نظرة حرام
يقول تلميذه: عندما كنا مع الأستاذ في جبل "أرك"، أعددت مجموعة من الأسئلة علني أجد جوابها عنده، ولكن أثناء حديثه في جلستنا الاعتيادية أخذت جواب أسئلتي من دون أن أسأله عنها، وبقى لدىّ سؤال واحد فقط دون جواب، وهو سؤال يتعلق بالنظر إلى النساء.. ظل السؤال يدور في صدري من دون أن أبوح به، وإذا بالأستاذ يضرب فخذه بقوة ويقول: أنا لست راضياً عن أعمال سعيد القديم وتصرفاته، سوى ثلاث حالات كانت عنده، فأنا راض عنها... ثم قال: كنت أستبدل كل أسبوع ملابسي وأختار أجملها وأكثرها أناقة أيام كنت في إسطنبول ذات الحياة البراقة البهيجة.. كنت أذهب إلى أجمل مناطقها حتى إن أصدقائي العلماء التفتوا إلى هذه الظاهرة، فعينوا أحدهم -دون علمي- مراقباً لتصرفاتي وأوصوه بملاحظة جميع ما أقوم به واعمل.
وبعد مضي ثلاثة أيام -من المراقبة الخفية- جمعتنا جلسة معهم، فقالوا لي:
يا أخانا سعيد أنت على حق مهما عملت من عمل، فأنت مسدّد إلى الحق وسيوفقك اللّٰه.
استغربت هذا الكلام ومن حكمهم هذا عليّ، وعندما استفسرت عن السبب. قالوا:
كنا نراقبك منذ ثلاثة أيام، ونحصي تصرفاتك في جميع مناطق إسطنبول، ومن دون علمك، فلم نر ما يخالف الإسلام قط بل رأيناك منهمكاً بنفسك دون الآخرين، ولهذا نسأل اللّٰه أن يوفقك في مسعاك...
نعم، يا إخوتي! كما أن ناراً صغيرة بل حقيرة -كعود الكبريت- تحرق غابة عظيمة كثيفة تدريجياً وتجعلها أثراً بعد عين، كذلك النظرة إلى النساء تحرق عمل المؤمن اليومي شيئاً فشيئاً.. وأخشى أن تكون عاقبتها وخيمة. ثم أضاف: إن سعيداً القديم وهو في عنفوان شبابه وفي قلب إسطنبول وطوال عشر سنوات لم ينظر نظرة حرام ولو مرة واحدة وللّٰه الحمد.([1])
[1]() ذكريات عن سعيد النورسي ص15. (ش) 248-249. من ملا حميد، والمقصود بالحالات المرْضية الثلاث لدى سعيد القديم: تجنبه النظرة الحرام، والكذبَ، وقبول شيء من الناس.
