تريد الحفاظ على الحرية التامة حقاً ولا ترضخ أمام الضغوط أياً كانت وتحكم وفق ما في وجدان الهيئة من الشعور بالعدل، كنا أول من يقيم الدعوى على شخص شكري قايا لو نعلم أنهم يستمعون إلينا، ذلك لأنه منذ سنة والجواسيس يرفعون التقارير اليومية عنا إليه وبناء على طلبه اليومي أو -في الأقل- الأسبوعي. وبذلك لفت أنظار الجواسيس وأفراد الأمن إلينا وأعدّنا للذبح كما تعدّ الأضحية.

 وفي الوقت الذي لا ينبغي لهيئة الحكومة أن تفكر في شيء سوى العدالة -وهم حقاً متمسكون بها- إلاّ أنهم لم يتحملوا ضغط السيد شكري قايا، لذا لا يخلّون سبيلنا بل يماطلون.

أما الوالي وأفراد الأمن للحكومة المحلية بولاية إسبارطة، فكان واجبهم الوجداني حماية الموقوفين الأبرياء من إسبارطة -أكثر من غيرهم- والسعي لإخلاء سبيلهم بسرعة، إلاّ أنهم -بخلاف ذلك- يسعون للقضاء عليهم بالتجويع ولاسيما الفقراء المحتاجين منهم، فقطعوا عنهم الأرزاق المقررة لهم بناء على معاذير تافهة باطلة.

فهذه الحالة التي تثير أقصى درجات البكاء، نقابلها بالضحك -لا بالشكوى- بمثل ضحك ذلك الطفل، محيلين قضيتنا إلى اللّٰه العزيز الجبار ومتوكلين عليه.

 

[1]() والدليل على مدى انخداع شكري قايا بالأوهام الواهية ومدى حقده الدفين هو أنه يأتي بنفسه من أنقرة مع مائة من رجال الجندمة (الدرك) وخمسة عشر من رجال الشرطة، لأجل دفع شخص غريب مثلي مع ثلة من إخواني المساكين إلى المحكمة. وكأن ما في "إسبارطة" من قوة الجندرمة وفرقة من الجيش غير كافية للغرض. مما ولّد جواً من الإرهاب والقلق لدى الناس.

    إن هذه المهمة يمكن أن يؤديها شرطي واحد، لكنه بفعله هذا خسّر الشعبَ ألفين أو ثلاثة آلاف ليرة، إذ صرف لنقل الأبرياء -الذين أخليت سبيلهم- من "إسبارطة" إلى "أسكي شهر" خمسمائة ليرة فضلاً عن تعريضهم إلى ألوف الأضرار، علاوة على زعزعة موقعهم الاجتماعي لدى الناس.

    فهذه الأوضاع تبين مدى إلحاقه الضرر بإدارة الداخلية وبأمن البلاد وبسعى الشعب المسكين. ففي الوقت الذي تحتاج الداخلية إلى النظام والأمن والسكون.. فإن إحداث قضية كبيرة من لاشيء والتسبب في أضرار جسيمة وجعل الحبة مائة قبة وإجراء أمور غير قانونية باسم القانون، يجعلنا ندّعي أن شخص شكري قايا قد ارتكب جرماً قانونياً كبيراً فنشكوه إلى وزير الداخلية شكري قايا.(المؤلف)

Ekranı Genişlet