مسألة تخص الاقتصاد
أيها الإنسان ويا نفسي!
اعلم يقينا أن بدنك وأعضاءك ووجودك ومالك وحيواناتك التي أنعم بها الله سبحانه عليك ليس للتمليك بل للإباحة. أي إنه ملّكك ملكَه لتستفيد، وأباحه لك للانتفاع، ولم يملّكه لك ملكا. فمثلُك العاجز عن إدارة المعدة -التي هي أسهل إدارة وأظهرها والداخلة ضمن الاختيار والشعور- كيف يكون مالكا للعين والأذن وأمثالهما من الحواس التي تستدعي إدارة خارجة عن دائرة الاختيار والشعور.
فما دامت الحياة وما تتطلبها من أمور لم تُمنح لك للتمليك بل للإباحة، فما عليك إلاّ العمل وفق دستور الإباحة، أي بمثل المُضيّف يستضيف ضيوفا ويبيح لهم الانتفاع مما وضع أمامهم في المجلس من دون تملك لها، إذ قاعدة الإباحة والضيافة هي التصرف ضمن رضى المضيّف. فلا يمكن الإسراف فيما أُبيح للضيف ولا إكرام أحد بشيء منه ولا التصرف فيه ولا تضييعه والعبث به، إذ لو كان تمليكا لكان يستطيع أن يتصرف فيه وفق رغباته وأهوائه.
فمثل هذا تماما؛ لا يجوز الانتحار وإنهاء الحياة التي وهبها لك الله سبحانه إباحةً، ولا يمكنك أن تفقأ عينك أي تفقأها معنىً باختلاس النظر إلى محرمات لا يرضى بها أصحابها. وكذا الأذن واللسان والأنف وما شابهها من الجوارح والحواس والأجهزة لا يمكن قتلها معنىً بالولوج في الحرام. فينبغي التصرف في جميع النعم في الدنيا وفق شريعة المُضيف الكريم.
سعيد النورسي
