الفصل السابع
في سجن دنيزلي
(المدرسة اليوسفية الثانية)
20/أيلول/1943 -15 /حزيران /1944
التُهم كسابقتها
«بدأ أعداؤنا المتسترون يحرّضون علينا بعضاً من المسؤولين وبعضاً ممن يعتدّون بأنفسهم والمغرورين من العلماء والمشايخ الصوفية، فأصبحوا الوسيلة في جمعنا في تلك المدرسة اليوسفية سجن دنيزلي مع طلاب النور القادمين من عدة ولايات.([1])
أما التهمة الموجهة، فهي كسابقاتها: «تأليف جمعية سرية، وتحريض الشعب على الحكومة العلمانية، ومحاولة قلب نظام الحكم، ثم تسمية مصطفى كمال بــ"الدجال" و"السفياني"».([2])
وهكذا ساقونا إلى سجن دنيزلي وزجّوني في ردهة كبيرة ذات عفونة ورطوبة شديدتين فوق ما فيها من برودة شديدة، فاعتراني حزن وألم شديدان من جراء ابتلاء أصدقائي الأبرياء بسبـبي فضلاً عن الحزن النابع مما أصاب انتشار "النور" من عطل ومصادرة مع ما كنت أعانيه من الشيب والمرض.. كل ذلك جعلني أتقلب مضطرباً في ضجر وسأم.. حتى أغاثتني العناية الربانية فحوّلت ذلك السجن الرهيب إلى مدرسة نورية. فحقاً إن السجن مدرسة يوسفية، وبدأت رسائل النور بالانتشار والتوسع حيث بدأ أبطال "مدرسة الزهراء" بكتابة تلـك الرسائـل بأقلامهم الألماسية. حتى إن بطل النور قد استنسخ أكثر من عشرين نسخة من رسالتَي "الثمرة" و"الدفاع" خـلال مدة لم تتجاوز أربعة أشهر، مع ضراوة تلك الظروف المحيطة، فكانت تلك النسخ سبباً للفتوحات في السجن وفي خارجه، فحوّل ضررنا في تلك المصيبة إلى منافع وبدّل ضجـرنا وحزنـنا إلى أفراح، مبـدياً مرة أخرى سراً من أسرار الآية الكريمة: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾(البقرة:216).
ثم وُزّع ضدنا بيان شديد اللهجة بناء على التقرير السطحي الخاطئ المقدَّم من قبل "الخبراء الأوليين". وشَنّ وزير التربية هجوماً عنيفاً علينا، مما حدا بالبعض أن يطالب بإعدامنا بل قد سعوا في الأمر.
وفي هذا الوقت العصيب بالذات جاءتنا العناية الربانية فأسعفتنا أيضاً، إذ بينا ننتظر انتقادات لاذعة عنيفة من "خبراء أنقرة" إذا بتقاريرهم المتضمنة للإعجاب والتقدير برسائل النور، وإذا بهم لم يجدوا من مجموع خمسة صناديق من رسائل النور إلاّ بضعة أخطاء لا تتجاوز العشرة. وقد وضّحنا أمام المحكمة وأثبتنا كذلك أن هذه الأخطاء التي أوردوها ليست أخطاءً، بل هي الحقيقة بعينها، وأن الخبراء هم أنفسهم على خطأ فيما يدّعون، وبيّنا أن في تقريرهم المتكون من خمس أوراق حوالي عشرة أخطاء.([3])
ولقد قلت لهم: إن هؤلاء الخبراء -الذين لا خبرة لهم على الإطلاق- غير مؤهلين لتدقيق رسائل النور،([4]) لذا فإنني أطالب بتأليف لجنة عليا في أنقرة تتألف من أهل العلم. وإذا لزم الأمر فليُستقدم متخصصون، وعلماء من أوروبا لتدقيق هذه الرسائل، فإذا وجدوا فيها أي عنصر يستوجب العقاب، فإنني أرضى بذلك العقاب.
وفعلاً ألفت الحكومة لجنة أخرى من علماء وخبراء قاموا بدراسة وتدقيق جميع رسائل النور، وكانت النتيجة انهم لم يعثروا فيها على أي شيء يكون موجباً للتُهمة».([5])
وبينما كنا ننتظر التهديد والأوامر المشددّة من الدوائر الرسمية السبع التي أرسلت إليها رسائل "الثمرة" و"الدفاع" كما أُرسلت إلى دائرة العدل جميع الرسائل، ولاسيما تلك الرسائل الخاصة المتضمنة للصفعات الشديدة والتعرض لأهل الضلالة.. أجل، بينما كنا ننتظر التهديد العنيف منهم، إذا بتقاريرهم المسلّية وهي في منتهى اللين والرقة -الشبيهة بتلك الرسالة التي بعثها رئيس الوزراء إلينا- وكأنهم يبدون رغبتهم في المصالحة معنا. فأثبت -كل هذا- إثباتاً قاطعاً أن حقائق رسائل النور بفضل العناية الإلهية وكرامتها قد غلبتهم وانتصرت عليهم حتى جعلتهم يقرؤونها ويسترشدون بها، وحولت تلك الدوائر الرسمية الواسعة إلى ما يشبه المدارس النورية، وأنقذت كثيراً من الحيارى والمترددين وشدّت من إيمانهم، مما ملأنا بهجة وسروراً هو أضعاف أضعاف ما كنا نعانيه من ضيق وضجر».([6])
[1]() اللمعات، اللمعة السادسة والعشرون، الرجاء السادس عشر. وكان عدد طلاب النور المتهمين مع الأستاذ النورسي (126) طالباً وسيقوا معاً إلى أنقرة ثم إلى محكمة الجزاء الكبرى لدنيزلي فسِجنها في 25/10/1943.(ب) 1000.
[2]() T. H. Denizli Hayatı.
[3]() اللمعات، اللمعة السادسة والعشرون، الرجاء السادس عشر.
[4]() يذكر أستاذ الفلسة بجامعة إسطنبول نور الدين طوبجو: أحالت محكمة الجزاء الكبرى لدنيزلي رسائل الأستاذ النورسي إلى لجنة خبراء مشكلة من مدرسين للثانوية أحدهما: مدرس الأدب التركي والآخر: مدرس التاريخ وكانا ملحدين لا دين لهما إطلاقاً.. N. Şahiner Nurs yolu. ص123.
[5]() T.H.Denizli Hayatı.
[6]() اللمعات، اللمعة السادسة والعشرون، الرجاء السادس عشر.
