السنة النبوية مصابيح الهدى
«إنّي شاهدت في سيري في الظلمات، السُّنَن السَّنية نجوماً ومصابيح، كلُّ سنَّةٍ، وكلُّ حَدٍّ شرعي يتلمع بين ما لا يُحصر من الطرق المظلمة المضلّة. وبالانحراف عن السنة يصير المرء لعبة الشياطين، ومركَب الأوهام، ومعرض الأهوال، ومطية الأثقال -أمثال الجبال- التي تحملها السنةُ عنه لو اتّبعها.
وشاهدتُ السننَ كالحبالِ المتدلّية من السماء، من استمسك ولو بجزئي استَصعد واستسعد، ورأيتُ مَن خالَفَها واعتمدَ على العقل الدائر بين الناس، كمَن يريد أن يبلُغَ أسباب السماوات بالوسائل الأرضية فيتحمّق كما تَحمّقَ فرعون بـ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً﴾(غافر:36). ([1])
فعندما كان يسعى هذا السعيد الفقير إلى اللّٰه، للخروج من حالة "سعيد القديم" ارتج عقلي وقلبي وتدحرجا ضمن الحقائق إزاء إعصار معنوي رهيب، فقد شعرت كأنهما يتدحرجان هبوطا تارة من الثريا إلى الثرى وتارة صعدا من الثرى إلى الثريا، وذلك لانعدام المرشد، ولغرور النفس الأمارة.
فشاهدت حينئذ أن مسائل السنة النبوية الشريفة بل حتى أبسط آدابها، كل منها في حكم مؤشر البوصلة الذي يبين اتجاه الحركة في السفن، وكل منها في حكم مفتاح مصباح يضيئ ما لا يحصر من الطرق المظلمة المضرة.
وبينما كنت أرى نفسي في تلك السياحة الروحية أرزح تحت ضغط مضايقات كثيرة وتحت أعباء أثقال هائلة، إذا بي أشعر بخفة كلما تتبعت مسائل السنة الشريفة المتعلقة بتلك الحالات، وكأنها كانت تحمل عني جميع الأثقال وترفع عن كاهلي تلك الأعباء. فكنت أنجو باستسلام تام للسنة من هموم التردد والوساوس مثل: "هل في هذا العمل مصلحة؟ ترى هل هو حق؟". وكنت أرى أني متى ما كففت يدي عن السنة تشتد موجات المضايقات وتكثر، والطرق المجهولة تتوعر وتغمض، والأحمال تثقل.. وأنا عاجز في غاية العجز ونظري قصير، والطريق مظلمة. بينما كنت أشعر متى ما اعتصمت بالسنة، وتمسكت بها أن الطريق تتنور من أمامي وتظهر كأنها طريق آمنة سالمة، والأثقال تخف والعقبات تزول.
نعم، هكذا أحسست في تلك الفترة فصدقت حكم الإمام الرباني بالمشاهدة، حيث يقول: "بينما كنت أقطع المراتب في السير والسلوك الروحاني، رأيت أن أسطع ما في طبقات الأولياء، وأرقاهم وألطفهم وآمنهم وأسلمهم هم أولئك الذين اتخذوا اتباع السنة الشريفة أساسا للطريقة، حتى كان الأولياء العوام لتلك الطبقة يظهرون أكثر بهاءً واحتشاماً من الأولياء الخواص لسائر الطبقات".
نعم، إن الإمام الرباني مجدد الألف الثاني ينطق بالحق، فالذي يتمسك بالسنة الشريفة ويتخذها أساساً له، لهو أهل لمقام المحبوبية في ظل حبيب اللّٰه r ص». ([2])
[1]() المثنوي العربي النوري، ذيل القطرة.
[2]() اللمعات، اللمعة الحادية عشرة.
