[حول العلاقات بين الأستاذ والطلاب]

إخوتي خسرو، لطفي، رشدي!

سأبين لكم وجهة نظري -بما يفيدكم- حول العلاقات القائمة بين الأستاذ والطلاب وزملاء الدرس، وهي:

أنتم يا إخوتي، طلابي -بما هو فوق حدّي- من جهة، وزملائي في الدرس من جهة أخرى، ومساعديّ وأصحاب الشورى من جهة أخرى.

إخوتي الأعزاء!

إن أستاذكم ليس معصوما من الخطأ، بل من الخطأ الاعتقاد أنه لا يخطئ. ولكن وجود تفاح فاسد في بستان لا يضر بالبستان، ووجود نقد مزوّر في خزينة لا يسقط قيمة الخزينة.

ولما كانت السيئةُ تُعدّ واحدة بينما الحسنة بعشر أمثالها، فالإنصاف يقتضي عدم الاعتراض وتعكيرِ صفو القلب تجاه الحسنات إذا ما شوهدت سيئةٌ واحدة وخطأ واحد.

وحيث إن المسائل التي تخص الحقائق والمسائل الكلية والتفصيلاتِ هي من قبيل السانحات الإلهامية بصورة عامة، فلا غبار عليها قطعا وهي يقينية.

أما مراجعتي لكم فيما يخص تلك المسائل واستشارتي لكم حولها، فهي في نمط تلقّيكم لها، وليست لكونها حقيقة وحقا أم لا؟ فلا تردد لي قطعا من كونها حقيقة. إلاّ أن الإشارات التي تعود إلى المناسبات التوافقية تَرِد بصورة مطلقة ومجملة وكلية، إذ هي سانحات إلهامية. ولكن أحيانا يختلط ذهني القاصر، فيخطئ فتظل التفاصيل والتفرعات ناقصة. فخطأي في هذه التفرعات لا يورث ضررا للأصل وما هو بحكم المطلق.

وحيث إني لا أجيد الكتابة، ولا يتيسر وجود الكاتب لدي دائما، تظل التعابير مجملة وعلى صورة ملاحظات ليس إلاّ، فيستشكل على الفهم.

اعلموا يا إخوتي ويا رفقائي في الدرس، إنني أسرّ إن نبهتموني بكل صراحة لأي خطأ ترونه عندي، بل أقول: ليرضَ الله عنكم إذا قلتموه لي بشدة؛ إذ لا يُنظر إلى أمور أخرى بجانب الحق. إنني مستعد لقبول أية حقيقة كانت يفرضها الحق، وإن كنت أجهلها ولا أعرفها فأقبلها وأضعها على العين والرأس ولا أناقشها وإن كانت مخالِفة لأنانية النفس الأمارة.

اعلموا أن هذه الوظيفة الإيمانية وفي هذا الوقت جليلةٌ ومهمة. فلا ينبغي لكم أن تضعوا هذا الحمل الثقيل على كاهل شخص ضعيف مثلي وقد تشتت فكرُه، بل عليكم معاونته قدر المستطاع.

نعم، إن الحقائق المجملة والمطلقة، تنطلق ونكون نحن وسائلَ ظاهرية لها، أما تنظيمُها وتنسيقها وتصويرها فهي تعود إلى إخوتي الأكفاء، وأحيانا أتدخل في التفاصيل والتنظيم بدلا عنهم فتظل ناقصة.

إنكم تعلمون أن الغفلة تستحوذ أكثر في موسم الصيف، حيث يفتر كثيرٌ من الزملاء عن الدرس ويضطرون إلى تعطيل الأشغال، فلا يقدرون على الانشغال بجد بالحقائق.

إخوتي! نحن في أشد الحاجة في هذا الزمان إلى القوة المعنوية تجاه الضلالة والغفلة، فأنا مع الأسف باعتباري الشخصي ضعيف ومفلس؛ فليست لي كرامةٌ خارقة كي أثبت بها هذه الحقائق، وليست لي همة قدسية كي أجلب بها القلوب، وليس لي دهاء علوي كي أسخّر به العقول، بل أنا بمثابة خادم متسول أمام ديوان القرآن الكريم.

أخوكم

سعيد النورسي

Ekranı Genişlet