[العلاقة التي لا يقيدها زمان ولا مكان]
خطاب إلى السيد خلوصي
باسم من ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾(الإسراء:44).
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بعدد عاشرات دقائق عمركم، عمّركم الله بالسلامة والعافية.
أخي العزيز!
لقد آلمتني رسالتُكم، ولكن فكرت في حقيقةٍ، فزال الألمُ. والحقيقة هي الآتية:
إن العلاقة التي تربطنا والأخوة القائمة بيننا خالصةٌ وفي سبيل الله -إن شاء اللّٰه- لذا لا يقيّدها زمان ولا مكان. فالمدينة والبلدة والبلاد بأكملها بل الكرة الأرضية، بل الدنيا، بل عالم الوجود، بمثابة مجلس بالنسبة لأخوَين حقيقيين. فلا فراق في هذه الصداقة والأخوة، بل وصالٌ كلها. ومالَنا.. فليفكر أصحابُ الصداقات الفانية المجازية الدنيوية! إنه لا فراق في مسلكنا. أينما تكن تستطع إجراء المحاورة مع أخيك هذا، بوساطة ما في يدك من "الكلمات" وأنا كذلك متى ما شئت يمكنني مشاهدتك بجنبي رافعين أيدينا إلى المولى الكريم. فإن أرسلك القدرُ الإلهي إلى مكان آخر فسلّمْ أمرَك إليه بكمال الرضى، إذ الخيرُ فيما اختاره اللّٰه. ولعل الأماكن الأخرى محتاجة إلى صاحب قلب سليم وعقل مستقيم مثلك يلقّن درس الإيمان التحقيقي. فلقد خدمتَ ولله الحمد للإيمان خدمة جليلة في "أكريدير".
أخي العزيز!
إن مشاغل الربيع والصيف وقِصَرَ الليالي ومرور الشهور الثلاثة، وأخذَ أغلب إخوتي نصيبهم منها.. وأسباباً أخرى تولِّد -بلا شك- شيئا من الفتور في دروس الشتاء. ولكن الفتور الناشئ من تلك الأسباب يجب ألاّ يصيبكم، لأن تلك الدروس علوم إيمانية، لا يكفي للإنسان أن يُسمعها لنفسه وحده. فضلا عن أنكم تجدون دوما أخا أو أخوَين حقيقيين. ثم إن الذين يستمعون إلى ذلك الدرس ليسوا من البشر فقط، بل لله سبحانه وتعالى مخلوقاتٌ ذوات شعور كثيرةٌ تتلذذ كثيرا من استماع الحقائق الإيمانية، فلكم إذن أصدقاء كثيرون ومستمعون كثيرون من هذا النوع.
وكذا فإن المجالسة الإيمانية المتسمة بالتفكر على هذا النمط، زينة وبهجة لسطح الأرض ومدار شرف لها، ولقد قال أحدهم إشارة لهذا:
آسـمان رشك بردبـهر زمين كـه دارد
يك دوكس يك دو نفس بهر خدا بر نشينند
بمعنى أن السماوات تغبط الأرض لما فيها من شخصين يجلسان أنفاسا معدودة -أي لدقيقتين- مجالسة خالصة لوجه اللّٰه، في ذكر وتفكر. فيبين كلٌّ منهما للآخر الآثار الجميلة لرحمة ربه الجليل وصنعته المزينة الحكيمة فيحب ربه ويحببه، ويفكر في آثاره ويحمل الآخر على التفكير.
ثم إن العلم قسمان: نوع منه يكفي العلمَ به ومعرفته والتفكر فيه مرة أو مرتين.. والآخر: كالخبز والماء. يحتاجه الإنسان ويفكر فيه كلَّ وقت. فلا يمكنه أن يقول: لقد فهمته وكفى. فالعلوم الإيمانية من هذا القسم، و"الكلمات" التي في أيديكم من هذا القسم -على الأكثر- إن شاء اللٰه..
