[تباشير تيار جديد]
إخوتي الأعزاء الأوفياء!
ثالثا: رغم أنني لم أكترث بالحوادث السياسية الجارية منذ ثلاثين سنة ولم أتعقبها، فإن مصادرتهم لمصحفنا الشريف الذي يُظهر التوافقات في لفظ الجلالة وعدمَ إعادته إلينا، والتعذيبَ الدنيء الذي قاسيناه بيد محكمة آفيون ومنعها لكتبنا.. كل ذلك أثّر فيّ أثرا بليغا، فنظرت مرتين أو ثلاثا إلى دنيا السياسة خلال ما يقرب من خمسة عشر يوما. ورأيت عجبا:
إن تيار الزندقة الذي يحكم بالاستبداد المطلق والرشوة العامة قد سعى لتعذيبنا وإفنائنا في سبيل إرضاء الماسونية والشيوعية، كما ذكرتُه في دفاعاتي، ولكني رأيت تباشير ظهور تيار آخر سيكسر قوة التيار الأول.. ولم أنظر أكثر من هذا، إذ لا رخصة لي من حيث مسلكي.
الباقي هو الباقي
أخوكم المريض
سعيد النورسي
[برقية إلى رئيس الجمهورية]
جلال بايار
رئيس الجمهورية
نهنئكم وندعو الله تعالى أن يوفقكم لخدمة الإسلام والوطن والأمة.
عن طلاب النور
سعيد النورسي
إلى السيد رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الوزراء - أنقرة
نحن طلاب النور أصبحنا هدفاً لما لا مثيل له من ضروب التعذيب والإهانة طوال عشرين سنة، فصبَرنا تجاه ذلك حتى أتى المولى الكريم بكم لمعاونتنا.
ونقدم محكمة التمييز ومحكمة دنيزلي شاهدَين على عدم وجود أي سبب كان لتلك الإهانات منذ خمس وعشرين، سنة حيث لم تتمكن ثلاث محاكم من وجدان السبب، لا حقيقة ولا قانوناً بعد تدقيقاتهم في مائة وثلاثين كتاباً وألوف المكاتيب.
وعلى الرغم من أنني تركت السياسة منذ ثلاثين سنة، فإنني أقدم تهانيّ إلى رئيس الجمهورية وإلى مجلس الوزراء الذين تولوا رئاسة الأحرار، وأقرن التهنئة بالإفصاح عن "حقيقة" وهي الآتية:
إن الذين يغيرون علينا ويعذبوننا في المحاكم قالوا: "ربما يستغل طلابُ النور الدينَ في سبيل أغراض سياسية"! ونحن قلنا ونقول لأولئك الظالمين في دفاعاتنا ونسند قولنا بأُلوف الحجج:
إننا لا نجعل الدين أداة للسياسة، فليس لنا غاية إلاّ رضاه تعالى، ولن نجعل الدين أداة لا للسياسة ولا للسلطة ولا للدنيا برمتها. هذا هو مسلكنا. وقد تحقق لدى أعدائنا، أنهم على الرغم من تدقيقاتهم المغرضة طوال ثلاث سنوات في ثلاثة أكياس مليئة بالكتب والمكاتيب لا يستطيعون إدانتنا، بل لا يجدون مبرراً للأحكام الاعتباطية التي حكموا علينا بها. وحيث إنهم لم يجدوا أي شيء علينا، فسخت محكمة التمييز ذلك الحكم. فنحن لا نجعل الدين أداة للسياسة بل نتخذ السياسة آلة للدين وفي مصالحة ووئام معه عندما نجد أنفسنا مضطرين اضطراراً قاطعاً إلى أن ننظر إلى السياسة تجاه الذين يجعلون السياسة المستبدة أداة للإلحاد، إضراراً للبلاد والعباد. فعمَلُنا يحقق رابطة أخوية لثلاثمائة وخمسين مليونا مع إخوانهم في هذه البلاد.
حاصل الكلام: أننا سعينا لأجل إسعاد هذه الأمة والبلاد بجعل السياسة أداة للدين وفي وئام معه تجاه أولئك الذين جعلوا السياسة المستبدة آلة للإلحاد وعذّبونا.
[بشارة إعادة الأذان الشرعي]
بِاسمِهِ سُبحَانَهُ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أبدا دائما
إخوتي الأعزاء الأوفياء!
أولا: نهنئكم ملء كياننا وأرواحنا بحلول شهر رمضان المبارك الذي يحقق ثمانين ونيفاً من عمر باقٍ مليء بالعبادة، ونتضرع إليه تعالى أن يجعل كل ليلة من ليالي هذا الشهر الكريم مثمرةً وبمثابة ليلة القدر. ونسأله تعالى برحمته الواسعة ونرجوه أن يجعلكم تحظون بالأخوة الحقة والإخلاص الكامل، حتى يشارك كل طالب نور خاص -بسر تشريك المساعي- بالمكاسب المعنوية لجميع الطلاب، وكأنه يؤدي العبادة ويدعو ربَّه ويستغفره ويسبّحه بألوف الألسنة.
ثانيا: مع غلبة رسائل النور وظهورها ظهوراً معنوياً كاملاً يحاول ملحدو الماسونيين وزنادقة الشيوعيين أن يستهولوا صغائر الأمور، فيَحُولوا دون حرية نشر رسائل النور. حتى إنهم سببوا تأجيل محكمتنا -لهذه المرة أيضاً- لخمسة وثلاثين يوماً. وأحدثوا ضجة ومشادة مع محامينا، ليمنعوا إعادة مصحفنا الشريف. إلاّ أن العناية الإلهية جعلت جميع خططهم عقيمة بائرة حيث إن رسائل النور في إسطنبول وأنقرة تستقرئ نفسها للشباب بشوق كامل وترشدهم إلى الصواب. حتى أدّت الغلبة المعنوية هذه إلى إرسال البرقيات من قبل مئات الشباب المثقفين تعبيراً عن تهانيهم وشكرانهم إلى رئيس الوزراء الذي سعى لإعادة الأذان المحمدي "على الوجه الشرعي".
[إسبارطة مباركة بالنسبة لي]
إخوتي الأعزاء الأوفياء!
أولا: نبارك لكم بمناسبة ارتفاع الأذان المحمدي بكل بهجة وسرور وانشراح من فوق عشرات الألوف من المنائر في البلاد. فكما أن هذه بشرى لظهور الشعائر الإسلامية وسطوعها مجددا في البلاد فهو مقدمة لأعياد جليلة لكم ولهذه البلاد وللعالم الإسلامي إن شاء اللٰه.
ونحن هنا نقول: آمين آمين آمين اللّٰهم آمين لعباداتكم ودعواتكم المرفوعة في هذا الشهر المبارك، شهر رمضان الذي يُكسب المرء ثمانين ونيفاً من رأسمال عمر معمور بالعبادة، ونتضرع إلى رحمته تعالى أن تُكسب كلَّ ليلة من لياليه المباركة ثواب ليلة القدر. وأرجو منكم مدّ يد العون المعنوي لي، حيث لا أستطيع مواصلة السعي في العبادة والدعاء في هذا الشهر لشدة المرض ولشدة الضعف الذي انتابني.
ثانيا: إن أُمنيتي الكبيرة هي أن أقضي نهاية حياتي في إسبارطة وحواليها. فقد قلت كما قال بطل النور:
إن إسبارطة مباركة بالنسبة لي بقضّها وقضيضها بترابها وحجرها. حتى إنني متى ما اعتراني الغضب والحدّة على الإهانة والتعذيب الذي أُلاقيه من الحكومات السابقة منذ خمس وعشرين سنة، ما كنت أغضب على حكومة إسبارطة والمسؤلين فيها، بل كنت أنسى بقية المسؤولين لأجل تلك البقعة الطيبة، فما كنت أدعو عليهم. ولاسيما الوطنيين الحقيقيين الذين بدأوا بتعمير ما هدم أولئك الأحرارُ الذين يتسمَّون بالديمقراطيين. فأنا شاكر أولئك الناشدين للحرية ويقدّرون النور وطلاب النور حق قدرهم وأدعو ربي كثيرا لتوفيقهم. وسيرفع أولئك الأحرارُ الاستبدادَ المطلق بإذن اللٰه. ويصبحون وسيلة للحرية الشرعية.
ثالثا: إن مكوثي هنا لعدة أيام بعد العيد ضروري، بناء على سبب. أما بعد شهر أو شهرين فهذا موكول إلى قرار أركان مدرسة الزهراء وموافقة السعيدين الشباب من جامعة إسطنبول وأنقرة. فأيّ موضع يرتأونه مناسبا لي للبقاء فسأرضى به. إذ لما كنتم وارثيّ الحقيقيين وتؤدون مهمتي في هذه الدنيا أفضل مما أؤديها بألف مرة، فسأدَع موضع منـزلي الأخير في هذه الحياة الفانية حسب رأيكم.
رابعا: أخوّلكم في الجواب عن التهاني والرسائل القادمة ممن يعبّرون عن علاقتهم الشديدة بالنور.
[تأليف الطلاب سيرة أستاذهم]
إخوتي الأعزاء الأوفياء!
أولا: نتضرع إلى المولى القدير وأسأله تعالى برحمته؛ أن يقبل إحياءَ كل منكم مع جميع طلاب النور لليلة القدر التي تكسب ثمانين ونيفا من سني العبادة، والتي توافق النصف الأخير من شهر رمضان ولاسيما في العشر الأواخر منه ولاسيما في الليالي المفردة ولاسيما في السابع والعشرين منه، وأرجو أن تجعلوا أخاكم هذا الضعيف المقصّر المريض ضمن دعواتكم المقرونة بألوف "آمين".
ثانيا: إن طلاب النور في الجامعة يمثلون "سعيدين" شباب، فهم يؤدون مهمة مدرسة الزهراء حق الأداء، سواء في إسطنبول أو في أنقرة، ولا يدعون حاجة إلى هذا السعيد الضعيف.
نرسل طيّ هذه الرسالة البيانَ الذي وجهه الطلابُ الجامعيون إلى النواب والذي يمثل نموذجا لكفاية رسائل النور، ونرفقه بـ "تاريخ حياة" الذي يعدّ من تأليفهم أيضا والمستنسَخ باليد، لإعطائه إلى سبعين من النواب في البرلمان. فإذا ارتأيتم اجعلوا ذلك البيان ودفاع مصطفى صونغور الذي قدّمه إلى وزارة المعارف (التربية)، وعريضة مصطفى عثمان المقدّمة إلى وزارة العدل، ذيلا لكتاب " تاريخ حياة " المستنسخ باليد أو بالرونيو في إينوبولو.
ثالثا: إن أركان مدرسة الزهراء هم وكلاء حقيقيون لشخصي، فليكتبوا جواب الرسائل الواردة إلى شخصي بالذات.
[الإخوان المسلمون وطلاب النور]
إخوتي الأعزاء الأوفياء!
أولا: بارك الله فيكم ألف ألف مرة على إنجازكم مجموعة "الكلمات" على أفضل وجه وأصحّه. وحمدًا كثيرا لله على إنقاذكم قسما من المجموعات من المصادَرة والتلف.
ثانيا: بالنسبة للتهنئة التي كتبها إليّ من حلب أحدُ أعضاء الإخوان المسلمين، فإننا نهنئه بالمقابل ونهنئ الإخوان المسلمين من صميم قلوبنا وأرواحنا ونقول لهم:
بارك الله فيكم ألف مرة. إن طلاب النور-الذين هم بمثابة خَلَف الاتحاد المحمدي السابق- يمثلون الاتحاد الإسلامي في الأناضول. أما في البلاد العربية فالإخوان المسلمون هم الذين يمثلون الاتحاد الإسلامي.. إن طلاب النور والإخوان المسلمين -من بين صنوف عديدة- يشكّلان صفّين مترافقين ومتوافقين ضمن حزب القرآن، وضمن دائرة الاتحاد الإسلامي المقدسة. وقد سعدنا باهتمامهم الجدّي برسائل النور وبعزمهم على ترجمة بعضها إلى اللغة العربية، ونحن نحمل لهم شعور العرفان بالجميل. لذا فأرسِلوا جوابا لمن أرسل إليّ بطاقة التهنئة باسم جمعية الإخوان المسلمين، وأرجو منهم أن يقوموا برعاية طلاب النور ورسائل النور هناك.
[سعيدون شباب]
أخي العزيز الوفي عثمان نوري!
لقد جمع الله سبحانه حولك سعيدِين شباب، لهم شأنهم بفضل ما يحملون من نية سامية وإخلاص تام. وحيث إنكم ترون وجودي في أنقرة ضروريا، فأنا بدوري أُرسل إليكم نسخي الخاصة من رسائل النور والتي تداركتُها بنفقتي الخاصة، أرسلها إلى تلك المدرسة النورية الصغيرة بدلا عني. فتكون لك أصحاب وجيران بعدد تلك النسخ.
وفي الوقت نفسه أُودِع لديك سعيدين شباباً وهم: صونغور، جيلان، صالح، عبد اللّٰه، أحمد، ضياء. هؤلاء أثبتوا -إلى الآن- بخدماتهم أنهم مضحون أوفياء يفوق وفاء الأبناء لآبائهم. فكل منهم بمثابة عشرة "عبد الرحمن". أُودعهم لديك ليكونوا طلابا، ووكلاء عني، يؤدون مهمة النظارة -بدلا عني- في تلك المدرسة الصغيرة، وجعلها مدرسة نورية صغيرة، والأمر أدَعه إلى رأيكم.
الباقي هو الباقي
أخوكم
سعيد النورسي
[انتقادات أهل الإيمان]
إخوتي الأعزاء الأوفياء الميامين!
........
ثانيا: إنه لا أهمية قطعا لانتقادات خفيفة يوجهها إلينا بعضُ المتصوفة -كما ورد في رسالة أخينا من قونيا- وعليهم ألاّ يتألموا منها، ولا يقابلوهم بالمثل بأيّ وجه من الوجوه. لأني أعدّ تلك الانتقادات نوعا من النصيحة وضربا من الالتفاتة والتكريم، حيث إنها واردةٌ من أهل الإيمان، ولاسيما من أهل الطرق الصوفية ولا سيما ما كانت تمسّ شخصي بالذات. فأنا أسامحهم وأعفو عنهم. فتجاه الأضرار الرهيبة التي ينـزلها بنا أهلُ الإلحاد حاليا أعدّ تلك الانتقادات الطفيفة من إخواننا أهل الإيمان والتي تمسّ شخصي، توصية صديق شبيه بالتذكير والتنبيه لأخذ الحذر.
الباقي هو الباقي
أخوكم
سعيد النورسي
[من خدمات طلاب النور]
إن الخدمات الإيمانية التي قدمها طلابُ النور، أركانُ مدرسة الزهراء -ولا سيما خُسرو- لهذه الأمة والوطن والعالم الإسلامي، ووضعهم الحدّ أمام مكايد الملحدين المخرّبين، هي حسنات عظيمة تُذهب ألوف سيئاتهم -لو كانت لهم سيئات بفرض محال- لذا يجب عدم انتقاد أعمال أولئك الأركان وحركاتهم -وفي مقدمتهم خسرو- بل يلزم إسنادهم بإخلاص تام وتوثيق رابطة الأخوة معهم بوفاء خالص...
[حول رسالة "اللوامع "]
إخوتي الأعزاء الأوفياء ويا أركان مدرسة الزهراء وناشري رسائل النور!
أولا: لقد رأينا مسألةً ما مناسبة وملائمة. وخطر على القلب إحالتها إلى أركان مدرسة الزهراء ليُبدوا رأيهم فيها، فهم أهل الرأي والصلاحية. وهي كالآتي:
بناءً على لهفة ثلاثة أخوة يعاونونني في شؤوني إلى تلقي درس موقت مني بضعة أيام، وشوقا إلى إحياء خاطرة قيّمة درّستها طلابي في الماضي، فقد كنت أدرّس يوميا صحيفة واحدة من رسالة "اللوامع" المطبوعة، فتلقيناها معا بإعجاب وتقدير؛ إذ ورد إلى فكرنا: أن سبب نفاد هذه الرسالة المطبوعة وأمثالها، هو قيمتُها الرفيعة التي قدّرها الأعداء، فحالوا دون انتشارها، والأصدقاء الذين لا يريدون أن تفلت منهم فرصةُ اقتنائها. وشاهدنا أن هذه الرسالة "اللوامع" هي بمثابة بذور ونوى لقسم مهم من رسائل النور حيث تضم حِكما بليغة موجزة تحمل في طيّها حقائق اجتماعية عظيمة وردت بأسلوب سهل ممتنع لا يمكن تقليده وبشكل منظوم كالمنثور، لم يوفّق إليه أديب ولا مفكر، فيقرؤها القاري بسهولة ويُسر منثورا من دون أن يورد إلى خاطره النظم. وقد أُلّفتْ في عشرين يوما من أيام شهر رمضان المبارك بالعمل ساعة أو ساعتين يوميا وذلك قبل سبع وثلاثين عاما. وهي من ناحية الأدب شبيهة بالمثنوي الرومي. وقد أخبرَت عن أمور ستتحقق مضامينُها بعد ثلاثين سنة. فوضعنا إشارات في ثلاثين موضعا من هذا القبيل، مما يدل على أن هذه "اللوامع" مبشِّرة برسائل النور وفهرستُها ومزرعتها وأنموذجها.
بشرى.. وتنبيه
رسالة خاصة بأركان مدرسة الزهراء الحاليين
بشرى مهمة إلى العجائز..
وتنبيه للآنسات اللائي يفضّلن البقاء عازبات.
إن مفهوم الحديث (عليكم بدين العجائز) ([1]) يحث على الاقتداء بدينِهن، بمعنى أن الإيمان الراسخ في آخر الزمان يكون لدى العجائز.
ولما كان أحدُ الأسس الأربعة لرسائل النور: "الشفقة".. وأن النساء هن رائدات الشفقة والحنان – حتى إن أشدُّهن تخوفا تضحّي بروحها، إنقاذا لطفلها- وأن الوالدات والأخوات المحترمات يواجهن في هذا الوقت أحداثًا جسامًا.. فقد أُلهم قلبي: أنه يلزم بيان حقيقة فطرية تخصّ الآنسات من طالبات النور بالرغم من أنها لا يجوز البوح بها أو نشرها، إذ هي خاصة جدا باللائي يرغبن البقاء في حياة العزوبة، أو اضطُررن إليها. فأقول:
يا بناتي ويا أخواتي!
إن زماننا هذا لا يشبه الأزمنة الغابرة، فلقد ترسخت التربيةُ الحديثة "الأوروبية" في المجتمع عوضا عن التربية الإسلامية، طوال نصف قرن من الزمان. إذ بينما الذي يتزوج ليحصّن نفسه من الآثام وليجعل زوجته صاحبتَه الأبدية ومدارَ سعادته الدنيوية، بدافع من تربية الإسلام، تراه يجعل تلك الضعيفة المنكوبة، بتأثير التربية الأوربية، تحت سَطوته و تحكّمه الدائم، ويحصر حبَّه لها في عهد شبابها وحده، وربما يزجّها في عنَت ومشقات تفوق كثيرا ما هيأ لها من راحة جزئية. فتمضي الحياة في عذاب وآلام، ولاسيما إن لم يكن الزوج كفؤا -بالاصطلاح الشرعي- حيث الحقوق الشرعية لا تُراعى. وإذا ما تداخلت المنافسةُ والغيرة والتقليد فالبلاء يتضاعف. وهكذا فالذي يدفع إلى هذا الزواج أسباب ثلاثة:
السبب الأول:
لقد وضعت الحكمةُ الإلهية ميلا وشوقا في الإنسان لإدامة النسل، ووضعت أجرةً لأداء تلك الوظيفة الفطرية، وهي اللذة. فالرجل ربما يتحمل مشاقّ ساعة لأجل تلك اللذة التي تدوم عشر دقائق -إن كانت مشروعة- بينما المرأة، تحمل في بطنها الطفل حوالي عشرة أشهر، مقابل تلك المتعة التي تدوم عشر دقائق، فضلا عما تتحمل من مشقات طوال عشر سنوات من أجل طفلها. بمعنى أن تلك اللذة التي تدوم عشر دقائق تزيل أهميةَ ذلك الميل الفطري، حيث تسوق إلى هذه المصاعب الكثيرة والمتاعب المستمرة.
فيجب إذن ألاّ تدفع المرأةَ إلى الزواج أحاسيسُها ودوافعُها النفسية وميلُها الفطري.
السبب الثاني:
إن المرأة محتاجة فطرةً إلى من يعينها في أمور العيش، لضعف في خلقتها. فمن الأَولى لها أن تسعى لكسب نفقتها بنفسها -كما هي الحال لدى نساء القرى- وذلك أفضل لها بعشرات المرات من أن تدفعها تلك الحاجة إلى الرضوخ لسيطرة زوج نشأ على تربية غير إسلامية -كما في أيامنا الحاضرة- واعتاد على الإكراه والفساد، وربما تحاول الزوجة كسبَ رضاه بالتصنع وبالإخلال بعبادتها وأخلاقها التي هي مدار حياتها الدنيوية والأخروية. كل ذلك لأجل تلك المعيشة البسيطة الزهيدة.
وحيث إن الخالق الرحيم والرزاق الكريم يرسل لهن رزقهن مثلما يرسل رزق الصغار من الأثداء، فليس من شأن طالبة النور إذن البحثُ عن زوج تاركٍ للصلاة، فاقدٍ للأخلاق، والرضوخُ له من التصنع لأجل ذلك الرزق.
الثالث:
إن في فطرة المرأة حبَّ الأولاد وملاطفتهم، والذي يقوي هذا الميل الفطري ويسوق إلى الزواج هو خدمة الولد لها في الدنيا، وشفاعته لها يوم القيامة، وإرساله الحسنات إليها بعد وفاتها. إلاّ أن التربية الأوروبية التي حلت محل التربية الإسلامية في الوقت الحاضر، تجعل واحدا أو اثنين من كل عشرة أبناءٍ ابنا بارا بوالدته، ويسجّل حسنات في صحيفة أعمالها بأدعيته الطيبة وأعمال البرّ، ويشفع لها -إن كان صالحا- يوم القيامة، فيكافئ –حقا- شفقةَ والدته، بينما الثمانية الباقية من العشرة يُهملون هذه الحالة.
لذا فإن هذا الميل الفطري والشوق النفساني في حب الأولاد ومداعبتهم لا ينبغي أن يدفع المرأة في الوقت الحاضر إلى تحمل مصاعب هذه الحياة الشاقة، إن لم تكن مضطرة إليها اضطرارا قاطعا.
فبناء على هذه الحقيقة التي أشرنا إليها، أُخاطب بناتي من طالبات النور اللائي يرغبن في حياة العزوبة، ويفضلن البقاء باكرات، فأقول:
يجب ألاّ يبِعن أنفسهَن رخيصات سافرات كاشفات، عندما لا يجدن الزوج المؤمن الصالح ذا الأخلاق الحسنة الملائم لهن تماما، بل عليهن البقاء في حياة العزوبة إن لم يجدن ذلك الزوج الكفء، كما هو حال بعض طلاب النور الأبطال، حتى يتقدم لطلبها من يلائمها ممن تربى بتربية الإسلام، وله وجدان حيّ، ليكون رفيق حياة أبدية يليق بها. وذلك لئلا تفسد سعادتها الأخروية لأجل لذة دنيوية طارئة فتغرق في سيئات المدنية.
سعيد النورسي
[نشر الأنوار]
إخوتي الأعزاء الأوفياء!
أولا: نبارك يوم المولد النبوي الشريف بقلوبنا وأرواحنا.
ثانيا: سيبارِك العالم الإسلامي نجاحكم الباهر في نشر الأنوار، رسائل النور، وها قد بدأت تباشيره. أذكر أنموذجا منه:
أتاني وزير المعارف الباكستاني، لأخذ قسم من رسائل النور. وقال: سأسعى لنشر هذه الرسائل النورية بين تسعين مليونا من المسلمين. وعلى الرغم من الدعايات المغرضة التي يشيعها المنافقون حولنا، فإن الأنوار تنتشر في أماكن بعيدة كأوروبا وآسيا. بل أُعلن في ألمانيا عن مجموعة "ذو الفقار" بعد ظهورها مباشرة. وفي داخل البلاد تُقرأ مجموعة "عصا موسى" و"ذوالفقار" بشوق كامل، دون مبالاة بالحظر الذي فُرض على الرسائل من قبل رئيس الوزراء ووزير الداخلية. وأغلب القراء هم من أنقرة.
ولقد قرر مدراء السجون في عدة ولايات: سنجعل السجون مدارس نورية، لإصلاح المساجين كما صلُحوا في سجن "دنيزلي" و"آفيون".
ثالثا: إن أخانا "برهان" عليه رحمة اللٰه، هو من أبطال رسائل النور الأميين. فأعزّي أقاربه وإسبارطة وطلاب مدرسة الزهراء بوفاته. وقد سمعت الخبر قبل ستة أيام تقريبا. ودعوت له في هذه الأيام ألف مرة، حيث كنت أذكره في دعواتي و في وردي: أجرنا من النار.. ما يقرب من أربعمائة مرة. وأهدي ثوابه كله إلى "برهان".
رابعا: لقد باشرت رسائلُ النور بفضل الله بإنارة المدارس الحديثة، إذ جلَبت طلابَها إلى صفوف طلاب رسائل النور وجعلَتهم ناشرين ومالكين لها أكثر من طلاب المدارس الشرعية الذين سيكونون بإذن الله طلابا لرسائل النور أيضا وبالتدريج، حيث إن رسائلَ النور بضاعتُهم الحقيقية وحصيلة مدارسهم. وقد بدأت تباشير الرغبة والشوق إلى الرسائل لدى كثير من المفتين والعلماء. فيلزم لأهل التكايا أيضا وهم أهل الطرق الصوفية أن ينوروا تلك الرسائل.
لقد كنت أقول: إن هذا الزمان ليس زمان الطريقة، فالبدَع تحُول دون ذلك، مفكرا في حقائق الإيمان وحدها. ولكن الزمان أظهر أنه يلزم لكل صاحب طريقة -بل الألزم له- أن يدخل دائرة رسائل النور التي هي أوسع الطرق وتضم خلاصةَ الطرق الاثنتي عشرة المهمة ضمن دائرة السنة النبوية الشريفة. حيث إن الذي غرق في الخطايا والذنوب من أهل الطريقة لا يلج في الإلحاد بسهولة ولا يقهر قلبه. ولهذا فهم لا يتزعزعون أبدا فيمكنهم إذن أن يكونوا طلاب رسائل النور حقا، بشرط ألاّ يدخلوا -حسب المستطاع- في البدع ولا يرتكبوا الآثام التي تحول دون التقوى وتجرحها.
خامسا: إن أخطر شيء في هذا الزمان هو الإلحاد والزندقة والفوضى والإرهاب. وليس تجاه هذه المخاطر إلاّ الاعتصام بحقائق القرآن. وبخلاف ذلك لا يمكن بحال من الأحوال أن تُجابَه هذه المصيبة البشرية التي دفعت الصين إلى أحضان الشيوعية في زمن قصير، ولا يمكن إسكاتها بالقوى السياسية والمادية. فليس إلاّ الحقائق القرآنية التي تستطيع أن تدفع تلك المصيبة.
([1]) الغزالي، إحياء علوم الدين3/78؛ السخاوي، المقاصد الحسنة290؛ السيوطي، الدرر المنتثرة14.
