قاعدة في القراءة

في أحد الأيام كان الأستاذ يقرأ "الحزب النوري"([1]) ويشرحه لنا وسألني عن مقدار ما فهمته من الدرس فأجبته بعدم الفهم، فبدأ الأستاذ يوضح الدرس أكثر فأكثر حتى فهمت الدرس فهماً تاماً. فخطر على قلبي: "إنني قد تكاملت إذ بدأت أفهم اللغة العربية جيداً". ففي أثناء الدرس كنت قد فهمت كل شئ، ولكن ما إن خرجت من غرفة الأستاذ حتى وجدت دماغي وكأنه قد مسح مسحاً فلم يبق فيه شئ.

سألني الأستاذ ذات مرة في نهاية الدرس عن مدى فهمي له أيضاً. فأجبته قائلاً: "لم أفهم الدرس جيداً". فالتفت إلي ولطمني بلطف براحة يده قائلاً: "إنك فهمت الدرس كله، فيكفيك هذا القدر من الفهم. أخشى أن يدخل شيء في نفسك فتقولَ: لقد تكاملتُ إذن، وعندها لا تكون مؤهلاً للخدمة القرآنية. إذا لم تفهم الدرس أكثر من هذا فاكتف بهذا القدر منه".

وساق مثلاً حول فهم الدرس وهو: "إذا دخلت جماعة في بستان فإنهم يتناولون من الفواكه كل بحسب ما تصل إليه قامته ويده. فالطويل يقطف من الأغصان العالية، والقصير يقطف من الأغصان الواطئة، والقسم الآخر لا يقطفون ولكن يدوسون عليها بأقدامهم ويسحقونها، فإن كنت أنت ممن تشم رائحتها فحسب يكفيك ذلك. فاقنع بهذا واشكر اللّٰه عليه".([2])

 

[1]() رسالة صغيرة باللغة العربية في التوحيد، تفجر التفكير الرفيع بأنوار التوحيد التي تغمر الموجودات، وتعرض الموجودات دلائل ناطقة للتوحيد ابتداء من السموات إلى الذرات ضمن تسلسل تفكيري توحيدي عميق، فتكسب القلب الاطمئنان وتوسع مدارك الفكر وآفاق الخيال، وتعد هذه الرسالة نواة رسالة "الآية الكبرى". نشرت ضمن كتاب "التفكر الإيماني الرفيع".

[2]() ذكريات عن سعيد النورسي ص73.

Ekranı Genişlet