سنة 1885م/1303هـ
خطواته نحو العلم وشيوخه
«أقسم باللّٰه إن أرسخ درس أخذته، وكأنه يتجدد عليّ، إنما هو تلقينات والدتي رحمها اللّٰه ودروسها المعنوية، حتى استقرت في أعماق فطرتي وأصبحت كالبذور في جسدي، في غضون عمري الذي يناهز الثمانين رغم أنى قد أخذت دروساً من ثمانين ألف شخص،([1]) بل أرى يقينا أن سائر الدروس إنما تبنى على تلك البذور. بمعنى أنى أشاهد درس والدتي -رحمها اللّٰه- وتلقيناتها لفطرتي وروحي وأنا في السنة الأولي من عمري، البذور الأساس ضمن الحقائق العظيمة التي أراها الآن وأنا في الثمانين من عمري.([2])
وكانت بداية تحصيل العلم سنة (1885م-1303هـ) بتعلّم القرآن الكريم([3]) "حيث ساقته حالته الروحية إلى مراقبة ما يستفيضه أخوه الكبير عبد اللّٰه من العلوم فأعجب بمزاياه الراقية وتكامل خصاله الرفيعة بتحصيله العلوم، وشاهد كيف أنه بزّ أقرانه في القرية وهم لا يستطيعون القراءة والكتابة. فدفعه هذا الإعجاب إلى شوق عظيم جاد لتلقي العلم؛ لذا شدّ الرحال إلى طلبه في القرى المجاورة لـ"نورس" حتى حطها في قرية تاغ عند مدرسة الملا محمد أمين أفندي إلاّ أنه لم يتحمل المكوث فيها، فتركها.
فعاد إلى قريته "نورس" وهي المحرومة من كتّاب أو مدرسة لتلقي العلم، واكتفى بما يدرّســـه لــه أخوه الكبير "الملا عبد اللّٰه" في أثنـــاء زيــارتــه الأســـبوعية للعائلة.
وبعد مدة قصيرة ذهب إلى قرية برمس ومن بعدها إلى "مراعي شيخان" -أي شيخ تاغي- ثم إلى قرية نورشين وبعدها إلى قرية خيزان ولرفضه التحكم به تشاجر في قرية "برمس" مع أربعة من الطلاب، حيث اتفق هؤلاء الأربعة على مشاكسته باستمرار مما دفعه إلى المثول بين يدي الشيخ سيد نور محمد شاكياً إليه هؤلاء الأربعة قائلاً باعتزاز: "أيها الشيخ المحترم! أرجو أن تقول لهؤلاء ألاّ يأتوا للشجار معي جميعاً فليأتوا مثنى مثنى!".
انشرح الشيخ سيد نور محمد من هذه الرجولة المبكرة في "سعيد الصغير" وقال ملاطفاً: "أنت تلميذي، لن يتعرض لك أحد".
وبعد هذه الحادثة أُطلق عليه "تلميذ الشيخ" فظل في هذه المدرسة مدة، ثم تركها ذاهباً مع أخيه الملا عبد اللّٰه إلى قرية "نورشين".
وكان يحق لكل عالم حصل على إجازة العالِمية أن يفتح كتّاباً "مدرسة" في القرية التي يرغب فيها حسبةً للّٰه. وتقع مصاريف الطلاب عليه إن كان قادراً على ذلك، وإلاّ فالأهلون يتداركونها من الزكاة والصدقات والتبـرعات. بمعنى أن العالم عليه التدريس مجاناً والأهلون يتعهدون بدفع احتياجات الطلاب ولوازمهم. إلاّ أن سعيداً الصغير كان ينفرد من بين الطلاب جميعهم في عدم أخذه الزكاة من أحد".([4])
[1]() أي إنه قد أخذ الدرس من كل ما حوله حتى من الذباب، حيث يقول: "إني رأيت نفسي مغرورة بمحاسنها. فقلتُ: لا تملكين شيئاً!. فقالت: فإذن لا أهتم بما ليس لي من البدن.. فقلت: لا بد أن لا تكوني أقل من الذباب.. فإن شئتِ شاهداً فانظري إلى هذا الذباب، كيفَ ينظِّفُ جناحَيهِ برجليهِ ويمسحُ عينيه ورأسه بيديه! سبحان من ألهَمَه هذا، وصيّره أستاذاً لي وأفحمَ به نفسي!". المثنوي العربي النوري، قطرة، ذيل القطرة.
[2]() اللمعات، اللمعة الرابعة والعشرون.
[3]() Şualar, Birinci Şua.
[4]() T. Hayat, ilk hayatı.
