رسالة الخطأ

  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Trying to get property of non-object في include() (السطر 342 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).

 

 

 

 

 

[ ما تتطلبه خدمة الإيمان ]

إخوتي الأعزاء الأوفياء والصامدين الثابتين المضحين الذين لا يتزعزعون

أنتم تعلمون أن خبراء أنقرة لم يستطيعوا إنكار الكرامات التي تخص رسائل النور والإشارات الغيبية إليها. إلاّ أنهم اعترضوا مُخطئين لمَا ظنوا أن لي حظا في تلك الكرامات. وقالوا: يجب ألاّ تُنشر مثل هذه الأمور في الكتاب، فالكرامات لا يُعلن عنها.

وتجاه هذا الانتقاد العابر قد قلت جوابا لهم في الدفاعات:

إن تلك الكرامات لا تعود لي، وليس من حدّي أن أكون صاحب تلك الكرامات، بل هي لرسائل النور التي هي ترشحات من المعجزة المعنوية للقرآن الكريم ولمعات منها وتفسير حقيقي له، متخذة شكل الكرامات، لأجل تقوية الروح المعنوية لطلاب النور، فهي من نوع الإكرامات الإلهية، وإظهارُ الإكرام الإلهي شكر، وهو جائز ومقبول أيضاً...

والآن أوضح الجواب قليلاً بناء على سبب مهم؛ وقد ورد السؤال الآتي: "لمَ أُظهر تلك الإكرامات الإلهية، ولِمَ أحشّد الكلام حولها، ولِمَ أُكثر البحثَ حولها، حتى إن أكثر المكاتيب متوجهة إليها؟".

الجواب: إن الخدمة الإيمانية التي تقدمها رسائل النور في هذا الوقت تجابَه بألوف المخربين، مما يلزم أن تكون في صفها مئات الألوف من المعمِّرين.. ويستدعي الأمرُ أن يكون معي -في الأقل- مئاتٌ من المعاونين والكتّاب.. وتقضي الضرورة على الأمة والمسؤولين في البلاد أن يَمدّوا يد المساعدة بتقدير وإعجاب وحض منهم على الخدمة الإيمانية ويثمنوا قيمتها ويوثقوا الصلة بها، وألاٍ يتحرزوا من التّماس بها فينسحبوا من الميدان.. بل وتطلب هذه الخدمة من أهل الإيمان أن يفضّلوها على مشاغل الحياة الفانية وفوائدها، إذ إنها خدمة إيمانية خالصة تبغي النجاة في الآخرة.

فبينما الأمور تقتضي هكذا، أجعل من نفسي مثالاً فأقول: إن منعي عن كل شيء، وحظرَ الاتصال معي، وقطعَ طريق العون عني، زد على ذلك تهوين قوة زملائي المعنوية ببث الدعايات المغرضة بكل ما أوتوا من قوة واستعمال شتى الوسائل ما استطاعوا إليها سبيلاً لتنفيرهم عنّي وعن رسائل النور. أقول: في مثل هذه الظروف وضمن هذه الشروط فإن وضع مهمة ترزح تحتها ألوف الأشخاص، على كاهل شخص عاجز مثلي، وأنا الضعيف المريض العجوز الغريب عن بلاده، والمحروم من الأهل والأقارب، فضلاً عن تجنيب الناس عن الاتصال معي وكأنني مصاب بمرض معدٍ، حتى أضطر إلى الابتعاد وعدم الاختلاط.. زد على ذلك إلقاء الرعب والأوهام في قلوب الناس، وإحاطتهم بهالة من الذعر والخوف لإبعادهم عن خدمة الإيمان، وذلك للفتّ بعضد القوة المعنوية.. ففي مثل هذه الأحوال وتجاه جميع تلك الموانع فإن الأمر يقتضي حشد قوى معنوية حول رسائل النور ببيان الإكرامات الإلهية التي هي مدار القوة المعنوية لطلاب النور، وإظهار قوتها بقوة جيش عظيم لا تحتاج إلى إمداد أحد من الناس، بل هي التي تتحدى الأعداء.. فلأجل هذه الحكم المذكورة آنفاً كُتّبت الإكرامات وأمثالها. وإلاّ فنحن لا نريد مزايدات على أنفسنا، وجلب إعجابَ الناس بنا وحضهم على القيام بمدحنا والثناء علينا، وذلك حفاظاً على الإخلاص الذي هو أساس مهم من أسس رسائل النور.

 

[حسّ مسبَق برسائل النور]

إخوتي الأعزاء!

لقد اقتنعت قناعة جازمة أن رسائل النور -قبل ظهورها بأربعين سنة- قد تظاهرت بحسّ مسبَق إحساسا واسعا وبأسلوب عجيب، في نفسي، وفي قريتنا "نورس" وفي ناحيتنا "خِيزان". كنت أرغب أن أبوح بهذا السر إلى كل من "شفيق" و"عبد المجيد" من إخوتي وطلابي القدامى، والآن أبيّنه لكم لما وهب الله سبحانه وتعالى لكم كثيرا من أمثال عبد المجيد وعبد الرحمن..

كنت أحمل حالة روحية تتسم بالفخر والاعتـزاز، يوم كنت في العاشـرة من عمري، بل حتى أحياناً بصورة حب للمدح والثناء. فكنت أتقلد طور بطل عظيم ورائد كبير وصاحب عمل عظيم خلاف رغبتي.

فكنت أقول لنفسي: ما هذا الظهور والاختيال ولاسيما في الشجاعة، وأنت لا تساوي شروى نقير؟ فكنت حائراً وجاهلاً بالجواب. ولكن منذ شهرين، أجيبت تلك الحيرة، بأن رسائل النور كانت تُشعر بنفسها بحس مسبَق. أما أنت فلست إلاّ بذرة صغيرة لا تساوي شيئاً ولكن لإحساسك قبل الوقوع، تعُدّ تلك العناقيدَ الفردوسية (رسائل النور) كأنها ملكك، فتزهو وتتباهى.

أما قريتنا "نورس" فإن أهلها وطلابي القدامي يعرفون أن أهالينا كانوا يحبون المدح والثناء عليهم كثيراً لإظهارهم أنهم السابقون في الشجاعة والإقدام، فيرغبون تقلّد طور البطولة وكأنهم قد فتحوا مملكة كبيرة.

فكنت أعجب من نفسي ومن طورها هذا.

والآن عرفت السر بإخطار حقيقي: أن أولئك النورسيين، يتباهون لأن قريتهم "نورس" ستكسب فخراً عظيماً بنور رسائل النور، حتى إن الذين لم يسـمعوا باسم الولاية والناحية سيعرفون تلك القرية باهتمام بالغ. فهؤلاء النورسيون يظهرون شكرانهم -بحس مسبق- لتلك النعمة الإلهية على صورة زهو وتباهٍ.

نعم، إنه عندما كان جميع كردستان يتخذ وضع المفتخر المختال بغزارة الطلاب والأئمة والعلماء المتخرجين بهمة وجهود "الشيخ عبد الرحمن تاغي"(*) الشهير والملقب بـ"سيدا"([1]) في ناحيتنا "إسباريت" التابعة لقضاء "خيزان" كنت أشعر بينهم أيضاً ضمن تلك المناظرات العالية والهمة العالية والدائرة الواسعة العلمية والصوفية، كأن أولئك العلماء سيفتحون الأرض كلها. فكنت أستمع -وأنا لم أتجاوز العاشرة من عمري- مناقب العلماء القدامى المشهورين والأولياء العظام والسـادة الأقطاب، ويرد إلى قلبي: أن هؤلاء الطلاب العلماء سيفتحون آفاقاً عظيمة في العلم والدين. إذ لو تفوق أحدهم بشيء من الذكاء فالاهتمام يوجّـه إليه، وإن ظهر أحدهم في مسألة لدى مناظرة علمية يفتخر ويزهو كثيراً. فكنت أتحيّر من هذا، إذ كانت عندي تلك المشاعر أيضاً. حتى كان بين شيوخ الطرق الصوفية وضمن دائرتهم في ناحيتنا وقضائنا وولايتنا مسابقةٌ تثير الحيرة لم أقف عليها في مدن أخرى إلى هذا الحد

والآن اقتنعت أن أرواح أولئك؛ زملائي الطلاب وأساتذتي العلماء ومرشديّ الأولياء والشيوخ، قد شعرتْ -بحس مسبق وبدون معرفةِ العقل- بأن نورا ساطعا سيظهر -في الوقت اللازم- من بين أولئك الطلاب والأساتذة ومريدي المرشدين، بحيث يُغيث ذلك النورُ أهلَ الإيمان. فهذه النعمة الإلهية التي ستنعم في المستقبل، ضمن ظروف في منتهى القسوة والغرابةَ وتجاهَ معارضين ألدّاء لا حدّ لهم، ومقابل الضلالة التي تشتد منذ ألف سنة وسط أعداء في منتهى الخبث والمكر والخديعة، هي رسائل النور التي تظهر ظهورا خارقا بعد تدقيقات مستديمة لمحكمتين عدليتين. وتتنور سرا وتكسب الحرية في النشر وأنفُ أعدائها راغم. مما تبين أن هذه الرسائل تستحق ذلك الموقع بحيث أحسَّ بمجيئها أهالي قريتي وناحيتي وولايتي، فَسُرّوا بها وانشرحوا لها. ولقد سردتُ لكم هذا السر لأني أعدكم كطلابي السابقين وإخواني وكأخي عبد المجيد وكعبد الرحمن.

نعم، إنني كما أستشعر بالمطر قبل أربع وعشرين ساعة من نزولها لقوةٍ في شعوري وتحسس أعصابي بالرطوبة، كذلك فإني وقريتي وناحيتي قد شعرنا قبل أربع وأربعين سنة ما في رسائل النور من شآبيب الرحمة، وذلك بحسّ مسبق.

سلامنا إلى جميع إخواننا ومواطنينا وندعو لهم بالخير ونرجو دعواتهم.

[تتمة الحس المسبق]

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

أكتب هذه التتمة لمناسبة الحس المسبق -إحساسا كليا- بظهور رسائل النور، حيث يُشاهد في نمط حياةِ قسم من خواص طلاب رسائل النور واعتراف بعضهم، أن حياتهم جُهّزت وهُيئت لأجل القيام بهذه الخدمة الجليلة، كما هي الحال في تهيئة رسائل النور في أداء هذه الخدمة.

إن الحس المسبَق موجود كليا أو جزئيا في كل شخص. بل حتى في الحيوانات. وإن قسما مهما من الرؤيا الصادقة نوع من هذا الحس المسبَق، ويرتقي عند بعضهم -من حيث قوة حساسيته- إلى درجة الكرامة. وإن إحساسي بمجيء المطر قبل أربع وعشرين ساعة بما في أعصابي من إحساس بالرطوبة يمكن أن يُعدّ من جهةٍ إحساسا مسبَقا، ومن جهة أخرى لا يعدّ.

ولقد استقصيت نمط حياة إخوتي الذين لهم شأن في خدمة رسائل النور فشاهدت أن سير حياتهم -كما هي عندي- قد جُهّزت وسيقَت لأجل إنتاج عمل عظيم كالعمل لرسائل النور.

نعم، إن طراز الحياة السابقة من إخوتي "خسرو، فيضي، الحافظ علي، نظـيف" قد أُعطيت لها أوضاع لتثمر هذه الخدمة النورية. وهم أنفسهم يَشعرون بها، مثلما أرى أنا وإخوتي الخواص جدا -هاهنا- أن حياتهم قد نُظّمت لتثمر مثل هذه الثمرة النورانية كما هي في طراز حياتي، فالذين لا يشعرون بها، إذا ما انعموا النظر سيشعرون بها.

ولقد كنت أعدّ قسم الخوارق التي ظهرت في عهد حياتي السابق أنها من سلسلة كرامات الشيخ الكيلاني. بينما تبيّن الآن أنها كرامة من سلسلة كرامات رسائل النور، فمثلا:

في أثناء مجيئي إلى إسطنبول قبل عهد الحرية، اقتنيت بضعة كتب قيّمة تخص علم الكلام فقرأتها بدقة. وبعد مجيئي إليها دعوت العلماء ومدرسي المدارس الدينية إلى المناقشة بإعلاني "اسألوا ما شئتم". إلاّ أن الشيء المحيّر أن المسائل التي طرحها القادمون كنت قد قرأت أجوبتها في طريقي إلى إسطنبول وظلت عالقة في ذهني. وكذا الأسئلة التي طرحها الفلاسفة هي المسائل التي ظلت عالقة في ذهني.

والآن [أي بعد حوالي خمسين سنة] توضح الأمر فأدركت أن ذلك النجاح الباهر وذلك الإعلان وإظهار الإعجاب والفضيـلة التي تفوق حدي بكثير، إنما كان لتهيئة الوسط الملائم لقبول رسائل النور لدى إسطنبول وعلمائها ومعرفةِ أهميتها.

كنت أرفض قبول أموال الناس وهداياهم منذ نعومة أظفاري. فما كنت أتنازل لإظهار حاجتي للآخرين رغم أنني كنت فقير الحال وفي حاجة إلى المال، وما كنت زاهدا ولا صوفيا ولا صاحب رياضة روحية، فضلا عن أنني ما كنت من ذوي الحسب والنسب والشهرة.

فإزاء هذه الحالة كنت أحار من أمري كما كان يحار من يعرفني من الأصدقاء. ولقد فهمت من قبل بضع سنين حكمتها، أنها كانت لأجل عدم الرضوخ للطمع والمال، ولأجل الحيلولة دون مجيء اعتراض على رسائل النور في مجاهداتها، فقد أنعم عليّ الباري عز وجل تلك الحالة الروحية.. وإلا كان أعدائي الرهيبون ينـزلون بي ضربتَهم القاضية من تلك الناحية.

ومثلا: على الرغم من أن سعيدا القديم قد توغل كثيرا في الأمور السياسية، وأن سعيدا الجديد بحاجة إلى من يسنده وينحاز إليه كثيرا، لم تشغله أعاصير السياسة أصلا وقطعا ولم تغلبه -بتحريك الفضول لديه- للاهتمام حتى بمعرفة هذا الطوفان البشري الجارف الذي أشغل البشرية قاطبة طوال خمس سنوات وأكثر...

فقد كنت أحار من هذه الحالة، كما أن الذين يعرفونني يحارون، حتى كنت أقول لنفسي: هل أنا الذي جننت بحيث لا أنظر ولا أهتم بهذه الحالة التي هزّت الدنيا أجمع، أم الناس أصبحوا مجانين؟. كنت أقول هذا وأظل محتارا، ولكن قد تحقق الآن -بإخطار معنوي وبالحس المسبَق المذكور وبتغلب رسائل النور وإطلاق حريتها- أن تلك الحالة الروحية العجيبة، قد مُنِحَت لأجل إثبات أن حقيقة الإخلاص التي تتحلى بها رسائل النور لا يمكن أن تكون تابعة لأي شيء سوى مرضاة الله سبحانه وتعالى ولا ركيزةَ لها سوى القرآن الكريم.

سعيد النورسي

 

[ما يستحق الفضول والاهتمام]

إخوتي الأعزاء الأوفياء!

ذُكر في المسألة الرابعة من رسالة الثمرة ما ملخصه:

إن سبب عدم تدخلي في الشؤون السياسية الدائرة في الأرض، هو أن وظيفة الإنسان ومهمته في تلك الدائرة الواسعة قليلة وصغيرة إلاّ أنها تثير الفضول لدى المهتمين بها والمتلهفين إلى تتبع الأحداث. حتى إن الاهتمام بتلك الوظائف الثانوية تنسيهم وظائفَهم الحقيقية الجليلة أو تدعها ناقصة مبتورة، فضلا عن أنها تورث الانحياز والميل إلى إحدى الجهات، وعندها لا يجد المرء بأسا من ظلم الظالمين في الجهة التي انحاز إليها، بل قد يرتاح إليه. فيكون عندئذٍ مشاركا لهم في الإثم.

فيا أيها الشقاة الذين يتلذذون من الغفلة المسكرة الناشئة من متابعة الحوادث الخارجية نتيجة الفضول والاهتمام.

لو كان الفضول والاهتمام وحب الاستطلاع المغروز في فطرة الإنسان هو الذي يدفعكم -من حيث الإنسانية- إلى هذا التتبع والاهتمام، وعلى حساب الوظائف الجليلة الضرورية المفروضة. نعم، لو قلتم: إن هذه أيضا حاجة فطرية معنوية. فأنا أقول:

كما أن الإنسان يُثار لديه الفضول وحب الاستطلاع عندما يشاهد إنسانا ذا رأسين أو ذا ثلاثة أرجل، بينما لا يهتم بخلق الإنسان السوي الحافل بالمعجزات ولا يُنعم النظر فيه.

كذلك الحوادث الجارية في البشرية تلفت نظرَ الإنسان إليها حيث تغطي مساحة واسعة من الأخبار، بينما هي حوادث فانية موقتة بل مدمّرة في هذا العصر. علما أن هناك مائة ألف أمة وأمة من أمثال نوع البشر تعيش معه على سطح الأرض. فلو راقبنا مثلا أمةً واحدة منها في فصل الربيع ولتكن النحل أو العنب لرأينا أنفسنا أمام معجزات عظيمة جدا تستحق أن تُلفت إليها الأنظارُ أكثر مما تستحقه تلك الحوادثُ البشرية بأضعاف أضعاف المرات. بل هي تحرّك الفضول والاهتمام -لدى إنعام النظر فيها- وتورث الإنسانَ لذائذ روحية وأذواقا معنوية.

لذا فليس صحيحا ألاّ يُعبأ بتلك اللذائذ المعنوية الحقيقية وأن تُترك، وأن تُلتفَت إلى حوادث بشرية مضرة شريرة عرَضية غير أصيلة، ومن ثم يلصق بها عقلا وروحًا، ويبذل الاهتمام البالغ بها.

نعم، لا يصح ذلك قطعا إلاّ إذا كانت الدنيا خالدة أبدية، وتلك الحوادث دائمة مستمرة، والضر والنفع يأتيان منها، والقائمون بها لهم القدرة على الإيجاد والخلق.. والحال أن تلك الحالات حالات طارئة مضطربة عابرة كهبوب الرياح، وتأثير المسبّبين فيها تأثير عرضي غير حقيقي فضلا عن أنه جزئي. أما منافعها وأضرارها فلا تأتي من الشرق ولا من البحر المحيط، بل ممن هو أقرب إليك من حبل الوريد، وممن يحول بين المرء وقلبه، وممن يربّيك ويدبر شؤونك.. ذلك الرب الجليل.. أليس من البلاهة ألاّ تهتم بربوبيته وحكمته؟

وإذا ما نظرنا إلى المسألة من زاوية الإيمان والحقيقة رأينا أن اهتماماتٍ من هذا القبيل تولد أضرارا جسيمة، إذ تدفع الإنسان إلى ميدان فسيح لا ضوابطَ له حتى تورثه الغفلة فتغرقه في أمور الدنيا وتنسيه واجباته الحقيقية نحو الآخرة.

ولا شك أن أوسع دائرة من تلك الدوائر الواسعة هي السياسة وأحداثها. ولاسيما الحوادث العامة كالحرب، فإنها تغرق القلب في الغفلة بل تخنقه خنقًا، حتى لا يمكن إنقاذه إلاّ بإيمانٍ ساطع كالشمس يَقدر على مشاهدةِ أثرِ القدَر الإلهي والقدرة الربانية في كل شيء، في كل حال، في كل حركة وسكون، كي لا يغرق القلب في ظلام دامس من الظلمات ولا ينطفئ نورُ الإيمان الوهاج ولا يزل العقل إلى مفهوم الطبيعة والمصادفة.

ومن هنا نرى أن أرباب الحقيقة يحاولون تناسي دائرة الكثرة بلوغا إلى الحقيقة ووجدان طريقٍ إلى معرفة اللٰه. وذلك لئلا يتشتت القلبُ والاهتمام والذوق والشوق، وليصرفوها جميعا إلى ما يلزم لا إلى ما لا يلزم من الفانيات.

ومن هذا السر الدقيق لا يكون قسمٌ من السياسيين -على الأغلب- على تقوى كاملة، ولا يكون الذين هم على تقوى وصلاح تام سياسيين، ما خلا الصحابة الكرام وأمثالهم من المجاهدين من السلف الصالحين. بمعنى أن الذين اتخذوا السياسة هدفا لهم يأتي الدين لديهم في المرتبة الثانية ويكون حكمُه حكمَ التابع. أما المتديّن حق التدين فيرى العبودية لله تعالى أعظم غايته في الكون، فلا ينظر إلى السياسة نظرَ العاشق الولهان، بل ينظر إليها -حسب مرحلتها- في المرتبة الثانية والثالثة ويستطيع أن يجعلها أداة طيعة للدين والحقيقة. إذ بخلافه يهوّن من قيمة الألماس الثمينة إلى قطع زجاجية تافهة.

حاصل الكلام: كما أن السُكْر يولّد لذة مشؤومة، ولفترة قصيرة حيث ينسي السكران الآلام الناشئة من أدائه الوظائف الحقيقية والحاجات الضرورية، كذلك الاهتمام الجادّ بهذه المعارك والحروب الطاحنة والحوادث الفانية هو نوع من السُكر بحيث ينسي الإنسان حاجته إلى المهمات الحقيقية والآلام الناشئة من جراء القيام بها، ينسيه موقتا مانحا لذة مشؤومة، أو يقذف به في يأس مدمّر مخالفًا للأمر الإلهي في قوله تعالى ﴿لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾(الزمر:53) وعند ذاك يكون ممن يستحق التأديب والعقاب بالزجر الإلهي الشديد ﴿وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾(هود:113) وذلك لمشاركته طوعا وضمنا في ظلم الظالمين. فينال جزاءه الذي يستحقه في الدنيا والآخرة.

 

[إنقاذ الإيمان أعظم إحسان في هذا الزمان]

إخوتي الأعزاء الصادقين!

إن أعظم إحسان أعدّه في هذا الزمان وأجلّ وظيفة، هو إنقاذ الإنسان لإيمانه والسعي لإمداد إيمان الآخرين بالقوة. فاحذر يا أخي الأنانية والغرور، وتجنَّب من كل ما يؤدي إليهما، بل ينبغي لأهل الحقيقة في هذا الزمان نكران الذات، ونبذ الغرور والأنانية، وهذا هو الألزم لهم، لأن أعظم خطر يتأتى في هذا العصر، إنما يتأتي من الأنانية والسمعة، فعلى كل فرد من أفراد أهل الحق والحقيقة أن ينظر إلى تقصيرات نفسه ويتهمها دائماً ويتحلى بالتواضع التام.

إنه لمقام عظيم حفاظُكم ببطولة فائقة على إيمانكم وعبوديتكم للٰه، تحت هذه الظروف القاسية.

نعم، إن رسائل النور لم تنهزم تجاه جميع الهجمات الشرسة في هذا العصر، بل أرغمت رسمياً أعتى المعاندين لها على قبول نشرها. حتى إنه منذ سنتين وبعد إجراء التدقيقات صدّق المسؤولون الكبار وذوو المناصب الرفيعة في وزارة العدل على إطلاق حرية نشر رسائل النور فأعادوا الرسائل العامة والخاصة لأصحابها.

إن مما يُثبت أن رسائل النور معجزة معنوية للقرآن الكريم في هذا العصر هو عدم انهزام مسلك رسائل النور -كسائر المسالك والطرق الصوفية- بل انتصاره وإدخاله الكثيرين من أهل العناد إلى حظيرة الإسلام، والشهود على ذلك حوادث كثيرة جداً. ولقد أقنعتنا الحوادثُ أنه لن تكون خدمة الدين خارجَ دائرة رسائل النور خدمةً كاملة -في الأغلب في هذه البلاد- حيث هو عمل خاص جزئي وحيد وشخصي أو مستتر منهزم، أو متساهل مع البدع ضمن تحريفات بتأويلات فاسدة.

ما دمتَ يا أخي تملك همة عالية وقوة راسخة من الإيمان، فكن طالباً لرسائل النور واستمسك بها بإخلاص تام وتواضع تام وثبات تام. كي تشارك في المغانم الأخروية لألوف بل مئات الألوف من الطلاب، وذلك على وفق دستور الاشتراك المعنوي الأخروي في الأعمال. وبهذا تتحول حسناتك وخيراتك إلى حسنات وخيرات كلية جماعية تكسبك تجارة رابحة في الآخرة بعد أن كانت حسنات جزئية فردية.

 

[1]() كلمة تطلق على العلماء بمعنى الأستاذ. في المناطق الشرقية من تركيا على الأغلب.

 

 

« Önceki Sayfa  | | Sonraki Sayfa »
Ekranı Genişlet