رسالة الخطأ

Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).

 

 

 

الذيل الثالث

للمكتوب السابع والعشرين

 

فقرة لسعيد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

رسالة إلى طبيب اشتاق كثيرا إلى رسائل النور من جراء صحوة روحية انبعثت فيه لكثرة مطالعته لها. ورغم أن علاقة هذه الرسالة واهية بهذا الذيل، ولكن.. لتكن لي فقرة بين فقرات إخوتي.

مرحبا بك أيها الصديق الحميم، ويا عزيزي الطبيب السعيد الذي اهتدى إلى تشخيص مرضه!

إن الصحوة الروحية التي تُبينها رسالتُكم الخالصة، لجديرة بأن تُهنّأ وتُبارك.

يا أخي! اعلم أن الحياة أثمن شيء في عالم الموجودات، وأن ما يخدم الحياة هو أرقى واجب من بين الواجبات كلها، وأن السعي لصرف الحياة الفانية إلى حياة باقية هو أغلى وظيفة في الحياة.

واعلم أن خلاصة قيمة هذه الحياة، وزبدتَها وأهميتها البالغة هي في كونها نواةً للحياة الخالدة ومنشأ لها، حتى إن تصور خلاف هذا، أي حصر الهمّ والعلم في هذه الحياة الفانية، هو إفساد أيّ إفساد للحياة الأبدية، وليس ذلك إلاّ جنونا وبلاهة كمن يستبدل برقا خاطفا بشمس سرمدية.

إن الأطباء الغافلين عن الآخرة، والمنغمسين في أوحال المادية هم -في نظر الحقيقة- أسقمُ الناس وأشدُّهم مرضا، ولكن إذا ما تمكّن هؤلاء من تناول العلاج الإيماني من صيدلية القرآن المقدسة وأخذوا جرعات من مضادات السموم فيها، فإنهم يضمدون جراحاتهم البشرية، ويداوون مرضهم، فضلا عن أنهم يكونون السبب في مداواة جراح البشرية كلها.

نسأل الله تعالى أن تكون صحوتُك الروحية هذه بلسما شافيا لجرحك أنت، ومثالا حيا، وقدوةً طيبة، أمام أنظار الأطباء الآخرين ودواء لمرضهم.

ولا يخفى عليك ما لإدخال السلوان في قلب مريض يائس قانط من نور الأمل من أهمية، فقد يكون أجدى له من ألف دواء وعلاج. بيد أن الطبيب الغارق في مستنقع المادية والطبيعة الجاسية يزيد اليأس الأليم لهؤلاء المساكين حتى يجعل الحياة كلها أمامهم مظلمة محلولكة.. ولكن صحوتك هذه ستجعلك -بإذن الله- مناط سلوان ومدارَ تسلٍّ لأولئك المساكين وأمثالهم، وتجعل منك طبيبا حقا يشع نورا إلى القلوب وينثر البهجة في النفوس.

من المعلوم أن العمر قصير جدا، والوظائفَ المطلوبة كثيرة جدا، فالواجبات أكثر من الأوقات. فإذا تحرّيت ما في دماغك من معلومات، مثلما فعلتُه أنا، ستجد بينها ما لا فائدة له ولا أهمية من معلومات تافهة شبيهة بركام الحطب.. لقد قمتُ أنا بهذا الضرب من البحث والتفتيش، فوجدت شيئا كثيرا مما لا فائدة له ولا أهمية.

نعم، إنه لا بد من البحث عن علاج وعن وسيلة للوصول إلى جعل تلك المعلومات العلمية والمعارف الفلسفية مفيدةً نافعة، منورةً مضيئة، حية نابضة، تتدفق بالرواء والعطاء.

تضرّع أنت كذلك يا أخي وَادْعُ الحكيمَ الجليل أن يرزقك صحوةً روحية تُخلّص تفكيرك وتزكّيه لأجله سبحانه، وتُضرم النار في أكوام بقايا الحطب تلك، لكي تتنور وتتحول -تلك المعارف العلمية التي لا طائل وراءها- إلى معارف إلهية نفيسة غالية.

صديقي الذكي!

إن القلب ليرغب كثيرا في أن يندفع إلى الميدان أشخاصٌ من أمثال "خلوصي" ممن هم من أهل العلم والشوق اللّهيف إلى الأنوار الإيمانية والأسرار القرآنية.

ولما كانت "الكلمات" تستطيع أن تخاطب وجدانك، فلا تحسبْها رسالة خاصة مني إليك، بل كلُّ "كلمة" من كلماتها أيضا رسالة موجهة إليك من داعٍ إلى القرآن الكريم، والدالِّ عليه. وخذها وصفةً طبية صادرة من صيدلية القرآن الحكيم. فإنك بهذا ستفتح -بظهر الغيب- مجلسا واسعا كريما، وجلسة مباركة حاضرة.

هذا وأنت حرّ في أن تكتب الرسائل إليّ متى شئت، ولكن أرجو ألاّ تتضايق من عدم ردي عليها بجواب، ذلك لأني قد اعتدت -من سالف الأيام- على عدم كتابة الرسائل إلاّ قليلا جدا، حتى إنني لم أكتب إلى شقيقي -منذ ثلاث سنوات- سوى جوابٍ واحدٍ على الرغم من كثرة رسائله إليّ.

سعيد النورسى

 

[الرسائل أغرقتنا في بحر النور]

فقرة لخسرو

 أستاذي المحترم المحب!

 لقد نوّرَتْنا رسالتُكم ماديا ومعنويا ورفعتْنا إلى ما لا يُطال إليه من الفيوضات وأغرقتْنا في بحر النور. فأحمد الله ربي بما لا يتناهى من الحمد على نيلنا لهذا الشرف العظيم بوساطتكم وبما بشّرتمونا بالتوفيق في الأيام الآتية لما يترتب عليه من خدمة القرآن العظيم.

إنني أدعو لكم يا أستاذي، بأن يرزقكم الله بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

أستاذي المحترم!

لقد تذكرتكم كثيرا، إلاّ أن الخونة المارقين يحولون بيننا وبين الوصول إليكم في كل جانب. وهذا يؤلمني جدا. إن أحوالنا الحاضرة تعصر قلوبنا بالأسى. ولكن لا حول لنا ولا قوة إلاّ بالله.

أيما إنسان وصلت إليه رسائل النور المفاضة بالأنوار يرتبط بها ارتباطا وثيقا. لذا فهي جوّالة بين المشتاقين الذين هم أهلٌ لها.

والحمد لله.. هذا من فضل ربي!

خسرو

 

[الرسائل بددت الغفلة]

أيها الأستاذ المحترم!

إن رسالتكم المؤلفة بفيض من القرآن الكريم، وكأنها مرآة لأنواره، تكفي دلالةً على مدى علوّكم أستاذا جليلا، فلقد بدّدتْ أيها الأستاذ العزيز هذه الرسائلُ الظلماتِ المخيّمةَ على الإسلام وهتكت أستار الغفلة عن الله المسدلة على الناس، وأبرزت بفضله سبحانه حقائق ساطعة براقة من تحت تلك الأستار الملطخة الملوثة.

فعزمُكم الذي لا يلين وصلابتُكم التي لا تنثني، وسعيكم المتواصل لم تَبق بإذن الله دون ثمرات؛ فلقد فجّرتم يا أستاذي المحترم ينبوعا دفاقا بماء الحياة في قلب الأناضول.([1])

فمنبع تلك الرسائل وكنـزها الدائم إنما هو بحر القرآن الحكيم. ستديم لكم تلك المؤلفات القيمة حياتَكم وتخلد اسمكم عندما ترحلون من هذه الدار، دار الامتحان إلى عوالم السعادة. فطوبى لأولئك السعداء البررة، طلابك الذين تحبهم والذين يقدّرون ما فجرتموه من نبع فياض حقَّ قدره، ويذبّون عنه بالإعلام عنه وتلقين أحكامه بألوف أرواحهم إن استوجب الأمر.

فقرّ عيناً يا أستاذي العزيز، إن هؤلاء البررة لن يقوموا بأعمال لا تنشرح لها في الآخرة.

إن طلابكم شاكرون لفضلكم ممتنون بكل مهجهم وأرواحهم لما أودعتموه لديهم من مفاتيح كثيرة للأسرار القرآنية.

نعم، إن الأنوار والفيوضات التي تنشرونها وتنثرونها اليوم تجعل الناس الحقيقيين في سرور غامر إذ تعلّمهم خطوات العمل لوظائفهم الأساس على الأرض.

إن سعيكم مشكور وخدماتكم مقبولة بإذن الله وتضحيتكم جسيمة.

أستاذي العزيز! لتنشر أعمالكم الجليلة، ولتبلغ آفاق السماوات، ولتنطق بها الألسن.([2])

إن الأعمال الدنيوية التي لم تلق حظا من الدين والتي بدأت بالانتشار في الأوساط عامة، والتي تزيد عتامةَ الغفلة للغافلين وتزيد سُكرَهم -بل هي السكرُ بعينه- لا يمكن دفعها إلا بمؤلّفاتكم القيمة، وإرشاداتكم القويمة. فلقد ثبتت بدلائل معقولة ومنطقية أنه لن ترقى الدول الملحدة إلى مستوى الإنسانية بل لا يمكنها أن تدركها وهي ما زالت كذلك، حتى تؤول إلى الخراب أو الانهيار.

إن مؤلفاتكم القيمة عالية رفيعة وجامعة، تنعكس فيها صفات روحكم السامية.

أستاذي الحبيب!

اطمئنوا اطمئنانا تاما أن سعيكم مشكور ولم يذهب هباءً منثورا، وسوف تتلقف الأيدي العديدة رسائلَكم إلى الأبد، وستُوقف ملحدي اليوم عند حدّهم بل ربما تمنحهم نور الإيمان، أليس هذا ما ترجونه؟ أليس عملكم وغايتكم تنحصر في بلوغ إيقاظ الناس وإرشادهم إلى الإيمان؟

إن الأدباء المتربين على فتات موائد الفلاسفة، أولئك المحرومون من الأدب، سيجدون حتما الأدبَ الحقيقي في رسائلكم. نعم، وسيتحقق هذا فعلا. وأنتم بدوركم تكونون قد وفّيتم خدمة الإيمان الجليلة حقَّ الإيفاء. إن هذه الأمة وهذا الوطن مدينةً لكم إلى الأبد، وتعجز أن توفي حقكم. إن ثواب خدماتكم السامية لا تقابلها هذه الأمة، بل سيمنحها الله سبحانه ما يليق بها. ليرضَ الله في الدنيا والآخرة عنكم، وعن أمثالنا من الخدام المذنبين.

زكي

صديق المرحوم لطفي

الطالب القديم لرسائل النور

 

 [الرسائل تجرد قارئيها من المشاعر الهابطة]

 

 فقرة للسيد عاصم

باسمه سبحانه

﴿وَإنْ مِنْ شَيءٍ إلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

حمداً وشكراً، بما لا يتناهي من الحمد والشكر، أرفَعُه كل دقيقة من دقائق عمري للقدير المطلق وسلطان الأبد والأزل، الحي القيوم الذي لا يموت، الذي أنعم من بحر كرمه الواسع بأستاذي المحترم على هذا الفقير. ومهما بالغتُ من الحمد والشكر لله تعالى فلا أُوفي حق الدّين عليّ. فله الحمد والمنة.. وهذا من فضل ربي.

إنني هذا الفقير الغارق في الذنوب، قد عصفَتْ بي المعاصي بمقتضى جبلّتي البشرية، وتقاذفتني موجاتُها، قليلا أو كثيرا طوال حياتي العسكرية التي دامت أربعا وثلاثين سنة دون انقطاع، فظلت حياتي الدينية والأخروية فقيرة جدا.. هكذا أمضيت حياتي وأنا ملفّع بستار الغفلة. فالآن أُدرك ما فات مني، وأندم عليه أشد الندم. بل أبكي على ما كنت أضحك منه. ولم يحصل هذا إلاّ باكتحال عيني بلقائكم ورسائلكم. فألْفُ حمد وحمد لله تعالى على هذا الإحسان العميم.

لقد بدأتْ بفضل الله مراسلتي معكم بوساطة أخينا الشيخ محمد أفندي لدى مجيئي إلى "بوردور" قبل أربع سنوات. فألقت تلك الرسائل في يد هذا الفقير مفاتيحَ تفجّر بالأنوار وتَفيض بالحكم وتحل المعضلات وتفتح لغزَ الكائنات.

نعم، إن هذه المفاتيح لا تقدَّر بثمن، فهي أغلى من أغلى الجواهر والألماس، بل إن قلمي ولساني ليعجزان عن التعريف بما يكنّه قلبي من مشاعر نحوها. فأفضّل ملازمة عجزي.

إن هذه الرسائل التي تضم بين دفتيها خزائن الشريعة الغراء والحقيقة الصادقة والمعرفة الإلهية وكنوزها، بل إن كل رسالة منها أنورُ من الأخرى وأسطعُ منها ولاسيما رسالة "إعجاز القرآن" فهي تشع الأنوار. فأين وصفي العاجز منها؟ إنها بستان رائع تنثر الفرح والبهجة والسرور وتضم أزاهير نادرة لطيفة، حتى يحار المرء من أيها يقطف ويشم، لِيزيل حيرته ويبلّ ريقه ويشفي غليله. ولا شيء أمامه ولا مفرّ إلاّ أن يجعل من جميعها باقة عظيمة من الأنوار.

فهذه الرسائل المباركة تُغرق قارئيها، وكاتبيها والمستمعين لها في بستان النور، في بحر النور، وتحملهم على التفكر والتدبر وهم نشاوى بالإعجاب. إنها تجعل الإنسان مجردا من الأحاسيس الدنيوية ومعزولا عن المشاعر الهابطة، موجهةً إياه إلى خالقه الكريم بعبودية خالصة دائمة. إنها ترفع الإنسان إلى منازل عالية تسمو على الأخلاق الرذيلة كلها.. إنها تقتل عنده النفس الأمارة بالسوء.

نعم، أستطيع أن أقول: بأن هذه الرسائل النورانية روضةٌ من الجنان، ولكن أسفا وألف أسف على أولئك الشقاة الذين يعجزون عن أخذ حظهم من هذه الروضة الطيبة. وكلّي أمل أن يصل إلى أولئك هذا الإلهام الرباني أيضا، ليقدروا على تبديل الغفلة إلى يقظة وصحوة كما جاء في ختام "الكلمة الثالثة والعشرين".

أتضرع إلى المولى القدير الواجب الوجود بأن يجعل المؤمنين الموحّدين على الصواب والسداد، وأدعوه سبحانه دعاءً فعليا باستنساخ ما لديّ من الرسائل وتداول قراءتها في أيام الجُمَع التي قد تستغرق القراءة حتى المساء. فنوفي بفضل الله سبحانه وتعالى حق عبوديتنا لله تعالى. وندعو لأستاذنا أن يديم الله عمرَه ويظل مرشدا لرسائل النور ودالاّ عليها قائما بأمر الدعوة إلى النور. وهذا الدعاء دَين في أعناقنا جميعا تجاه الأستاذ.

إننا جميعا -أنا وأهلي- نتضرع إلى الله سبحانه عقب كل صلاة بمثل هذا الدعاء.

عاصم

 

[وجدت الباب الذي أبغيه]

فقرة بابا جان محمد علي

أيها الأستاذ الموقر يا من هو أغلى من روحي!

إني عاجز عن إيفاء مهمة الطالب حق الإيفاء، ولا أستطيع تقديم خدمة حقيقية لرسائل النور، إذ كلما فكرت في القوة والقدرة والأسرار والأنوار المتظاهرة في رسائل النور، غبتُ عن نفسي. فأنا لا أستطيع العروج إلى مثل هذه الذرى السامية. ولكن سأحاول إن شاء الله ما وسعني أن أستفيد من هذه الرسائل التي تكشف عن أسرار القرآن والتي هي أغلى بألوف المرات من أغلى الجواهر الثمينة. وذلك فضل الله على عباده المؤمنين. وسأضيء شطرا من الليل بأنوار تلك الرسائل لأنني لا أجد متسعا من الوقت في النهار لانهماكي بمتطلبات العيش.

إنني أشعر في قلبي بانشراح وفرح في منتهى الحلاوة واللذة كلما أستنسخ تلك الأنوار. وحقا إنني عاجز عن تقديم عظيم الشكر لله المولى القدير الذي أنعم علينا بهذه النعم الجزيلة.. وأحيانا أفقد إرادتي تجاه الأنوار العظيمة؛ إذ كلما أتذكّر الأيام التي خلت ومضت بالغفلة، أجدني حزينا مهموما، ولكن لما وجدتُ هذه الأنوار فإذا بي أرنو ببصري إلى المستقبل، فأضحك مستبشرا وتغمرني البهجة والسرور. فلقد كنتُ أنتظر مثل هذه الخدمة الجليلة للقرآن منذ خمس عشرة سنة. إذ ذقت صنوفا من متع الحياة الدنيا ولكن لم تشبَع هذه الرغبة العميقة التواقة للأبد. فلقد وجدتُ فيها الغذاء الكامل والاطمئنان التام.. فالحمد لله أولا وآخرا.

نعم، لقد اغترّت نفسي لحد الآن بأذواق دنيوية صورية حتى أبلغتني أبواب سجون الآخرة الرهيبة.. ولقد امتطتني نفسي لحد الآن وحملتُ أهواءها على كاهلي.. أما الآن فلله الحمد والشكر فقد أغاثني جلّ علاه بأسرار القرآن الكريم بوساطة الأستاذ سعيد، ونجوتُ بفضله تعالى من أوضار تلك النفس الأمارة. نعم، لقد طرقت أبوابا كثيرة طوال خمس عشرة سنة متحرّيا عن الطريق الموصل إلى الحقيقة وانسحبت من أكثرها لما وجدت فيها من زينة الحياة الدنيا. والآن فلله الحمد وجدت الباب الذي أبغيه حقا. فأسأله تعالى أن يجعلني من خدّام ذلك الباب ويرزقني الثبات على تلك الخدمة السامية.

إن مدى ما تقدّمه هذه الرسائل، رسائل النور، من فوائد جليلة بنشرها أنوار حقائق الإيمان وتبديدها ظلمات هذا العصر المظلم، لا يمكن إغماض العين عنها وإنكارها قطعا إلاّ بالجهل لا غير.

اللّٰهمّ ارفع الغشاوة عن أبصارنا وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.

بابا جان محمد علي

 

[هل وجدت في نفسك شيئا؟]

كتبت هذه الرسالة لمناسبة ما ورد في مسألة صغيرة  من استفسار: هل وجدت في نفسك شيئا؟

أيها الأستاذ المحترم، يا أستاذي القدير!

إنك أثمن من حياتي كلها. وإنني على استعداد للتضيحة بها في كل لحظة إنفاذا لأمر من أوامرك.

نعم، إنه لا تردد قطعا في بذل تلك الهدية العظيمة، هدية الحياة، في سبيل الرب الجليل الذي أنعم بها علينا.

أيها الأستاذ المحترم! إننا مستعدون لأداء تلك الأمانة في كل وقت إلى منعمها الحقيقي جلّ جلاله، تلك الحياة التي وُهبت لنا أمانةً ونجهل وقت سلبها منا. فأنا متهيئ في كل حين ومن دون إحجام لإنفاذ أمره سبحانه وتعالى. وحيث إنكم تبلّغون أوامر ذلك الرب العظيم فإن كلامكم الطيب هو حق ورحمة في الوقت نفسه.

ثم يا سيدي! إن الأغصان الدانية تقلَّم وتقطّع لترتفع الشجرة وتعلو وتصان من الأحياء المضرة. فليس لتلك الأغصان حق الاعتراض على ذلك العمل قطعا؛ حيث إنها لو ظلت على ما هي عليه ربما يقطعها حيوان مضر، وتتفسخ جذورها وتعدم.

أستاذي القدير!

أقولها دون مبالغة: إنني أعتقد أنه ليس هناك أحد غارق في الذنوب والخطيئات مثلي. بل أقنعت نفسي بذلك أحيانا. بل لست غارقا في الذنوب إلى ركبتيّ وظهري ولا إلى عنقي وحدها بل من أخمص قدمي إلى قمة رأسي، بل حتى أعماق أعماق وجودي وكياني ملوثة بحمأة تلك الذنوب والخطايا.

وفي الوقت الذي بدأ كياني كله بالتعفن والفساد، باشرتم بإذن الله بالعلاج والضماد -كالخضر ولقمان الحكيم عليهما السلام- ووضعتم ذلك المرهم الشافي المستخلَص من صيدلية الشفاء القرآني على الجروح والعفونات. فأنتم وسيلة لمنح الحياة، تلك التي تستحق أن تسمى حياة.

فليس من العقل في شيء ألاّ يضحَّى في سبيل من أنعم تلك الحياة، ومن أصبح وسيلة لذلك الإنعام الجليل.

نعم، إن على المريض أن يدرك حاجته إلى إجراء العملية الجراحية، فهو مَدين بالشكر والثناء لمن يراقب معالجته ويداويه ليل نهار، بل مدين بما لا يحدّ من الشكر والحمد والثناء لذلك الحكيم العليم الذي ليس كمثله شيء، والذي سلّم ذلك الدواء من صيدلية القرآن الكريم.

ولكن يا أستاذي إنني متألم جدا لعدم إيفائي هذا الدَّين الذي في عنقي. ليرضَ الله عنك أبدا يا أستاذي.

الحافظ علي(*)

 

[أركان الإيمان في الرسائل]

إن هذه الآثار النورانية إذ ترغّب من ناحية إذا بها ترهّب من جهة أخرى؛ فهي تتضمن كليهما: الترغيب والترهيب معا، ولا ريب في جدوى تأثير إحدى هاتين الوسيلتين في الإنسان. وفي ضوء هذه الحقيقة توقِظ أهلَ القرآن وتلاميذه واضعة نصب أعينهم ستة أسس لئلا ينخدعوا.

1- إنها تضع بدلا من حب الجاه، ابتغاءَ مرضاة الله النابعة من الإيمان به سبحانه.

2- إنها تضع بدلا من الخوف والوقوع في شكوك الأوهام، الإيمانَ بالقدر.

3- إنها تضع بدلا من الحرص والطمع، الإيمانَ بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.

4- إنها تضع بدلا من الأحاسيس والمشاعر العنصرية الإيمانَ بالرسل الكرام وفي مقدمتهم الرسول الأكرم r المبعوث إلى الجن والإنس كافة والذي يحقق لنا ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾(الحجرات:10)، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾(آل عمران:103).

5 - إنها تضع بدلا من الأنانية وحب الذات، الاعترافَ بعجزنا، ونقصنا، مع الإدراك التام أننا مكلفون بأداء الخدمة والعمل للقرآن الكريم بنشر الرسائل المترشحة منه والحفاظ عليها، من دون ترقّب النتيجة؛ بمعنى التجرد من نوازع البشرية إلى حد ما والتشبه بالملائكة الذين هم واسطة لإنزال الكتب والصحف السماوية. فنحقق الإيمان بالملائكة بهذه الصورة.

6- إنها تضع بدلا من الكسل والخلود إلى الدعة والراحة، الإسراعَ إلى العمل للقرآن الذي كل ساعة منه تعدل يوما من العبادة. وتجعلنا أن نقدّر الوقت حق قدره ونستمسك بالعمل للقرآن من قبل أن يفلت منا هذا العملُ المقدس، مع فتح الأبصار لإدراك الأمور والأحداث. بمعنى معرفة قيمة الحياة قبل أن يحل بنا الموتُ فجأة.

وهكذا فيا أستاذي القدير! أنتم ترشدون إلى الإيمان بالآخرة دلالة ورمزا وإشارة وصراحة. ليرضَ الله عنكم وينقذ الأمة المحمدية من الضلالة ويوفقْكم في مسعاكم وجهادكم الخالص في الدعوة إلى القرآن.

آمين.. آمين.. بحرمة سيد المرسلين وبحرمة القرآن المبين.

لقد أرسلتُ "القسم السابع من المكتوب التاسع والعشرين" إلى أخيكم "السيد عبد المجيد" فقال في جوابه:

إنه لا يجوز النظر لأحد -مما سوى خلوصي وعبد المجيد- إلى تلك البنت الجميلة من بنات أفكار أخي الكبير. فالمحارم أيضا في هذا الأمر هم أجانب. أرى من الأفضل أن تكتب لأخي الكبير أن خروج مثل هذه الحسناء إلى الخارج لا يحقق نفعا بل ربما يولّد أضرارا جسيمة. إن سرعة الانفعال والغضب الذي كان لدى سعيد القديم مازال ساريا في سعيد الجديد، علما أن سعيدا الجديد لا ينبغي أن يضيّع وقته مع بنى الإنسان. وهذا ما يقتضيه مسلكه ومشربه. وعلى كل حال فالحافظ هو الله سبحانه.

وأنا بدوري قد أجبته بالآتي:

نعم، إن هذا الرأي صحيح بالنسبة لنا، ولكن لا أراه صحيحا بالنسبة للأستاذ الفاضل الذي أدار ظهرَه إلى الدنيا ووفّى بوظيفته حق الإيفاء، فالذي استخدمه في هذا الأمر الجليل سيعصمه بلا شك.

فلقد اقتنعتُ قناعة تامة بأن الأستاذ يدير ظهره إلينا أيضا إنْ قطعنا علاقتنا مع رسائل النور.

نعم، إن قلق أخينا العزيز، واردٌ وفى محله، واضطرابه خالص وهو محقّ فيه إذا ما أُخذ ظاهر الأمور بنظر الاعتبار، ولكن حرمان من له علاقة برسائل النور -وهم قلة معدودون- من هذه الحقائق وحجب هذه الآثار السامية عنهم، لا أراه صوابا بل هو مغاير لذلك الأساس. ﴿ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (يُوسُفَ :64) فهو ناصرنا ومعيننا. وليس لنا إلاّ دفع الشكوك والمكايد والالتزام بالنية الصافية والشعور الخالص والشوق الجاد في السعي لشدّ أزر العمل الذي رفع لواءه أستاذنا الفاضل.

تحياتنا إلى إخواننا جميعا مع الدعاء لهم بالتوفيق والسداد مع رجاء الدعاء لي والصفح عن زلاتي، مع التوسل بألاّ تُخرجوا طالبكم الصادق من دعواتكم.

الباقي الحب في الله

خلوصي

 

[سبب إعادة هدية]

رسالة كتبت حول إعادة هدية أحد إخوتي العزيزين كـ "خلوصي" أدرجت ضمن فقرات إخوتي حسب رأيهم.

 

باسمه سبحانه

﴿وَإنْ مِنْ شَيءٍ إلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخويّ في الآخرة العزيزين الوفيين، السيد الحاج نوح وملا حميد!

إن أسباباً كثيرة تمنعني عن قبول الهدايا، أذكر أهمها وهو: الإخلال بالعلاقة الخالصة الحميمة بيني وبين طلاب النور، علاوة على أنني لست محتاجاً حاجة ماسة، وذلك بفضل الالتزام بالاقتصاد والقناعة والبركة، بل لا أستطيع أن أمدّ يدي إلى أموال الدنيا، فذلك خارج طوقي وإرادتي.

وسأبين سبباً دقيقاً واحداً من بين الأسباب الكثيرة:

أتى صديق حميم تاجر، بمقدار من الشاي يبلغ ثمنه ثلاثين قرشاً، فلم أقبله. فقال: لا تردّني خائباً يا أستاذي، لقد جلبته لك من إسطنبول! فقبلته ولكن دفعت له ضعف ثمنه.  فقال: لِمَ تتعامل هكذا يا أستاذي، ما الحكمة فيه؟ قلت: لئلا أُنزل قيمة الدرس الذي تتلقاه -وهو بقيمة الألماس- إلى قيمةِ قِطَع زجاجية تافهة. فإنني أدَعُ نفعي الخاص لأجل نفعك أنت!

نعم، إن درس الحقيقة الذي تأخذه من أستاذ لا يتنازل إلى حطام الدنيا ولا تزل قدمه إلى الطمع والذل، ولا يطلب عوضاً عن أدائه الحق والحقيقة، ولا يضطر إلى التصنع.. هذا الدرس هو بقيمة الألماس؛ بينما الدرس الذي يُتلقى من أستاذ اضطر إلى أخذ الصدقات، وإلى التصنع للأغنياء وإلى التضحية حتى بعزته العلمية، في سبيل جلب أنظار الناس إليه، فمال إلى الرياء أمام الذين يتصدّقون عليه. وبهذا جوّز أخذ ثمرات الآخرة في الدنيا. أقول: إن هذا الدرس نفسه يهون في هذه الحالة إلى مستوى قطع زجاجية.

 

[الشعور الأخوي الخالص]

أخي العزيز الوفي الصادق النشط، ويا صاحبي في الخدمة القرآنية السيد رأفت!

إن العمل الذي تؤديه في خدمة القرآن الكريم عمل مبارك كله، وفقكم الله في مسعاكم وزاد شوقكم إلى العمل أكثر، دون أن ينال منكم الفتور والملل.

إن وظيفتكم هذه أهم من الاستنساخ اليدوي، ولكن لا تدعه أيضا. سأبين لكم دستورا في الأخوة عليكم الأخذ به بجد:

إن الحياة نتيجةُ الوحدة والاتحاد، فإذا ذهب الاتحاد المندمج الممتزج، فالحياة المعنوية تذهب أيضا أدراج الرياح. فالآية الكريمة: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾(الأنفال:46) تشير إلى أن التساند والترابط إذا اختل تفقد الجماعة مذاقها.

إنكم تعلمون أن ثلاث أَلِفَاتٍ إذا كُتبت منفردةً متفرقة فقيمتها ثلاث، ولكن إذا اجتمعت بالتساند العددي فقيمتها مائة وأحد عشر. فإن بضع أشخاص من أمثالكم من خدّام الحق إذا عمل كل منهم على انفراد من دون اعتبار لتقسيم الأعمال فإن قوتهم تكون بقوة ثلاثة أو أربعة أشخاص، بينما إذا ما عملوا متساندين بأخوّة حقيقية، مفتخرا كلٌّ منهم بفضائل الآخرين، حتى يبلغوا بسر الفناء في الأخوة أن يكون أحدهم هو الآخرَ بنفسه، أقول: إنهم إذا ما عملوا هكذا فإن قيمة أولئك الأشخاص الأربعة تكون بمثابة أربعمائة شخص.

إنكم يا أخي بمثابة مولدات الكهرباء التي تمدّ الضوء إلى بلد عظيم وليس إلى إسبارطة وحدها، فدواليب الماكينة مضطرة إلى التعاون فيما بينها. فإن كلا من تلك الدواليب -ناهيك عن الغيرة والاستياء- تجد الراحة مما تكسبه من القوة الفائقة التي تمتلكها الدواليب الأخرى حيث إنها تخفف عنها عبء الوظيفة.

إن الذين يحملون على أكتافهم أعباء خدمة الإيمان والقرآن والتي هي بمثابة خزينة الحق والحقيقة العظيمة الرفيعة يفتخرون كلما انضمت إليهم أكتاف قوية متعاونةً معهم، فيشكرون ربهم.

حذار حذار من فتح باب النقد فيما بينكم؛ إن ما يستحق النقد خارج الصف كثير بل كثير جدا؛ فكما أنني أفتخر بمزاياكم وأجد الراحة والسلوان من مزاياكم التي حُرمتُ منها، وأعدّها كأنها عندي وأنا المالك لها، فأنتم كذلك عليكم النظر إلى مزايا إخوانكم على هذا النمط. فليكن كلٌّ منكم ناشرا لفضائل الآخرين.

ولما كنت أرى أن الشعور الأخوي الخالص الذي أبداه أخونا "الحافظ علي" تجاه أحد إخواننا الذي سيكون منافسا له في الاستنساخ اليدوي جدير بأن تطلعوا عليه، أذكره لكم وهو الآتي:

جاءني "الحافظ علي"، وقلت له: إن خط الأخ "فلان" أجودُ من خطك وإنه أكثر منك عملا ونشاطاً. وإذا بي أجد أن الحافظ علي يفتخر بإخلاص ومن الصميم بتفوّق الآخر عليه، بل التذّ بذلك وانشرح، وذلك لأن الآخر قد استطاع جلب محبة أستاذه وثنائه عليه.

راقبتُ قلبه وأمعنت فيه بدقة، وعلمتُ أنه ليس تصنعا قط، بل شعرت أنه شعور خالص، فشكرت الله تعالى على أن في إخواننا من يحمل هذا الشعور السامي، وسيُنجز هذا الشعورُ بإذن الله كثيرا جدا من الخدمات. والحمد لله فإن ذلك الشعور الأخوي قد سرى تدريجيا في صفوف إخواننا في هذه المنطقة.

سعيد النورسي

 

[لا أشبع من مطالعة الرسائل]

أستاذي المحترم!

إن هذه "الرموز"([3]) آثار بديعة خارقة تثير الإعجاب، حيث تمنح عشاق العلم من القراء أذواقا لا نهاية لها ومشاعر رقيقة رفيعة، ولقد تجددتْ حياتي بهذه المشاعر العالية -بشرط أن يثبتنا المولى في هذه الحياة الجديدة- حتى أتمنى منه تعالى العمر المديد. فلا غرو أنى لا أشبع من مطالعتها، فمهما قرأتُها وكأني لم أقرأها، وأكون كمن يقرأ مؤلَّفا جديدا فأقرؤها بذوق معنوي لا يُحدّ ولذة روحية لا تنتهي.

وهكذا الأمر سواء في "الكلمات" أو "المكتوبات" أو "الرموز". وأظن أن الوصف الخارق لهذه الرسائل يتمركز في هذه النقطة الدقيقة. علما أن الإنسان إذا ما قرأ المؤلفات الأخرى مرة واحدة لا تثار عنده رغبةٌ لإعادة القراءة.

نعم، إني مهما بالغت في قراءة هذه الأنوار القرآنية لا أستطيع دفعَ الجوع عن قراءتها مرة أخرى ولاسيما "الرموز" فقد سحرتني وأغرقتني في الإعجاب، لذا باشرتُ فورا باستنساخها.

رأفت

 

[سلواني الوحيد]

أستاذي العزيز الرؤوف!

إنكم تحاولون تنبيه طالبكم الذي يكنّ لكم الحب في اللّٰه، هذا العاجز، وتسعَون لإرشاده بشتى الوسائل وتعليمه دروسا معنوية رفيعة جدا. بيد أنى لا أستطيع أن أستفيض كما يستفيض إخوتي الأعزاء الموقرون الذين يجالسونكم ويتشرفون بصحبتكم وقربكم معنىً ومادة ممن لهم قدم صدق في خدمة القرآن الكريم بتوفيق الباري سبحانه وتعالى.

إنني أحيل سبب ذلك إلى العصيان وإلى زيادة الخطيئات وإلى تأثير المحيط والأحداث التي تعرقل العمل المنور، وأحيلها في أوقات كثيرة إلى هجمات نفسي الأمارة بالسوء وهجمات شياطين الجن والإنس.. ومن هنا أشعر بشقاوتي.

نعم، وفضلا عن هذا فإني أشعر بالنِعم التي نلتُها والتي لا تعد ولا تحصى، والتي لم أتمكن من إيفاء شكرها مع الأسف الشديد. علما أن كل يوم وكل ساعة بل كل دقيقة وثانية تنبهني بانقضاء حياتي الفانية والرحيل من هذه الدنيا القصيرة العمر، ورغم هذا لا أستطيع أن أكف يدي عنها. وإن سلواني الوحيد هو ارتباطي الوثيق بالقرآن العظيم وإيماني الذي لا يتزعزع بالدين المبين والنبي الكريم r وما أتاه من شريعة غراء، وشدة ارتباطي بأستاذي المحبوب. فآمل ألاّ تدع هذا الغارقَ في الذنوب محروما من دعواتك الطيبة.

خلوصي

 

[حول العلاقات بين الأستاذ والطلاب]

إخوتي خسرو، لطفي، رشدي!

سأبين لكم وجهة نظري -بما يفيدكم- حول العلاقات القائمة بين الأستاذ والطلاب وزملاء الدرس، وهي:

أنتم يا إخوتي، طلابي -بما هو فوق حدّي- من جهة، وزملائي في الدرس من جهة أخرى، ومساعديّ وأصحاب الشورى من جهة أخرى.

إخوتي الأعزاء!

إن أستاذكم ليس معصوما من الخطأ، بل من الخطأ الاعتقاد أنه لا يخطئ. ولكن وجود تفاح فاسد في بستان لا يضر بالبستان، ووجود نقد مزوّر في خزينة لا يسقط قيمة الخزينة.

ولما كانت السيئةُ تُعدّ واحدة بينما الحسنة بعشر أمثالها، فالإنصاف يقتضي عدم الاعتراض وتعكيرِ صفو القلب تجاه الحسنات إذا ما شوهدت سيئةٌ واحدة وخطأ واحد.

وحيث إن المسائل التي تخص الحقائق والمسائل الكلية والتفصيلاتِ هي من قبيل السانحات الإلهامية بصورة عامة، فلا غبار عليها قطعا وهي يقينية.

أما مراجعتي لكم فيما يخص تلك المسائل واستشارتي لكم حولها، فهي في نمط تلقّيكم لها، وليست لكونها حقيقة وحقا أم لا؟ فلا تردد لي قطعا من كونها حقيقة. إلاّ أن الإشارات التي تعود إلى المناسبات التوافقية تَرِد بصورة مطلقة ومجملة وكلية، إذ هي سانحات إلهامية. ولكن أحيانا يختلط ذهني القاصر، فيخطئ فتظل التفاصيل والتفرعات ناقصة. فخطأي في هذه التفرعات لا يورث ضررا للأصل وما هو بحكم المطلق.

وحيث إني لا أجيد الكتابة، ولا يتيسر وجود الكاتب لدي دائما، تظل التعابير مجملة وعلى صورة ملاحظات ليس إلاّ، فيستشكل على الفهم.

اعلموا يا إخوتي ويا رفقائي في الدرس، إنني أسرّ إن نبهتموني بكل صراحة لأي خطأ ترونه عندي، بل أقول: ليرضَ الله عنكم إذا قلتموه لي بشدة؛ إذ لا يُنظر إلى أمور أخرى بجانب الحق. إنني مستعد لقبول أية حقيقة كانت يفرضها الحق، وإن كنت أجهلها ولا أعرفها فأقبلها وأضعها على العين والرأس ولا أناقشها وإن كانت مخالِفة لأنانية النفس الأمارة.

اعلموا أن هذه الوظيفة الإيمانية وفي هذا الوقت جليلةٌ ومهمة. فلا ينبغي لكم أن تضعوا هذا الحمل الثقيل على كاهل شخص ضعيف مثلي وقد تشتت فكرُه، بل عليكم معاونته قدر المستطاع.

نعم، إن الحقائق المجملة والمطلقة، تنطلق ونكون نحن وسائلَ ظاهرية لها، أما تنظيمُها وتنسيقها وتصويرها فهي تعود إلى إخوتي الأكفاء، وأحيانا أتدخل في التفاصيل والتنظيم بدلا عنهم فتظل ناقصة.

إنكم تعلمون أن الغفلة تستحوذ أكثر في موسم الصيف، حيث يفتر كثيرٌ من الزملاء عن الدرس ويضطرون إلى تعطيل الأشغال، فلا يقدرون على الانشغال بجد بالحقائق.

إخوتي! نحن في أشد الحاجة في هذا الزمان إلى القوة المعنوية تجاه الضلالة والغفلة، فأنا مع الأسف باعتباري الشخصي ضعيف ومفلس؛ فليست لي كرامةٌ خارقة كي أثبت بها هذه الحقائق، وليست لي همة قدسية كي أجلب بها القلوب، وليس لي دهاء علوي كي أسخّر به العقول، بل أنا بمثابة خادم متسول أمام ديوان القرآن الكريم.

أخوكم

سعيد النورسي

 

[سؤال حول الروح]

باسمه سبحانه

كُتب للسيد خلوصى

 

سؤال: ما الداعي لقول الإمام الغزالي: إن النشأة الأولى مخالفة تماما للنشأة الأخرى؟

الجواب: إن قول حجة الإسلام الإمام الغزالي من أن النشأة الأولى مخالِفة تماما للنشأة الأخرى، هي مخالفةٌ باعتبار الكيفية والصورة. وليست باعتبار الماهية والجنسية، لأنها تكون معارضة لصراحة آيات كريمة كثيرة، مثل: ﴿يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾(الروم:19)، و﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾(الروم:27).

ثم إنه إشارة إلى أن الأمور الأخروية من حيث المرتبة رفيعة جدا.. ثم إنه إشارة للغزالى إلى وقوع الحشر الجسماني مع الحشر الروحاني أيضاً تقليدا ومسايرة لبعض الباطنية.

سؤال: إن سعد الدين التفتازاني(*) بعد تقسيمه الروح إلى قسمين؛ أحدهما: روح إنسانية، والأخرى: روح حيوانية، يقول: "إن المعرضة للموت هي الروح الحيوانية وحدها؛ أما الإنسانية فليست مخلوقة، وليست بينها وبين الله نسبة ولا سبب. فقد استقلت بذاتها وليست قائمة بالجسد". ما سبب قوله هذا وما إيضاحه؟

الجواب: إن قول سعد الدين التفتازانى "الروح الإنسانية ليست مخلوقة": يعنى أن ماهية الروح قانون أمري ذو حياة ومرآة ذات شعور لاسم الله الحي، وجلوة ذات جوهر من تجليات الحياة السرمدية، وذلك مضمون قوله تعالى ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾(الإسراء:85). لذا فهي مجعولة. ومن هذه الجهة لا يقال: إنها مخلوقة. وقد قال السعد في المقاصد وفى شرح المقاصد موافقا لجميع علماء الإسلام المحققين ومنسجما مع نصوص الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة: "إن قانون الأمر ذاك قد ألبس وجودا خارجيا، فهي مخلوقة وحادثة كسائر المخلوقات". وجميع آثاره شاهدة على عدم قوله بأزلية الروح.

أما قوله: "ليست بينها وبين الله نسبة" فهو إشارة إلى ردِّ مذهبٍ باطل كالحلول. فروح الحيوانات كذلك باقية، وتفنى أجسامُها وحدها في القيامة. بينما الموت ليس فناءً بل هو انقطاع العلاقة.. أما قوله: "ولا سبب" فإشارة إلى خلق الروح مباشرة دون توسط الأسباب، كما جاء في مناجاة عزرائيل عليه السلام في قبض الأرواح.. أما قوله: "استقلت بذاتها" فإن الجسد يستند إلى الروح فيبقى قائما؛ بينما الروح قائمة بذاتها -كما ذكر في إثبات بقاء الروح- فإذا ما دُمّر الجسد تكون الروحُ حرة أكثر وتحلّق إلى السماء كالملاك، وهو إشارة إلى ردّ مذهب باطل.

 

[العلاقة التي لا يقيدها زمان ولا مكان]

خطاب إلى السيد خلوصي

باسم من ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾(الإسراء:44).

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بعدد عاشرات دقائق عمركم، عمّركم الله بالسلامة والعافية.

أخي العزيز!

لقد آلمتني رسالتُكم، ولكن فكرت في حقيقةٍ، فزال الألمُ. والحقيقة هي الآتية:

إن العلاقة التي تربطنا والأخوة القائمة بيننا خالصةٌ وفي سبيل الله -إن شاء اللّٰه- لذا لا يقيّدها زمان ولا مكان. فالمدينة والبلدة والبلاد بأكملها بل الكرة الأرضية، بل الدنيا، بل عالم الوجود، بمثابة مجلس بالنسبة لأخوَين حقيقيين. فلا فراق في هذه الصداقة والأخوة، بل وصالٌ كلها. ومالَنا.. فليفكر أصحابُ الصداقات الفانية المجازية الدنيوية! إنه لا فراق في مسلكنا. أينما تكن تستطع إجراء المحاورة مع أخيك هذا، بوساطة ما في يدك من "الكلمات" وأنا كذلك متى ما شئت يمكنني مشاهدتك بجنبي رافعين أيدينا إلى المولى الكريم. فإن أرسلك القدرُ الإلهي إلى مكان آخر فسلّمْ أمرَك إليه بكمال الرضى، إذ الخيرُ فيما اختاره اللّٰه. ولعل الأماكن الأخرى محتاجة إلى صاحب قلب سليم وعقل مستقيم مثلك يلقّن درس الإيمان التحقيقي. فلقد خدمتَ ولله الحمد للإيمان خدمة جليلة في "أكريدير".

أخي العزيز!

إن مشاغل الربيع والصيف وقِصَرَ الليالي ومرور الشهور الثلاثة، وأخذَ أغلب إخوتي نصيبهم منها.. وأسباباً أخرى تولِّد -بلا شك- شيئا من الفتور في دروس الشتاء. ولكن الفتور الناشئ من تلك الأسباب يجب ألاّ يصيبكم، لأن تلك الدروس علوم إيمانية، لا يكفي للإنسان أن يُسمعها لنفسه وحده. فضلا عن أنكم تجدون دوما أخا أو أخوَين حقيقيين. ثم إن الذين يستمعون إلى ذلك الدرس ليسوا من البشر فقط، بل لله سبحانه وتعالى مخلوقاتٌ ذوات شعور كثيرةٌ تتلذذ كثيرا من استماع الحقائق الإيمانية، فلكم إذن أصدقاء كثيرون ومستمعون كثيرون من هذا النوع.

وكذا فإن المجالسة الإيمانية المتسمة بالتفكر على هذا النمط، زينة وبهجة لسطح الأرض ومدار شرف لها، ولقد قال أحدهم إشارة لهذا:

آسـمان رشك بردبـهر زمين كـه دارد

يك دوكس يك دو نفس بهر خدا بر نشينند

بمعنى أن السماوات تغبط الأرض لما فيها من شخصين يجلسان أنفاسا معدودة -أي لدقيقتين- مجالسة خالصة لوجه اللّٰه، في ذكر وتفكر. فيبين كلٌّ منهما للآخر الآثار الجميلة لرحمة ربه الجليل وصنعته المزينة الحكيمة فيحب ربه ويحببه، ويفكر في آثاره ويحمل الآخر على التفكير.

ثم إن العلم قسمان: نوع منه يكفي العلمَ به ومعرفته والتفكر فيه مرة أو مرتين.. والآخر: كالخبز والماء. يحتاجه الإنسان ويفكر فيه كلَّ وقت. فلا يمكنه أن يقول: لقد فهمته وكفى. فالعلوم الإيمانية من هذا القسم، و"الكلمات" التي في أيديكم من هذا القسم -على الأكثر- إن شاء اللٰه..

 

 

 

([1]) إنه إن كانت لي حصة واحدة من الألف التي تتصورونها من الثواب والشرف الحاصل في العمل ضمن هذه الخدمة السامية، فإني أشكر الله تعالى على تلك الحصة الواحدة. أما أهل الفضل فهم أولاء من أمثالكم ممن يعاونونني في الخدمة ويسعون للقيام بها بأقلامهم الألماسية. (المؤلف).

([2]) إنني لا أشارك أخي هذا في دوافعه الحسية ومشاعره هذه، فحسبنا رِضى الله، إذ إن كان معنا فكل شيء معنا إذن، وإلا فلا تغني الدنيا كلها شيئا. إن إعجاب الناس واستحسانهم في مثل هذه الأعمال، وفي الأعمال الأخروية إن كانت علة، فإنها تبطل العمل، ولكن إن كان مرجِّحاً، فإنه يفسد إخلاص العمل، وإن كان مشوِّقاً فإنه يزيل صفوة العمل ونقائه، ولكن إن تفضّل سبحانه به وأحسن إليه، علامةً على القبول بلا طلب، فهو مقبول وشيء حسن إن استعمل في سبيل بيان تأثير ذلك العمل والعلم في الناس، ويشير إلى هذا قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾(الشعراء:84). (المؤلف).

([3]) الرموز الثمانية: رسالة تبين التوافقات اللطيفة في أسماء اللٰه الحسنى في القرآن الكريم وأسرار حروفه وكلماته.

 

 

 

« Önceki Sayfa  | | Sonraki Sayfa »
Ekranı Genişlet