تتمة الاعتراض المقدم إلى محكمة "أفيون"

 

«إن مخاطبي في هذا الاعتراض ليس محكمة أفيون ولا مدعيها العام، بل أولئك العاملين هنا وفى دائرة التحقيقات ممن تساورهم الشكوك والأوهام والأغراض الشخصية فيتخذون مواقف عدائية ضدنا مستندين إلى تحقيقات ناقصة وإخباريات مختلقة استند إليها مدّعون عامون ومخبرون ومتحرون في أماكن أخرى».

«أولاً: إن إطلاق اسم الجمعية -التي لا تخطر على البال- ولا أصل لها أساساً، على طلاب رسائل النور الأبرياء الذين ليس لهم أية علاقة بالسياسة. ومن ثم عدّ أولئك المساكين الداخلين في تلك الدائرة -ولا لهم غاية غير الإيمان والآخرة- ناشرين لتلك الجمعية وأعضاءها الفاعلين أو من منتسبيها، أو جعل الذين قرؤوا رسائل النور أو استقرؤوها أو استنسخوها مذنبين ودفعهم لأجل ذلك إلى المحكمة.. كل هذه الأمور بعيدة بُعداً واضحاً عن العدالة.

والحجة القاطعة عليها هي:

إن الذين يقرؤون مؤلفات ضارة كالسم الزعاف والتي تهاجم القرآن، كمؤلفات "الدكتور دوزي" وأمثاله من الزنادقة، لا يعدّون مذنبين حسب دستور حرية الفكر والحرية العلمية، بينما يعدّ ذنباً قراءة وكتابة رسائل النور التي تبين الحقائق القرآنية والإيمانية وتعلّمها المحتاجين إليها حاجة ماسة والمشتاقين إليها وتوضّحها لهم وضوح الشمس الساطعة!

ثم إنهم اتهمونا على بضع جمل فحسب وردت في رسائل اتخذناها رسائل سرية لئلا تفسر تفسيراً خاطئاً وذلك قبل الإعلان عنها في المحاكم، علماً أن تلك الرسائل قد دققتها محكمة "أسكي شهر" -سوى واحدة منها-، واتخذت ما يستوجب الأمر، ولم تعترض إلا على مسألة أو مسألتين من "رسالة الحجاب" وقد أجبت عنها في عريضتي وفى اعتراضي بأجوبة قاطعة. وقلنا: "إن ما في أيدينا نورٌ ولا نملك صولجان السياسة" وأثبتنا ذلك في محكمة أسكي شهر بعشرين وجهاً.

وإن محكمة "دنيزلي" قد دققت جميع الرسائل دون استثناء، ولم تعترض على أية رسالة منها.. ولكن أولئك المدعين غير المنصفين قد عمموا حكم تلك الجمل المعترض عليها التي لا تتجاوز جملتين أو ثلاثاً على جميع الرسائل حتى صادروا مجموعة "ذو الفقار" البالغة أربعمائة صفحة لأجل صفحات منها فقط. وجعلوا قارئي الرسائل ومستنسخيها مذنبين، واتهموني بأنني أعارض الحكومة وأتحداها. إنني أُشهد أصدقائي القريبين منى والذين يقابلونني أشهدهم مقسماً باللّٰه: إنني منذ أكثر من عشر سنوات لا أعرف سوى رئيسين للجمهورية ونائباً واحداً في البرلمان ووالي قسطمونى. فلا أعرف معرفة حقيقية أحداً غيرهم من أركان الحكومة ووزرائها وقوادها وموظفيها ونوابها، وليس لي فضول لمعرفتهم، إلاّ أن شخصاً أو شخصين أظهرا قبل سنة علاقة نحوي فعرفت عن طريقهما خمسة أو ستة من أركان الحكومة.

فهل من الممكن لمن يريد مبارزة الحكومة ألاّ يعرف من يبارز، ولا يتحرك فيه الفضول لمعرفتهم، ولا يهتم بمن يواجههم، أهم أعداء أم أصدقاء؟

يفهم من هذه الأحوال أنهم يختلقون معاذير لا أصل لها قطعاً. فمادام الأمر هكذا: فإنني أقول لأولئك الظلمة غير المنصفين ولا أخاطب هذه المحكمة:

إنني لا أعير أقل اهتمام بما تعتزمون إنزاله بي من عقاب، مهما بلغت درجته من الشدة والقسوة، لأنني على عتبة باب القبر، وفى السن الخامسة والسبعين من عمري، فهل هناك سعادة أعظم من استبدال مرتبة الشهادة بسنة أو سنتين من حياة بريئة ومظلومة كهذه؟

ثم إنني موقن كل اليقين ولا يخالجنى أدنى شك في أن الموت بالنسبة لنا تسريح وتأشيرة دخول إلى عالم الطمأنينة والسعادة. ولنا آلاف البراهين من رسائل النور على ذلك، وحتى إن كان الموت إعداماً ظاهرياً لنا فإن مشقة ساعة من الزمان تتحول بالنسبة لنا إلى سعادة ومفتاح للرحمة وفرصة عظيمة للانتقال إلى عالم البقاء والخلود.

أما أنتم يا أعداءنا المتسترين ويا أولئك الذين يضللون العدالة في سبيل إرضاء الزندقة ويتسببون في خلق الأوهام الزائفة في أذهان المسؤولين في الدولة لينشغلوا بنا دون داع أو سبب.. اعلموا قطعاً، ولترتعد فرائصكم، إنكم تحكمون على أنفسكم بالإعدام الأبدي وبالسجن الانفرادي الدائم. وأن الانتقام لنا يؤخذ منكم أضعافاً مضاعفة، فها نحن أولاء نرى ذلك ونشفق عليكم. ولا شك أن حقيقة الموت التي ظلت تفرغ هذه المدينة مائة مرة إلى المقابر، لا بد أن تكون لها غاية ومطلب فوق غاية العيش والحياة. وإن محاولة الخلاص من براثن ذلك الإعدام الأبدي هي قضية في مقدمة القضايا الإنسانية، بل هي من أهم الضروريات البشرية وأشدها إلحاحاً.

فما دامت هذه هي الحقيقة، أفليس من دواعي العجب والغرابة أن يتهم نفر من الناس طلاب رسائل النور-الذين اهتدوا إلى ذلك السر وعثروا على تلك الحقيقة- ويلصقوا اتهامات باطلة برسائل النور التي أثبتت تلك الحقيقة نفسها بآلاف الحجج والبراهين؟ إن كل من له مسكة من عقل -بل حتى لو كان مجنوناً- يدرك تمام الإدراك بأن أولئك النفر باتهاماتهم تلك إنما يضعون أنفسهم موضع الاتهام أمام الحقيقة والعدالة.

إن هناك ثلاث مواد توهم بوجود جمعية سياسية لا علاقة لنا بها أصلاً، هي التي خدعت هؤلاء الظلمة.

أولاها: العلاقة الوطيدة التي تربط بين طلابي منذ السابق، قد أوحت لهم وجود جمعية.

الثانية: أن بعضاً من طلاب رسائل النور يعملون بأسلوب جماعي كما هو لدى الجماعات الإسلامية الموجودة في كل مكان والتي تسمح بها قوانين الجمهورية ولا تتعرض لها؛ لذا ظن البعض فيهم أنهم جمعية، والحال أن نية أولئك الأفراد القليلين ليس تشكيل جمعية أو ما شابهها، بل هي أخوّة خالصة وترابط وثيق أخروي بحت.

الثالثة: أن أولئك الظلمة يعرفون أنفسهم أنهم قد غرقوا في عبادة الدنيا وضلوا ضلالاً بعيداً ووجدوا بعض قوانين الحكومة منسجمة معهم، لذا يقولون ما يدور في ذهنهم: أن سعيداً ورفقاءه معارضون لنا ولقوانين الحكومة التي تساير أهواءنا، فهم إذن جمعية سياسية.

وأنا أقول: أيها الشقاة! لو كانت الدنيا أبدية خالدة، ولو كان الإنسان يظل فيها خالداً، ولو كانت وظائفه منحصرة في السياسة وحدها، ربما يكون لفريتكم هذه معنى. ولكن اعلموا أنني لو دخلت العمل من باب السياسة لكنتم ترون ألف جملة وجملة صيغت بأسلوب التحدي السياسي، لا عشر جمل في رسالة. ولنفرض فرضاً محالاً أننا نعمل -كما تقولون- ما وسعنا لمقاصد دنيوية وكسب متعها الرخيصة والحصول على سياستها -ذلك الفرض الذي لم يحاول الشيطان أن يقنع به أحداً- فما دامت جميع وقائعنا طوال عشرين سنة لا تُبرز شيئاً لملاحقتنا، إذ الحكومة تنظر إلى كسب الشخص لا إلى قلبه، والمعارضون موجودون في كل حكومة بشكل قوي. فلا شك أنكم لا تستطيعون أن تجعلونا في موضع التهمة بقوانين العدالة. كلمتي الأخيرة:

﴿حَسْبِيَ اللّٰهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾

Ekranı Genişlet