كرامة الحقائق الإيمانية
لقد بدأتُ أفهم سبب حدوث كرامات لبديع الزمان من خلال الحوادث التي مرت.
فالسبب الأول هو أن بديع الزمان كان خادماً للإسلام وفي ظروف صعبة وعصيبة جداً وتحت شروط صارمة لا تسمح لخدمة الإسلام، بل يمكن القول إنها ظروف يستحيل فيها العمل للإسلام. ولكي تستمر وتدوم هذه الخدمة فقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تظهر على يده هذه الكرامات.
أما السبب الثاني فهو أنّ تعلّم الإسلام في تركيا أصبح غير ممكن أو مستحيلاً "طوال ربع قرن اعتباراً من العشرينات إلى سنة 1950". وعدم التعلم هذا يؤدي حتماً إلى انعدام الحياة المعنوية. فحقاً إن أهل الضلالة في تلك الظروف كانوا يحقرون ويستهينون بالإسلام والمسلمين. فشخصية كبديع الزمان وهو يعاني الغربة والشيخوخة والفقر إن لم تكن له كرامات فمن ذا يرتبط به ولماذا؟
لذا ترى الأشخاص الذين ارتبطوا به برباط وثيق في بداية الأمر هم في الأغلب قد جذبتهم هذه الكرامات التي ساقها اللّٰه على يده. فلذلك ترى أن قسماً من طلاب النور قد تركوا بيوتهم وأعمالهم، وأخذوا على عاتقهم حفظ الإيمان ثقة ببديع الزمان وما يقوم به من أعمال من دون أن يهتموا ماذا سيصبح مصيرهم، فذهبوا معه إلى المحاكم وإلى السجون دون أن يعلموا لماذا، وكيف، وأين؟..
فإذا نظرنا إلى التاريخ الحديث فنادراً ما نرى أشخاصاً محظوظين كبديع الزمان تقتدي به جموع غفيرة وهو يتقدمهم في زمن المستحيلات. وهنا أحب أن أوضح هذه الحقيقة أيضاً فأقول:
إن الحقائق الإيمانية التي تطرحها رسائل النور من ضرب الأمثال والأدلة الثابتة تؤثر على الإنسان بدرجة الكرامات، فأنا شخصياً كنت أبحث منذ سنوات طويلة عن جواب على بعض الأسئلة التي كانت تدور في ذهني فما استطعت أن أجدها في أي مكان، وأخيراً وجدتها في رسائل النور بشكل واضح لا غبار عليه ولا ضباب. وإذا نظرنا الآن إلى تاريخ حياة بديع الزمان نرى أن حياته وأسلوب عيشه هي بحد ذاتها كرامة. فقد ترك أهله وبيته وكل ما يمت بصلة إلى نفسه ومنفعته الشخصية، وكانت المشنقة أمام عينيه دائماً فأمضى شطراً طويلاً من حياته المديدة في السجون والمَنافي لأجل قول الحق وتفهيم الحقائق الإيمانية للناس. أما أنا فإن السبب الأساس الذي دفعني إلى جانب بديع الزمان وقراءة رسائل النور هو أنني كنت أقول: "لماذا يتجول هؤلاء السكيرون والمخمورون ولاعبو القمار بكل راحة واطمئنان وحرية بينما يظل خدام الإيمان والقرآن كبديع الزمان في السجون ويقضي حياته كلها هناك؟ فإذن يتحتم عليّ أن أضع يدي بيده لأساعده بكل ما أستطيع مساعدته ومساندته".
ففي عام 1954-1955 كنت أقوم بنشر رسائل النور بل حتى تلك التي أعجز عن قراءتها([1]) فالذين كنت أعطيهم من هذه الرسائل يقولون لي: "عمّ تبحث هذه الكتب؟" فأقول لهم: "أنتم معلمون وعلماء فيمكنكم قراءتها والوقوف عليها، أما أنا فلا أستطيع القراءة. ولكني سأحاول التعلم، فبديع الزمان خادم الإسلام في السجن الآن ونحن نقوم بمؤازرته. فاقرؤوا أنتم واشرحوها لنا". وقد كانوا بدورهم يشرحون لي ما كتبه الأستاذ، وأنا يغمرني الفرح والسرور.([2])
[1]() حيث إنها بالحروف العربية.
[2]() ذكريات عن سعيد النورسي ص96، من إسماعيل حكيم أوغلو - كاتب روائي إسلامي له مؤلفات كثيرة.
