لِمَ ينتصر الكافرُ على المسلم، وتغلُب القوة على الحق؟

تفاصيل السؤال

لما كان "الحق يعلو" أمرا حقا لا مراء فيه، فلِمَ ينتصر الكافرُ على المسلم، وتغلُب القوة على الحق؟

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

يقول الاستاذ بديع الزمان سعيد النورسي في اللوامع من الكلمات في رسائل النور

أيها الصديق! سألني أحدهم ذات يوم: لما كان "الحق يعلو" أمرا حقا لا مراء فيه، فلِمَ ينتصر الكافرُ على المسلم، وتغلُب القوة على الحق؟.

قلت: تأمل في النقاط الأربع الآتية، تنحل المعضلة.

النقطة الأولى:

لا يلزم أن تكون كلُّ وسيلةٍ من وسائل كل حقٍّ حقا، كما لا يلزم أيضا أن تكون كلُّ وسيلةٍ من وسائل كلِّ باطلٍ باطلا.

فالنتيجة إذن: إنّ وسيلةً حقة (ولو كانت في باطل) غالبة على وسيلةٍ باطلة (ولو كانت في الحق).

وعليه يكون: حقٌ مغلوب لباطلِ مغلوب بوسيلته الباطلة، أي مغلوب موقتا، وإلاّ فليس مغلوبا بذاته، وليس دائما، لأن عاقبة الأمور تصير للحق دوما.

أما القوة، فلها من الحق نصيب، وفيها سرّ للتفوق كامن في خلقتها.

النقطة الثانية:

بينما يجب أن تكون كلُّ صفةٍ من صفات المسلم مسلمةً مثله، إلاّ أن هذا ليس أمرا واقعا، ولا دائما!

ومثله، لا يلزم أيضا أن تكون صفات الكافر جميعها كافرةً ولا نابعةً من كفره.

وكذا الأمر في صفات الفاسق، لا يشترط أن تكون جميعُها فاسقة، ولا ناشئة من فسقه.

إذن، صفة مسلمة يتصف بها كافر تتغلب على صفةٍ غير مشروعة لدى المسلم. وبهذه الوساطة (والوسيلة الحقة) يكون ذلك الكافر غالبا على ذلك المسلم (الذي يحمل صفة غير مشروعة).

ثم إن حقّ الحياة في الدنيا شامل وعام للجميع. والكفر ليس مانعا لحق الحياة الذي هو تجلٍ للرحمة العامة والذي ينطوي على سر الحكمة في الخلق.

النقطة الثالثة:

للّٰه سبحانه وتعالى تجليان -يتجلى بهما على المخلوقات- وهما تجليان شرعيان صادران من صفتين من صفات كماله جل وعلا.

أولهما: الشرع التكويني -أو السنة الكونية- الذي هو المشيئة والتقدير الإلهي الصادر من صفة "الإرادة الإلهية".

والثاني: الشريعة المعروفة الصادرة من صفة "الكلام الرباني".

فكما أن هناك طاعةً وعصيانا تجاه الأوامر الشرعية المعروفة، كذلك هناك طاعة وعصيان تجاه الأوامر التكوينية.

وغالبا ما يرى الأول (مطيع الشريعة والعاصي لها) جزاءه وثوابه في الدار الآخرة. والثاني (مطيع السنن الكونية والعاصي لها) غالبا ما ينال عقابه وثوابه في الدار الدنيا.

فكما أن ثواب الصبر النصرُ، وجزاء البطالة والتقاعس الذلُّ والتسفّل.

كذلك ثواب السعي الغنى، وثواب الثبات التغلب.

مثلما أن نتيجة السمِّ المرضُ، وعاقبةَ الترياقِ والدواء الشفاء والعافية.

وتجتمع أحيانا أوامر الشريعتين معا في شيء.. فلكلٍ جهة.

فطاعةُ الأمر التكويني الذي هو حقٌ، هذه الطاعة غالبة -لأنها طاعة لأمر إلهي- على عصيان هذا الأمر بالمقابل، لأن العصيان -لأي أمر تكويني- يندرج في الباطل ويصبح جزءا منه.

فإذا ما أصبح حق وسيلةً لباطلٍ فسينتصر على باطلٍ أصبح وسيلةً لحق، وتظهر النتيجة:

حق مغلوب أمام باطل! ولكن ليس مغلوبا بذاته، وإنما بوسيلته. إذن فـ"الحق يعلو" يعلو بالذات، والعقبى هي المرادة -فليس العلو قاصرا في الدنيا- إلاّ أن التقيّد والأخذ بحيثيات الحق مقصود ولابد منه.

النقطة الرابعة:

إن ظلَّ حقٌ كامنا في طور القوة (أي لم يخرج إلى طور الفعل المشاهَد) أو كان مشوبا بشيء آخر، أو مغشوشا، وتطلّب الأمر كشف الحق وتزويده بـقوة جديدة، وجعله خالصا زكيا، يُسلّط عليه مؤقتا باطل حتى يخلُص الحق -نتيجة التدافع- من كل درن فيكونَ طيبا، ولتظهرَ مدى قيمة سبيكة الحق الثمينة جدا.

فإذا ما انتصر الباطل في الدنيا -في مكان وزمان معينين- فقد كسب معركةً ولم يكسب الحربَ كلها، لأن ﴿العاقبة للمتقين﴾ هي المآل الذي يؤول إليه الحق.

وهكذا الباطل مغلوب -حتى في غلبه الظاهر- وفي "الحق يعلو" سرّ كامن عميق يدفع الباطل قهرا إلى العقاب في عقبى الدنيا أو الآخرة، فهو يتطلع إلى العقبى. وهكذا الحق غالب مهما ظهر أنه مغلوب!.(*)

 

-------------------

(*) كليات رسائل النور - الكلمات - اللوامع ص(871)

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
قرئت 3 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد