3- المؤامرة الخبيثة على القرآن
«قبل([1]) خمسة وستين عاماً أخبرني والٍ من الولاة أنه قرأ في الصحف: إن وزير المستعمرات البريطاني خطب وبيده نسخة من المصحف الشريف قائلاً: "إننا لا نستطيع أن نحكم المسلمين ما دام هذا الكتاب بيدهم، فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود أو نقطع صلة المسلمين به".
وهكذا دأبت المنظمات المفسدة الرهيبة على تحقيق هاتين الخطتين: إسقاط شأن القرآن الكريم من أعين الناس، وفصلهم عنه. فسعوا في هذا المضمار سعياً حثيثاً للإضرار بهذه الأمة المنكوبة البريئة المضحية.
وقد قررتُ قبل خمس وستين سنة أن أجابه هذه المؤامرات الخطرة مستمداً القوة من القرآن العظيم، فألهمني قلبي طريقاً قصيراً إلى الحقيقة، وإنشاء جامعة ضخمة. فمنذئذ نسعى لإنقاذ آخرتنا.
وإحدى ثمراتها أيضاً إنقاذ حياتنا الدنيوية من الاستبداد المطلق، والنجاة من مهالك الضلالة.
وإنماء علاقات الأخوة بين الأقوام الإسلامية. وقد وجدنا وسيلتين في هذه السبيل:
الوسيلة الأولى: رسائل النور التي تقوي وشائج الأخوة الإيمانية بتقوية الإيمان. والدليل على ذلك تأليفها في وقت الظلم والقسوة الشديدة، وتأثيرها البالغ في أنحاء العالم الإسلامي وفي أوروبا وأمريكا -في الوقت الحاضر- وغلبتها على المخلّين بالنظام والفلسفة الملحدة، وظهورها على المفاهيم الإلحادية السارية كالفلسفة الطبيعية والمادية مع عدم جرحها من قبل أية محكمة أو لجنة خبراء. وسيتبنى أمثالكم بإذن اللّٰه ممن كشفوا عن مفتاح الأخوة الإسلامية، هذه الرسائل التي تمثل نوراً من أنوار القرآن الكريم وينشرها في العالم الإسلامي كله.
الوسيلة الثانية: قبل خمس وستين سنة أردت الذهاب إلى الجامع الأزهر باعتباره مدرسة العالم الإسلامي، لأنهل فيه العلوم. ولكن لم يُكتب لي نصيب فيه، فهداني اللّٰه إلى فكرة وهي: أن الجامع الأزهر مدرسة عامة في قارة إفريقيا، فمن الضروري إنشاء جامعة في آسيا على غراره،([2]) بل أوسع منه بنسبة سعة آسيا على إفريقيا. وذلك لئلا تُفسد العنصرية الأقوامَ في البلدان العربية والهند وإيران والقفقاس وتركستان وكردستان وذلك لأجل إنماء الروح الإسلامية التي هي القومية الحقيقية الصائبة السامية الشاملة فتنال شرف الامتثال بالدستور القرآنى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾(الحجرات:10).
وكذلك لتتصافح العلوم النابعة من الفلسفة مع الدين. وتتصالح الحضارة الأوروبية مع حقائق الإسلام مصالحة تامة. ولتتفق المدارس الحديثة وتتعاون مع المدارس الشرعية في الأناضول.
لذا بذلت جهدي كله لتأسيس هذه الجامعة في مركز الولايات الشرقية التي هي وسط بين الهند والبلاد العربية وإيران والقفقاس وتركستان، وسميتها "مدرسة الزهراء". فهي مدرسة حديثة ومدرسة شرعية في الوقت نفسه. فمثلما بذلت جهدي في سبيل إنشاء هذه الجامعة بذلته في سبيل نشر رسائل النور...»([3])
[1]() رسالة مرفوعة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بعد سنة 1950م في عهد عدنان مندرس وجلال بايار.
[2]() إن مدرسة الزهراء -لرسائل النور- بحاجة ماسة إلى الجامع الأزهر، كحاجة الطفل الصغير إلى أمه الرؤوم، فهي تطلب دوماً أن يسبغ شفقته عليها، إذ هي إحدى طالباته، تتلقى الدرس منه، وهي التي اُستهدفت من قبل أعداء شرسين كثيرين. فهذه المدرسة الزهراء شعبة مصغرة من شعب ذلك الجامع العظيم الذي يترأس المدارس الدينية جميعها وينور بها العالم الإسلامي. ولأجل هذا تنتظر هذه الطالبة الصغيرة عون ذلك الأستاذ الموقر، وذلك الأب الرحيم والمرشد الكبير، وترجو أن يمد يده إليها. "أميرداغ بالتركية".
[3]() الملاحق، ملحق أميرداغ 2.
