[فساد الهواء المعنوي وعلاجه]
كنت أرى في نفسي وفي طلاب النور القريبين من هنا رهقا، وفتورا في الشوق، بعد انقضاء الأشهر الحرم. ولم أكن أفهم سبب ذلك بوضوح إلاّ الآن حيث رأيت أن ما قلته -ظنا- من سبب إنما هو حقيقة. وهي:
كما أن الهواء يؤثر تأثيرا سيئا إن كان فاسدا -فسادا ماديا- كذلك الهواء المعنوي إذا ما فسد -فسادا معنويا- فإنه يؤثر تأثيرا سيئا في كل شخص وحسب استعداده. إن توجّه المؤمنين عامة وإقبالهم الجاد في الشهور الثلاثة إلى كسب مغانم أخروية والفوز في تجارتها، يصفّي الهواء المعنوي للعالم الإسلامي عامة وينقيه ويجمّله. حتى يتمكن من الصمود تجاه الآفات المهلكة والبلايا الرهيبة. فكل مؤمن يستفيد من ذلك الهواء الصافي الجميل حسب درجته.
ولكن بعد مضي الشهور المباركة تتبدل أوضاعُ السوق الأخروية، وتتفتح أبواب السوق الدنيوية، فيعتري الهممَ والتوجهات شيءٌ من التغير والتبدل، إذ الأبخرة تسمّم الهواء المتصاعد من الأمور التافهة السخيفة، وتفسد ذلك الهواء الجميل. فيتضرر بدوره كلُّ مؤمن حسب درجته.
وعلاج هذا الداء والنجاة منه هو أنه ينبغي النظر إلى الأمور بمنظار رسائل النور، والسعي في الخدمة السامية بجد أكثر وشوق أعظم كلما ازدادت المشكلات. لأن فتور الآخرين وتخلّيهم عن الخدمة مدعاةٌ لإثارة غيرة أهل الهمة وتحفيز شوقهم، إذ يجد نفسه مضطرا إلى حمل شيء من أعبائهم ومهماتهم، بل ينبغي له ذلك.
