الكمية تخدع

كان الأستاذ يطلب منا دائماً أن نكون صادقين وصبورين ومضحين وثابتين في الخدمة القرآنية. قال لي ذات مرة: "يا ترى كم عدد الطلاب الذين يقرؤون رسائل النور في مدرستكم؟" فأجبته: "سبعون طالباً". فقال: "يا للعجب، كنت أظن أن في تلك المدرسة طالباً واحداً يقرأ رسائل النور ولكنك تقول بأنهم سبعون شخصاً!"... ومضى قائلاً: "أخي! إن الكمية دائماً تخدع الإنسان، ولكن الأهم هو النوعية، فلئن أصبحتَ وسيلة لتعريف رسائل النور إلى شخصين اثنين يبحثان بفطرتهما عن رسائل النور، وكنتَ سبباً لإنقاذ إيمانهما فقد أنجزت وظيفتك طوال حياتك الدراسية، فالإخلاص ليس في الكمية بل في النوعية، وهذه هي الخدمة القرآنية.. ثم حدثتْ أحداث لم يبق منهم فعلاً إلاّ طالب واحد..!"

بعد هذا التقيت الأستاذ في إسبارطة وقال لي: "لا تعط الرسالة لأي شخص كان إلاّ بعد معرفته معرفة جيدة، فكما لا يُعطَى الحصانُ اللحمَ فلا يُعطَى الأسدُ العشب. بل أعط الحصان العشب والأسد اللحم، فإن لم يطلب منك أحد رسائل النور عدة مرات فلا تعطها له، فنحن لسنا ببائعي كتب، بل نعطي الرسالة من يشعر بالحاجة الماسة إليها، والمتلهفَ لها".

هكذا كان الأستاذ ينبهنا دائماً على الأخذ بالحيطة والحذر في مثل هذه الأمور.([1])

 

[1]() ذكريات عن سعيد النورسي ص94.

Ekranı Genişlet