[حول توافقات القرآن الكريم]
باسمه سبحانه
﴿وَإنْ مِنْ شَيءٍ إلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعدد حروف القرآن وأسرارها
يا سلوانى في دار الفناء هذه، ويا أنسي في دار الغربة هذه، يا من تحثونني على الكلام في الأسرار القرآنية بشوقهم ولهفتهم. يا إخوتي المخاطبين الأذكياء المتفرسين!
لأجل إشعاركم مبلغ عملي الذي يُرثى له بخط ناقص رديء، ولأجل إحساسكم كم هو مهم لديّ أقلامُكم القيمة، فقد أرسلت لكم بخطي "فهرس الحروف القرآنية"([1]) من دون تصحيح، للاطلاع عليه لدقائق. والحال أنكم تأملتم فيه ساعات طوالا بدلا من دقائق قليلة ودونتموه لأيام عدة. فأدركت من هذا أنكم تهتمون بذلك الفهرس اهتماما بالغا. لذا أُرسل لكم القائمة نفسها بعد تبييضها، فيمكنكم استنساخها. ولكن اعلموا أن هذا الفهرس قد كتب بشكل تقريبي ليكون مرجعا موقتا، فقد كتبته في ظرف تسع ساعات مع خطي الرديء وكتبت قسما منه استنادا إلى محفوظاتي السابقة والآخر بناء على مقياسين اثنين، ثم أدركت أن هناك تفسيرا([2]) في هذا الباب، فجلبناه، وقابلناه مع قائمتنا فشاهدنا أن الغالبية العظمى متوافقة، إلاّ أن هناك خلافا في عدد قليل من المجموعات وفي حوالي خمسة عشر موضعا من المواضع الجزئية.
ونتيجة التحقيقات أدركنا أن المخالفة هي نتيجة أخطاء مطبعية للتفسير والمستنسخين، بينما صححنا مسوّدتنا في مكانين أو ثلاث، ثم أدركنا أنّا أخطأنا في ذلك التصحيح. فلم نغير بعدُ قائمتنا. وظننا أن التفسير بحاجة إلى تصحيح من جراء الأخطاء المطبعية. ولكن لم أجرؤ على التصحيح لأن صاحبه مدقق عظيم والمطبعة قريبة للجامع الأزهر وقد أشرف على الطبع علماء أزهريون.
أبعث لكم التفسير نفسه مع الفهرس المبيّض، لتطالعوهما ولكن لا تحاولوا الانتقاد، لأن قائمتي تقريبية فلم أجعلها تحقيقية، أما التفسير فهو يعتمد على الروايات على الأغلب. ثم إن هناك بعض السور المكية دخلت فيها آياتٌ مدنية وربما لم يدخلها في العدّ. فمثلا ذكر أن عدد حروف سورة العلق مائة ونيف، ومراده النصف الأول منها النازل أول مرة. فقد أصاب. أما أنا فاستنادا إلى ما حفظته سابقا أخطأت فيما أصاب فيه حيث أخذت السورة بمجموعها.
ثم إن أسرار التوافقات تأخذ بنظر الاعتبار المجاميع الكلية. فالفهرس التقريبي كافٍ لنا. والتوافقات المذكورة في النكات الثلاث لدعاء "كنـز العرش"([3]) لا تتغير بتغير الكسور. ولا تفسد تلك التوافقات حتى بتغير المجاميع الكبيرة. مثلا سورة الكهف ومعها تسع وثلاثون سورة تتفق في عدد الألف. فإذا ما فقدت إحدى السور أو اثنتان منها ذلك العدد الألف فلا يفسد ذلك التوافق.. وهكذا. رغم أن الكسور لها أسرار فإنها لم تفتح أمامنا بعد فتحا جليا. ونسأل الله أن يفتحها لنا وعندها يأخذ الفهرس صورته التحقيقية.
سعيد النورسى
([1]) وهو جزء من رسالة "الرموز الثمانية".
([2]) المقصود المقياس في تفسير ابن عباس للفيروزابادى صاحب القاموس.
([3]) دعاء طويل يبدأ بالتوسل بالبسملة وبدايات السور القرآنية سورة سورة ثم بكل حرف من حروف القرآن مع ذكر أعدادها في القرآن الكريم (مجموعة الأحزاب لضياء الدين الكموشخانوي. ج3).
