ليالي رمضان
كان الأستاذ في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك يقيم الليل كله ولا ينام وما كان يسمح لنا أن ننام أيضاً. وفي أكثر الأحيان كان يتفقدنا فإذا رأى أحدنا نائماً يرش عليه الماء ويوقظه، فعلمنا السهر. فكنا نقيم الليالي المباركة ونبقى مستيقظين حتى صلاة الفجر وبعدها ننام. وكان يذكرنا بالحديث الشريف: «تَحَرّوا لَيلَة القَدر في الوتر من العَشر الأوَاخرِ من رَمضَان».([1]) ويعلمنا بأن هذه الليالي تتضمن ليلة مباركة هي ليلة القدر يعادل الثواب فيها ثواب عبادة ثمانين سنة.
وكان الأستاذ ينشغل بأوراده طوال شهر رمضان ويقرأ جزءاً واحداً كاملاً من القرآن الكريم كل يوم ويحثنا على التلاوة فكنا نقرأ جزءاً كل يوم أيضاً. وكان يعطينا من زكاة فطره. ويقول لنا: "أنتم طلاب علوم، يمكنكم أن تتبادلوا فيما بينكم زكاة الفطر". فنقوم بتطبيق ما يأمرنا به. فكنا نبتاع القمح بتلك الدراهم. ففي بعض الأحيان كنا نوصي بعمل الخبز. ولا نصرف شيئاً ولا ننفق إلاّ باقتصاد تام.([2])
[وقد لخص لي الأخ الكبير "مصطفى صونغور" مداومة الأستاذ على قراءة الأذكار والأوراد بالآتي:]
كان الأستاذ لا يسمح قطعاً بترك الأذكار الواردة سنةً مؤكدة عقب الصلوات وهي "سبحان اللّٰه، الحمد للّٰه، اللّٰه أكبر" ثلاثاً وثلاثين مرة وكذا "لا إله إلا اللّٰه" كما ورد ذلك في رسالته في "ملحق قسطموني" حول المتكاسل في الأذكار وكان يدعو بدعاء "ترجمان الاسم الأعظم" الذي يبدأ "سبحانك يا اللّٰه، تعاليت يارحمن، أجرنا من النار، بعفوك يارحمن" عقب صلاة الصبح والعصر.
أما بين المغرب والعشاء فكان يذكر ما ورد في بداية "اللمعات" من دعاء سيدنا يونس وأيوب عليهما السلام.
وبالنسبة لدعاء الجوشن الكبير والأوراد القدسية للشاه النقشبند، فقد داوم عليهما وبيّن أهميتهما في نهاية "اللمعة الثالثة عشرة". أما "دلائل النور" فهي مختارات من الصلوات المشهورة لدى الأولياء كالشيخ الگيلاني والسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي والجنيد البغدادي وأمثالهم من الأقطاب. ولم يبين الأستاذ لهذه الصلوات وقتاً معيناً، وقد شاهدناه في سجن أفيون سنة 1949 يقرؤها قبل الفجر بعد انشغاله بالعبادات أربع ساعات ليلاً. ولكن عندما تجاوز به العمر في سنة 1954 قال قصرت أورادي إلى ساعتين.
وعلاوة على ذلك كان يقرأ "السكينة" و"التحميدية" تسع عشرة مرة يومياً، وقد شاهدناه يقرأ ذلك الدعاء ونحن داخلون عليه للدرس. إلاّ أننا لم نسمع عنه ولم نشاهد أنه خصص وقتاً معيناً لقراءته.
وحسب ما أدركنا من الأستاذ، إنه ليس هناك قيد لقراءة الأدعية كلها يومياً. أو تخصيص قراءة أحد الأدعية يومياً. بل الأفضل أن يقرأ مقداراً معيناً من دعاء الجوشن يومياً.
[1]() البخاري، ليلة القدر 2؛ مسلم، صيام 5؛ أبو داود، رمضان 5؛ الترمذي، صوم 71.
[2]() ذكريات عن سيعد النورسي ص61.
