من داخل السجن
يروي المدعي العام لمحكمة الجزاء الكبرى في "أسكي شهر" سنة 1935: أنه يشاهد يوماً الأستاذ في السوق، فيندهش من حيرته، ويتصل بمدير السجن مباشرة ويهدده بقوله:
كيف سمحتم لبديع الزمان بالخروج إلى السوق، فقد شاهدته بنفسي في السوق؟ ويجيبه المدير: عفواً سيدي إن بديع الزمان في السجن ويمكنكم التفضل لرؤيته في السجن الانفرادي، ويأتي المدعي العام، ويزوران معاً الزنزانة، وإذا بالأستاذ هناك. تنتشر هذه الحادثة في دوائر العدل وتتناقلها الحكام فيما بينهم رغم أنهم لا يصدقونها بعقولهم!
وحادثة أخرى مشابهة يرويها مدير سجن "أسكي شهر" آنذاك وخلاصتها: يطرق سمعه صوت بديع الزمان طالباً الخروج من السجن إلى صلاة الجمعة في "آق جامع"، فيزور زنزانته وقت الصلاة، وإذا ببديع الزمان غير موجود، والحراس كلهم في مواضعهم والأقفال على الأبواب. يسرع المدير إلى الجامع المذكور فيرى الأستاذ في الصف الأول وعلى اليمين، فيبحث عنه عقب الصلاة فلا يجده، ويعود إلى السجن فوراً فيراه يقول "اللّٰه أكبر" ويستغرق في السجود.
وقد رُويت حَوادث أخرى من رؤية الأستاذ مراراً في صلاة الفجر جماعة عندما كان في سجن "دنيزلي". وهذه الأخبار كلها مروية عن مسؤولين كانوا يعادون الأستاذ وليست من محبيه..([1])
نعم، فلقد شاهد المجاهدون في جبهات متعددة من الحرب عالِماً جليلاً فاضلاً. وذكروا له مشاهدتهم، فقال: إن بعض الأولياء قد ظهروا بمظهري وأدّوا بدلاً عنى في موضعي أعمالاً لأجل إكسابي ثواباً وليستفيد أهل الإيمان من دروسي.
ومثل هذا تماماً، فقد شاهدوني في جوامع "دنيزلي" وأنا نزيل سجنها، حتى أبلغوا ذلك إلى الجهات المسؤولة وإلى المدير والحرّاس، وقال بعضهم في قلق واضطراب: "من يفتح له باب السجن!" فالأمر نفسه يحدث هنا تماماً.
والحال أنه بدلاً من إسناد حادثة جزئية خارقة إلى شخصي المقصر جداً فإن رسالة "ختم التصديق الغيبي" تثبت خوارق لرسائل النور وتبينها كاسبةً ثقة أهل الإيمان برسائل النور أكثر بكثير من تلك الحادثة بمائة مرة بل بألف مرة. فضلاً عن تصديق أبطال النور بأحوالهم الخارقة وكتاباتهم الرائعة لمقبولية رسائل النور.([2])
[1]() T. Hayat. Eskişehir Hayatı.
[2]() الشعاعات، الشعاع الرابع عشر.
ونورد هنا خاطرة من السيد "كمال طان أر" حيث يقول:
"كنت طالباً في الصف المنتهي بكلية الحقوق، كان علينا أن نزور المحاكم والسجون. فذهبت إلى سجن "أسكي شهر" يوماً لزيارة الأستاذ، وعندما دخلت عليه رأيته جالساً على سجادته منشغلاً بالأوراد عقب الصلاة فقبّلت يده وقلت له: أستاذي، يقال انه يظهر على يديكم كثير من الكرامات الغيبية، بيد أني لم أر أياً من الأحوال الخارقة منكم، فإن كانت تلك الأحوال موجودة فعلاً، فأظهروها أمامي، ولتمش مسبحتكم هذه مثلاً. تبسم الأستاذ، وذكر لي هذه الحكاية ليوضح الأمر: "كان لأحدهم ولد يحبه كثيراً، فهو وحيده، أخذه -ذات يوم- إلى محل المجوهرات ليشتري له بعض الهدايا الثمينة من الألماس والجواهر حسب رغبة ابنه المحبوب، تعبيراً عن شدة حبه له. وكان قد زين صاحب المحل محله بنفاخات ملونة متنوعة على سقف المحل ليلفت نظر الزبائن. وعندما دخل الطفل هذا المحل المزين بالنفاخات لفتت نظره ألوانها الجذابة، فقال باكياً: "أبي! أريد أن تشتري لي من هذه النفاخات.. أريد النفاخات.." فقال والده: "يا صغيري الحبيب، سأشتري لك مجوهرات ثمينة وألماسات غالية. ولكن الطفل ألحّ في طلب النفاخات.." وبعد أن أنهى الأستاذ هذا المثال قال: "أخي أنا لست إلا دلالا في محل جواهر القرآن الكريم وخادماً فيه، ولست ببائع نفاخات ملونة، فلا أبيع في محلي نفاخات وليس في محلي وسوقي إلا الألماس الخالد للقرآن الكريم، فأنا منشغل يا أخي بإعلان نور القرآن." ففهمت ما يقصده الأستاذ وأدركت خطئي". ذكريات عن سعيد النورسي ص37.
