ذيل
المكتوب السابع والعشرين
[لذة العجز والفقر]
فقرة للسيد خلوصى
إن كل فرد مؤمن يعرف ببصيرته ما هو جميل حقا، كلٌّ حسب درجة فهمه وذوقه، إلاّ أن اللذة الكامنة في العجز والفقر، وفي السمو الذي تنطوي عليه الشفقة والتفكر، لا يُقاس بشيء إطلاقا.
إنني أتضرع إلى الرب اللطيف الكريم أن يريَنا هذه النتيجة السامية، وهي أن ييسّر لكثير من البصائر رؤيةَ القِطع الألماسية التي تستخرجونها من خزينة القرآن الخاصة وتَدلّون عليها بتعابيركم الرفيعة، وإفاقة الغافلين الثملين، ونجاة الحائرين، ويُدخل الفرحَ في قلوب المؤمنين، ويدفع الملحدين والكفار والمشركين إلى دائرة الصواب ونطاق العقل والإنصاف..
أيها الأستاذ المحترم! إنكم مهما بالغتم في تقديم الشكر إلى الله العلي القدير، فهو في موضعه.
فقد وفقكم الله -بالعجز والفقر- إلى الوقوف بباب قصر القرآن العظيم والأخذ من خزينته الخاصة مما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت، فتستخرجون ما تشاهدونه -وما يؤذَن لكم منها- من جواهر، الواحدة تلو الأخرى، وتتدبّرون فيها أنتم أولاً ثم تقولون: "أيها الناس، انظروا إلى المولى الكريم الذي فتح لكم أبوابَ مضيفه وخلق العوالم برحمته العميمة وبَرأكم بحكمته وأرسلكم إلى هذا العالم.. ذلكم رب العالمين.. الذي بيّن لكم الحكمة في الخلق والقصد من مجيئكم إلى هنا، والمهمة التي كُلفتم بها، وكل ما تقتضيه العبوديةُ من وظائف وخدمات.. وأمثالها من الأمور التي بيّنها قبل ألف وثلاثمائة سنة بوساطة رسوله الكريم r، فأنا بدوري أبلّغكم تلك الأوامر الرفيعة وتلك الأحكام المقدسة، بلسانكم أنتم بحيث تَقدرون على فهمه فاستمعوا إليها. فإن كنتم ذوي عقل وصواب وذوي بصائر وقلب، وتتمتعون بالإنسانية، فستفهمون الحقيقة وتردون إلى حظيرة الإيمان".
نعم، يا أستاذي المحترم!
أنتم تبيّنون هذه الأوامر لا غيرَها. ونحن بدورنا قد سمعنا -قدر المستطاع- تلك الأوامر عن كثب والحمد للّٰه، وحثثنا عليها، لمشاهدتها وإشهادها. فلقد أبرزتم لنا تلك القطع الألماسية وأيقظتمونا من الغفلة وأفهمتمونا الحقيقة، وأصبحتم وسيلةَ خير إلى معرفة الصواب. فليرضَ الله عنك إلى الأبد.
ونحن وإن لم نكن قد نجونا بعدُ من شرور النفس الأمارة وأحابيل شياطين الجن والإنس إلاّ أننا نجد الذوق واللذة في الانهماك في العمل في حقل هذه الخدمة القرآنية المقدسة. فلئن قصّرنا في العمل ولم نتمكن منه بما يستحق هذه الخدمة الجليلة، فحسبنُا أننا داخلون فيها والحمد لله، وإنما الأعمال بالنيات.
خلوصي
