[الرسائل بددت الغفلة]

أيها الأستاذ المحترم!

إن رسالتكم المؤلفة بفيض من القرآن الكريم، وكأنها مرآة لأنواره، تكفي دلالةً على مدى علوّكم أستاذا جليلا، فلقد بدّدتْ أيها الأستاذ العزيز هذه الرسائلُ الظلماتِ المخيّمةَ على الإسلام وهتكت أستار الغفلة عن الله المسدلة على الناس، وأبرزت بفضله سبحانه حقائق ساطعة براقة من تحت تلك الأستار الملطخة الملوثة.

فعزمُكم الذي لا يلين وصلابتُكم التي لا تنثني، وسعيكم المتواصل لم تَبق بإذن الله دون ثمرات؛ فلقد فجّرتم يا أستاذي المحترم ينبوعا دفاقا بماء الحياة في قلب الأناضول.([1])

فمنبع تلك الرسائل وكنـزها الدائم إنما هو بحر القرآن الحكيم. ستديم لكم تلك المؤلفات القيمة حياتَكم وتخلد اسمكم عندما ترحلون من هذه الدار، دار الامتحان إلى عوالم السعادة. فطوبى لأولئك السعداء البررة، طلابك الذين تحبهم والذين يقدّرون ما فجرتموه من نبع فياض حقَّ قدره، ويذبّون عنه بالإعلام عنه وتلقين أحكامه بألوف أرواحهم إن استوجب الأمر.

فقرّ عيناً يا أستاذي العزيز، إن هؤلاء البررة لن يقوموا بأعمال لا تنشرح لها في الآخرة.

إن طلابكم شاكرون لفضلكم ممتنون بكل مهجهم وأرواحهم لما أودعتموه لديهم من مفاتيح كثيرة للأسرار القرآنية.

نعم، إن الأنوار والفيوضات التي تنشرونها وتنثرونها اليوم تجعل الناس الحقيقيين في سرور غامر إذ تعلّمهم خطوات العمل لوظائفهم الأساس على الأرض.

إن سعيكم مشكور وخدماتكم مقبولة بإذن الله وتضحيتكم جسيمة.

أستاذي العزيز! لتنشر أعمالكم الجليلة، ولتبلغ آفاق السماوات، ولتنطق بها الألسن.([2])

إن الأعمال الدنيوية التي لم تلق حظا من الدين والتي بدأت بالانتشار في الأوساط عامة، والتي تزيد عتامةَ الغفلة للغافلين وتزيد سُكرَهم -بل هي السكرُ بعينه- لا يمكن دفعها إلا بمؤلّفاتكم القيمة، وإرشاداتكم القويمة. فلقد ثبتت بدلائل معقولة ومنطقية أنه لن ترقى الدول الملحدة إلى مستوى الإنسانية بل لا يمكنها أن تدركها وهي ما زالت كذلك، حتى تؤول إلى الخراب أو الانهيار.

إن مؤلفاتكم القيمة عالية رفيعة وجامعة، تنعكس فيها صفات روحكم السامية.

أستاذي الحبيب!

اطمئنوا اطمئنانا تاما أن سعيكم مشكور ولم يذهب هباءً منثورا، وسوف تتلقف الأيدي العديدة رسائلَكم إلى الأبد، وستُوقف ملحدي اليوم عند حدّهم بل ربما تمنحهم نور الإيمان، أليس هذا ما ترجونه؟ أليس عملكم وغايتكم تنحصر في بلوغ إيقاظ الناس وإرشادهم إلى الإيمان؟

إن الأدباء المتربين على فتات موائد الفلاسفة، أولئك المحرومون من الأدب، سيجدون حتما الأدبَ الحقيقي في رسائلكم. نعم، وسيتحقق هذا فعلا. وأنتم بدوركم تكونون قد وفّيتم خدمة الإيمان الجليلة حقَّ الإيفاء. إن هذه الأمة وهذا الوطن مدينةً لكم إلى الأبد، وتعجز أن توفي حقكم. إن ثواب خدماتكم السامية لا تقابلها هذه الأمة، بل سيمنحها الله سبحانه ما يليق بها. ليرضَ الله في الدنيا والآخرة عنكم، وعن أمثالنا من الخدام المذنبين.

زكي

صديق المرحوم لطفي

الطالب القديم لرسائل النور

 

([1]) إنه إن كانت لي حصة واحدة من الألف التي تتصورونها من الثواب والشرف الحاصل في العمل ضمن هذه الخدمة السامية، فإني أشكر الله تعالى على تلك الحصة الواحدة. أما أهل الفضل فهم أولاء من أمثالكم ممن يعاونونني في الخدمة ويسعون للقيام بها بأقلامهم الألماسية. (المؤلف).

([2]) إنني لا أشارك أخي هذا في دوافعه الحسية ومشاعره هذه، فحسبنا رِضى الله، إذ إن كان معنا فكل شيء معنا إذن، وإلا فلا تغني الدنيا كلها شيئا. إن إعجاب الناس واستحسانهم في مثل هذه الأعمال، وفي الأعمال الأخروية إن كانت علة، فإنها تبطل العمل، ولكن إن كان مرجِّحاً، فإنه يفسد إخلاص العمل، وإن كان مشوِّقاً فإنه يزيل صفوة العمل ونقائه، ولكن إن تفضّل سبحانه به وأحسن إليه، علامةً على القبول بلا طلب، فهو مقبول وشيء حسن إن استعمل في سبيل بيان تأثير ذلك العمل والعلم في الناس، ويشير إلى هذا قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾(الشعراء:84). (المؤلف).

Ekranı Genişlet